نقل الإمام النووي –رحمه الله- تعالى في كتابه رياض الصالحين في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن حذيفة رضي الله عنه عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بِالمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ المُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُوْنَهُ فَلا يُسْتَجَابُ لَكُمْ». رواه الترمذي، وَقالَ: «حديث حسن».
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..
شؤم ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
هذا الحديث حديث حذيفة رضي الله تعالى عنه فيه بيان شؤم ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع القدرة على تغييره مما يؤذن بحصول العقوبات العامة كما قال تعالى: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾[الأنفال: 25] أي لا تخص الذين عصوا الله –عز وجل- وحادوا شرعه وخالفوا أمره.
قال –صلى الله عليه وسلم-: «لَتَأْمُرُنَّ بِالمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ المُنْكَرِ» هذا تأكيد للأمر بالمعروف وهو كل ما أمر الله تعالى به ورسوله وتأكيد للنهي عن المنكر وهو كل ما نهى عنه الله تعالى ورسوله.
«لَتَأْمُرُنَّ بِالمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ المُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ» أي: ليقربن ويسرعن أي يعمكم الله بعقاب منه.
«ثُمَّ تَدْعُوْنَهُ فَلا يُسْتَجَابُ لَكُمْ» فهذا الخبر النبوي أن الله تعالى يعم الناس بالعقوبة إذا ظهرت فيهم المعصية ولم يغيروا مع قدرتهم على التغيير.
فقوله: «لَتَأْمُرُنَّ بِالمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ المُنْكَرِ» وفق ما أمرت به الشريعة من التغيير باليد فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه ولذلك جاء في حديث جرير بن عبد الله وأبي بكر وغيرهم أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «ما من قومٍ يُعمَلُ فيهم بالمعاصي، ثم يقدِرونَ على أنْ يُغيِّروا، ثم لا يُغيِّروا إلَّا يوشِكُ أنْ يعُمَّهم اللهُ منه بعقابٍ»[سنن أبي داود (4338)، وصححه الألباني] وهذا يدل على أن العقوبة هي عند ترك ما يجب من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع القدرة عليه.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منوط بالاستطاعة:
أما إذا لم يقدروا بأن كان ذلك غير مستطاع لهم في التغيير باليد ولا في التغيير باللسان، فالواجب التغيير بالقلب وهم سالمون من أن يعمهم الله بعقاب، ولهذا جاء في حديث حذيفة أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «فمَن أنْكَرَ فقَدْ بَرِئَ، ومَن كَرِهَ فقَدْ سَلِمَ» فالعقوبة المذكورة في هذا الحديث وأمثاله إنما هي في ترك ما أمر الله تعالى به ورسوله من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع القدرة عليه، أما عدم القدرة فلا يكلف الله نفس إلا وسعها وقد قال الله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾[التغابن: 16] وقد جاءت الأحاديث مبينة لمراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولا غرابة في أن يعم الله تعالى الناس بعقاب عند كثرة الفساد والشر مع عدم تغيير المنكر وقدرتهم عليه، كما جاء في حديث أم سلمة أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «وَيلٌ للعَرَب مِن شَرٍّ قد اقتَرَب؛ فُتِحَ اليومَ مِن رَدمِ يأجوجَ ومأجوجَ مثلُ هذه -وحَلَّق بإصبَعِه الإبهامِ والتي تليها- فقُلتُ: يا رسولَ الله، أنَهلِكُ وفينا الصَّالِحونَ؟ قال: نعم، إذا كَثُرَ الخَبَثُ»[صحيح البخاري (3346)، ومسلم (2880)].
ترك إنكار المنكر مع القدرة على إنكاره فساد عميم:
فكثرة الخبث وظهوره مع عدم إنكاره مع القدرة على إنكاره موجب للعقوبات العامة، ولهذا ينبغي للمؤمن أن يجتهد في إصلاح نفسه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفق ما يستطيع في أولاده وأهله ومن حوله ومن يأتمر بأمره فإن خاف على نفسه ضررًا أو شرًا أو فسادًا انتقل إلى المرتبة تمكنه من المراتب التي ذكرها النبي –صلى الله عليه وسلم- وأدنى ذلك أن يكون بالقلب وهو أن يكره المنكر، وألا يبقى في مكان المنكر كما قال الله تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ﴾[النساء: 140] فلا يقعد الإنسان في مواطن المنكرات وأماكن المعاصي والسيئات إذا عجز عن التغيير بيده وبلسانه، بل يغادر وهذا من الشيء الواجب إذا استطاعه فإن لم يستطع فإنه يكفيه كراهة القول وذاك براءة له من الإثم ولو حصلت عقوبة في مثل هذه الحالة عقوبة عامة فإن الناس يبعثون على نياتهم كما جاء ذلك في الصحيحين من حديث ابن عمر أنه إذا عم الله تعالى قوم بالعقاب لوجود معصية ظاهرة بينهم فإنهم يبعثون على نياتهم يعني على ما كان من إيمانهم وما في قلوبهم من تصديق ويقين وعمل صالح.
أسال الله أن يدفع عنا وعنكم كل سوء وشر وأن يحفظنا من السوء والزلل وأن يجعلنا من عباده الأمرين بالمعروف الناهين عن المنكر القائمين بحقه وصلى الله وسلم على نبينا محمد.