إِنَّ اَلْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مِنْ يَهْدِهِ اَللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اَللَّهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمِنِ اِتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَىَ أَثَرَهُ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ اَلدِّينِ. أمَّا بعد:
فَاتَّقُوا اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ؛ اِتَّقَوُا اَللَّهَ -جَلَّ فِي عُلَاهُ- وَبَادِرُوا مَا يَكُونُ مِنْ سَيِّئِ اَلْأَحْوَالِ بِصَالِحِ اَلْأَعْمَالِ، فَقَدَ أَمَرَكُمْ رَسُولُ اَللَّهِ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذَلِكَ فَقَالَ: «بادِروا بالأعمالِ سبعًا هل تنتظِرونَ إلا إلى فَقرٍ مُنسٍ أو غِنًى مُطغٍ أو مرضٍ مُفسدٍ أو هَرَمٍ مُفَنِّدٍ أو موتٍ مُجهِزٍ أو الدجّالِ فشَرُّ غائبٍ يُنتَظَرُ أو الساعةِ فالساعةُ أَدهى وأمَرُّ»سنن الترمذي (2306) وقالَ: حديثٌ حسنٌ غريبٌ فَاَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَىَ اَلصَّالِحَاتِ وَاسْتَعْمِلَنَا فِي اَلطَّاعَاتِ، وَاصْرِفْ عَنَّا اَلشَّرَّ وَالسَّيِّئَاتِ وَاجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ اَلْمُتَّقِينَ وَحِزْبَكَ اَلْمُفْلِحِينَ وَأَوْلِيَائِكَ اَلصَّالِحِينَ يَا رَبَّ اَلْعَالَمينَ.
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: اَللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ الْإِنْسَانَ فِي هَذِهِ اَلْحَيَاةِ اَلدُّنْيَا لِيَبْتَلِيهِ وَيَخْتَبِرَهُ، يَرَىَ إِيمَانَهُ وَصِدْقَهُ، يَرَى صَلَاحَهُ وَإِقْبَالَهُ قَالَ تَعَالَى: ﴿خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾الملك: 2 وَأَنْوَاعُ اَلْبَلَاءِ وَصُنُوفُهُ مُتَعَدِّدَةٌ كَثِيرَةٌ، وَيَخْتَلِفُ فِيهَا اَلنَّاسُ اِخْتِلَافًا مُتَبَايِنًا وَقَدْ يَشْتَرِكُونَ فِي بَعْضِهَا، فَاَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى طَاعَتِكَ وَاصْرِفْ عَنَّا مَعْصِيَتَكَ وَاجْعَلْنَا مِنْ حِزْبِكَ وَأَوْلِيَائِكَ.
أيها المؤمنون: عباد الله؛ ﴿خُلق الإنسان ضعيفًا﴾النساء:28، هَكَذَا يَقُولُ رَبُّنَا –جَلَّ وَعَلَا- فِي حَالِ اَلْإِنْسَانِ أَنَّهُ ضَعِيفٌ، وَهَذَا اَلضَّعْفُ قَدْ يَتَوَارَى فِي بَعْضِ اَلْأَحْيَانِ وَالْأَحْوَالِ وَهْمًا وَسُوءَ تَقْدِيرٍ وَعَدَمَ نَظَرٍ لِلْوَاقِعِ، فَالْإِنْسَانُ إِذَا اِغْتَنَى ظَنَّ اَلْقُوَّةَ وَالْقُدْرَةَ وَغَابَ عَنْهُ ضَعْفُهُ قَالَ تَعَالَى :﴿كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾العلق: 6- 7 فَاسْتِغْنَاءُ اَلْإِنْسَانِ بِمَالِهِ، اِسْتِغْنَاءُ اَلْإِنْسَانِ بِصِحَّتِهِ، اِسْتِغْنَاءُ اَلْإِنْسَانِ بِأَمْنِهِ، اِسْتِغْنَاءُ اَلْإِنْسَانِ بِجَاهِهِ، اِسْتِغْنَاءُ اَلْإِنْسَانِ بِوَلَدِهِ، اِسْتِغْنَاءُ اَلْإِنْسَانِ بِسَائِرِ مَا يَكُونُ مِنْ أَسْبَابِ اَلْقُوَّةِ عَلَى اِخْتِلَافِهَا؛ يُطْغِيهِ، إِنَّ لَمْ يُلْزِمْ نَفْسَهُ اَلشَّرْعَ ﴿كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾العلق: 6- 7 لَكِنْ هَذَا اَلطُّغْيَانُ وَذَاكَ اَلْخُرُوجُ عَنِ اَلصِّرَاطِ اَلْمُسْتَقِيمِ لَا يُغَيِّبُ حَقِيقَةَ ضَعْفِ اَلْإِنْسَانِ.
فَالْإِنْسَانُ ضَعِيفٌ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ، فِي صِحَّتِهِ وَمَرَضِهِ، فِي غِنَاهِ وَفَقْرِهِ، فِي قُوَّتِهِ وَضَعْفِهِ، فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ هُوَ ضَعِيفٌ فِي خِلقَتِهِ وَبِنْيتِهِ، هُوَ ضَعِيفٌ فِي عَمَلِهِ، هُوَ ضَعِيفٌ فِي رَأْيِهِ وَاخْتِيَارِهِ إِنْ لَمْ يُوَفِّقْهُ اَللَّهُ -جَلَّ فِي عُلَاهُ- وَإِنْ لَمْ يَمُدَّهُ بِعَوْنِهِ وَمَدَدِهِ كَانَ ذَلِكَ مِنْ مُوجِبَاتِ هَلَاكِهِ وَاسْتِسْلَامِهِ لِضَعْفِهِ.
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى بِرَحْمَتِهِ حَذَّرَ اَلْإِنْسَانَ مِنَ اَلْغَفْلَةِ وَأَمَرَهُ بِالتَّذَكُّرِ، وَسَاقَ لَهُ مِنَ اَلْأَسْبَابِ مَا يَكُونُ عَوْنًا لَهُ عَلَى اَلِاسْتِقَامَةِ وَالصَّلَاحِ، فَبَادَرُوا إِلَى طَاعَةِ اَللَّهِ –عَزَّ وَجَلَّ- وَالْزَمُوا أَمْرَهُ، وَانْظُرُوا فِي حِكْمَتِهِ فِي كُلِّ مَا يُجْرِيهِ عَلَيْكُمْ مِنَ اَلْأَقْضِيَةِ وَالْأَقْدَارِ، فَإِنَّهَا نُذُرٌ فِيمَا يُنَبَّهُكُمْ وَيُحَذِّركُمْ فَكُونُوا عَلَى بَصِيرَةٍ وَوَعْيٍ.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا يَبْتَلِي اَللَّهُ تَعَالَى بِهِ اَلنَّاسَ مِنَ اَلْأَمْرَاضِ، فَإِنَّ اَلْأَمْرَاضَ تُوقِظُ اَلْغَافِلَ وَتُنَبِّهُ اَلسَّائِرَ فِي غَيِّهِ أَنْ يَرْعَوي وَيَعُودَ إِلَى رَبِّهِ، وَأَنْ يَتَذَكَّرَ ضَعْفَهُ اَلَّذِي لَا يَنْفَكُّ مِنْهُ، وَأَنْ يَتَذَكَّرَ فَقْرَه إِلَى اَللَّهِ –عَزَّ وَجَلَّ- فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ، فَالْجَمِيعُ فَقِيرٌ إِلَى اَللَّهِ، اَلصَّحِيحُ وَالْمَرِيضُ، اَلْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ، اَلْقَوِيُّ وَالضَّعِيفُ، ذُو اَلْجَاهِ وَغَيْرُهُ جَمِيعَهُمْ فُقَرَاءٌ إِلَى اَللَّهِ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِمْ، لَكِنَّهُمْ قَدْ يَغِيبُ عَنْهُمْ ذَلِكَ اَلْمَعْنَى عِنْدَمَا يَسْتَقْوُوُنَ بِمَا يَكُونُ مِنْ مَدَدِ اَللَّهِ لَهُمْ، فَيَتَذَكَّرُونَ بِضِدِّ تِلْكَ اَلْأَحْوَالِ اَلْقَوِيَّةِ اَلصَّالِحَةِ اَلْمُسْتَقِيمَةِ اَلسَّلِيمَة، يَتَذَكَّرُونَ حَقِيقَةَ أَمْرِهِمْ وَعَظِيمَ فَقْرِهِمْ إِلَى رَبِّهِمْ.
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: عِبَادَ اَللَّهِ، مِنْ رَحْمَةِ اَللَّهِ أَنْ جَعَلَ اَللَّهُ تَعَالَى مَا يَنْزِلُ بِالْمُؤْمِنِ عَوْنًا لَهُ عَلَى خَيْرِ دِينِهِ وَدُنْيَاه، حَتَّى مَا يَنْزِلُ بِهِ مِنْ اَلْمَكْرُوهِ؛ فَإِنَّهُ إِذَا صَبَرَ وَاحْتَسَبَ فَتْحْ اَللَّهُ لَهُ بَابَ اَلْأَجْرِ، فَهُوَ لَا يَنْفَكُّ مِنْ خَيْرٍ فِي اَلسَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، فِي اَلشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ، فِي اَلْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، فِي اَلصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ، «عجبًا لأمرِ المؤمنِ إنَّ أمرَه كلَّه خيرٌ إنْ أصابَتْه سرّاءُ شكَر وإنْ أصابَتْه ضرّاءُ صبَر وكان خيرًا له»صحيح مسلم (2999 (.
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى يَبْتَلِي عَبْدَهُ اَلْمُؤَمَّنِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مُوجِبًا لِحَطِّ خَطَايَاهُ وَمَغْفِرَةِ زَلَّاتِهِ، جَاءَ فِي اَلصَّحِيحِ «مَن يُرِدِ اللَّهُ به خَيْرًا يُصِبْ منه» صحيح البخاري (5645) أَيْ يَنْزِلُ بِهِ مِنْ اَلْمَكْرُوهِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِبُلُوغِ ذَلِكَ اَلْخَيْرِ اَلْمُرَادِ مِنْ اَللَّهِ -جَلَّ فِي عُلَاهُ-، وَلَا تَعْجَبْ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي كُلِّ مَا يُجْرِيهِ اَللَّهُ مِنْ اَلْأَقْدَارِ اَلْمُؤْلِمَةِ اَلَّتِي يَكْرَهُهَا اَلنَّاسُ، فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَبُلْدَانِهِمْ، فِي صِحَّتِهِمْ وَمَالِهِمْ وَسَائِرِ أَحْوَالِهِمْ.
فقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم- في المرض: «الشُّهَداءُ خَمْسَةٌ: المَطْعُونُ، والمَبْطُونُ، والغَرِقُ، وصاحِبُ الهَدْمِ، والشَّهِيدُ في سَبيلِ اللَّهِ»صحيح البخاري (653)، وصحيح مسلم (1914) هَذَا اَلْحَدِيثُ فِي اَلصَّحِيحَيْنِ يُخْبِرُ فِيهِ اَلنَّبِيُّ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ بُلُوغِ دَرَجَةِ اَلشَّهَادَةِ بِأَعْمَالٍ ذَكَرَ مِنْهَا نَوْعَيْنِ مِنْ اَلْأَمْرَاضِ تُصِيبُ اَلنَّاسَ، تَكُون سَبَبًا لِنَيْلِ اَلشَّهَادَةِ وَأَجْرِهَا وَالْفَوْزِ بِثَوَابِهَا وَمَنْزِلَتهَا.
اَلشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: اَلْمَطْعُونُ أَيْ مَنْ طُعِنَ، وَالْمبَطُونُ أَيْ اَلَّذِي مَرِضَ وَمَاتَ بِسَبَبِ شَيْءٍ فِي بَاطِنِهِ وَجَوْفِهِ، وَالْغَرِيقُ أَيْ اَلَّذِي غَرِقَ، وَصَاحِبُ اَلْهَدْمِ اَلَّذِي اِنْطَبَقَ عَلَيْهِ بَيْتُهُ أَوْ مَنْزِلُهُ أَوْ اَلْمَكَان اَلَّذِي يُقِيمُ فِيهِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ.
وَقَدْ بَيَّنَ اَلنَّبِيُّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْزِلَةَ اَلْمَرَضِ فِي حَطَّ اَلْخَطَايَا، فَإِنَّهُ يَحُطُّ اَلْخَطَايَا فِي أَهْوَنِ اَلْأَمْرَاضِ اَلْمُتَكَرِّرَةِ؛ فَالْحُمَّى اَلَّتِي تُصِيبُ جَمْعًا مِنْ اَلنَّاسِ فِي مُنَاسَبَاتٍ عَدِيدَةٍ يَحُطُّ اَللَّهُ تَعَالَى بِهَا خَطَايَا اَلْإِنْسَانِ وَذُنُوبَهَ، وَهُوَ مَرَضٌ عَارِضٌ فَكَيْفَ بِالْأَمْرَاضِ اَلْفَتَّاكَةِ أَوْ اَلْأَمْرَاضِ اَلْمُزْمِنَةِ أَوْ اَلْأَمْرَاضِ اَلَّتِي لَا يَنْفَكُّ عَنْهَا أَصْحَابُهَا عُمْرًا مَدِيدًا وَزَمَنًا طَوِيلاً، إِنَّهَا مِنْ أَسْبَابِ حَطَّ اَلْخَطَايَا مَتَى مَا اِحْتَسَبَ اَلْإِنْسَانُ ذَلِكَ عِنْدَ اَللَّهِ وَصَبَرَ عَلَى مَا نَزَلَ بِهِ مِنْ اَلْمَكْرُوهِ.
وَهَذَا لَا يَعْنِي أَنْ يَطْلُبَ اَلْمَرَضَ، وَلَا أَنْ يَسْتَسْلِمَ لَهُ؛ بَلْ إِنَّ ذَلِكَ يَعْنِي أَنْ يَحْتَسِبَ اَلْإِنْسَانُ أَجْرًا عِنْدَ اَللَّهِ – عَزَّ وَجَلَّ - فِيمَا نَزَلَ بِهِ مِنْ اَلْمَكْرُوهِ، وَأَنَّ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ أَصَابَهُ مَرَضٌ حَتَّى صَارَ كَالْفَرْخِ صِغَرًا وَوَهْنًا وَضَعْفًا فَقَالَ لَهُ اَلنَّبِيُّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هلْ كُنْتَ تَدْعُو بشيءٍ، أَوْ تَسْأَلُهُ إيّاهُ؟ قالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أَقُولُ: اللَّهُمَّ ما كُنْتَ مُعاقِبِي به في الآخِرَةِ، فَعَجِّلْهُ لي في الدُّنْيا» تَعَجُّبًا لِهَذَا اَلدُّعَاءِ وَاسْتِغْرَابًا لِهَذَا اَلسُّؤَالِ اَلَّذِي سَأَلَ لَهُ أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ اَلْعُقُوبَةُ فِي اَلدُّنْيَا فَنَزَلَ بِهِ هَذَا اَلْمَرَضُ اَلَّذِي أَبْرَاهُ وَنَزَلَ بِهِ مَا نَزَلَ مِنْ اَلضَّعْفِ وَالْوَهَنِ هَكَذَا يَقُولُ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سُبْحانَ اللهِ لا تُطِيقُهُ، أَوْ لا تَسْتَطِيعُهُ، أَفلا قُلْتَ: اللَّهُمَّ آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنا عَذابَ النّارِ قالَ: فَدَعا اللَّهَ له، فَشَفاهُ»صحيح مسلم (2688(.
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: عِبَادَ اَللَّهِ؛ إِنَّ اَلنَّبِيَّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَ إِلَى اَلنَّاسِ بِخَيْرِ اَلدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، جَاءَ بِإِصْلَاحِ مَعَاشِهِمْ وَإِصْلَاحِ مَعَادِهِمْ، وَمِمَّا تَصْلُحُ بِهِ أَحْوَالُ اَلنَّاسِ مَا جَاءَتْ بِهِ اَلسُّنَةُ فِي مُقَابَلَةِ اَلْأَوْبِئَةِ وَالْأَمْرَاضِ وَمَا يُصِيبُ اَلنَّاس مِنْ اَلْمَكْرُوهِ مِنْ اَلْمَرَضِ، فَإِنَّ أَعْظَمَ مَا تُقَابَلُ بِهِ أَقْضِيَةُ اَللَّهِ اَلْمَكْرُوهَةُ وَأَعْظَمُ مَا يَبْلُغُ بِهِ اَلْإِنْسَانُ مَا يُؤَمِّلُهُ مِنْ اَلْآمَالِ اَلْمَحْبُوبَةِ، أَنْ يَصَْدُقَ فِي تَوَكُّلِهِ عَلَى اَللَّهِ –عَزَّ وَجَلَّ- ؛ فَالتَّوَكُّلُ عَلَى اَللَّهِ وَالثِّقَةُ بِهِ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَدْفَعُ اَللَّهُ بِهِ اَلْمَكَارِهَ، قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾الطلاق: 3
فَإِنْ صَدَقَ اَلْعَبْدُ فِي تَوَكُّلِهِ عَلَىَ اَللَّهِ – عَزَّ وَجَلَّ - دَفَعَ اَللَّهُ عَنْهُ مَا يَكْرَهُ، وَبَلَّغَهُ مَا يُؤْمِّلُ وَحَصَلَ بِذَلِكَ مَا يَسْلَمُ بِهِ مِنْ كُلِّ شَرٍّ وَسُوءٍ فِي نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ وَبَلَدِهِ وَسَائِرِ شَأْنِهِ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ.
فَاصْدُقُوا فِي اَلتَّوَكُّلِ عَلَى اَللَّهِ، وَأَيْقَنُوا إِنَّهُ لَا كِفَايَةَ لَكُمْ وَلَا دَفْعَ لِمَكْرُوهٍ نَازِلٍ بِكُمْ، إِلَّا بِاَللَّهِ قَالَ تَعَالَى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾الزمر: 36 فَاَللَّهُ هُوَ اَلَّذِي يَكْفِيكَ فَإِنَّ حَسَبَكَ اَللَّهَ وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ قَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ﴾الأنفال: 64 أَيْ اللهُ كافيك ما تكْرَهُ ومُبلِّغُكَ ما تُؤَمِّلُ ﴿حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾الأنفال: 64
فَبِقَدْرِ اَلْإِيمَانِ وَالِاتِّبَاعِ يُدْرِكُ اَلنَّاسُ اَلْكِفَايَةَ مِنَ اَللَّهِ –عَزَّ وَجَلَّ- فَتَوكَلُوا عَلَى اَللَّهِ وَاصدُقُوا مَعَهُ فِي اَلِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ وَابْشُرُوا فَإِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى يُبَلِّغُكُمْ بِالتَّوَكُّلِ اَلسَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَشَرٍّ حَتَّى مِنْ اَلْأَمْرَاضِ اَلْمُعْدِيَةِ.
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى اَلنَّبِيِّ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَجْذُوما فِيهِ جُذَامُ وَهُوَ مِنْ اَلْأَمْرَاضِ اَلْمُعْدِيَةِ، فَأَمْسَكَ اَلنَّبِيُّ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدَيْهِ وَوَضَعَهَا فِي اَلْقَصْعَةِ أَيْ فِي إِنَاءِ اَلطَّعَامِ اَلَّذِي يَأْكُلُ مِنْهُ وَأَكَلَ مَعَهُ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكِنَّ اُنْظُرْ مَاذَا قَالَ؟ قالَ: «بسم اللهِ ثِقَةً باللهِ إيمانا بالله وتوكُّلا عليهِ»سنن الترمذي (1817)، وَقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَضَعَّفَهُ اَلْأَلْبَانُِّي فَمَنْ صَدَقَ اَللَّهَ فِي تَوَكُّلِهِ وَاعْتِمَادِهِ، فِي دَفْعِ مَا يَكْرَهُ نَالَ بِذَلِكَ كُلَّ مَا يُؤْمِّلُ وَلَوْ كَانَ قَدْ تَعَرَّضَ لِأَسْبَابِ اَلْهَلَاكِ مِنْ غَيْرِ اِخْتِيَارٍ أَوْ تَعَرُّضٍ لِأَسْبَابِ اَلْهَلَاكِ لِسَبَبٍ مِنْ اَلْأَسْبَابِ.
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: عِبَادَ اَللَّهِ؛ تَوَكَّلُوا عَلَى اَللَّهِ وَأَمِّلُوُا مِنْهُ خَيْرًا، وَلَا يَعْنِي هَذَا أَلَّا يَأْخُذَ اَلْإِنْسَانُ اَلْأَسْبَابَ، فَإِنَّ اَلنَّبِيَّ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيَّنَ عَظِيمَ فَضلِ اَلتَّوَكُّلِ، وَعَظِيمَ أَجْرِهِ، وَعَظِيمَ اَلْكِفَايَةِ بِه، وَهُوَ سَبَبٌ مِنْ اَلْأَسْبَابِ إِلَّا أَنَّهُ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَلَّنَا عَلَى أَسْبَابٍ عَدِيدَةٍ يَحْصُلُ بِهَا دَفْعُ اَلْمَكْرُوهِ، وَالسَّلَامَةِ مِنْ اَلْمُخَوِّفِ اَلْمَرْهُوبِ مِنْ اَلْأَمْرَاضِ وَسَائِرِ اَلْآفَاتِ.
«اللَّهُمَّ إني أعوذُ بكَ من مُنكراتِ الأخلاقِ والأعمالِ والأَهواءِ والأدواءِ»سنن الترمذي (3591)، وقال: هذا حديث حسن غريب وَالْأَدْوَاءُ جَمْعُ دَاءٍ فَكَانَ يَسْتَعِيذُ بِاَللَّهِ مِنْ مُنْكَرَاتِ اَلْأَدْوَاءِ يَعْنِي مَا يُسْتَنْكَرُ وَيُسْتَغْرَبُ، وَلَا يُوجَدُ لَهُ دَوَاءٌ أَوْ يُؤْذِي أَذًى عَظِيمًا مِنْ اَلْأَمْرَاضِ، وَقَدْ خَصَّ جُمْلَةً مِنْ اَلْأَمْرَاضِ بِالِاسْتِعَاذَةِ، فَكَانَ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي دُعَائِهِ يَسْتَعِيذُ فَيَقُولُ: «اللهم إنِّي أعوذُ بك من البَرَصِ والجنونِ والجُذامِ» وَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَمْرَاضٍ ثُمَّ يَقُولُ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي اَلْعُمُومِ: «ومِنْ سَيِّئِ الأسْقامِ»سنن أبي داود (5154)، وَقَالَ اَلْأَلْبَانُِّي: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْط مُسْلِم
فَالدُّعَاءُ مِنْ أَسْبَابِ اَلْوِقَايَةِ مِنْ اَلْأَمْرَاضِ وَالْحِفْظِ مِنْهَا، فَالجَئوُا إِلَى اَللَّهِ – عَزَّ وَجَلَّ - فِي وِقَايَتكُمْ مِنْ اَلْأَمْرَاضِ قَبْلَ نُزُولِهَا، وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يُجْهِدَ اَلْإِنْسَانُ فِي اَلْمُحَافَظَةِ عَلَى أَذْكَارِ اَلصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ، وَأَذْكَارَ اَلْمُنَاسَبَاتِ اَلَّتِي تَقِي اَلْأَخْطَارَ.
فَالنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي كُلِّ صَبَاحٍ وَمَسَاءٍ
بسمِ اللَّهِ الَّذي لا يضرُّ معَ اسمِهِ شيءٌ، في الأرضِ، ولا في السَّماءِ» سنن الترمذي (3388)، وَقَالَ : حَدِيثُ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، وَسَاقَ قِصَّةَ أَبَانَ رَاوِي هَذَا اَلْحَدِيثِ أَبَان بنُ عُثْمَانَ رَضِيَ اَللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كَانَ قَدْ أَصَابَهُ مَرَضُ وَهُوَ رَاوِي هَذَا اَلْحَدِيث، فَلَمَّا حَدَثَ بِهِ نَظَرَ إِلَيْهِ رَجُلٌ يَعْنِي كَيْفَ تُحَدِّثْ بِهَذَا اَلْحَدِيثِ اَلَّذِي فِيهِ أَنَّهُ مَنْ قَالَ: «بسمِ اللَّهِ الَّذي لا يضرُّ معَ اسمِهِ شيءٌ، في الأرضِ، ولا في السَّماءِ لمْ يُصِبْهُ أذى ولم يضره شيء يومه ذلك أو ليلته تلك» وَأَنْتَ قَدْ نَزَلَ بِكَ شَيْءُ مِنْ اَلْمَرَضِ، فَأَجَابَهُ أَنَّ هَذَا عَنْ غَفْلَةٍ مِنْهُ عَنْ هَذَا اَلذِّكْرِ فِي يَوْمٍ مِنَ اَلْأَيَّامِ، فَأَمْضَى اَللَّهُ قَدْرَهُ وَمَا قَضَاهُ وَحَكَمَ بِهِ مِنْ نُزُولِ اَلْمَكْرُوهِ بِهِ فَنَسِيَ هَذَا اَلذِّكْرَ فَنَزَلَ بِهِ اَلْمَكْرُوهُ.
فَحَافِظُوا عَلَى أَذْكَارِ اَلصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ، وَادْعَوُا اَللَّهَ –عَزَّ وَجَلَّ- صَادِقِينَ، وَأمِّلُوا مِنْهُ اَلْعَطَاءَ فَإِنَّ اَللَّهَ لَا يُخْلِفُ اَلْمِيعَادَ وَالدُّعَاءُ مِنْ أَعْظَمِ اَلْأَسْبَابِ بَلْ هُوَ أَعْظَمُ اَلْأَسْبَابِ وَأَقْوَاهَا فِي إِدْرَاكِ اَلْمَطَالِبِ وَتَحْصِيلِ اَلْمَرْغُوبَاتِ.
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: حَافَظُوا عَلَى مَا أَمَرَكُمْ اَللَّهُ تَعَالَى بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ مِنْ اَلصَّلَوَاتِ وَالطَّاعَاتِ، وَالطَّهَارَةِ فَالطَّهَارَةُ شَطْرُ اَلْإِيمَانِ وَهِيَ نَقَاءٌ مِنْ اَلْأَوْزَارِ وَالْآثَامِ، وَالشُّرُورِ وَالْآفَاتِ وَالْأَمْرَاضِ.
قَالَ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَرَأَيْتُمْ لو أنَّ نَهْرًا ببابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ منه كُلَّ يَومٍ خَمْسَ مَرّاتٍ، هلْ يَبْقى مِن دَرَنِهِ شيءٌ؟ قالوا: لا يَبْقى مِن دَرَنِهِ شيءٌ»صحيح البخاري (528)، ومسلم (667) فَخُذُوا بِالْأَسْبَابِ وَاعْمَلُوا بِهَا وَعَلِّقُوا قُلُوبَكُمْ بِاَللَّهِ اَلَّذِي لَهُ اَلْأَمْرُ كُلُّهُ وَهُوَ – سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ - لَا يُخْلِفُ اَلْمِيعَادَ، فَاَللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ اَلْحِفْظَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَشَرٍّ، وَأَنْ يُعِينَنَا عَلَى كُلِّ بِرٍّ وَطَاعَةٍ، وَأَنْ يُقِرَّ أَعْيُنَنَا بِمَا فِيهِ صَلَاحُ أَحْوَالِنَا وَاسْتِقَامَةِ شُئُونِنَا فِي دِينِنَا وَدُنْيَانَا وَبِلَادِنَا، أَقُولُ هَذَا اَلْقَوْلَ وَأَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ اَلْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفَرُوهُ إِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُورُ اَلرَّحِيمُ.
الخطبة الثانيةُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَحْمَدُهُ حَقَّ حَمْدِهِ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْهِ، هُوَ كَمَا أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ اِتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ اَلدِّينِ. أمَّا بَعد:
فَاتَّقُوا اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ؛ وَاسْأَلُوا اَللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ وَالْوِقَايَةَ مِنْ كُلِّ شَرٍّ وَمَكْرُوهٍ، وَاعْتَمَدُوا عَلَيْهِ فِي تَحْصِيلِ اَلْمَطَالِبِ وَخُذُوا بِأَسْبَابِ اَلسَّلَامَةِ فَإِنَّ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ دَلَّنَا عَلَى مَا فِيهِ صَلَاحُ دِينِنَا وَدُنْيَانَا فَقَدْ سَبَقَ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى بَيَانِ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَامَلَ بِهِ اَلْإِنْسَانُ فِيمَا إِذَا نَزَلَ وَبَاءٌ أَوْ مَرَضٌ أَوْ شَرٌّ عَامٌ بِالنَّاسِ فِي أَبْدَانِهِم، فَقَدْ قَالَ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي اَلصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ اِبن عَبَّاس وَغَيْرِهِ «إذا سمِعْتُمْ بِهِ أي الطاعون فلا تدْخُلُوا علَيْهِ، وإذا وقع بأرْضٍ وأنتم بِها فلا تَفِرُّوا منْهُ»صحيح البخاري (3473) ومسلم (2218) وَهَذَا بَيَانٌ لِأَصْلٍ مِمَّا يَتَوَقَّى بِهِ اَلنَّاسُ اَلشُّرُورَ وَهُوَ اَلْحَجْرُ اَلصِّحِّيُّ اَلْعَامُّ.
فَإِنَّ اَلنَّبِيَّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَهْلَ اَلْبِلَادِ اَلَّتِي نَزَلَ بِهَا اَلطَّاعُونُ أَلَّا يَخْرُجُوا مِنْهَا حَتَّى لَا يَنْتَشِرَ اَلْوَبَاءُ، وَأَلَّا يَشِيعَ بَيْنَ اَلنَّاسِ اَلضَّرَرُ، وَمَنْ كَانَ خَارِجًا عَنْهَا فَلَا يُقْدِمُ عَلَيْهَا، وَهَذَا تَوْجِيهٌ نَبَوِيٌّ فَعَلَهُ عُمَرْ رَضِيَ اَللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَعَ أَصْحَابِ اَلنَّبِيِّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَمَا نَزَلَ اَلطَّاعُونُ بِأَرْضِ البخاري(5729)، ومسلم(2219).
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ مِمَّا وَجَّهَ إِلَيْهِ اَلنَّبِيُّ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي تَدَابِيرِ اَلْوِقَايَةِ مِنْ اَلْأَوْبِئَةِ وَالْأَمْرَاضِ أَنْ يَأْخُذَ اَلْإِنْسَانُ اَلْأَسْبَابَ اَلْمُوجِبَةَ لِلسَّلَامَةِ مِنَ اَلْمَرَضِ، اَلْوَاقِيَةَ مِنْ اَلشَّرِّ وَمِنْ ذَلِكَ ألَّا يُخَالِطَ اَلْمَرْضَى بِالْأَمْرَاضِ اَلْمُعْدِيَةِ فَقَدْ قَالَ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا فِي اَلصَّحِيحِ: «فِرَّ منَ المَجْذُومِ» أي مَنْ بهِ مرَضُ الجُذامِ وهُوَ مَرَضٌ مُعدٍ «فِرَّ مِنَ المَجْذُومِ فراركَ مِنَ الأَسَدِِ»صحيح البخاري (5707) وقال –صلى الله عليه وسلم-: «لا يُورِدُ مُمْرِضٌ على مُصِحٍّ»صحيح البخاري (5771)، ومسلم (2221)
فَذَاكَ تَنْبِيهٌ قَوْلِيٌ أَنْ يَتَوَقَّى اَلْإِنْسَانُ اَلِاخْتِلَاطَ بِالْمَرِيضِ.
وَقَدْ جَاءَ عَنْهُ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَحِيحِ اَلْإِمَامِ مُسْلِمٍ تَرْجَمَةُ ذَلِكَ عَمَلاً، فَقَدْ جَاءَ فِي اَلصَّحِيحِ أَنَّ وَفْدَ ثَقِيفٍ لِمَا وَفَدُوا إِلَى اَلنَّبِيِّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُبَايَعُوهُ كَانَ فِيهِمْ رَجُلاً مَجْذُومًا كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ اَلنَّبِيُّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «إنّا قدْ بايَعْناكَ فارْجِعْ»صحيح مسلم (2231) فَبَايَعَهُ وَلَم يُبَاشِرْهُ خِلْطَتَهُ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا اَلْحَدِيثُ فِي صَحِيحٍ مُسْلِمٍ وَهُوَ دَالٌ عَلَى أَنَّهُ تُؤْخَذُ اَلْأَسْبَابُ اَلَّتِي يُتَوَقَّى بِهَا اَلشَّرُّ.
فَكُلُّ مَا يَكُونُ مِنْ أَسْبَابِ اَلْوِقَايَةِ مِمَّا يَتَوَقَّى بِهِ اَلنَّاسُ اَلشُّرُورَ وَالْأَمْرَاضَ وَالْأَوْبِئَةَ، فَيَنْبَغِي أَلَّا يَتَخَلَّفَ عَنْهُ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ هَدْيِ اَلنَّبِيِّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ إِذَا نَزَلَ اَلدَّاءُ وَالْبَلَاءُ بِأَحَدٍ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّىَ ذَلِكَ بَالِلْجَأْ إِلَى اَللَّهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَالثِّقَةِ بِهِ، وَإِنْزَالَ اَلْحَاجَةِ بِهِ وَيَفْعَلُ اَلْأَسْبَابَ وَمِنْ ذَلِكَ طَلَبُ اَلدَّوَاء، فَإِنَّهُ مَا أَنْزَلَ اَللَّهُ مِنْ دَاءٍ إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً، فَمَا مِنْ دَاءٍ إِلَّا وَقَدْ جَعَلَ اَللَّهُ تَعَالَى لَهُ دَوَاءً، عِلِمَهُ مَنْ عِلْمِهِ وَجَهْلِهِ مِنْ جَهْلِهِ، فَلْيَبْذُلِ اَلْإِنْسَانُ اَلْأَسْبَابَ فِي تَوَقِّي اَلْأَخْطَارِ، وَهُوَ مَأْجُورٌ عَلَى أَخْذِ اَلسَّبَبِ اَلَّذِي يَحْتَسِبُ فِيهِ اَلْأَجْرَ عِنْدَ اَللَّهِ وَيَصْبِرُ عَلَى مُصَابِهِ وَيُطِيعُ فِيهِ أَمْرَ اَللَّهِ – عَزَّ وَجَلَّ - فِي أَحْوَالِهِ وَشُئُونِهِ، هَذِهِ بَعْضُ اَلتَّدَابِيرِ اَلْوَاقِيَةِ، اَلَّتِي يَتَوَقَّى بِهَا اَلْإِنْسَانُ مَا يَخْشَى خَوْفَهُ مِنَ اَلْأَمْرَاضِ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اَلْمَرَضَ جُنْدٌ مِنْ جُنُودِ اَللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، يُذْكِّرُ اَللَّهُ تَعَالَى بِهِ اَلْإِنْسَانَ خَاصَّةً، وَيُذْكَّرُ بِهِ اَلْإِنْسَانَ عَلَى وَجْهِ اَلْعُمُوم، وَالْمُؤْمِنُ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ وَفِي كُلِّ شُئُونِهِ مُعَلَّقٌ قَلْبَهُ بِاَللَّهِ – عَزَّ وَجَلَّ - يَرْجُو مِنْهُ اَلسَّلَامَةَ وَيُؤْمِّلُ مِنْهُ اَلْعَطَاء، يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ وَيَتَوَكَّلُ بِه، وَيَثِقُ بِمَوْعُودِهِ وَيَصْبِرُ عَلَىَ قَضَائِهِ وَقَدْرِهِ وَيَلْزَمُ شَرْعَهُ مَا اسْتَطَاعَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا، وَبِذَلِكَ يَفُوزُ وَيَنْجُو وَيُدْرِكُ فَوْزَ اَلدُّنْيَا وَفَوْزَ اَلْآخِرَةِ.
اَللَّهُمَّ اِجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ اَلْمُتَّقِينَ وَحِزْبَكَ اَلْمُفْلِحِينَ وَأَوْلِيَائِكَ اَلصَّالِحِين، اَللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ اَلْآفَاتِ وَالْأَسْقَامِ، اَللَّهُمَّ قِنَا وَالْبَشَرِ جَمِيعِهِمْ مَا يَنْتَشِرُ مِنْ اَلْأَمْرَاضِ وَالْأَوْبِئَةِ، اَللَّهُمَّ عُمَّ اَلْبِلَادَ وَالْعِبَادَ بِمَا فِيهِ اَلْخَيْرُ وَالْفَضْلُ يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنَّ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرَحمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ اَلْخَاسِرِينَ، اَللَّهُمَّ أمِّنَّا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلِح أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا وَاجْعَلْ وِلَايَتَنَا فِيمَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ يَا رَبَّ اَلْعَالَمَيْنِ، اَللَّهُمَّ وَفِّق وَلِيَّ أَمْرِنَا خَادِمَ اَلْحَرَمَيْنِ اَلشَّرِيفَيْنِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، سَدِّدْهُمْ فِي اَلْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، رَبَّنَا آتِنَا فِي اَلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي اَلْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ اَلنَّارِ، اَللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، وَنَسْأَلُكُ اَلْهُدَى وَالْتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالرَّشَادَ وَالْغِنَى، اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا اَلَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ، وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ.