×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

خطب المصلح / خطب مفرغة / خطبة : بماذا تتقي النار.

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله، إله الأولين والآخرين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، وصفيه وخليله، خيرته من خلقه، لم يترك خيرا إلا دلنا عليه، ولا شرا إلا حذرنا منه، حتى تركنا على محجة بيضاء، طريق واضح جلي، لا زلل فيه ولا خفاء، من استمسك به هدي، ومن حاد عنه ضل وعمي، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد،

فاتقوا الله أيها المؤمنون، اتقوا الله حق التقوى، وقوموا بما أمركم الله تعالى به في حقه، من توحيده، من تعظيمه، من محبته، من إجلاله، من السعي إليه بكل ما تستطيعون، من طلب رضوانه، فإن خير ما يستعمل به الإنسان نفسه، أن يشتغل بما يرضي ربه جل في علاه، وإن الله تعالى فرض عليكم فرائض، لتسعدكم في دنياكم، ولتحفظكم من أهوال يوم معادكم، فاحرصوا على القيام بها على الوجه الذي يرضى به عنكم، فإن كل طاعة تقربكم إليه، كما أن كل معصية تباعدكم منه، فكل قربة، كل طاعة، ظاهرة أو باطنة، فيما بينك وبين الله عز وجل، أو فيما بينك وبين الخلق، في أداء الحقوق والإحسان إليهم، كل ذلك يقربك إلى مولاك، واعلم أن من أعظم ما تتقرب به إلى الله عز وجل، أن تؤدي الحق الذي فرضه عليك، في حقه، وفي حق عباده، فأحب ما تقرب به العبد إلى الله، أداء الواجبات والفرائض، جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: يقول الله تعالى : «إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته»+++ صحيح البخاري: باب التواضع, حديث رقم: 6137 --- .

 فالمرتبة الأولى هي: أن تقوم بما فرض الله تعالى عليك، والمرتبة الثانية هي: أن تقوم بالاستكثار من الصالحات والتطوعات والمستحبات، فتلك الطريق هي التي يدرك بها الإنسان رضا الله جل وعلا، بها يدرك فوز الآخرة، ونجاة الدنيا.

أيها المؤمنون عباد الله! إن مما يدرك به الإنسان رضا الله مما فرضه عليه، أن يشتغل في وقاية نفسه، من كل ما يقربه إلى النار، ومن كل ما يباعده عن طريق الهداية، وهذه مسؤولية أناطها الله تعالى بكل واحد منا، فكل واحد منا مكلف، أن يقي نفسه النار، قال الله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة﴾+++ سورة التحريم، الآية 6--- .

  إن الله أمرنا، بأن نشتغل وأن نعمل، في وقاية أنفسنا من عذابه، ومن سخطه، ومما أعده للعصاة من النار، ذاك لا يكون إلا بطاعته والإقبال عليه، إنك مسؤول عن نفسك، ستحاسب على الدقيق والجليل، الصغير والكبير، السر والإعلان، فاحذر أن يرى الله تعالى منك ما لا يرضى، فإن الله تعالى أخرج آدم -عليه السلام- من الجنة بمعصية، فلا تستهتر، ولا تستخف بالذنب مهما دق وصغر، فإن الذنوب إذا اجتمعن على صاحبها أهلكنه، جاء في "الصحيح "عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : «إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه»، وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضرب لهن مثلا: «كمثل قوم نزلوا أرض فلاة، فحضر صنيع القوم، فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود، والرجل يجيء بالعود، حتى جمعوا سوادا، فأججوا نارا وأنضجوا ما قذفوا فيها» +++ مسند أحمد بن حنبل: مسند عبدالله بن مسعود, حديث رقم: 3818, حسن لغيره ---

أي: الذنوب التي تحتقر لا يراها الإنسان شيئا، يقول هذه ما بضارة، وهذه لن تؤثر علي، وهذه لن تبعدني عن طريق الاستقامة، وهذه لن تغضب الله علي، ((إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه)) هكذا وصف النبي -صلى الله عليه وسلم-، يجتمعن على الرجل فيهلكنه، ثم ضرب مثلا يوضح كيف يقع الهلاك بصغائر الذنب ومحقر الخطايا، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «كمثل قوم نزلوا أرض فلاة فحضر صنيع القوم، فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود، والرجل يجيء بالعود، حتى جمعوا سوادا فأججوا نارا وأنضجوا ما قذفوا فيها» +++سبق تخريجه ---

 هكذا يقع الهلاك بالذنب تلو الذنب، والصغير تلو الصغير، وإن المؤمن مطالب بأن يقي نفسه الصغير والكبير، قال الله تعالى: ﴿وذروا ظاهر الإثم وباطنه﴾ +++ سورة الأنعام، الآية 120--- ، فأمرنا الله تعالى بتوخي ظاهر الإثم، وهو ما يقع عليه أعين الناس، أو أسماعهم، أو علمهم، وباطنه وهو ما يكون بينك وبينه جل في علاه، فاحذر واجتهد في اجتناب ذلك، «كل ابن آدم خطاء»+++ سنن الترمذي: باب 48, حديث رقم: 2499, سنن ابن ماجة: باب ذكر التوبة.---  لكن الخطائين يختلفون في إفاقتهم، قال صلى الله عليه وسلم: «وخير الخطائين التوابون» ، إن النبي أقر بالخطأ، ولا تقف عند هذا؛ لأن من الناس من يبرر لنفسه الخطأ، بأن كل ابن آدم خطاء، لكنه يغفل عن توجيه نبوي مهم، وهو أن خير الخطائين التوابون، فكن توابا، والتواب ولم يقل التائبين، بل قال التوابون، لكثرة توبتهم، ومعاودة التوبة بين فترة وأخرى، فهم لا يستغنون عنها، هي العبادة، التي لا ينفك عنها الإنسان، في حين من الأحيان، ولا في حال من الأحوال، هي عبادة العمر، فما أحوجنا إلى كثرة التوبة والاستغفار، لا تقل: لن تضرني تلك المعاصي، إنني أذنبت ولم أر لها أثرا، فما من معصية إلا ولا بد أن تترك أثرا، لكن عندما تنطمس البصيرة، ويعمى القلب، ما لجرح بميت إيلام، تتوالى على الإنسان الخطايا، حتى يسود قلبه، وهو في غفلة، عند ذلك لن يتمكن من اليقظة، سيكون هناك عوائق، تعيقه عن معاودة المسير إلى الله، وإصلاح الطريق في العودة إليه جل وعلا، فأكثر من التوبة والاستغفار، محمد بن عبد الله، أطيب الناس قلبا، وأقربهم إلى ربه عبادة وطاعة، وأتقاهم لله، وأقومهم بأمره، أتدري كم كان يستغفر؟ إنه يحسب له في المجلس الواحد، كمجلسنا هذا أكثر من سبعين استغفارا، «رب اغفر لي، وتب علي، إنك أنت التواب الغفور» +++أخرجه الترمذي(3434)، وابن ماجه(3814)، وقال الترمذي حسن صحيح غريب---، هذا حال من حط الله خطاياه، وخفف عنه الذنوب، ورفع درجته، وأماط عنه كل أذى، يستغفر في المجلس الواحد أكثر من سبعين استغفارا، وجاء في الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان من آخر ما يقول في صلاته، بين التشهد والتسليم، عن أبى هريرة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول في سجوده « اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله وأوله وآخره وعلانيته وسره»+++ صحيح مسلم: باب ما يقال في الركوع والسجود, حديث رقم: 1112. ---

إنه يسأل الله باستفاضة، طالبا مغفرة الذنوب والخطايا، ليشملها كلها، دقيقها وجليلها، تفقد نفسك من صباح هذا اليوم إلى الآن، كم هي خطاياك؟ ولا تكن غافلا عن خطايا، لا يراها الناس، لكن يعلمها رب العالمين، كم في قلبك من الكبر؟ كم في قلبك من الحقد؟ كم في قلبك من الحسد؟ كما في قلبك من العجب ورؤية فضلك على الناس؟ كم في قلبك؟ وكم في قلبك؟ بعض الناس يقصر المعصية على صورة، يقول: أنا ما أزني، أنا ما أسرق، أنا ما اعق والدي، ويغفل عن أن هذه المعاصي ليست هي كل المعاصي، ولكن هناك معاص أخرى، قد تفضي بك إلى الهلاك، وقد توقعك في شر المآل وسوء الحال، فاتق الله في السر والعلن، وذر ظاهر الإثم وباطنه، واجتهد في التخفف من المعاصي والسيئات ما استطعت، وأكثر من التوبة والاستغفار، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، فإن الله تعالى يحب التوابين، ويحب المتطهرين، أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمد الشاكرين، أحمده حق حمده، لا أحصي ثناءا عليه، هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

أما بعد،

فاتقوا الله أيها المؤمنون، اجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية، بطاعته، اجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية، بالقيام بما أمركم به، اجعلوا بينكم وبين الله وقاية، بترك ما نهاكم عنه؛ لأن ذلك يحقق لكم سعادة عاجلة، وفوزا أجلا، ﴿فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز﴾ +++ سورة أل عمران، الآية 185--- ، ﴿إن للمتقين مفازا﴾ +++ سورة عم، الآية 31---، اللهم اجعلنا من عبادك المتقين، وحزبك المفلحين، وأوليائك الصالحين يا رب العالمين.

أيها المؤمنون!

إننا بحاجة، إلى من يذكرنا، إلى من يعظنا، إلى من يوقظنا من غفلتنا، فإن كثيرا من الناس استحكمت عليهم الغفلة، وذاك بسبب ما وقعوا فيه من إقبال على الدنيا، وانصراف عن الآخرة، لذلك ينبغي للمؤمن أن يعالج نفسه، وأن ينظر في إصلاح مسيره إلى ربه: ﴿كل نفس بما كسبت رهينة﴾  +++سورة المدثر، الآية 38---، لا تغتر بكثرة المخطئين، لا تغتر بكثرة الغافلين، لا تغتر بكثرة المعرضين، فإن الله لن يحاسبك مع المجموع، بل سيحاسبك منفردا، ويسألك عن أمره ونهيه، ماذا صنعت في كذا؟ ماذا فعلت في كذا؟ لماذا عصيت في كذا؟ فإن الله تعالى قد أخبرنا في كتابه، أن كل واحد منا محبوس على عمله، ﴿كل نفس بما كسبت رهينة﴾ +++سورة المدثر، الآية 38---، يعني محبوسة، كل نفس في كسبها وعملها محبوسة، عملك إما أن يفكك، وإما أن يقيدك، فإن كان صالحا فكك عن عذابه، وأعتقك من عقابه، وإن كان غير ذلك فلا تلومن إلا نفسك.

 اللهم ألهمنا رشدنا وقنا شر أنفسنا، قوموا بما أمركم الله تعالى به، من إصلاح أنفسكم، وأوصوا أهليكم بكل خير، عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: « ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع، وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهى مسئولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته» +++ صحيح مسلم: باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية والنهى عن إدخال المشقة عليهم, حديث رقم: 4828.---

لن تنجو إذا قصرت بحق أهلك، وفي حق من ولاك الله تعالى عليهم، ولا يلزم أن يكون هذا التوجيه للأب، حتى يقول غير الأب نحن لسنا مخاطبين، هذا الخطاب لكل مؤمن: « من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان »+++ صحيح مسلم: باب بيان كون النهى عن المنكر من الإيمان وأن الإيمان يزيد وينقص وأن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر واجبان, حديث رقم: 186.---، ﴿قوا أنفسكم وأهليكم نارا﴾  +++سورة التحريم، الآية 6 ---  وأهليكم بوصيتهم، ونصيحتهم، الأب، الأم، الأخ، الأخت، الصغير، الكبير، كلنا مأمورون بأن نأتمر بالمعروف، وأن نتناهى عن المنكر ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، إن الذنوب تحجب عن الناس الخير، تحجب عنك الخير، تحجب عنك أول ما تحجب طمأنينة الفؤاد، وانشراح الصدر، فأكثر من الاستغفار ليزول ذلك، ثم يترتب على هذه الذنوب، من البلايا والشرور في الأرض والسماء، ما ذكره ربنا جل في علاه، حيث قال: ﴿ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا﴾ +++ سورة الروم، الآية 41---، أي ليرى الناس ثمرة شيء، من أعمالهم، وتقصيرهم، لماذا؟ ﴿لعلهم يرجعون﴾ +++ سورة آل عمران الآية: 72 ---، أي لأجل أن تحصل منهم إفاقة، إذا توالت علينا النذر، ولم نر من أنفسنا رجعة، عند ذلك تستحكم على قلوب الناس الغفلة، فلا ينفع فيهم وعظ، ولا ينفع فيهم تذكير، حتى تحل بهم العقوبات، وتنزل بهم النقمات، وعند ذلك، لا يلومن الإنسان إلا نفسه، الله تعالى يؤدب عباده، فيما يجريه عليهم في الخاص والعام، فيمنع منهم ما يحبون، ويوقع بهم ما يكرهون، ليفيقوا ويعودوا، فلتكن المصائب، وحرمان النعم، سببا للإفاقة، ﴿فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم﴾  +++ سورة النساء، الآية 160 --- والتحريم هنا  منه ما هو تحريم قدري، يعني يقضي الله بمنع الناس شيئا مما يحبون، بسبب ظلمهم، كما فعل في بني إسرائيل: ﴿فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم﴾ هذا التحريم يحتمل أنه تحريم شرعي، ويحتمل أنه تحريم قدري، بأن يمنع الله تعالى شيئا من إنعامه، والطيبات على عباده، بسبب ذنوبهم، وإن أعظم ما تستدفع به النقمات، وتزول به البلايا والمصيبات، الخاصة والعامة، العودة إلى رب الأرض والسموات، بالاستغفار والتوبة، فتوبوا إلى الله، وأملوا منه خير زاد.

 والتوبة باختصار: ندم على ما مضى من إساءة، وإقلاع عن الخطأ الحاضر، وعزم على الرشد والصلاح في المستقبل، هذا هو ما أمرنا الله تعالى به في قوله: ﴿يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا﴾ +++سورة التحريم، الآية 8---

اللهم ألهمنا رشدنا، وقنا شر أنفسنا، اسلك بنا سبيل الرشاد، يا رب العالمين، اجعلنا من عبادك، وأوليائك وحزبك، واصرف عنا السوء والفحشاء يا الله، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والرشاد والغنى، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، اللهم إنا نسألك من فضلك إيمانا صادقا وعملا صالحا، ورشدا في الظاهر والباطن، يا رب العالمين، اللهم أمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا حي يا قيوم، اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

المشاهدات:10346

إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلل فلن تجد له وليًّا مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله، إله الأولين والآخرين، لا إله إلا هو الرَّحمن الرَّحيم، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُ الله ورسوله، وصفيُّه وخليله، خِيرته من خلقه، لم يترك خيرًا إلا دلَّنا عليه، ولا شرًّا إلا حذَّرنا منه، حتى تركنا على محجَّةٍ بيضاء، طريقٍ واضحٍ جليٍّ، لا زلل فيه ولا خفاء، من استمسك به هُدي، ومن حاد عنه ضلَّ وعمي، فصلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتَّبع سنته بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد،

فاتَّقوا الله أيُّها المؤمنون، اتَّقوا الله حق التقوى، وقوموا بما أمركم الله تعالى به في حقه، من توحيده، من تعظيمه، من محبته، من إجلاله، من السَّعي إليه بكلِّ ما تستطيعون، من طلب رضوانه، فإنَّ خيرَ ما يَستعمل به الإنسان نفسه، أن يشتغل بما يُرضي ربَّه جلَّ في علاه، وإنَّ الله تعالى فرض عليكم فرائض، لتُسعدكم في دنياكم، ولتحفظكم من أهوال يوم معادكم، فاحرصوا على القيام بها على الوجه الَّذي يرضى به عنكم، فإنَّ كلَّ طاعة تقربكم إليه، كما أنَّ كل معصية تُباعدكم منه، فكلُّ قُربة، كلُّ طاعة، ظاهرة أو باطنة، فيما بينك وبين الله عز وجل، أو فيما بينك وبين الخلق، في أداء الحقوق والإحسان إليهم، كلُّ ذلك يقربك إلى مولاك، واعلم أنَّ من أعظم ما تَتقرَّب به إلى الله عزَّ وجلَّ، أن تؤدي الحقَّ الذي فرضه عليك، في حقِّه، وفي حق عباده، فأحبُّ ما تقرَّب به العبدُ إلى الله، أداء الواجبات والفرائض، جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة، أنَّ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: يقول الله تعالى : «إنَّ الله قال: من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ مما افترضتُ عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببتُه كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يُبصر به، ويده التي يبطشُ بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأُعِيذَنَّه، وما ترددتُ عن شيءٍ أنا فاعله تردُّدي عن نفس المؤمن، يكره الموتَ وأنا أكره مساءته» صحيح البخاري: باب التواضع, حديث رقم: 6137 .

 فالمرتبة الأولى هي: أن تقومَ بما فرض الله تعالى عليك، والمرتبة الثانية هي: أن تقوم بالاستكثار من الصَّالحات والتطوُّعات والمستحبات، فتلك الطريق هي التي يدرك بها الإنسان رضا الله جلَّ وعلا، بها يدرك فوزَ الآخرة، ونجاة الدنيا.

أيُّها المؤمنون عباد الله! إنَّ مما يُدرِك به الإنسانُ رضا الله مما فرضه عليه، أن يشتغل في وقاية نفسه، من كلِّ ما يقربه إلى النار، ومن كلِّ ما يُباعده عن طريق الهداية، وهذه مسؤولية أناطها الله تعالى بكل واحدٍ منَّا، فكلُّ واحدٍ منَّا مكلف، أن يقيَ نفسه النار، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وأَهْلِيكُمْ نَارًا وقُودُهَا النَّاسُ والْحِجَارَةُ سورة التحريم، الآية 6 .

  إنَّ الله أمرنا، بأن نشتغل وأن نعمل، في وقاية أنفسنا من عذابه، ومن سخطه، ومما أعده للعصاة من النار، ذاك لا يكون إلا بطاعته والإقبال عليه، إنك مسؤول عن نفسك، ستحاسب على الدقيق والجليل، الصغير والكبير، السر والإعلان، فاحذر أن يرى الله تعالى منك ما لا يرضى، فإنَّ الله تعالى أخرج آدم -عليه السلام- من الجنَّة بمعصية، فلا تستهتر، ولا تستخفَّ بالذنب مهما دقَّ وصغر، فإنَّ الذنوب إذا اجتمعن على صاحبها أهلكنه، جاء في "الصحيح "عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : «إيَّاكم ومحقَّراتِ الذنوب، فإنهنَّ يجتمعن على الرجل حتى يُهلكنه»، وأنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضرب لهنَّ مثلًا: «كمثل قوم نزلوا أرض فلاة، فحضر صنيع القوم، فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود، والرجل يجيء بالعود، حتى جمعوا سواداً، فأججوا نارا وأنضجوا ما قذفوا فيها» مسند أحمد بن حنبل: مسند عبدالله بن مسعود, حديث رقم: 3818, حسن لغيره

أي: الذنوب التي تُحتقر لا يراها الإنسان شيئًا، يقول هذه ما بضارة، وهذه لن تؤثر عليَّ، وهذه لن تبعدني عن طريق الاستقامة، وهذه لن تُغضب الله عليَّ، ((إيَّاكم ومحقرات الذنوب، فإنَّهن يجتمعنَ على الرجل حتى يُهلكنه)) هكذا وصف النبي -صلى الله عليه وسلم-، يجتمعن على الرجل فيهلكنه، ثم ضرب مثلًا يوضح كيف يقع الهلاك بصغائر الذنب ومحقَّر الخطايا، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «كمثل قوم نزلوا أرض فلاة فحضر صنيع القوم، فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود، والرجل يجيء بالعود، حتى جمعوا سواداً فأجَّجوا ناراً وأنضجوا ما قذفوا فيها» سبق تخريجه

 هكذا يقع الهلاك بالذَّنب تلو الذنب، والصغير تلو الصّغير، وإنَّ المؤمن مطالب بأن يقي نفسه الصغير والكبير، قال الله تعالى: ﴿وذَرُوا ظَاهِرَ الإثْمِ وبَاطِنَهُ سورة الأنعام، الآية 120 ، فأمرنا الله تعالى بتوخِّي ظاهر الإثم، وهو ما يقع عليه أعين الناس، أو أسماعهم، أو علمهم، وباطنه وهو ما يكون بينك وبينه جلَّ في علاه، فاحذر واجتهد في اجتناب ذلك، «كلُّ ابن آدم خطاء» سنن الترمذي: باب 48, حديث رقم: 2499, سنن ابن ماجة: باب ذكر التوبة.  لكنَّ الخطائين يختلفون في إفاقتهم، قال صلى الله عليه وسلم: «وخير الخطائين التوَّابون» ، إنَّ النبي أقرَّ بالخطأ، ولا تقف عند هذا؛ لأنَّ من الناس من يُبرر لنفسه الخطأ، بأنَّ كل ابن آدم خطَّاء، لكنه يغفل عن توجيهٍ نبويٍّ مهم، وهو أنَّ خير الخطَّائين التوابون، فكن توابًا، والتواب ولم يقل التَّائبين، بل قال التَّوَّابون، لكثرة توبتهم، ومعاودة التوبة بين فترة وأخرى، فهم لا يستغنون عنها، هي العبادة، التي لا ينفكُّ عنها الإنسان، في حينٍ من الأحيان، ولا في حال من الأحوال، هي عبادة العمر، فما أحوجَنا إلى كثرة التوبة والاستغفار، لا تقل: لن تضرَُّني تلك المعاصي، إنَّني أذنبتُ ولم أرَ لها أثرًا، فما من معصية إلا ولا بد أن تترك أثرًا، لكن عندما تنطمس البصيرة، ويعمى القلب، ما لجرحٍ بميت إيلام، تتوالى على الإنسان الخطايا، حتى يسودَّ قلبه، وهو في غفلة، عند ذلك لن يتمكن من اليقظة، سيكون هناك عوائق، تعيقه عن معاودة المسير إلى الله، وإصلاح الطريق في العودة إليه جلّ وعلا، فأكثر من التوبة والاستغفار، محمد بن عبد الله، أطيبُ الناس قلبًا، وأقربهم إلى ربه عبادة وطاعة، وأتقاهم لله، وأقومهم بأمره، أتدري كم كان يستغفر؟ إنه يحسب له في المجلس الواحد، كمجلسنا هذا أكثر من سبعين استغفارًا، «ربِّ اغفر لي، وتب عليَّ، إنك أنت التواب الغفور» أخرجه الترمذي(3434)، وابن ماجه(3814)، وقال الترمذي حسن صحيح غريب، هذا حال من حَطَّ الله خطاياه، وخفَّف عنه الذنوب، ورفع درجته، وأماط عنه كل أذى، يستغفر في المجلس الواحد أكثر من سبعين استغفارًا، وجاء في الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان من آخر ما يقول في صلاته، بين التشهد والتسليم، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ، دِقَّهُ وَجِلَّهُ وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ وَعَلاَنِيَتَهُ وَسِرَّهُ» صحيح مسلم: باب مَا يُقَالُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُود, حديث رقم: 1112.

إنه يسأل الله باستفاضة، طالبًا مغفرة الذنوب والخطايا، ليشملها كلها، دقيقها وجليلها، تفقَّد نفسك من صباح هذا اليوم إلى الآن، كم هي خطاياك؟ ولا تكن غافلًا عن خطايا، لا يراها الناس، لكن يعلمها ربُّ العالمين، كم في قلبك من الكِبر؟ كم في قلبك من الحقد؟ كم في قلبك من الحسد؟ كما في قلبك من العُجب ورؤية فضلك على الناس؟ كم في قلبك؟ وكم في قلبك؟ بعض الناس يقصر المعصية على صورة، يقول: أنا ما أزني، أنا ما أسرق، أنا ما اعقُّ والديَّ، ويغفل عن أن هذه المعاصي ليست هي كل المعاصي، ولكن هناك معاصٍ أخرى، قد تفضي بك إلى الهلاك، وقد توقعك في شر المآل وسوء الحال، فاتَّق الله في السر والعلن، وذر ظاهر الإثم وباطنه، واجتهد في التخفُّف من المعاصي والسيئات ما استطعت، وأكثر من التوبة والاستغفار، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، فإنّ الله تعالى يحب التوابين، ويحب المتطهرين، أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرَّحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدَ الشاكرين، أحمده حقَّ حمده، لا أحصي ثناءًا عليه، هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُ الله ورسوله، اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

أما بعد،

فاتَّقوا الله أيها المؤمنون، اجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية، بطاعته، اجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية، بالقيام بما أمركم به، اجعلوا بينكم وبين الله وقاية، بترك ما نهاكم عنه؛ لأن ذلك يحقق لكم سعادة عاجلة، وفوزًا أجلا، ﴿فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ سورة أل عمران، الآية 185 ، ﴿إنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا سورة عم، الآية 31، اللهم اجعلنا من عبادك المتقين، وحزبك المفلحين، وأوليائك الصالحين يا رب العالمين.

أيُّها المؤمنون!

إننا بحاجةٍ، إلى من يُذكِّرنا، إلى من يعظنا، إلى من يوقظنا من غفلتنا، فإنَّ كثيرًا من الناس استحكمت عليهم الغفلة، وذاك بسبب ما وقعوا فيه من إقبال على الدنيا، وانصراف عن الآخرة، لذلك ينبغي للمؤمن أن يعالج نفسه، وأن ينظر في إصلاح مسيره إلى ربه: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾  سورة المدثر، الآية 38، لا تغترَّ بكثرة المخطئين، لا تغترَّ بكثرة الغافلين، لا تغترَّ بكثرة المُعرِضين، فإنَّ الله لن يحاسبك مع المجموع، بل سيحاسبك منفردًا، ويسألك عن أمره ونهيه، ماذا صنعتَ في كذا؟ ماذا فعلتَ في كذا؟ لماذا عصيت في كذا؟ فإنَّ الله تعالى قد أخبرنا في كتابه، أنّ كل واحد منا محبوسٌ على عمله، ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌسورة المدثر، الآية 38، يعني محبوسة، كل نفس في كسبها وعملها محبوسة، عملك إما أن يفُكَّك، وإما أن يُقيِّدَك، فإن كان صالحًا فكَّك عن عذابه، وأعتقك من عقابه، وإن كان غير ذلك فلا تلومنَّ إلا نفسك.

 اللهم ألهمنا رشدنا وقنا شرَّ أنفسنا، قوموا بما أمركم الله تعالى به، من إصلاح أنفسكم، وأوصوا أهليكم بكلِّ خير، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: « أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِىَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» صحيح مسلم: باب فَضِيلَةِ الإِمَامِ الْعَادِلِ وَعُقُوبَةِ الْجَائِرِ وَالْحَثِّ عَلَى الرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ وَالنَّهْىِ عَنْ إِدْخَالِ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِمْ, حديث رقم: 4828.

لن تنجوَ إذا قصرت بحق أهلك، وفي حق من ولَّاك الله تعالى عليهم، ولا يلزم أن يكون هذا التوجيه للأب، حتى يقول غيرُ الأب نحن لسنا مخاطبين، هذا الخطاب لكل مؤمن: « مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ » صحيح مسلم: باب بَيَانِ كَوْنِ النَّهْىِ عَنِ الْمُنْكَرِ مِنَ الإِيمَانِ وَأَنَّ الإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَأَنَّ الأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْىَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاجِبَانِ, حديث رقم: 186.، ﴿قُوا أَنفُسَكُمْ وأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾  سورة التحريم، الآية 6  وأهليكم بوصيتهم، ونصيحتهم، الأب، الأم، الأخ، الأخت، الصغير، الكبير، كلُّنا مأمورون بأن نأتمر بالمعروف، وأن نتناهى عن المنكر ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، إنَّ الذنوب تحجب عن الناس الخير، تحجب عنك الخير، تحجب عنك أول ما تحجب طمأنينة الفؤاد، وانشراح الصدر، فأكثر من الاستغفار ليزول ذلك، ثم يترتب على هذه الذنوب، من البلايا والشرور في الأرض والسماء، ما ذكره ربنا جل في علاه، حيث قال: ﴿ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا سورة الروم، الآية 41، أي ليرى الناس ثمرة شيء، من أعمالهم، وتقصيرهم، لماذا؟ ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ سورة آل عمران الآية: 72 ، أي لأجل أن تحصل منهم إفاقة، إذا توالت علينا النُّذر، ولم نرَ من أنفسنا رجعة، عند ذلك تستحكم على قلوب الناس الغفلة، فلا ينفع فيهم وعظ، ولا ينفع فيهم تذكير، حتى تَحِلَّ بهم العقوبات، وتنزل بهم النِّقمات، وعند ذلك، لا يلومنَّ الإنسان إلا نفسه، الله تعالى يؤدب عباده، فيما يُجريه عليهم في الخاص والعام، فيمنع منهم ما يُحبُّون، ويوقع بهم ما يكرهون، ليُفيقوا ويعودوا، فلتكن المصائب، وحرمان النعم، سببًا للإفاقة، ﴿فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ﴾   سورة النساء، الآية 160 والتحريم هنا  منه ما هو تحريم قدريٌّ، يعني يقضي الله بمنع الناس شيئًا مما يحبون، بسبب ظلمهم، كما فعل في بني إسرائيل: ﴿فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ﴾ هذا التحريم يحتمل أنه تحريم شرعي، ويحتمل أنه تحريم قدري، بأن يمنع الله تعالى شيئًا من إنعامه، والطيبات على عباده، بسبب ذنوبهم، وإنّ أعظم ما تُستدفع به النقمات، وتزول به البلايا والمصيبات، الخاصة والعامة، العودة إلى رب الأرض والسموات، بالاستغفار والتوبة، فتوبوا إلى الله، وأمِّلوا منه خير زاد.

 والتوبة باختصار: ندم على ما مضى من إساءة، وإقلاع عن الخطأ الحاضر، وعزم على الرشد والصلاح في المستقبل، هذا هو ما أمرنا الله تعالى به في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًاسورة التحريم، الآية 8

اللهمَّ ألهمنا رشدنا، وقنا شرَّ أنفسنا، اسلك بنا سبيل الرَّشاد، يا ربَّ العالمين، اجعلنا من عبادك، وأوليائك وحزبك، واصرف عنَّا السوء والفحشاء يا الله، اللهم إنَّا نسألك الهدى والتُّقى والعفاف والرَّشاد والغِنى، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلِّها، اللهم إنا نسألك من فضلك إيمانًا صادقًا وعملًا صالحًا، ورشدًا في الظاهر والباطن، يا ربَّ العالمين، اللهم أمِّنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا حي يا قيوم، اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

المادة التالية

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : الخوف من الله تعالى ( عدد المشاهدات41596 )
3. خطبة : الحسد ( عدد المشاهدات28594 )
4. خطبة: يوم الجمعة سيد الأيام ( عدد المشاهدات23006 )
5. خطبة : الأعمال بالخواتيم ( عدد المشاهدات21253 )
6. خطبة : احرص على ما ينفعك ( عدد المشاهدات18858 )
7. حكم الإيجار المنتهي بالتمليك ( عدد المشاهدات18062 )
8. خطبة : الخلاف شر ( عدد المشاهدات14975 )
9. خطبة: يا ليتنا أطعناه ( عدد المشاهدات11518 )
10. خطبة : يتقارب الزمان ( عدد المشاهدات11329 )
11. خطبة: أثر الربا ( عدد المشاهدات10125 )
13. خطبة : أحوال المحتضرين ( عدد المشاهدات9950 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف