المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نحييكم تحية طيبة طابت أوقاتكم جميعًا بكل خير، وأهلا وسهلًا بكم معنا في بداية حلقة متجددة لبرنامج الدين والحياة عبر أثير نداء إذاعة الإسلام من مكة المكرمة، في هذه الحلقة التي نستمر معكم فيها على مدى ساعة كاملة بمشيئة الله تعالى، في بداية هذه الحلقة تقبلوا تحياتي محدثكم وائل حمدان الصبحي، ومن الإخراج وائل ناضرة ولؤي حلبي، مستمعينا الكرام ضيف حلقات برنامج الدين والحياة هو فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، فضيلة الشيخ السلام عليكم وأهلا وسهلًا بك معنا في بداية هذه الحلقة.
الشيخ:- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبا بك حياكم الله ، وحيا الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.
المقدم:- حياكم الله، أهلا وسهلًا مستمعينا الكرام في حلقات برنامج الدين والحياة نناقش موضوعات تهم المسلم في أمور دينه ودنياه، ونحاول أن نأخذ رأي ديننا الإسلامي في كثير من الموضوعات التي نطرحها، في هذه الحلقة بمشيئة الله تعالى، سوف نتحدث عن التدابير الشرعية في التعامل مع الأمراض المعدية، فضيلة الشيخ دعنا نتحدث عن هذا الموضوع من جوانب عدة، ودعنا نبدأ بالحديث قبل أن نتحدث عن التدابير الشرعية في التعامل مع مثل هذه الأمراض.
دعنا نتحدث عن حقيقة البلاء بالمرض، وكيف يبتلي الله –تبارك وتعالى- عباده بالمرض؟
الشيخ:- الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على البشير النذير، والسراج المنير نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية طيبة لك أخي وائل وللإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات
الله –عز وجل- أنعم على الإنسان بنعم جزيلة عظيمة وفيرةٍ وكثيرة، ومن نعمه جل في علاه على عباده ما امتنَّ به عليهم من الصحة في أبدانهم والعافية في أجسادهم عند العافية والصحة هي من نعم الله تعالى على كثيرٍ من الناس، وقد أخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- بأن هذه النعمة يغفل عنها ويضيعها كثير من الناس قال –صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح البخاري من حديث عبد الله بن عباس: «نِعْمَتانِ مَغْبُونٌ فِيهِما كَثِيرٌ مِنَ النّاسِ: الصِّحَّةُ والفَراغُ»صحيح البخاري (6412).
فعافية الأبدان وصحتها هي من نعم الله تعالى على بني آدم، وقد خلق الله تعالى الإنسان وأمدَّه بأنواع من القدرات والقوى والآلات التي يدرك بها مصالح معاشه ويدرك بها مصالح معاده، وبها تطيب له الحياة، كثير من الناس يغفل عن هذه النعمة فتضيع وهي نعمة جليلة عظيمة قال فيها النبي –صلى الله عليه وسلم-: «مَن أصبحَ مِنكُم آمِنًا في سِرْبِه، مُعافًى في جسَدِهِ، عندَهُ قُوتُ يَومِه، فَكأنَّما حِيزَتْ له الدُّنْيا»سنن الترمذي (2346) وقال: هذا حديث حسن غريب يعني نعمة لا توازيها نعمٌ كثيرة فيما يتنعم به الناس، فالدنيا تجمع في يد من أصبح على هذه الأحوال الثلاثة، آمنًا في سربه، معافى في جسده، سليمًا من الأمراض والآفات، عنده قوت يومه، قد حصل له اكتفاء فله عنده الأمن على نفسه وماله وعرضه وعقله، وعنده العافية في بدنه والصحة والسلامة التي يتحقق بها إدراك ما يؤمِّل من عمارة الأرض وتحقيق العبودية لله عنده الاكتفاء بالسلامة من الجوع فحصل له الأمن من الخوف، الأمن من الجوع، الأمن من المرض، يتحقق له بذلك ما ذكره النبي –صلى الله عليه وسلم- «فَكأنَّما حِيزَتْ له الدُّنْيا» يعني جمعت له ما في الدنيا من ملذَّات.
وذلك أن جميع ما في الدنيا من ملذات ومطلوبات لا تطلب للبشرية، ولا يتحقق للناس فيها الهناء من هذه الأمور الثلاثة؛ الصحة في البدن، الأمن من المخاوف على النفس والمال والعرض والعقل، الاكتفاء الغذائي الذي يحصل به قوام الأبدان وقوت معاشها.
هذه الأحوال الثلاثة يعتريها ما يعتريها من عوارض قد يفتدوا بها الإنسان أمنه، قد يفتدوا بها صحته، قد يفتدوا بها شبعه فيبتلى بالجوع، وقد نبه النبي –صلى الله عليه وسلم- إلى خطورة التفريط في هذه النعم بتحولها إلى أوزارها، فقد جاء فيما أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة «بادِروا بالأعمالِ سبعًا هل تَنتَظِرونَ إلا فقرًا مُنسِيًا أو غنىً مطغِيًا أو مرضَا مفسِدًا أو هرَمًا مفنِّدًا أو موتًا مُجهِزًا أو الدَّجّالَ فشرُّ غائبٍ يُنتظرُ أو السّاعةَ فالسّاعةُ أدهى وأمرُّ»سنن الترمذي (2306) وقال: هذا حديث حسن غريب.
فذكر النبي –صلى الله عليه وسلم- من جملة التغيرات التي تزول بها النعم على الإنسان، ويتحول بها حاله المرض المفسد والإفساد هنا للقدرات وما أعطاه الله تعالى من الطاقة والمُكنة التي يدرك بها مصالح معاشه ومصالح معاده، ولهذا الأمراض ابتلاءات يبتلى الله تعالى بها الناس، وقد قال الله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾الملك: 2 فهو يبتلي بالصحة ويبتلي بالمرض، يبتلي بالعافية ويبتلي برفعها ونقصها وحق هذه النعم أن يُشكر فيها الله جل في علاه، وأن تُسخَّر في طاعته –سبحانه وبحمده-.
هذه أوجه من الأمور التي ينبغي أن يستحضرها الإنسان بين يدي الحديث عن الأوبئة والأمراض وما يتعلق بها، ولهذا كان من نعمة الله تعالى على العباد أن يسلِّمهم من الآفات، وإذا أصيبوا بشيء من الأمراض وشيء من آفات البدن وسقط الصحة، فإنه يجري عليهم من نعم الله تعالى وأجره وثوابه ما يكون عونًا لهم على خير معاشهم ومعادهم، فالعبد لا يخلو من فضل الله ورحمته في كل أحواله، ولهذا جاء في الصحيح من حديث أبي موسى الأشعري أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا مَرِضَ العَبْدُ، أوْ سافَرَ، كُتِبَ له مِثْلُ ما كانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا»صحيح البخاري (2996).
والمرض إذا نزل بالإنسان وصبر عليه وأحسن في التعامل معه، كان ذلك كفارةً لذنوبه ورفعة لدرجاته فقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم- فيما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة «مَن يُرِدِ اللَّهُ به خَيْرًا يُصِبْ منه»صحيح البخاري (5645) أي يؤتى بأنواع من البلاء سواء في نفسه أو ماله أو ولده ما يكون سببًا لتكفير خطاياه وحطِّ سيئاته.
ولهذا كان جملة من الإصابة بالأمراض هي مما يبلغ به الإنسان درجة الشهادة، فقد أخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- عن الشهداء، فسأل أصحابه من الشهداء أو من تعدون فيكم الشهداء؟ فقالوا: عدوا له أخبروه بأن الشهيد هو من قتل في سبيل الله «مَن تعُدُّون الشُّهداءَ فيكم؟ قالوا: يا رسولَ اللهِ مَن قُتِل في سبيلِ اللهِ فهو شهيدٌ»، ثم قال النبي –صلى الله عليه وسلم- معلِّقًا على هذا الجواب: «إنَّ شهداءَ أمَّتي إذًا لقليلٌ» ثم قال –صلى الله عليه وسلم- في بيان من تشملهم هذه الصفة «مَن قُتِلَ في سَبيلِ اللهِ فهو شَهيدٌ، ومَن قتَلَه الطّاعونُ فهو شَهيدٌ، ومَن قتَلَه البطْنُ فهو شَهيدٌ، ومَن غَرِقَ في سَبيلِ اللهِ فهو شَهيدٌ، والمرأةُ يَقتُلُها نِفاسُها فهي شَهيدةٌ»صحيح مسلم (1915) فعدَّ النبي –صلى الله عليه وسلم- نوعين من الأمراض؛ وبائي، وغير وبائي.
الوبائي الطاعون، وغير وبائي شيءٌ في بطنه سواء وباء أو غير وباء، أصابه مرض في بطنه ومات منه فهو شهيد، وقد جاء في الصحيحين عد اثنين من الشهداء الخمسة وهو ما يتعلق بالأمراض من الشهداء، ففي حديث أبي هريرة في الصحيحين قال: «الشُّهَداءُ خَمْسَةٌ: المَطْعُونُ» يعني من أصابه الطاعون في أي جزء من بدنه.
«والمَبْطُونُ» أي من مات بسبب مرض في جوفه في باطنه.
«والغَرِقُ وصاحِبُ الهَدْمِ، والشَّهِيدُ في سَبيلِ اللَّهِ» فإن حصول المرض بأنواعه، الأمراض الخاصة الفتاكة التي يهلك بها أصحابها، أو الأمراض الوبائية التي تحصد أرواح الناس بشيوعها وانتشارها، هي مما يكفِّر الله تعالى به الخطايا، ويبلغ به من نزلت به فصبر واحتسب يبلغ به درجة الشهادة التي أخبر بها النبي –صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث «الشُّهَداءُ خَمْسَةٌ: المَطْعُونُ والمَبْطُونُ والغَرِقُ وصاحِبُ الهَدْمِ، والشَّهِيدُ في سَبيلِ اللَّهِ»صحيح البخاري (653)، ومسلم(1914).
إذًا عرفنا أنه المرض هو ابتلاء واختبار يختبر الله تعالى به العباد، والشريعة جاءت ببيان كل ما فيه مصالح الناس، كل ما تطيب به حياتهم وينعمون به بما ييسر الله تعالى لهم من خير الدنيا والآخرة، ومن ذلك ما جاءت به الشريعة في التعامل مع الأمراض وطرق المواجهة والمقابلة لها، فوجهت إلى الصبر، وجهت إلى عدد من التدابير التي سنتكلم عنها إن شاء الله تعالى في ثنايا حديثنا.
عندنا نقطة في الحديث عن التدابير إن سمح الوقت، ما يتعلق بالأمراض الوبائية، هي الأمراض التي تُعدي وتصبح حادثًا عامًّا يتخوَّفه الناس، ويصيبهم على وجه يشيع انتشار المرض ويحصل به أنواع من الأذى وأنواع من التلف الذي يفسد به ما يؤمِّلونه من طيب المعاش، هنا قبل أن نخوض فيما يتعلق بالتدابير الشرعية في مواجهة الأمراض، هناك قضية مهمة وهي ما يتعلق بالنصوص الشرعية الواردة بشأن العدوى، وذلك أن النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- جاء عنه فيما يتعلق بالعدوى جملة من الأحاديث التي إذا لم يحسن الإنسان الفهمَ لها والتعاطي معها، فإنه قد يلتبَّس عليه الأمر ولا يدري ما الذي جاءت به الشريعة به في هذا الشأن.
الأحاديث عن النبي –صلى الله عليه وسلم- في شأن العدوى كما ذكرت متنوعةٌ، وليست على نحو واحد فجاء عنه –صلى الله عليه وسلم- أنه نفى العدوى فقال: «لا عَدْوى ولا هامَةَ»صحيح مسلم (2220) هذا النفي النبوي في قوله: لا عدوى وإخبار عن النفي لأمر يتعلق بالعدوى، هل هو نفيٌ لوجودها؟ بمعنى أن العدوى لا وجود لها في معاش الناس وحياتهم أم أنه نفي لأمر آخر؟
التأمل في الحديث الوارد في هذا الشأن يبين أن المنفي في قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «لا عَدْوى» ليس هو العدوى التي ينتقل بها المرض من شخص إلى آخر، إذ إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في نص الحديث الذي رواه البخاري معلَّقًا، أخبر –صلى الله عليه وسلم- بما يجب أن يقابل به ما يكون من الأمراض المعدية، فقد قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم «لا يُورِدُ مُمْرِضٌ على مُصِحٍّ»صحيح البخاري (5771)، ومسلم (2220) ومعني هذا أنه أخبر وبين صلوات الله وسلامه عليه بحصول العدوى، وأنه ليس نفيًا لوجودها، إذ لو كانت موجودة لما أمر النبي –صلى الله عليه وسلم- بأن لا يورد ممرض على مصح حيث قال كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه «لا يُورِدُ مُمْرِضٌ على مُصِحٍّ» فنهي النبيُّ الممرض الذي نزلت به أو بدوابه الأمراض أن يأتي على المصح وهو صاحب الماشية الصحيحة السليمة، أو حتى صاحب البدن السليم.
ونظير هذا قال –صلى الله عليه وسلم- فيما رواه البخاري من حديث أبي هريرة «فِرَّ من المجذومِ فراركَ من الأَسدِ»صحيح البخاري (5707) فأمر النبي –صلى الله عليه وسلم- بالفرار من المجذوم يعني من أصابه الجذام كما يفر من الأسد، وما ذاك إلا لكون الاختلاط قد يكون سببًا لما يكرهه الإنسان من انتقال المرض.
وفيما جاء في صحيح الإمام مسلم من حديث عمرو بن الشَّرِيد عن أبيه قال –صلى الله عليه وسلم- قال رضي الله عنه كان في وفد ثقيف رجلٌ مجذوم يعني كان في الوفد الذين جاءوا من ثقيف ليبايعوا النبي –صلى الله عليه وسلم- رجل فيه جذام يعني أصابه الجذام «كانَ في وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ، فأرْسَلَ إلَيْهِ النبيُّ ﷺ إنّا قدْ بايَعْناكَ فارْجِعْ»صحيح مسلم (2231).
فبين له النبي –صلى الله عليه وسلم- أن البيعة حصلت، ولا حاجة لمجيئه مع كونه جاء مع الوفد، لكن لا حاجة لئن يصافح النبي –صلى الله عليه وسلم- وأن يلتقي به لما في ذلك مما يكون سببًا للمرض الذي طلبت الشريعة من الإنسان أن يتوقاه وأن يبعد عنه، فالنفي الذي في قوله –صلى الله عليه وسلم-: «لا عَدْوى ولا طِيَرَةَ ولا صَفَرَ ولا هامَةَ»سبق تخريجه نفي للعدوى إنما هو نفي لما كان يعتقده أهل الجاهلية من كون المرض ينتقل بذاته فإنهم كانوا يعتقدون أن المرض ينتقل بنفسه، ويصيب بذاته دون تقدير الله –عز وجل- وإرادته وهذا هو الذي نفته الشريعة.
أما أن تكون العدوى والاختلاط بالمرضى سببا لانتقال المرض فهذا قد دلت الأدلة على أنه موجود وقد طلبت الشريعة من بني آدم أن يحتاطوا منه، وقد يزول هذا الخطر وينتفي هذا الحذر بعظيم الثقة بالله –عز وجل- والتوكل عليه، ولهذا جاء في حديث جابر رضي الله تعالى عنه " أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أخذ بيد رجل مجذومٍ فأدخلها معه في القصعة"سنن أبي داود (3925)، والترمذي (1817) وقال: غريب، وقال الألباني: ضعيف؛ في سنده المفضل بن فضالة, وهو ضعيف الضعيفة:1144 أي أنه –صلى الله عليه وسلم- باشر المجذوم بيده فأخذ بيده وأكل معه –صلى الله عليه وسلم- في إناء واحد، لكن انظر إلى التنبيه النبوي في دفع المرض وأن المرض لا ينتقل بذاته، وإنما هو بإرادة الله ومن صدق في اعتماده فربه صرف عنه ما يكره قال: قل بسم الله ثقة بالله وتوكلًا عليه.
فانظر إلى الحالين؛ حال النبي –صلى الله عليه وسلم- في قصة الذي جاء يبايع، وفي قصة هذا المجذوم الذي أكل معه في نفس الإناء، الحالين لا تعارض بينهما، إنما هو بيان أن الأول ينبغي أن يتخذ الإنسان التدابير والأسباب التي تقيه؛ فالعدوى مؤثرة، وفي الثاني يعتقد أن انتقال المرض إنما هو بمشيئة الله تعالى وبإرادته جل في علاه، ولهذا يجتمع بذلك ما جاء عن النبي –صلى الله عليه وسلم- في شأن هذه القضية التي هي من القضايا التي قد تلتبس على الإنسان، فلا يعرف المعنى النبوي لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لا عَدْوى» ويوضح هذا بجلاء ما جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: قال لي النبي –صلى الله عليه وسلم- «لا عَدْوى» فقام رجل من الأعراب فقال يا رسول الله الآن النبي ينفي وجود العدوى، وأن في هنا نفي لما يعتقده الجاهليون من انتقال العدوى بذاتها، هذا الأعرابي قال يا رسول الله: «أرَأَيْتَ الإبِلَ، تَكُونُ في الرِّمالِ أمْثالَ الظِّباءِ» يعني تكون في غاية السلامة والعافية «فَيَأْتِيها البَعِيرُ الأجْرَبُ فَتَجْرَبُ؟» يأتيها بعيرٌ فيه جرب وهي سليمة أمثال الظباء نقاءً وصفاء لون فيأتيها الأجرب فيجربها جميعًا «قالَ النبيُّ ﷺ: فمَن أعْدى الأوَّلَ»صحيح البخاري (5717)، ومسلم (2220) هذا التنبيه النبوي في غاية الأهمية لبيان وتفسير معنى قوله –صلى الله عليه وسلم-: «لا عَدْوى» وأنه ليس الغرض نفي العدوى من حيث الوجود والحصول والتأثير، إنما المقصود أن يعتقد الإنسان أن العدوى لا تنتقل بذاتها، وإنما تنتقل بمشيئة الله –عز وجل- وأنه لا يصاب أحد إلا بما كتب الله تعالى له، وأن هذه أسباب لحصول المكروه لكنها لا تستقلُّ بحصوله دون إرادة ومشيئة من لا يكون شيء إلا بأمره، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
وبه يفهم أن الشريعة جاءت مقرَّةً بالعدوى، منبهة إلى ضرورة التعامل معها على النحو الذي يحفظ بها الإنسان ويقينا ويُثبِت ما أجرى الله تعالى الأسباب عليه من كون النتائج مربوطةً أو مقرونة بمقدماتها، والثمار تُنتَج عن مسبباتها إذا شاء الله –عز وجل-.
المقدم:- الحديث عن التدابير الشرعية في الوقاية من العدوى.
الشيخ:- فيما يتعلق بالوقاية من الأوبئة والأمراض والآفات التي تصيب الإنسان، ينبغي أولًا أن نعرف أن من أعظم ما يدفع الله تعالى به الآفات والأمراض والشرور والمكروهات هو التحصُّنَ بالدعاء والأذكار الشرعية التي شرع الله –عز وجل- فإن ذلك مما يدفع الله تعالى به عن الناس شرًّا كثيرًا وأذى عظيمًا لا يرِد على خواطرهم ولا يأتي في أذهانهم، فبالأذكار والمحافظة عليها يندفع عن الإنسان شرٌّ عظيم، وقد جاء عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه كان –صلى الله عليه وسلم- يقول من الأذكار صباحًا ومساءًا ما لو حافظ عليه المؤمن وقاه الله تعالى ما يكره، وما يضرُّ، ومن ذلك «بسمِ اللهِ الذي لا يضُرُّ مع اسمِهِ شيءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ، وهُوَ السميعُ العليمُ» وقد جاء في السنن من حديث عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «ما من عبدٍ يقولُ في صباحِ كلِّ يومٍ ومساءِ كلِّ ليلةٍ بسمِ اللَّهِ الَّذي لا يضرُّ معَ اسمِهِ شيءٌ في الأرضِ ولا في السَّماءِ وَهوَ السَّميعُ العليمُ ثلاثَ مرّاتٍ إلا لم يضرَّهُ شيءٌ» فهذه الأذكار العظيمة يحصل بها جليل ما يؤمله الإنسان من العافية والسلامة.
ولذلك إذا حرص الإنسان على هذه الأذكار والأدعية، دفع الله تعالى عنه ما يكره.
ومن طريف ما يتعلق بهذا الحديث على وجه الخصوص أن أبان بن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه كان قد أصابه طرف فالج يعني نوع من الشلل يشبه الجلطة في بعض أجزائه، فجعل رجل عندما حدث بهذا الحديث «ما من عبدٍ يقولُ في صباحِ كلِّ يومٍ ومساءِ كلِّ ليلةٍ بسمِ اللَّهِ الَّذي لا يضرُّ معَ اسمِهِ شيءٌ في الأرضِ ولا في السَّماءِ وَهوَ السَّميعُ العليمُ ثلاثَ مرّاتٍ إلا لم يضرَّهُ شيءٌ» جعل ينظر إلى ما أصاب إبان وهو أحد رواة أحد الحديث فقال له أبان: «ما تنظرُ؟ أما إنَّ الحديثَ كما حدَّثتُكَ ولَكنِّي لم أقلْهُ يومَئذٍ ليُمضيَ اللَّهُ عليَّ قدرَهُ» سنن أبي داود:5088، سنن الترمذي (3388) وقال: حسن صحيح غريب.
فأشار إلى أنه كان محافظًا على هذا الذكر، وما أصابه مما نزل به من مرض لأطرافه، كان بسبب تركه لهذا الذكر في ذلك اليوم ليمضي الله قدره، أو ليكون ما شاءه الله تعالى وقدره من نزول المرض به، والمقصود أنه بالأدعية والأذكار يستدفع الناس شرورًا عظيمة، وقد سأل النبي –صلى الله عليه وسلم- الله –عز وجل- السلامة من منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء، وذلك شامل لصنوف الأمراض التي تصيب الناس والأوبئة التي تنزل بهم.
فقد جاء عنه –صلى الله عليه وسلم- كما في حديث قطبة بن مالك قال: كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: «اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بكَ من منكراتِ الأخلاقِ والأعمالِ والأهواءِ والأدواءِ»سنن الترمذي (3591) وقال: حديث حسن غريب يعني والأمراض التي تنزل بالناس مما يستنكرونه ولا يعرفونه، وقد جاء حديث أنس نسأل الله تعالى السلامة من أمراض وآفات بعينها فقال: «اللهم إني أعوذ بك من البَرَص والجنون والجذام ومن سيئ الأسقام»سنن أبي داود (1454)، والنسائي (5493) وصحح الألباني إسناده أي وما يسوء من الأمراض التي تصيب الأبدان وتنزل بها ما تكره من تعطل منافعها وحصول ما يسوؤها.
وبالتالي ينبغي للمؤمن أن يحرص على الأدعية والأذكار وأن يحافظ عليها فإن فيها من دفع المكروهات ببدنه وصحته ما هو سبب لإدراك الخير والسلامة.
إذًا من الأسباب والتدابير الواقية للناس عمومًا وخصوصًا أن يدعو الله –عز وجل- وأن يحافظوا على الأذكار، المحافظة على الصلوات والطهارة هي من الأسباب الشرعية التي ينجو بها الإنسان من كثير من الآفات والأمراض وتزول عنه الأدران الحسية والمعنوية.
وقد مثل لذلك النبي –صلى الله عليه وسلم- بمثل نهرٍ جار عند باب أحدكم وهو ما يكون من الوضوء حيث قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «أَرَأَيْتُمْ لو أنَّ نَهْرًا ببابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ منه كُلَّ يَومٍ خَمْسَ مَرّاتٍ، هلْ يَبْقى مِن دَرَنِهِ شيءٌ؟ قالوا: لا يَبْقى مِن دَرَنِهِ شيءٌ»صحيح البخاري (528)، ومسلم (667) بسبب هذا الاغتسال المتكرر في اليوم قالوا: لا فمثل النبي –صلى الله عليه وسلم- هذا الوضوء والطهارة في تأثيرها على القلوب وعلى الذنوب إزالة وتنقية بالنهر الجاري الذي يغتسل منه الإنسان في اليوم خمس مرات، حيث يتطهر بالصلاة من الذنوب كما يتطهر بدنه بالوضاءة التي تحصل بالوضوء والنقاء من الآفات.
من التدابير الواقية التي يدفع الله تعالى بها عن الناس الشرَّ الكثير، أن يدعو الله –عز وجل- بالسلامة والعافية، وقد حصل هذا في رجل عاده النبي –صلى الله عليه وسلم- قد خَفَتَ فصار مثل الفرخ يعني أصابه مرض حتى ضعف ضعفًا بيِّنًا فقال له النبي –صلى الله عليه وسلم-: «هلْ كُنْتَ تَدْعُو بشيءٍ، أَوْ تَسْأَلُهُ إيّاهُ؟ قالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أَقُولُ: اللَّهُمَّ ما كُنْتَ مُعاقِبِي به في الآخِرَةِ، فَعَجِّلْهُ لي في الدُّنْيا، فَقالَ رَسولُ اللهِ ﷺ: سُبْحانَ اللهِ لا تُطِيقُهُ، أَوْ لا تَسْتَطِيعُهُ، أَفلا قُلْتَ: اللَّهُمَّ آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنا عَذابَ النّارِ قالَ: فَدَعا اللَّهَ له، فَشَفاهُ»صحيح مسلم (2688) وكان النبي –صلى الله عليه وسلم- إذا دخل على مريض دعا له بما يكون سببًا لسلامته وعافيته من قوله: «لا بَأْسَ طَهُورٌ»صحيح البخاري (3616)، «اللَّهمَّ أذهِب البأسَ ربَّ النّاسِ واشفِ فأنتَ الشّافي لاَ شفاءَ إلاَّ شفاؤكَ شفاءً لاَ يغادرُ سقَمًا»صحيح البخاري (5675)، ومسلم (2191) وما إلى ذلك من الأدعية النبوية.
من أسباب الوقاية من الأمراض والآفات والأوبئة، التوكل على الله –عز وجل- والثقة به والاعتماد عليه واعتقاد كفايته جل في علاه، فالتوكل على الله أعظم ما يملأ القلوب ثقة بالله –عز وجل- وكفاية به –جل وعلا- ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾الطلاق: 3 فإن من صدق في اعتماده على الله –عز وجل- وأخذ التوكل بمفهومه السليم الذي لا يتنافي مع الأخذ بالأسباب، إنما هو الاعتماد على الله وتفويض الأمر إليه مع تعاطي الأسباب يدفع الله تعالى به عنه ما يكره من النوازل والمصائب والبلايا بشتى صورها وأنواعها ومنها الأمراض، ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾الطلاق: 3 فالتوكل على الله من أسباب دفع الأمراض والوقاية منها، ويشير إلى هذا الحديث الذي ذكرناه قبل قليل حديث جابر عند أصحاب السنن النبي –صلى الله عليه وسلم- أخذ بيد مجذوم ووضعها في القصعة وأكل معه وقال: بسم الله ثقة بالله وتوكلًا عليه.
ولذلك التوكل من أقوى ما يدفع الله تعالى به عن الإنسان ما يكره في بدنه وفي ماله وفي أهله وفي معاشه ومعاده، ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾الطلاق: 3، ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾الزمر: 36 فنعم بالله ومن توكل على الله وقاه جل في علاه.
من أسباب الوقاية فيما يتعلق بالأوبئة والأمراض الفتَّاكة أخذ الاحتياطات بالبعد عن مواطن الإصابة وذلك بالحجر الذي يكون بالتوجيه النبوي فإن النبي –صلى الله عليه وسلم- أخبر صلوات الله وسلامه عليه أن الطاعون إذا نزل ببلد فإنه لا ينتقل منه، ولا يورد عليه ولا يؤتى إليه فقال –صلى الله عليه وسلم-: «إذا سمعتم به في بلد فلا تقدموا عليه وإن كنتم فيه فلا تخرجوا منه»[البخاري:5729، بزيادة قصة فيه]، وأخبر أنه بلاء يصيب الناس بمشيئة الله –عز وجل-، ولهذا يقول –صلى الله عليه وسلم- كما في حديث عائشة «أنَّه عَذابٌ يَبْعَثُهُ اللَّهُ على مَن يَشاءُ، وأنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، ليسَ مِن أحَدٍ يَقَعُ الطّاعُونُ، فَيَمْكُثُ في بَلَدِهِ صابِرًا مُحْتَسِبًا، يَعْلَمُ أنَّه لا يُصِيبُهُ إلّا ما كَتَبَ اللَّهُ له، إلّا كانَ له مِثْلُ أجْرِ شَهِيدٍ»صحيح البخاري (3474).
وقد ذكر النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه إذا نزل في مكان فإنه لا يقدم عليه ولا يخرج منه، كما جاء ذلك في قوله –صلى الله عليه وسلم-: «إذا سَمِعْتُمْ به بأَرْضٍ فلا تَقْدَمُوا عليه، وإذا وقَعَ بأَرْضٍ وأَنْتُمْ بها فلا تَخْرُجُوا فِرارًا منه»[سبق تخريجه]، وقد جرى هذا في زمن عمر رضي الله تعالى عنه، حينما صار إلى الشام فبلغه وهو في الطريق أن الوباء قد وقع فيها، فجمع أهل بدر فاستشارهم فاختلفوا عليه من قائل نذهب يعني نمضي في طريقنا إلى الشام، ومن قائل نرجع، ثم جمع أهل بيعة الرضوان وهم أخص من أهل بدر فاختلفوا عليه، ثم جمع من أسلموا من أهل الفتح بالترتيب أولًا أهل بدر، ثم من هم أوسع منهم أهل بدر هم الصفوة، بعد ذلك أهل بيعة الرضوان، ثم مسلمة الفتح والمقصود أنه استشار أصحابه فكان رأي كثير منهم الرجوع، وبينما هم كذلك إذ جاء عبد الرحمن بن عوف وكان قد ذهب ليقضي حاجة له فلما جاء قال لهم هذه المقولة التي أثرها عن النبي –صلى الله عليه وسلم- «إذا سَمِعْتُمْ به بأَرْضٍ فلا تَقْدَمُوا عليه، وإذا وقَعَ بأَرْضٍ وأَنْتُمْ بها فلا تَخْرُجُوا فِرارًا منه»صحيح البخاري (5729)، ومسلم (2219) وهذا حَجْرٌ عام، حجر يتعلق ليس بعزل انفرادي أو شخصي لا، يشمل كلَّ أهل البلد الذين نزل فيهم الطاعون أو كان الطاعون قد أصابهم.
فمن كان في هذه البلد لا يخرج منها ومن كان خارجها لا يقدم عليها لمحاصرةِ هذا البلد، وتضييق دائرة انتشار هذا الوباء، قال أبو عبيدة لعمر- رضي الله تعالى عنه- لما اختار الرجوع بأصحابه عن أن يقدم إلى الشام وفيها الطاعون قال: تفرُّ من قدر الله يأمير المؤمنين؟ قال له عمر: لو أن غيرك قالها يا أبو عبيدة، نَفرُّ من قدر الله إلى قدر الله، فلا خروج الناس عن أقدار الله –عز وجل-، ولكن التعامل مع المرض بما وجه إليه النبي –صلى الله عليه وسلم- من الحجر هو من أسباب السلامة منه وتضييق دائرة انتشاره.
أيضًا من التدابير الشرعية التي جاءت بها الشريعة، ألا يخالط الإنسان المرضى بالأمراض المعدية الوبائية ومنها قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «فِرَّ من المجذومِ فراركَ من الأَسدِ»سبق، «لا يُورِدُ مُمْرِضٌ على مُصِحٍّ»سبق فهذا حتى في غير الأوبئة، يعني ما كان وباء قد يكون الحجر عامًّا، وما كان غير وباء فيكون الحجر خاصًّا، ومن أصيب بمثل هذه الأمراض المعدية هو معذور في ميزان الشريعة من حضور الجماعات والجمع لما في ذلك من الأذى، وقد أذن النبي –صلى الله عليه وسلم- لآكل الثوم والبصل ونهاهما عن الحضور للجماعات[صحيح البخاري:588] لما في ذلك من الأذية، مع أن الأذية محدودةٌ برائحة، فكيف بالأذية التي هي أوسع من ذلك بالعدوى ونشر الأمراض؟، لاشك أن هؤلاء ينبغي أن يأخذوا بالتوجيه النبوي ولا يوردوا على الأصحاء، فيكون ذلك سببًا لانتشار الأمراض وشيوعها.
من التدابير أيضًا البحث عن العلاج، فإن الأخذ بالعلاج مما أمر به النبي –صلى الله عليه وسلم- فقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «تداووْا عبادَ اللهِ» وقال: «ما أَنزَلَ اللهُ مِن داءٍ إلّا أَنزَل له دواءً»سنن الترمذي (2038)، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وبالتالي أيضًا من تدابير الشرعية في مواجهة الأمراض والآفات والأوبئة، أن يأخذ الناس بأسباب السلامة بأخذ العلاجات المناسبة التي تفيد في معالجة ومواجهة ما يكون من أوبئة وأمراض.
ومنه الوقاية، أسباب الوقاية بأخذ الأمصال والجرعات الطبية والدوائية التي يستفاد منها في تقليل احتمالية الإصابة بهذه الأمراض، فإن ذلك من التدابير الشرعية، والوقاية خير من العلاج.
فثمة وقاية وهي التحصن بالأسباب المانعة من حصول الداء وإذا نزل فثمة أسباب يمكن أن تؤخذ لمعالجة المرض فما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء.
المقدم:- فضيلة الشيخ بودي أن نختم الحديث المتبقي تقريبًا خمس دقائق، بالحديث أخيرًا عن العلاج والذي يتضمن دعاء الله –عز وجل-.
الشيخ:- هو لاشك أن الدعاء من أعظم ما تدرك به المطالب، وتحصل به المراغب، وقد شهدنا من كلام النبي –صلى الله عليه وسلم- وسنته أدعيةً كثيرة تزول بها الأمراض وتندفع بها المكروهات على وجه عامٍّ ووجه خاص.
فمن الأدعية العامة التي يُستدفع بها المرض ما أخبر به النبي –صلى الله عليه وسلم- من الدعاء بالسلامة من منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء[سبق تخريجه]، وكذلك دعاؤه –صلى الله عليه وسلم- بالأذكار المشروعة في الصباح والمساء، فإنها مما يحصَّل به المطلوب للمؤمن من السلامة من آفات تضرُّ به وتعطل قدراته وتعيق معاشه على وجهٍ يدرك به ما يؤمِّل.
ولهذا أنا أوصي إخواني وأخواتي بالحرص على الأذكار والأدعية قبل حصول الأمراض، وإذا حصل فالنبي –صلى الله عليه وسلم- استعاذ بالله من جملة من الأمراض قبل حصولها كما جاء في دعائه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- المحفوظ «اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بكَ من منكراتِ الأخلاقِ والأعمالِ والأهواءِ والأدواءِ»سبق وكذلك دعاؤه –صلى الله عليه وسلم- في السلامة من آفات خاصة كدعائه «اللهم إني أعوذ بك من البرص والجذام ومن سيئ الأسقام»سبق
كذلك إذا نزل المرض فإنه يدعو الله –عز وجل- برفعه وكشفه، وقد جرى هذا للنبي –صلى الله عليه وسلم- مع الرجل الذي قال له: إنك لا تستطيعه وقد كان بلغ به الوجع مبلغًا عظيمًا حتى أصبح كالفرخ بسبب ما نزل به من المرض فوجهه النبي –صلى الله عليه وسلم- إلى أن يقول: «أَفلا قُلْتَ: اللَّهُمَّ آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنا عَذابَ النّارِ»سبق.
فينبغي للإنسان أن يعامل الله –عز وجل- بصدق، أن يقبل عليه وأن يدعوه كلَّ ما يؤمله من خير الدنيا والآخرة، فإنه يدفع الله تعالى بذلك عنه الأذى، وقد كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يحصِّن حتى الصغار كما جاء في الصحيح من حديث معاذ -رضي الله تعالى عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان يعوذ الحسن والحسين ويقول: «أُعِيذُكما بكلِماتِ اللهِ التّامَّةِ، مِن كلِّ شيطانٍ وهامَّةٍ، ومِن كلِّ عينٍ لامَّةٍ»صحيح البخاري (3371) فينبغي للإنسان أن يأخذ هذه الأسباب، وأن يصدق في اعتماده على الله تعالى في إدراك ما يؤمِّل من سلامة وصحة، وأن يستعمل صحته فيما يحبه ربه ويرضاه وبه يسلم من آفات كثيرةٍ وشرور عظيمة وتكون الصحة نعمةً قد فاز بها ولم يغبن كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «نِعْمَتانِ مَغْبُونٌ فِيهِما كَثِيرٌ مِنَ النّاسِ: الصِّحَّةُ والفَراغُ»سبق.
المقدم: الله يعطيك العافية يا دكتور، شكر الله لك وكتب الله أجرك فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، شكرًا جزيلًا فضيلة الشيخ على ما أجدت به وأفدت في هذه الحلقة.
الشيخ: بارك الله فيكم وأسأل الله لي ولكم القبول والتسديد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.