×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة (181) موقف المسلم من الأوبئة في ضوء السنة

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:1880

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نحييكم تحية طيبة عبر أثير إذاعة نداء الإسلام من مكة المكرمة في بداية هذه الحلقة لبرنامج الدين والحياة، والتي نستمر معكم فيها على مدى ساعة كاملة بمشيئة الله تعالى، في بداية هذه الحلقة مستمعينا الكرام تقبلوا تحياتي محدثكم وائل حمدان الصبحي، ومن الإخراج زميلي سالم بالقاسم ولؤي الحلبي.
مستمعينا الكرام ضيف حلقات برنامج الدين والحياة هو فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم فضيلة الشيخ السلام عليكم وأهلا وسهلا بك معنا في بداية هذه الحلقة.
الشيخ:- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حياك الله أخي وائل وحيا الله الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات حياكم الله.
المقدم:- أهلًا وسهلًا فضيلة الشيخ، بمشيئة الله تعالى مستمعينا الكرام حلقات برنامج الدين والحياة تناقش موضوعات تهم المسلم في أمور دينه ودنياه، ويسعد بها بمشيئة الله تعالى في دنياه وآخرته نسلط الضوء على هذه الموضوعات من خلال كتاب الله –عز وجل- وسنة المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه ما تركت الشريعة أمرًا طيبًا إلا وحدثتنا إليه، وما تركت أمرًا خبيثًا إلا ودعتنا لاجتنابه، في هذه الحلقة مستمعينا الكرام سنتحدث حول (موقف المسلم من الأوبئة في ضوء السنة).
ابتداء فضيلة الشيخ بودي أن نتحدث عن هذا الموضوع، وقبل أن نتحدث عن هذه الجزئية تحديدًا عن موقف المسلم من الأوبئة في ضوء سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام، بودي أن نتحدث عن نبرة الشرع وموقف الشرع الحكيم للمرض وكيف ينظر الإسلام للمرض وأنه ابتلاء وتكفير للخطايا في حياة المسلم، نريد النظرة الشمولية والنظرة الكاملة من الشرع الحكيم لهذه الأمراض.
الشيخ:- الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم أحمده حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد..
فهذا الموضوع موضوع المرض هو من الموضوعات الحية التي يحتاج الإنسان فيها إلى نوع من البصيرة لفهم ما يتعلق بهذا القدر الذي يجريه الله تعالى على الناس.
الصحة نعمة عظيمة من نعم الله تعالى على بني آدم، ولذلك أسبغ الله تعالى على الخلق هذه النعمة وتفضل بها عليهم وذكَّرهم بها جل في علاه، فخلق الإنسان في أحسن تقويم، أمدَّه بالنعم في القوة والقدرة، وأخبر عن أطوار حياة الإنسان وتقلُّبه من الضعف إلى القوة ثم إلى الضعف والشيبة، وهو في كل هذه المراحل هو في ابتلاء واختبار يرى الله تعالى منه ما يكون من صدقه وإيمانه وإقباله في عطائه ومنعه، في صحته ومرضه.
الصحة نعمةٌ ولذلك قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «نِعمتانِ مَغْبونٌ فيهما كثيرٌ مِنَ النّاسِ الصِّحَّةُ والفَراغُ»صحيح البخاري (6412) .
وجعل النبي –صلى الله عليه وسلم- سلامة البدن ومعافاته من الآفات والأسقام من أعظم ما يتفضل الله تعالى به على الإنسان قال –صلى الله عليه وسلم-: «مَن أصبحَ مِنكُم آمِنًا في سِرْبِه» يعني في مكانه وبين أهله وفي بلده «مُعافًى في جسَدِهِ» أي سليمًا من الآفات والأمراض «عندَهُ قُوتُ يَومِه، فَكأنَّما حِيزَتْ له الدُّنْيا بحذافيرِها»سنن الترمذي (2346) وقال: هذا حديث حسن غريب  فجعل النبي –صلى الله عليه وسلم- هذه المقوِّمات الثلاثة الأمن، والصحة، والكفاية الاكتفاء الغذائي هي من مقومات النعم هي ملخص ما في الدنيا من نعيم فإنه لا يتحقق الإنسان أي مقصود من التلذذ والتنعم بما ينعم الله تعالى به عليه في الدنيا، إلا بهذه الأمور الثلاثة أن يجد كفايةً في طعامه وقوته، أن يجد أمنا في مقامه ومكانه على نفسه وممتلكاته، أن يجد عافية في بدنه تغنيه عن كل ما يكون من العوارض التي تُعيقه عن بلوغ ما يؤمل من خير الدنيا وكذلك خير الآخرة.
المرض بلاء يبتلي الله تعالى به الناس، ولذلك جاءت الأحاديث في سؤال الله –عز وجل- السلامة منه وطلب العافية منه على وجه العموم وعلى وجه الخصوص، على وجه العموم في سؤال الله –عز وجل- السلامة من الآفات والأمراض وسيء الأسقام، وكان من دعاء النبي –صلى الله عليه وسلم- ذلك فقد دعا النبي –صلى الله عليه وسلم- في غير ما أحاديث في السلامة من الآفات، فمن ذلك ما جاء في سنن الترمذي بإسناد لا بأس به أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بكَ من منكراتِ الأخلاقِ والأعمالِ والأهواءِ والأدواءِ»سنن الترمذي (3591) وقال: حديث حسن غريب .
هذا بيان واضح لخطورة الأدواء وأنه مما يطلب الله تعالى أن يحمي منها، وأما الدعاء بالسلامة من آفات خاصة فقد جاء قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بكَ مِن البَرَصِ والجُنونِ والجُذامِ» ثم بعد هذا التعيين لهذه العوارض الصحية الثلاثة البدنية والذهنية قال: «ومِن سَيِّئِ الأسقامِ»سنن أبي داود (1454)، والنسائي (5493) وصحح الألباني إسناده  يعني ما يسوم الإنسان من الأمراض التي تصيب الأبدان، وتنزل به ما يكره من تعبٍ وأوجاع بدنه وما إلى ذلك.
فالنبي –صلى الله عليه وسلم- سأل الله تعالى السلامة من الأمراض، لما فيها من الخروج عن الحال السويَّة التي يدرك بها الإنسان مصالح معاشه ومعاده، كما أنه النبي –صلى الله عليه وسلم- وجَّه رجلًا سأل الله أن يعجل له العقوبة في الدنيا بأن يترك ذلك، فقد دخل النبي –صلى الله عليه وسلم- على رجل وقد بلغ به المرض مَبلغًا عظيمًا حتى ضعف فصار كالفرخ من حيث حجمه وضعفه فقال له النبي –صلى الله عليه وسلم-: «ما كُنْتَ تدعو بشيءٍ أو تسأَلُ؟ قال: كُنْتُ أقولُ: اللَّهمَّ ما كُنْتَ مُعاقِبَني به في الآخِرةَ فعجِّلْه في الدُّنيا» يعني ما كنت ستعذبني به في الآخرة لتقصيري وعدم قيامي بما يجب، فعجله لي في الدنيا، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «سُبحانَ اللهِ لا تستطيعُه أو لا تُطيقُه قُلِ: اللَّهمَّ آتِنا في الدُّنيا حَسنةً وفي الآخرةِ حَسنةً وقِنا عذابَ النّارِوهذا توجيه نبوي ألا يدعو الإنسان بمثل هذا الدعاء، ثم بين له ما ينبغي أن يدعو به فقال: «قُلِ: اللَّهمَّ آتِنا في الدُّنيا حَسنةً وفي الآخرةِ حَسنةً وقِنا عذابَ النّارِ» صحيح مسلم (2688) 

فمنحسنة الدنيا السلامة من الأمراض، من حسنة الدنيا التي تسأل بهذا الدعاء" اللهم آتنا في الدنيا حسنة" أن يقيك الله تعالى الأسقام والأمراض والآفات في بدنك سواء كانت أمراضًا عارضة، أو أمراضًا مستديمة، أو أمراضًا وبائية عارضة تصيب عموم الناس.
ولذلك دعا له النبي –صلى الله عليه وسلم- لهذا الرجل الذي سأل الله ما سأل من أن يعجل له العقوبة في الدنيا فشفاه الله –عز وجل- حديث صحيح في صحيح الإمام مسلم
وهذا يبين أن المؤمن ينبغي ألا يعرض نفسه لأسباب المرض، لا بدعائه ولا بعمله بل ينبغي له أن يسأل الله تعالى العافية وأن يعلم أن المرض ليست حالة مرغوبة، بل ينبغي أن يبادر إلى أن يأخذ بأسباب العافية والشفاء ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، فإذا نزل به مرض وأصيب به، ففي هذه الحال ينبغي له أن يصبر ويحتسب ويبذل أسباب العلاج فالنبي –صلى الله عليه وسلم- بين ما ينبغي أن يكون عليه المؤمن في شأن ما ينفُذ به من الأمراض، وسنأتي عليه إن شاء الله تعالى على وجه التفصيل.
فالنبي –صلى الله عليه وسلم- وجَّه إلى علاجات خاصة، وإلى طلب العلاج على وجه العموم، ووجَّه أيضًا إلى الصبر على ما يقضيه الله –عز وجل- على الإنسان من الأمراض التي تنزل به، فمن الناس من إذا نزل به المرض سبَّ المرض أو جذع منه ونحو ذلك مما يتصل بهذا الأمر، فيخرج بذلك عن الهدي النبوي الذي ينبغي أن تُقابَل به مثل هذه الحوادث، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم دخل على رجل أو على امرأة كانت محمومةً فيها حمَّى فلعنت الحمى أو سبتها فنهى النبي –صلى الله عليه وسلم- عن ذلك وأمرها بالصبر وترك هذا المقال، وأخبرها بأن صبرها يكون فيه من الأجر والفضل ما يحط الله تعالى به الخطايا.
ففي ما رواه في الصحيح أن النبي –صلى الله عليه وسلم-: دخل على امرأة فقال لها: ما لكِ «تُزَفْزِفِينَ؟ قالَتْ: الحُمّى، لا بارَكَ اللَّهُ فِيها، فَقالَ: لا تَسُبِّي الحُمّى، فإنَّها تُذْهِبُ خَطايا بَنِي آدَمَ، كما يُذْهِبُ الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ»صحيح مسلم (2575)  فهذا الحديث النبوي يبين أنه ينبغي إذا نزل بالإنسان ما يكره من المرض أن يحتسب فيه الأجر عند الله، وألا يقابل ذلك بالجذع والضجر والتسخط والقول الرديء، بل يصبر ويحتسب، وينظر إلى الأمر من جهة أن الله تعالى يحط الخطايا، فالأمراض تحط الخطايا.
الحمى معلوم أنه مرض عارض يصيب الإنسان، فإن كانت الخطايا الحمى تُذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد، فكيف بالأمراض المستديمة؟، الأمراض الخطيرة، الأمراض الشديدة، لاشكَّ أن تكفيرها الخطايا وإذهابها لما يكون من السيئات وأيضًا ما يحصل بها من الأجور والثواب أمرٌ كبير عظيم.

 نسأل الله تعالى أن يشفي المرضى وأن يرزقنا وإياهم الاحتساب والصبر على ما نزل بهم من مرض سواء كان عارضًا أو ممتدًّا.
فالخلاصة أن الشريعة جاءت ببيان طلب الوقاية من الأمراض على وجه العموم، وجاءت بالتوجيه إلى الصبر عليها إذا نزلت بالإنسان، وأن يتذكر الإنسان أن المرض مما يوجب الأجر إذا صبر عليه الإنسان ويحطُّ الخطايا والسيئات عنه.
المقدم:- فضيلة الشيخ قبل أن نذهب إلى فاصل أول في هذه الحلقة، في مثل هذه الأوقات قد يكثر الدعاء الذي ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام، أسأل عن مشروعية استخدام مثل هذه الأدعية وإسقاطها على الواقع الحالي الحديث الذي ذكرته في قول النبي: «اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بكَ مِن البَرَصِ والجُنونِ والجُذامِ ومِن سَيِّئِ الأسقامِ».
الشيخ:- هو الدعاء لم يكن لسبب، يعني لم يكن هذا في إثر مرض انتشر، إنما كان دعاء نبويًّا مما يدعو به في سائر أحواله صلوات الله وسلامه عليه، لكن عندما تأتي موجباتُ ذلك بانتشار أوبئة أو أسقام أو أمراض، فإن الإنسان يدعو بمثل هذا الدعاء وأشباهه من الأدعية التي وردت عن النبي –صلى الله عليه وسلم- وهذا الدعاء لم يرد في سنة النبي –صلى الله عليه وسلم- على سببٍ، يعني لم يكن هناك وباء أو مرض فدعا بهذا الدعاء، إنما نقل عنه من الأدعية النبوية الثابتة عنه أنه كان يقول: «اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بكَ مِن البَرَصِ والجُنونِ والجُذامِ ومِن سَيِّئِ الأسقامِ» فيدعو الإنسان به، وأنا أذكر نفسي وإخواني بالدعاء في كل الأحوال.
الإنسان إذا دعا الله –عز وجل- في الرخاء وجد منه إجابة في الشدة، فلا يغفل الإنسان عن الالتجاء إلى الله تعالى في كل الأحوال، فإن ذلك من خصال أهل الإيمان، وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «تعرَّفْ إلى اللهِ في الرَّخاءِ يعرِفْك في الشِّدَّةِ»مسند أحمد (2803) وقال محققو المسند: حديث صحيح  فدعاء الله بهذا الدعاء وبغيره في عموم الأوقات هو من المشروع للمؤمن ومما يشكر به نعم الله تعالى ويدرك به عظيم نعمه.
في الصحة يغفل الإنسان عن النعمة، يعني الإنسان يقوم ويمشي ويأكل ويشرب ويذهب ويجيء ويخالط، وهو في عافية تمهله عن أن هذه نعم وعطايا وهبات، وإذا أردت أن تعرف قدر هذه النعمة انظر إلى من سُلبت منه هذه النعم، الذي لا يستطيع المشي، الذي لا يستطيع الحركة، الذي حبسه المرض في مكانه، لاشك أنه يدرك عظيم إنعام الله عليه بمشاهدة حال من سلبها، أو بأن يسلبها، والله حكيم يصيب الإنسان أحيانًا حتى الأمراض العارضة تصيبك وتقعدك، الزكام أحيانًا يصيبك حمَّى تصيبك، ألمٌ في بعض أجزائك يصيبك فتستشعر به عظيم النعمة التي كنت فيها، مع أن العارض في تصنيف الأمراض عارض يسير ليس بالكبير ولا بالخطير، ومع ذلك أعاقك وعطل برنامجك واختلَّ سير حياتك المعتاد.

 فلنحمد الله ولنسأل الله السلامة «اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بكَ مِن البَرَصِ والجُنونِ والجُذامِ ومِن سَيِّئِ الأسقامِ».
المقدم:- فضيلة الشيخ في الجزء هذا الذي نتحدث عنه، نريد أن نتحدث أيضًا استكمالًا لحديثنا السابق عن موقف المسلم من الأمراض بدلًا من أن يستقبلها بالخوف والهلع والجذع كيف يستقبل المسلم هذه الأمراض التي تأتيه في هذه الحياة؟
الشيخ:- الخوف من المرض قد يكون نوعا من المرض، وقد يجلب المرض أحيانًا من حيث لا يشعر الإنسان، ولهذا ليس المسلك السليم في الوقاية من الشرور عمومًا، والوقاية من الأمراض خصوصًا أن يسكن نفسه الهلع والخوف منها على وجه يخرجه عما ينبغي أن يكون عليه من التصبر والاستواء في حياته فبعض الناس قد يصيبه هلعٌ من المرض، فيكون هذا معطلًا لحياته ومكدِّرًا له ومنغِّصًا لمعاشه يفقده لذَّة الصحة التي هو فيها.

 أحيانًا شدة الهلع من المرض وغيره مما يخافه الناس يجعلهم يفقدون التنعم بما يعيشون فيه من نعم وبما تفضَّل الله تعالى عليهم من عطايا وهبات.
ولهذا؛ محروم من سكن نفسه خوف وهلع يفقده لذةَ معاشه ويفقده لذَّة النعم التي تفضل الله تعالى بها عليه، وعلاج هذا النوع من المرض النفسي حقيقة إذا وصل لحد الهلع والاستجابة له ما ذكره الله –جل وعلا- في محكم آياته في وصف الإنسان قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَالمعارج: 19- 22  وهذا معناه أن الصلاة من أعظم ما يدفع عن الإنسان المخاوف ويقيه شرَّ التورط في الهلع الذي يجعله تحت دائرة الهموم والغموم والأوهام والخيالات التي تحيط به من كل جانب، فتعيق معاشه ﴿إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَالمعارج: 19- 23  .
فينبغي أن يديم الإنسان الصلاة ليفوز بهذه الخصلة، وهي السلامة من الهلع ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِالمعارج: 24- 25  هذا توجيه إلى ما يتوقَّى به الإنسان مصارع السوء من الإنفاق والبذل والصدقة والإحسان إلى القريب والبعيد، فإن ذلك مما يقي مصارع السوء ﴿وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَالمعارج: 27- 32  والخلاصة في هذه المذكورات أنها جميعًا من موجبات القيام بما أمر الله تعالى والقيام بحقه جل في علاه، والوفاء للعباد بحقوقهم.
ثم ختم هذه الخصال التي تقي الهلع بذكر الصلاة ثانية قال: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَالمعارج: 34  وهذا التنبيه إلى ضرورة العناية بالصلاة في توقي الأخطار والمخاوف التي تحيط بالإنسان، الخوف الذي يوقع بالإنسان عن مصالح معاشه ومعاده هو خوف غير مأمور به، لكن لا يعني هذا ألا يبالي الإنسان بالأخطار، وألا يتخذ أسباب الوقاية التي تقيه ما يكون من الشرور والأضرار، فإن هذا منافي لما كان عليه عمل النبي –صلى الله عليه وسلم-، فالإنسان يقابل هذه الحياة بالاستمساك بشرع الله –عز وجل- والسير على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبذلك يسلم من الإفراط والتفريط، الغلو والجفاء، يسلم من الزيادة والنقص، يسلم من آفات المعاش وفائض البلايا التي تصيب الإنسان فيخرج منها سليمًا معافى، ويكون كما ذكر النبي –صلى الله عليه وسلم-: «عجبًا لأمرِ المؤمنِ، إنَّ أمرَه كلَّهُ له خيرٌ، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمنِ، إن أصابتْهُ سرّاءُ شكر وكان خيرًا لهُ، وإن أصابتْهُ ضرّاءُ صبرَ فكان خيرًا له»صحيح مسلم (2999) .
فيما يتعلق بما ينبغي أن يكون عليه المؤمن في مواجهته لما يكون من الأمراض:

 أولًا:- أن يؤمن بأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأن الأمر بيده جل في علاه وأن قضاءه نافذٌ، وأن قدره ماض، وأنه لا مفرَّ من قضائه وقدره جل في علاه، كما قال تعالى في الموت: ﴿وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍالنساء: 78  فيما يتعلق بالفرار من الموت في الآية الكريمة ذكر الله –جل وعلا- أن الموت والقدر إذا قضاه الله وقدره فإنه يصيب الإنسان أينما كان، فلا مفر له من قدر الله كما قال تعالى: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍوَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَالنساء: 78  وقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْالجمعة: 8  والآيات في هذا الذي تخبر بمضاء ونفاذ قدر الله كثيرة.

 ومعنى هذا ألا يظن الإنسان أنما يأخذه من أسباب هو الكثير، والسبب الذي لا يتخلف عنه نتيجة، بل الأسباب هي أقضية وأقدار من الله –عز وجل- يمضي الله تعالى فيها ما يشاء مما قضاه وقدره من الوقاية.
فينبغي أن ينطلق من هذا المنطلق ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، «واعلَمْ أنَّ الأُمَّةَ لو اجتمَعَتْ على أنْ يَنْفَعوكَ بشَيءٍ، لم يَنْفَعوكَ إلّا بشَيءٍ قد كتبَهُ اللهُ لك، وإنِ اجْتمعوا على أنْ يَضُروكَ بشَيءٍ، لم يَضُروكَ إلّا بشَيءٍ قد كتبَهُ اللهُ عليك»سنن الترمذي (2516) وقال: هذا حديث حسن صحيح  وبالتالي يعلق قلبه بالله.

 هذه المقدمة ضرورية حتى نصل إلى السبب الأول من الأسباب التي يصل بها الإنسان إلى ما يؤمل من الأمن من الأمراض ويواجه بها ما يخشاه من الأضرار والأكدار وما يكون من مكروه الأقدار، وهو التوكل على الله –عز وجل- التوكل على الله –عز وجل- والاعتماد عليه والثقة به واعتقاد كفايته جل في علاه.
فالتوكل على الله من أعظم ما يدفع الله تعالى به عن الإنسان المكروه، لكن هذا لا يكون إلا بتمام الإيمان بالقدر، وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وتمام الإيمان في عظمة الله –عز وجل- وقدرته ونفاذ أمره، وأنه -جل في علاه- على كل شيء قدير وهو بكل شيء عليم –سبحانه وبحمده-.
وهو الذي لا يخرج شيءٌ من حوادث الناس عن تقديره وقضائه وقدره، فالخلق كلهم سائرٌ فيهم أمر الله جل في علاه ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُالطلاق: 3  –سبحانه وبحمده-.
إذًا السبب الأول الذي ينبغي أن يستحضره الإنسان في مواجهة كل مكروه من مرض وغيره، أن يثق بالله –عز وجل- وأن يعلم أنه لا مفرَّ من قضاء الله وقدره، ولا فرار من الله إلا إليه، ففروا إلى الله، والفرار إلى الله في هذا الأمر بالتوكل عليه -جل في علاه- والاعتماد عليه –سبحانه وبحمده-، فإنه من يتوكل على الله فالله كافيه كلَّ ما أهمَّه، وكل مكروه يكرهه ولذلك قال: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُالطلاق: 3  أي كافيه والحسب هو الكفاية، والكفاية في أمرين؛ في إدراك ما يحب، وفي دفع ما يكره.
فالتوكل على الله من أسباب دفع الأمراض والوقاية منها، ومن أسباب تحصيل المطالب والأمن من المكاره، ولما كان التوكل على هذه المنزلة أحيانًا حتى عندما تنعقد أسباب الخطر وتقوم أسباب حصول المكروه التوكلُ بصدق ينجي الإنسان، ولو أحاطت به الأخطار، هذه نقطة مهمَّة أنه التوكل يلغي الخطر إذا عظم في قلب العبد وهذا لا يعني التفريط في أخذ الأسباب، لكن المقصود أنه في بعض الأحوال إذا صدق الإنسان في توكله على الله –عز وجل- واعتماده عليه لو أحاطت به الأخطار من كل جانب فإنه ينجِّيه.

 وأنا أذكر في هذا مثالا، الأمراض يعني الأراضي الموبوءة أو البلدان الموبوءة بالأمراض المهلكة، أو الأمراض المعدية المتفشِّية تجد أنه البلد فيه مثلا مائة مليون، الذي يصاب منها هؤلاء هم عدد نسبة ليست بالكبيرة يعني قد تصل إلى 10% لكن 90% من الذين يعيشون في الأراضي الموبوءة يسلمون، وذلك بقدر الله، وذلك بأمر الله، وأن الله ينجي الإنسان ما كون الأخطار تحيط به من كل جانب، وفي السنة النبوية مثال لذلك فيما جاء في السنن من حديث جابر أن النبي –صلى الله عليه وسلم- جاءه رجل مجذوم، والجذام من الأمراض المعدية التي تنتقل بالمخالطة والمباشرة.
هذا الرجل جاء فجلس مع النبي –صلى الله عليه وسلم- وقدَّم له النبي –صلى الله عليه وسلم- طعامًا في قصعة وأكل معه –صلى الله عليه وسلم- في نفس القصعة قال: «بسم اللهِ ثِقَةً باللهِ، إيمانا بالله وتوكُّلا عليهِ»سنن أبي داود (3925)، والترمذي (1817) وقال: غريب، وقال الألباني: ضعيف 

 في الوقاية من انتقال هذا المرض، فوقى الله –عز وجل- نبيه –صلى الله عليه وسلم- من انتقال هذا المرض المعدي، فدل هذا على أن التوكل من أعظم الأسباب التي يتوقَّى بها الإنسان ما يكره ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ فنعم باللهالزمر: 36 ، ومن توكل على الله وقاه، لكن هذا لا يعني ألا يأخذ الإنسان بالسبب.

مقصود النبي –صلى الله عليه وسلم- بهذا الفعل بيان أن الأسباب ليست كثيرة في المنع، وليست كثيرة في السلامة إنما هي أسباب يرجى حصول المأمول من السلامة بأخذها، لكن لا يعلق الإنسان قلبه بها، إنما يعلق قلبه بالله.
فكم من إنسان يأخذ أسباب الوقاية ويدركه الخطر، وكم من إنسان قد يفرط في هذه الأسباب أو لا يستطيعها أحيانًا، ما يستطيعها، ما يقدر عليها، لا توجد عنده الأسباب التي يأخذ فيها بأسباب الوقاية، لكن الله تعالى يقيه بما يكون من توكله على ربه جل في علاه.
الأمر الثاني: إذا ثبت الأول التوكل وهو عمل قلبي، وهو الثقة بالله والاعتماد عليه وحسن الظن به واللجوء إليه في السلامة من المكروه، وأنه لا وزر ولا منجى ولا ملجأ منه إلا إليه، لا حول ولا قوة إلا بالله هذا المعنى الأول.
المعنى الثاني: مما يتوقى به الإنسان الأمراض على وجه العموم الدعاء واللجوء إلى الله تعالى بسؤال السلامة من الآفات، وقد تقدم في أول الحديث أن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان يدعو في عامة دعائه بما يكون سببًا لسلامته من الأمراض «اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بكَ مِن البَرَصِ والجُنونِ والجُذامِ ومِن سَيِّئِ الأسقامِ» وكان يقول: «اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بكَ من منكراتِ الأخلاقِ والأعمالِ والأهواءِ والأدواءِ أي: الشدائد، وغرائب الأخلاق والأمراض، والأدواء: جمع داء، والأهواء جمع هواء، فاستعاذ الله –عز وجل- مما يكون من الأمراض المنكرة التي تصيب الأبدان، وتضر بالإنسان.
أيضًا دعا الله –عز وجل- بالحسنة، والحسنة متضمنة السلامة من الأمراض، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وجاء أيضًا التوجيه إلى ما يصون الإنسان من الضرر على وجه العموم في بدنه وفي ماله وفي أهله وفي بلده فجاء في الحديث أن من أذكار الصباح أن يقول الإنسان: «بسم اللهِ الذي لا يضرُّ معَ اسمِهِ شيءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ» ففي حديث عثمان قال –صلى الله عليه وسلم-: «ما من عبدٍ يقولُ في صباحِ كلِّ يومٍ أو مَساءِ كلِّ ليلةٍ باسمِ اللهِ الذي لا يضرُّ مع اسمِه شيءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ وهو السميعُ العليمُ إلا لم يضرَّه شيءٌ»سنن الترمذي (3388) وقال: حسن صحيح غريب  وهذا مما يقي الله تعالى به عن الإنسان الضرر والمرض.
فأخذ هذه الأسباب وهي الأدعية العامة والأدعية الخاصة في أذكار الصباح والمساء مما يقي الإنسان الشرور والآفات.
أيضًا من الأسباب التي يتوقَّى بها الإنسان الأمراض وما أشبه ذلك من المكروهات في الأوبئة أن يأخذ الإنسان بالأسباب الشرعية في الطهارة، فإن الطهارة نقاء ومزيلٌ لما يكون من الشرور والآفات.

 وقد جاء عن النبي –صلى الله عليه وسلم- ضربُ مثل في أثر الوضوء في تطهير الأبدان من الخطايا، وهو تطهير الأبدان أيضًا من الأقذار فقد جاء في الصحيحين أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «أَرَأَيْتُمْ لو أنَّ نَهْرًا ببابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ منه كُلَّ يَومٍ خَمْسَ مَرّاتٍ، هلْ يَبْقى مِن دَرَنِهِ شيءٌ؟»صحيح البخاري (528)، ومسلم (667)  يعني أخبروني لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، وهي عدد الصلوات المكتوبات المفروضات هل يبقى من أوساخه وما يمكن أن يعلق ببدنه أو ثيابه من الأذى شيء؟ إذا كان يكرر الاغتسال في اليوم هذا العدد فإنه يتطهر، ولذلك يقال: مما يأتي في التوجهات الطبية غسل اليدين، وغسل المضمضة، والاستنشاق للوقاية من الأمراض المعدية مثل الكورونا وغيره، كل هذا يتحقق للمؤمن بطاعته لله –عز وجل- في التطهر للفرائض والنوافل والطهارة على وجه العموم فإنه لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-.
فأخذ الأسباب التي جاءت بها الشريعة من الآداب والعبادات والطاعات، هي من أسباب وقاية الإنسان الشر.

 أيضًا من أسباب الوقاية فيما يتعلق بالأوبئة والأمراض التي مما جاء في السنة أن المرض الوبائي المعدي إذا نزل بأرض فإنه تُحجَر هذه الأرض بمنع الدخول إليها ومنع الخروج منها، وقد جاء ذلك في قوله –صلى الله عليه وسلم- في حديث ابن عباس فيما نقله عن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا سمعتُم به بأرضٍ فلا تُقدِموا عليه وإذا وقع بأرضٍ وأنتُم بها فلا تخرجُوا فرارًا منه يعني الطاعونَ»صحيح البخاري (3473)، ومسلم (2218)  يعني إذا نزل هذا المرض وأنتم فيها فلا تخرجوا فرارًا منه أي: خوفًا من إصابتكم به؛ لأن هذا موجب لانتقاله إلى الجهات التي يخرج إليها الإنسان، فهذا نوع من الحجر الصحي الذي تعتمده الجهات الطبية المعاصرة للوقاية من انتشار الأمراض واتساع دائرة الإصابة به.
هذا من حيث الحجر الصحي العام، ثم جاء التوجيه النبوي للأفراد بأخذ الأسباب الموجبة للسلامة بعدم مخالطة المرضى بالأمراض المعدية فمن ذلك قوله –صلى الله عليه وسلم-: «فِرَّ من المجذومِ فراركَ من الأَسدِ»صحيح البخاري (5707)  والجذام مرض جلدي معدي، فأمر النبي –صلى الله عليه وسلم- بالفرار من المجذوم والبعد عنه لئلا ينتقل المرض، وقال: «لا يُورِدُ مُمْرِضٌ على مُصِحٍّ»صحيح البخاري (5771)، ومسلم (2220)  يعني لا يرد ولا ينزل مريض على مُصحٍّ فيكون ذلك سببًا لانتقال المرض.
وهذا التوجيه النبوي لتقرير أن الإنسان يأخذ بأسباب الوقاية قبل حصول المرض، وأن يتجنب أسباب الإصابة به فيما يمكنه من أسباب.

 وقد فعل النبي –صلى الله عليه وسلم- ذلك وترجمه عملًا كما في حديث عمرو بن الشَّرِيد عن أبيه قال: وفد إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- وفد ثقيف ليبايعوه، وفيهم رجل مجذوم أصابه الجذام، فكان النبي –صلى الله عليه وسلم- بايع من بايع منهم وقال –صلى الله عليه وسلم- لهذا الرجل وقد أرسل إليه: «إنّا قدْ بايَعْناكَ فارْجِعْ»صحيح مسلم (2231)  فلم يصافحه النبي –صلى الله عليه وسلم- بل لم يقابله؛ لأنه أرسل إليه رسالة، ولم يلتق به، فكان هذا الرجل في وفد ثقيف وهو مجذوم فتوقى النبي –صلى الله عليه وسلم- اللقاء به عملًا بقوله –صلى الله عليه وسلم-: «لا يُورِدُ مُمْرِضٌ على مُصِحٍّ»، «فِرَّ من المجذومِ فراركَ من الأَسدِ» وهذا لا يتنافى مع ما فعله –صلى الله عليه وسلم- في حديث سابق فإن هذا سبب، وذاك بيان أن الأسباب لا تأتي بمفردها إذا لم يقدر الله تعالى النجاة فلتتعلق القلوب به جل في علاه.
أيضًا من أسباب الوقاية من الأضرار والأمراض هو البحث عن أسباب السلامة، البحث عن العلاج، البحث عن ما يكون سببًا للشفاء، وهذا على وجه العموم وعلى وجه الخصوص؛ لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- وجَّه إلى طلب الدواء قال: «ما أنزلَ اللهُ داءً إلّا أنزلَ لهُ الدَّواءَ»سنن الترمذي (2038)، وقال: هذا حديث حسن صحيح،  واليوم الدواء يبحثه الأفراد وتبحثه الدول والجهات الصحية، فكل هؤلاء عاملون بما أوصى به النبي –صلى الله عليه وسلم- من طلب العلاج في قوله: «ما أنزلَ اللهُ داءً إلّا أنزلَ لهُ الدَّواءَ، علمه من علمه، وجهله من جهله»[صحيح البخاري:6604].
فينبغي للجميع أن يبذل السبب في البحث عن سبب الشفاء، وليس هذا مُنقصًا لأجر الإنسان أو ثوابه أو أجره أن يطلب علاجًا أو شفاء لما نزل به من سقم ومرض فقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «تداوَوْا عبادَ اللهِ»مسند أحمد (18455)، وقال محققو المسند: حديث صحيح  وإذا حصل نية الإنسان بطلب الدواء كان ذلك مما يؤجر عليه، فمن يطلب الدواء لما يقوم بما يمكنه مما شرعه الله تعالى له من عمارة دينه من إصلاح دينه وإصلاح دنياه كان ذلك من موجبات الفضل والأجر والثواب من الله تعالى، ويدرك بذلك خير الدنيا والآخرة.
المقدم:- نكمل الحديث فضيلة الشيخ عن الوسائل حتى نجملها إجمالًا لم يتبق أمامنا وقت طويل، تقريبًا خمس دقائق متبقي لنهاية الحلقة.
الشيخ:- هو أخي الكريم نحن ذكرنا جملة من الأسباب التي يتوقى بها الإنسان مخاطر ما يكون من الأمراض، رأس هذه الأسباب وأولها وأعظمها نفعًا وأكثرها أثرًا في حصول المطلوب وعنه تتفرع بقية الأسباب، وهو لا يتعارض مع بقية الأسباب: التوكل على الله –عز وجل- هذا هو السبب الأول وقد بينا أن التوكل على الله –عز وجل- هو ثقة العبد بربه -جل في علاه- في حصول السلامة من المكروه، ويملأ قلبه يقينًا بأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن جل في علاه.
وهو الذي ترجمه النبي –صلى الله عليه وسلم- عملًا عندما أخذ بيد مجذوم في قصعة فقال: «قل بسم اللهِ ثِقَةً باللهِ إيمانا بالله وتوكُّلا عليهِ»سبق

 يضاف إلى التوكل التعبد لله تعالى بالدعاء، والدعاء على نوعين؛ دعاء عام بالسلامة من الآفات والأمراض والأسقام في سائر الزمان، ودعاء خاصٌّ بالدعاء في الصباح والمساء وعند نزول المرض أن يشفي الله تعالى العبد، وقد كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يستعمل الدعاء في طلب الشفاء من الأمراض العارضة، ومن ذلك ما كان يقي به نفسه ويقي به غيره –صلى الله عليه وسلم- فكان إذا رقى أحدًا من المرضى قال: «اللَّهمَّ ربَّ النّاسِ مُذهِبَ الباسِ اشفِ أنت الشّافي لا شافيَ إلّا أنت، اشفِ شفاءً لا يغادرُ سَقَمًا»صحيح البخاري (5675)، ومسلم (2191)  وهذا مما يدفع الله تعالى به عن الإنسان المرض والأذى.
السبب الثالث من الأسباب التي يتوقى بها الإنسان الأمراض: أخذه بأسباب الوقاية والوقاية على نوعين، وقاية عامة فيما إذا كانت الأرض موبوءة بألا يخرج منها وألا يرِد عليها، إذا كان فيها لا يخرج منها، وإذا كان فيها لا يرد عليها، ولذلك يمتنع الإنسان من المجيء إلى الأراضي الموبوءة، ولو قدر الله ذهب إلى أرض موبوءة وخرج منها ينبغي أن يخبر وأن يعلم الجهات ذات الاختصاص بأنه كان في هذا المكان حتى يسلم هو بالمعالجة ويسلم الناس من شرِّ انتقال المرض بسبب انتقاله من الأرض الموبوءة إلى الأرض السليمة.

 وأيضًا مما يتوقى به الخطر أن يتجنب الإنسان المخالطة لأصحاب الآفات وأصحاب الأوبئة والأمراض إذا اضطر إلى المخالطة، كأن يكون عنده مريض أو يكون طبيبًا أو يكون  عاملًا في الجهات الصحية أو أنه يحتاج إلى مراجعة الجهات الصحية أن يأخذ الجهات المتعلقة بالسلامة من العدوى.
فإن ذلك مما يقي الإنسان الخطر والضرر ويبلغه ما يؤمل من الصحة والسلامة.
الأمر الأخير فيما يتعلق بالسلامة من الآفات وتوقي الأمراض والأوبئة أن يطلب الإنسان العلاج، وأن تطلب الجهات ذات الاختصاص العلاج لما يكون من الأوبئة ولا يقف الإنسان عند باب من الأبواب ولا طريق من الطرق في ذلك، فإنه ما من داء إلا وله دواء كما أخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- لكن معرفة الناس بالدواء تتفاوت، ولذلك قال –صلى الله عليه وسلم-: «تداوَوا عباد الله فإن الله –عز وجل- لم ينزل داء إلا أنزل معه شفاء -يعني مما يحصل به السلامة وهذامن رحمته–سبحانه وبحمده-إلاالموت والهرم»سبق
فالموت لا علاج ولا طب فيه؛ لأنه قضاء الله المبرم على جميع الخلق، والهرم وهو الكبر وبلوغ الضعف كما قال تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةًالروم: 54  لذلك لما سأل النبي –صلى الله عليه وسلم- عن التداوي فقالوا يا رسول الله: ألا نتداوى؟ قال:«تداووا، فإن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله»[تقدم].
هذا في الجملة الأسباب التي ينبغي أن يتخذها الإنسان في مواجهة ما يكون من الأمراض، سواء كانت أمراضًا معدية أو أمراضًا وبائية أو أمراضًا عارضة، ومن المهم ألا يقابل الإنسان هذه الحوادث وهذه الوقائع بالهلع والخوف الزائد الذي يتجاوز حدود أخذ الوقاية وأخذ أسباب السلامة، فالخوف منه ما يحمل الإنسان على التوقي بالأضرار والشرور مع استقامة حياته وأداء مهامه واتزان حاله ومنه ما هو خوف وهلع مرضي يجعل الإنسان في حالة من الارتباك وعدم الاستقامة مما يجعله عرضة للإصابة بالمرض قبل نزوله ويفقده التنعم بالصحة والنعمة التي أنعم الله تعالى عليه بسبب ما هو فيه من خوف وهلع والله الموفق إلى الصواب، وأسأل الله أن يدفع عن بلادنا وعن المسلمين وعن سائر البشر هذه الآفات وأن يعم الخير الجميع والله أعلم.
المقدم: نسأل الله –عز وجل- أن يصرف عنا شر الأوبئة والأمراض وأن يحمينا من كل الشرور والآفات، شكرا جزيلا فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، على ما أجدت به وأفدت في هذه الحلقة شكر الله لك وكتب الله أجرك شكرا جزيلًا فضيلة الشيخ.
الشيخ: أشكركم جميعًا وأسال الله لي ولكم السداد والتوفيق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم:- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات91557 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87257 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف