يقول المصنف –رحمه الله- تعالى: عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَثَلُ القَائِمِ في حُدُودِ اللهِ وَالوَاقعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَومٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَصَارَ بَعْضُهُمْ أعْلاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، وَكَانَ الَّذِينَ في أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أنَّا خَرَقْنَا في نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤذِ مَنْ فَوقَنَا، فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أرَادُوا هَلَكُوا جَميعًا، وَإنْ أخَذُوا عَلَى أَيدِيهِمْ نَجَوا وَنَجَوْا جَميعًا». رواه البخاري.
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..
نفع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
فهذا المثل النبوي الذي رواه النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه يبين عظيم أثر نفع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن نفع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقتصر على صلاح الآخرة فقط، بل تصلح به الدنيا وينتفع به الآمر وينتفع به المأمور.
فالنبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: «مَثَلُ القَائِمِ في حُدُودِ اللهِ وَالوَاقعِ فِيهَا» أي: الحافظ لحدود الله أمره ونهيه فحفظ حدود الله بفعل ما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر.
والواقع فيها أي: الذي تورط في إهدار حق الله –عز وجل- بفعل ما نهى الله تعالى عنه أو بترك ما أمر الله –عز وجل-.
«كَمَثَلِ قَومٍ» يعني صفتهم كصفة قوم ركبوا سفينة.
«اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ» يعني استهموا في أماكن نزولهم في هذه السفينة.
«فَصَارَ بَعْضُهُمْ أعْلاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا» يعني وضعوا بينهم أعملوا بينهم القرعة في اختيار المكان وتحديده فكانوا قومًا أعلاها وقومًا أسفلها.
«وَكَانَ الَّذِينَ في أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقهُمْ» فكثر هذا فشاور بعضهم بعضا.
«فَقَالُوا: لَوْ أنَّا خَرَقْنَا في نَصِيبِنَا خَرْقًا» أي حصتهم وشيء يخصهم، لكن الأمر يتعلق بمصلحة الجميع
«فَقَالُوا: لَوْ أنَّا خَرَقْنَا في نَصِيبِنَا خَرْقًا» أي: شققنا أو خرقنا خرقًا نستقي منه الماء.
يقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أرَادُوا هَلَكُوا جَميعًا، وَإنْ أخَذُوا عَلَى أَيدِيهِمْ نَجَوا وَنَجَوْا جَميعًا» فالمسألة دائرة بين هلاك ونجاة، فالهلاك في أن يترك هؤلاء يفعلون ما يريدون من فتح خرق في نصيبهم وجهتهم ليستقوا الماء ولا يؤذوا من فوقهم.
كيف النجاة؟
والنجاة في أن يأخذوا على أيديهم والأخذ على اليد معناه أنهم يمنعونهم من أن يمضوا ما فكروا به وما هموا به، وفائدة هذا المنع ليست مقصورة على من في الأعلى، بل على الجميع الآمر والمأمور.
لذلك قال: لنجوا أي: الآمرون ونجوا جميعًا يعني المأمورون أيضًا فحصلت النجاة للجميع، وهكذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مصلحته لا تعود على طرف دون آخر، بل المصلحة عائدة على الآمر والمأمور وعلى المجموع وعلى الدين والدنيا، فإن هؤلاء إذا تركوهم على ما هم عليه من تدبير ورأي كان ذلك موجبًا للهلاك للجميع مع أنه في نصيبهم وفي مكان يخصهم، لكن فساده وأثره سيعم الجميع، وهذا يدل على أن المعصية الخاصة إذا ظهرت وكان الناس قادرين على الأمر فيها بالمعروف والنهي عن المنكر وتركوا كان ذلك موجب لمؤاخذة الجميع.
المؤاخذة على فاعل المنكر وعلى تارك إنكاره:
مؤاخذة من وقع في المنكر ومؤاخذة من رأى المنكر وهو قادر على تغييره ولم يغيره، فإن هذا يصدق فيه قوله –جل وعلا-: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾[الأنفال: 25] يعني لا تختص فقط من ظلم بل تعم الجميع، ولذلك قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليست قضية هامشية أو منفعتها خاصة بل هي قضية عامة.
الأمر بالمعروف من أسباب خيرية الأمة:
ولذلك جعل القيام بها مثبتًا للخيرية للأمة ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾[آل عمران: 110] فمن أعظم أسباب الخيرية في الأمة هي أن يأتمروا بالمعروف فيما بينهم، وأن يتناهوا عن المنكر وهذا من أخص صفات أهل الإيمان كما قال الله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾[التوبة: 71] انظر قال: ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة فقدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي نفعه عام على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة.
فنسأل الله أن يعيننا وإياكم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقيام به على ما توجبه الشريعة وليعلم أنه من الواجبات التي تكون عامة بمعنى أن وجوبها عام للمستطيع والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.