إِنَّ اَلْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُه، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مِنْ يَهْدِهِ اَللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ اَلرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اَللَّهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىَ آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اِتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَىَ أَثَرَهُ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ اَلدِّينِ. أمَّا بَعد:
فَاتَّقُوُا اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ وَصِيَّةَ اَللَّهِ لَكُمْ وَلِمَنْ قَبْلَكُمْ أَنَّ تَتَّقُوُهُ؛ ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾النساء: 131
اَللَّهُمَّ اِجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ اَلْمُتَّقِينَ وَحِزْبِكَ اَلْمُفْلِحِينَ وَأَوْلِيَائِكَ اَلصَّالِحِينَ يَا رَبَّ اَلْعَالَمَينَ.
لَا تَتِمُّ اَلتَّقْوَىَ لِأَحَدٍ وَلَا تَتَحَقَّقُ فِي مَسْلَكٍ وَعَمَلٍ، إِلَّا بِتَعْظِيمِ مَا عَظَّمَهُ اَللَّهُ –جَلَّ وَعَلَا- فَإِنَّ تَعْظِيمَ مَا عَظَّمَهُ اَللَّهُ دَلِيلُ تَقْوَىَ اَلْقَلْبِ وَعَلَامَةُ صِحَّةِ اَلْإِيمَانِ، قَالَ اَللَّهُ جَلَّ فِي عُلَاهُ: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾الحج: 32 أَيْ هِيَ ثَمَرَةُ مَا فِي اَلْقُلُوبِ مِنْ اَلتَّقْوَىَ.وتَعْظِيمُ شَعَائِرَ اَللَّهِ: هُوَ حِفْظُ حَقِّ اَللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ شَيْءٍ جَعَلَ لَهُ مَنْزِلَةً وَمَكَانَةً، فَكُلُّ مَا عَظَّمَّهُ اَللَّهُ إِذَا عَظَّمَهُ اَلْمُؤَمَّنُ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلاً عَلَى صِحَّةِ تَقْوَاهُ، وَعَلَى رُسُوخِ إِيمَانِهِ، وَعَلَى تَعْظِيمِهِ لِرَبِّهِ -جَلَّ فِي عُلَاهُ- وَاَللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ، عَظَّمَ اَللَّهُ تَعَالَى أَشْخَاصًا كَالْأَنْبِيَاءِ وَأُولِي اَلْعَزْمِ مِنْ اَلرُّسُلِ، وَأَهْلِ اَلْإِيمَانِ وَالْوِلَايَةِ وَالصَّلَاحِ وَالِاسْتِقَامَةِ، عَظَّمَ اَللَّهُ تَعَالَى أَعْمَالاً يَتَقَرَّبُ بِهَا اَلْعِبَادُ إِلَيْهِ -جَلَّ فِي عُلَاهُ - كَالصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالْحَجِّ.
عَظَّمَ اَللَّهُ تَعَالَى أَحْوَالاً يَكُونُ فِيهَا اَلْإِنْسَانُ عَلَى حَالٍ مِنَ اَلْأَحْوَالِ؛ كَحَالِ اَلِافْتِقَارِ إِلَى اَللَّهِ وَالضَّرَاعَةِ إِلَيْهِ وَالِاضْطِرَارِ إِلَيْهِ؛ فَإِنَّهَا حَالٌ عَظِيمَةٌ عِنْدَ اَللَّهِ لِذَلِكَ يُجِيبُ فِيهَا دَعْوَةَ اَلْمُضْطَرِّ وَلَوْ كَانَ كَافِرًا ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾النمل: 62 عَظَّمَ اَللَّهُ تَعَالَى أَزْمِنَةً فَجَعَلَهَا مَحَلًّا لِلتَّعْظِيمِ وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ وَالْإِجْلَالِ وَالِاحْتِرَامِ؛ كَتَعْظِيمِهِ -جَلَّ فِي عُلَاهُ- لِأَيَّامِ اَلْحَجِّ وَأَشْهُرِهِ وَالْأَشْهُرِ اَلحُرُمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ اَلْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ.
عَظَّمَ اَللَّهُ تَعَالَى مِنَ اَلْأَمَاكِنِ مَوَاضِعَ جَعَلَهَا مَحَلاًّ لِلْحُرْمَةِ؛ كَحُرْمَةِ اَلْحَرَم وَالْمَدِينَةِ وَالْمَسَاجِدِ فَإِنَّهَا بِلَادُ اَللَّهِ وَهِيَ أَحَبُّ اَلْبِقَاعِ إِلَى اَللَّهِ، كُلُّ ذَلِكَ مِمَّا عَظَّمهُ اَللَّهُ – عَزَّ وَجَلَّ - وَغَيْرُهُ أَيْضًا جَاءَ فِي اَلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بَيَانُ مَنْزِلَتِهِ وَمَكَانَتِهِ وَبَيَانُ عَظَمَتِهِ عِنْدَ اَللَّهِ – عَزَّ وَجَلَّ - فَمَنْ عَظَّمَ تِلْكَ اَلْمُعَظَّمَاتِ وَحِفِظَ تِلْكَ اَلْحُرُمَاتِ كَانَ جَدِيرًا بِالْخَيْرِ اَلْكَثِيرِ وَالْعَطَاءِ اَلْجَزِيلِ مِنْ اَللَّهِ اَلَّذِي يُعْطِي عَلَى اَلْقَلِيلِ اَلْكَثِيرَ قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ﴾الحج: 30 وَهِيَ كُلُّ مَا جَعَلَ اَللَّهُ لَهُ حُرْمَةً ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ﴾الحج: 30 خَيْرٌ لَهُ فِي دُنْيَاهُ وَخَيْرٌ لَهُ فِي مِيعَادِهِ، خَيْرُ لَهُ فِي مَعَاشِهِ، وَخَيْرٌ لَهُ يَوْمَ يَلْقَىَ رَبَّهُ -جَلَّ فِي عُلَاهُ-.
فَعَظِّمُوا اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ، وَعَظِّمُوا كُلَّ مَا عَظَّمَهُ، اِحْفَظُوا حُرْمَةَ مَا حَفِظَ – جَلَّ وَعَلَا - وَجَعَلَ لَهُ مَكَانَةً وَمَنْزِلَةً، فَإِنَّهُ مَنْ يَسْتَهِنْ بِمَا عَظَّمَ اَللَّهُ تَعَالَى وَيُهْدِر حُرْمَةَ مَا جَعَلَ لَهُ مَكَانَةً وَحُرْمَةً يَزِلُّ عَنْ طَرِيقِ اَلْمُتَّقِينَ وَيَقَعُ فِي بَرَاثِنِ اَلشَّيَاطِينِ وَيُنْسِيهُ اَلشَّيْطَانُ ذِكرَ رَبِّهِ فَيَتَوَرَّطُ فِي أَلْوَانِ اَلسَّيِّئَاتِ، ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ﴾المجادلة: 19.
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: عِبَادَ اَللَّهِ؛ مِمَّا عَظَّمَهُ اَللَّهِ تَعَالَى فِي سَالِفِ اَلزَّمَانِ وَحَفظَهُ فِي هَذَا اَلشَّرْعِ اَلْحَكِيمِ تَعْظِيمُ اَلْأَشْهُرِ اَلْحُرُمِ، وَهِيَ أَشْهُرٌ ذَكَرَهَا اَللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ بِالنَّصِّ عَلَى اَلْعَدَدِ قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾التوبة: 36 أَيْ فِي حُكْمِهِ وَقَضَائِهِ وَشَرْعِهِ وَدِينِهِ ﴿يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ﴾ فَهَذِهِ اَلْعِدَّةُ عِدَّةٌ سَابِقَةٌ قَدِيمَةٌ وَلَيْسَ شَيْئًا حَادِثًا فِي زَمَانٍ مُعَاصِرٍ أَوْ شَرَعٍ حَادِثٍ ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ أَيْ مِنْ هَذِهِ اَلْأَشْهُرِ اَلْاِثْنَيْ عَشَرَ اَلَّتِي ذَكَرَهَا اَللَّهُ تَعَالَى أَرْبَعَةٌ لَهَا حُرْمَةٌ وَمَنْزِلَةٌ عِنْدَ اَللَّهِ تَعَالَى، قَالَ -جَلَّ فِي عُلَاهُ-: ﴿ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ لَا تَظْلِمُوا أَنْفُسَكُمْ فِي كُلِّ اَلْأَشْهُرِ وَالزَّمَانِ، وَكَذَلِكَ عَلَى وَجْهِ اَلْخُصُوصِ فِي هَذِهِ اَلْأَرْبَعَةِ اَلَّتِي جَعَلَهَا اَللَّهُ تَعَالَى مُحَرَّمَةً بِنَصِّ اَلْقُرْآنِ فَقَالَ: ﴿مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ وَقَدْ بَيَّنَهَا رَسُولُ اَللَّهِ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَانًا جَلِيًّا وَاضِحًا مَعَ كَوْنِهَا مَعْرُوفَةً فِي زَمَانِهِ عِنْدَ اَلْعَرَبِ، لَكِنَّهُ قَرَّرَهَا وَبَيَّنَهَا بَيَانًا جَلِيًّا فَهِيَ أَرْبَعَةٌ؛ ثَلَاثَةُ مِنْهَا مُتَوَالِيَىةٌ، وَوَاحِدٌ مِنْهَا فَرْدٌ، أَمَّا اَلْفَرْدُ فَهُوَ رَجَبُ، وَأَمَّا اَلْمُتَوَالِي فَهِيَ شَهْرُ ذِي اَلْقِعْدَةِ، وَشَهْرُ ذِي اَلْحِجَّةِ، وَشَهْرُ اَلْمُحَرَّمِ، هَذِهِ هِيَ اَلْأَرْبَعَةُ اَلَّتِي قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى فِيهَا: ﴿مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾التوبة: 36 .
وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ جَعَلَ اَللَّهُ تَعَالَى لِهَذِهِ اَلْأَرْبَعَةِ تَحْرِيمًا وَحُرْمَةً وَتَعْظِيمًا وَمَنْزِلَةً زَائِدَةً عَلَى سَائِرِ اَلزَّمَانِ وَبَقِيَّةِ اَلشُّهُورِ، فَحَقُّ هَذِهِ اَلْأَيَّامِ وَحَقُّ هَذِهِ اَلْأَشْهُرِ أَنْ يُحْفَظَ فِيهَا حَقُّهُ – جَلَّ وَعَلَا - بِالتَّعْظِيمِ وَالتَّحْرِيمِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ بِاقْتِرَاحِ اَلْآرَاءِ وَلَا بِمَا تَشْتَهِيهِ اَلْأَنْفُسُ ، إِنَّمَا يَكُون ذَلِكَ وَفْقَ مَا جَاءَ بِهِ اَلشَّرْعُ ، فَإِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ فِيهَا اَلظُّلْمَ فَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾التوبة: 36 .
أولًا:أَنْ يَعْرِفَ اِخْتِصَاصَهَا بَيْنَ بَقِيَّةِ اَلْأَشْهُرِ بِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ مُعَظِّمَةٌ.
ثانيًا:أَنْ يَمْتَنِعَ اَلْإِنْسَانُ فِيهَا عَنْ اَلظُّلْمِ عَنْ ظُلْمِ نَفْسِهِ بِالْمَعَاصِي وَالسَّيِّئَاتِ، وَعَنْ ظُلْمِ غَيْرِهِ بِالِاعْتِدَاءِ وَالتَّجَاوُزِ، وَعَنْ ظُلْمِ نَفْسِهِ بِامْتِهَانِهَا وَالْغَفْلَةِ عَنْ حُرْمَتِهَا.
ثالثًا: أَنَّ يُعَظِّمَهَا بِالْمُسَابَقَةِ فِيهَا إِلَى اَلْبِرِّ وَالطَّاعَةِ مَا اِسْتَطَاعَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلاً، فَإِنَّ أَزْمِنَةَ اَلْحُرْمَةِ وَالْمَكَانَةِ وَالْمَنْزِلَةِ تَكُونُ اَلْحَسَنَاتُ فِيهَا جَزِيلَةَ اَلْعَطَاءِ، تَكُون اَلْحَسَنَاتُ فِيهَا كَبِيرَةَ اَلْأَجْرِ.
فَيَنْبَغِي لِلْمُؤَمَّنِ أَنْ يُسَابِقَ فِيهَا إِلَى كُلِّ خَيِّرٍ، وَأَنْ يَجِدَّ فِيهَا إِلَى كُلِّ بِرٍّ، لَكِنَّ ذَلِكَ لَا يَعْنِي أَنْ تَخُصَّ هَذِهِ اَلْأَشْهُرِ بِعَمَلٍ دُونَ سَائِرِ اَلشُّهُورِ لَمْ تَرِدْ بِهِ اَلسُّنَةُ، فَمَنْ خَصَّ شَهْرَ رَجَبٍ بِصَلَاةٍ خَاصَّةٍ أَوْ صَوْمٍ خَاصٍّ فِي أَوْلِهِ أَوْ أوسَطِهِ أَوْ آخِرِهِ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ اَلْأَعْمَالِ يُقَالُ لَهُ: لَمْ يَرِدْ فِي ذَلِكَ عَنْ سَيِّدِ اَلْأَنَامِ بَيَانٌ وَلَا قَوْلٌ وَلَا شَرْعٌ يُصَارُ إِلَيْهِ، إِنَّمَا اَلْمَنْدُوبُ أَنْ يُسَابِقَ اَلْإِنْسَانُ فِيهَا إِلَى كُلِّ خَيْرٍ عَلَى وَجْهِ اَلْعُمُومِ اِبْتِدَاءً بِالْفَرَائِضِ.
فَإِنَّهُ لَمْ يَتَقَرَّبْ اَلْعَبْدُ إِلَى اَللَّهِ –عَزَّ وَجَلَّ- بِشَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِمَّا اِفْتَرَضَ عَلَيْهِ فِي فَرَائِضِهِ، فِي صَلَاتِهِ، فِي صِيَامِهِ، فِي حُجَّةٍ، إنْ كَانَ قَدْ بَقِيَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِ اَلْحَجِّ كَمَا فِي أَشْهُرِ اَلْحَجِّ، فِي زَكَاتِهِ، فِي بِرِّهِ لِوَالِدَيْهِ، فِي أَدَائِهِ لِلْأَمَانَةِ، فِي كُلِّ اَلْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ.
ثُمَّ كَذَلِكَ يُسَابِقُ إِلَى اَلنَّوَافِلِ وَالطَّاعَاتِ بَعْدَ اَلْفَرَائِضِ، دُونَ تَقْيِيدٍ بِمَا لَمْ يَرِدْ بِهِ اَلشَّرْعُ، فَلَا يُسَارُ إِلَى صِيَامٍ مَسنُونٍ أَوْ عَمَلٍ صَالِحٍ عَلَى وَجْهِ اَلتَّعْيِينِ فَيُقَالُ: يُسَنُّ أَنْ يُصَامَ اَلْيَوْمُ اَلْفُلَانِيُّ فِي هَذِهِ اَلْأَشْهُرِ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَبُرْهَانٍ.
فَيَنْبَغِي لِلْمُؤَمَّنِ أَنْ يَسِيرَ عَلَى هَدْيِ خَيْرِ اَلْأَنَامِ وَأَنْ يَلْتَزِمَ سُنَّتَهُ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ، فَخَيْرُ اَلْهَدْي هَدْيُ مُحَمَّدٍ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَرُّ اَلْأُمُورِ مُحْدَثَاتُها وَكُلُّ مُحْدِثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ. اَللَّهُمَّ أَلْزِمْنَا سُنَّتَهُ، وَاتِّبَاعَ آثَارِهِ، وَاُحْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِ، وَاجْعَلْنَا مِنْ مُرَافِقِيهِ فِي جَنَّتِكَ يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ.
أَقُولُ هَذَا اَلْقَوْلَ وَأَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ اَلْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفَرُوهُ إِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُورُ اَلرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ حَمَدْ اَلشَّاكِرِينَ لَهُ اَلْحَمْدُ فِي اَلْأُولَى وَالْآخِرَةِ، وَلَهُ اَلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اَللَّهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىَ آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اِتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ اَلدِّينِ. أَمَّا بَعْد:
فَاتَّقُوا اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ؛ اِتَّقَوُا اَللَّهَ تَعَالَى حَقَّ اَلتَّقْوَىَ، وَسَابِقُوا فِي هَذَا اَلزَّمَانِ إِلَى كُلِّ بِرٍّ وَطَاعَةٍ، أَيَّامُكُمْ، أَعْمَارُكُمْ، مِنَحٌ وَفُرَصٌ اَلْفَائِزُ فِيهَا مَنْ عَمَّرهَا بِمَا يُحِبُّ اَللَّهُ تَعَالَى وَيَرْضَاهُ، «نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصحةُ والفراغُ» البخاري(6412).
فَبَادِرْ إِلَى اِغْتِنَاَمهَا فِيمَا يُرْضِي اَللَّهَ – جَلَّ وَعَلَا - بِكُلِّ مَا يُقَرِّبُكَ إِلَيْهِ، بِكُلِّ مَا تَجِدُ فِيهِ رِضَا رَبِّكَ؛ فَإِنَّ رِضَا اَللَّهِ تَعَالَى جَنَّةُ اَلدُّنْيَا وَبِهِ يُدْرِك اَلْإِنْسَانُ فَوْزَ اَلْآخِرَةِ.
اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى مَرْضَاتِكَ، خُذْ بِنَوَاصِينَا إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، أَعِنَّا عَلَى طَاعَتِكَ وَاصْرِفْ عَنَّا مَعْصِيَتَكَ.
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: عِبَادَ اَللَّهِ، إِنَّ مِنَ اَلْأَحْكَامِ اَلْمُتَعَلِّقَةِ بِهَذِهِ اَلْأَشْهُرِ اَلْحُرُمَ أَنَّ اَللَّهَ تَعَالَى مَنَعَ فِيهَا اَلْقِتَالَ، وَالْمَقْصُودُ بِمَنْعِ اَلْقِتَالِ فِيهَا اِبْتِدَاءُهُ فَإِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى قَالَ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ﴾البقرة: 217 أَيْ إِثمهُ وَعَظَمَتُهُ وَوِزْرُهُ كَبِيرٌ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ -جَلَّ فِي عُلَاهُ-.
فَيَنْبَغِي لِلْمُؤَمَّنِ أَنْ يَرْعَى حَقَّ اَللَّهِ تَعَالَى بِكَفِّ اَلْأَذَى عُمُومًا، وَالْقِتَالِ عَلَى وَجْهِ اَلْخُصُوصِ اِبْتِدَاءً كَمَا أَنَّ مِنْ أَحْكَامِ هَذِهِ اَلْأَشْهُرِ اَلْحُرُمِ أَنْ يَتَوَقَّى اَلْإِنْسَانُ اَلسَّيِّئَاتِ عَلَى وَجْهِ اَلْعُمُومِ بِتَجَنُّبِ اَلْمَعَاصِي، وَتَذَكُّرِ أَنَّ هَذَا اَلزَّمَانَ حَرَّمَهُ اَللَّهُ، وَأَنَّهُ جَعَلَ اَلسَّيِّئَةَ فِيهِ لَيْسَتْ كَالسَّيِّئَةِ فِي سَائِرِ اَلزَّمَانِ، فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ، كَذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ اَلْأَشْهُرِ أَنْ يَجْتَهِدَ اَلْإِنْسَانُ فِي اَلطَّاعَةِ وَالصَّالِحَات اِبْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اَللَّهِ تَعَالَى عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرَ مَنْ عَمِلَ مَا شَرَّعَهُ اَلنَّبِيُّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا دُونَ إِحْدَاثٍ وَابْتِدَاءٍ.
اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، وَوَفِّقنَا إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، خُذْ بِنَوَاصِينَا إِلَى اَلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اِجْعَلْنَا مِنْ حِزْبِكَ وَأَوْلِيَائِكَ يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، اَللَّهُمَّ أَعِذنَا مِنْ اَلْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطن، نَعُوذُ بِكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ اَلْأَهْوَاءِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْأَدْوَاءِ وَالْأَوْبِئَةِ، أَعِذنَا مِنْهَا يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، اِدْفَعْ عَنَّا كُلَّ سُوءٍ وَشَرٍّ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَم اَلرَّاحِمِينَ، اَللَّهُمَّ أمِّنا فِي أَوْطَانِنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ وَفَسَادٍ فِي اَلْأَبْدَانِ وَالْبُلْدَانِ وَالْأَدْيَانِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَحْوَالِ يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، أمِّنا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحَ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَاجْعَلْ وِلَايَتَنَا فِيمَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ، اَللَّهُمَّ وَفِّق وَلِيَّ أَمْرِنَا خَادِمَ اَلْحَرَمَيْنِ اَلشَّرِيفَيْنِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ إِلَى اَلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، سَدِّدَهُمْ فِي اَلْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد كَمَا صَلَّيَت عَلَى إِبْرَاهِيم وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيم فِي اَلْعَالَمَينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.