×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:1640

المقدم: على مدى ساعة كاملة بمشيئة الله تعالى مستمعينا الكرام ضيف حلقات برنامج "الدين والحياة" هو فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح بجامعة القصيم فضيلة الشيخ السلام عليكم وأهلا وسهلا بك معنا في بداية هذه الحلقة

الشيخ:- مرحبا بك أخي وائل، وأسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد في القول والعمل

المقدم:- مستمعينا الكرام في حلقات برنامج الدين والحياة نناقش موضوعات تهمُّ المسلم في أمور دينه ودنياه، ومن هذه الموضوعات التي سنتحدث عنها ما نتحدث به في هذه الحلقة بمشيئة الله تعالى عن (بعض الأحكام المتعلقة الأحكام الفقهية المتعلقة بفيروس كورونا) نسأل الله –عز وجل- أن يحمينا وأن يحمي بلادنا وجميع المسلمين وأن يعجل بصرف هذه الغمة عنا وعن العالم أجمع إنه جواد كريم.

فضيلة الشيخ؛ ونحن نتحدث عن هذه الأحكام، وعن بعض هذه الأحكام المتعلقة بفيروس كورونا بالتأكيد هناك أحكام فقهية كثيرة يجب على المسلم أن ينتبه لها، وأن يحتاط لها في التفريط بها ما فيه مفسدةٌ لنفسه وللمجتمع من حوله والمسلمين عمومًا، سنتحدث بمشيئة الله تعالى عن بعض هذه الأحكام المتعلقة وأيضًا بعض المسائل المتعلقة بهذا المرض.

ابتداء فضيلة الشيخ ونحن نعرِّف المرض هل يصح أن نطلق على مثل هذه الأمراض والأوبئة، والتي تجتاح الناس ككل هل يصح أن نطلق عليها الطاعون؟ وأن نسقط هذا المعنى الذي جاء في بعض الأحاديث على مثل هذه الأمراض والأوبئة؟ 

الشيخ:- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..

ما يتعلق بهذا الموضوع وهو موضوع (فيروس كورونا ونزوله في حياة الناس) ما يتعلق به من تأثيرات، لو تفضلت له من التأثير الذي طال حياة الناس بكل جوانبها الدينية والدنيوية، الخاصة والعامة، ولهذا من الجدير بالبحث والعناية في مثل هذه الأمور أن نتحدث عن بعض المسائل المتعلقة بهذا الفيروس، وما يتصل به مما يتعلق بأمر دين الناس، وأيضًا التنبيه إلى ما يتعلق بمصالح دنياهم في الشريعة؛ فهي جاءت لإصلاح الدين والدنيا.

قضية ما يتعلق بهذا الفيروس، وهو فيروس كورونا المستجد هل ينزل عليه ما جاء في النصوص من كونه من شأن الطاعون ويصنف ضمن ذلك؟

 حقيقة فيروس كورونا وباءٌ عام، والوباء العام هو المنتشر على وجهٍ واسع مما يصنف بقول جماعة من أهل العلم بأنه طاعون، ولذلك عرَّف بعض أهل العلم الطاعون بأنه: الوباء العام، كل مرض عامٍّ ووباء يصنف أنه طاعون.

وطبعا يقيده بعضهم بقيد فيقول: كلُّ وباءٍ يحصل به موتٌ عامٌّ فهو طاعون.

 وقد عرف بعض أهل العلم الطاعون بأنه: المرض العام، والوباء الذي يفسِد الهواء[النهاية لابن الأثير:3/127، لسان العرب13/267] ونحو ذلك من التعريفات، لكن هل معنى هذا أن جميع ما ورد من النصوص في شأن الطاعون يتنزل على هذا المرض، وهو المرض الناتج عن الإصابة بفيروس كورونا؟ 

الجواب:- أن بين الوباء العام والطاعون عمومًا وخصوصًا وجهيًّا بمعنى أن هناك اشتراكا في أشياء وانفرادًا في أشياء، فليس كل وباء طاعونا، وليس كل طاعون وباءً، لكن ليس كل وباء يصنف ضمن الطواعين، ولهذا جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «على أنقابِ المدينةِ ملائكَةٌ، لا يدخلُها الطاعونُ، ولا الدجَّالُ» صحيح البخاري (1880)، ومسلم (1379) .

وهذا خبرُ من لا ينطق عن الهوى، وفيه أن الطاعون لا يدخل المدينة، فهل هذا يعني أن المدينة لا يصيبها وباء؟ 

الجواب:- ليس بالحديث أنها لا يصيبها وباء، إنما الحديث فيه أنه لا يدخلها الطاعون وهو نوع من الأوبئة، ويشهد لهذا أن المدينة كانت وبيئةً زمن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وقد عانى المهاجرون إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- من هذه الأوبئة فمرض أبو بكر، ومرض بلالٌ، ومرض جماعات من الصحابة، تقول عائشة -رضي الله تعالى عنها-: "قدمنا المدينة وهي أوبأُ أرضِ الله"[صحيح البخاري:1889] يعني أكثرها أمراضًا وأوبئة عامة، يحصل بها الضرر على الأبدان والأنفس، والذي كان في المدينة هو حمَّى تصيب الناس، وتنزل بهم، ولم يكن ذلك فيما يظهر والله تعالى أعلم أنه بسبب العدوى، إنما كانت الأرض موبوءةً، ودعا النبي –صلى الله عليه وسلم- بأن تسلم من هذا الوباء، فسلمت المدينة من هذا زمن النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

والشاهد من هذا أنه ليس كل وباء طاعونا، وبالتالي لا يشكل أن يوجد حالات إصابة بفيروس كورونا أو غيره من الأمراض العامة في المدينة أو في غيرها،أو في مكة على ما جاء في بعض الأحاديث أنه أيضًا لا يدخلها طاعون، بل ذاك فيما يتعلق بنوع من الأوبئة وهو الطاعون الخاص الذي هو أمراض تصيب على وجه العموم الناس ويحصل بها هلاك عام.

هذا الفيروس الحقيقة هو من غرائب ما أصاب الناس، وحيَّر الطب والأطباء ودور المشافي والجهات الصحية، ولذلك تداعى الناس في العالم كله إلى أخذ كل ما يمكن من التدابير للتوقي من هذا المرض والسلامة منه، وهو بهذا يعدُّ وباء عامًّا، ولذلك الجهات الصحية العالمية، منظمة الصحة العالمية صنفته بأنه وباء عامٌّ لكثرة ما حصل من انتشاره والإصابة به، وأيضًا الأضرار الناتجة والناجمة عن الإصابة به في العالم كله، هذا جواب النقطة الأولى التي أشرت إليها وهي هل ينزل ما جاء في شأن الطاعون على هذا الوباء؟

الجواب:- أن هناك بين الطاعون والوباء- وباء فيروس كورونا- نوع اشتراك من جهة كونه مرضًا عامًّا يحصل به موت في بعض الإصابات، وهو من البلاء الذي يصيب الله تعالى به من شاء من عباده، ولكن لا يقال فيه كل ما جاء من النصوص كقوله –صلى الله عليه وسلم-: «لا يدخلُها الطاعونُ، ولا الدجالُ».

فالجواب خلاصته أن الإصابة بهذا المرض هو بلاء شديد ومصابٌ خطير، لكنه لا يصنف من كل وجه ضمن الأحاديث الواردة في شأن الطاعون والله أعلم.

المقدم:- فضيلة الشيخ أيضًا فيما يتعلق بهذا المرض قبل أن ندلف إلى بعض الأحكام المتعلقة أريد أن أسألك ونحن في مثل هذه الأوضاع صدرت كثيرٌ من التوجيهات المتعلقة بكثير من الجهات الحكومية، أيضًا فيما يتعلق بالفتوى أريد أن أسألك عن دور الفقيه في التعامل مع مثل هذه النوازل التي تصيب الناس وتكييف الفتوى أيضًا لما فيه مصلحة الناس والمصلحة العامة؟.

الشيخ:- لاشك أن الفقهاء وأهل العلم يقدِّمون للناس ما يكون مبصِّرًا لهم في شأن دينهم وفي شأن دنياهم، ويُرجع إليهم في معرفة جملة من المسائل التي تتعلق بتحقيق العبودية لله –عز وجل-، وما يتعلق بتحقيق المصلحة للأفراد للعموم، ولهذا مسئولية الفقيه مسئوليةٌ كبيرة من جهة كونه يخبر حسب ما يتراءى له ويعرفه من أحكام الشريعة عن الحكم الشرعي في هذه النوازل، وبالتالي لابد لمن يتولى هذا الأمر ويتحدث فيها، أو حتى من ينقُله ويشيعه بين الناس أن يتأنَّى فيما يتعلق بالاجتهادات الفقهية المتصلة بمثل هذه النوازل.

هذه النوازل ينبغي أن يُرجع فيها إلى العلماء الراسخين الذين يبينون الأحكام الشرعية، وأن ينتظم هذا وفق ما يحقق الالتئام والاجتماع والائتلاف، وقد يسَّر الله تعالى في كثير من بلدان المسلمين وفي هذه البلاد على وجه الخصوص جهاتٍّ علميةً موثوقة تتولى بيان ما يحتاجه الناس من الأحكام، فما صدر عن هيئة كبار العلماء من قرار يتعلق بجملة من المسائل الدينية الشرعية والتوجيهات العامة المتصلة بهذا المرض ينبغي أن تكون هي المرجع وهي المصدر الذي يستقي منه الناس ما يتصل بما يحتاجونه من الأحكام الشرعية.

ووجود اجتهادات فردية لعلماء أو مشتغلين بالعلم ينبغي أن لا يُلتفت إليها فيما يتعلق بالشأن العام؛ لأن ذلك يفضي إلى الفوضى ويؤدي إلى اضطراب أمر الناس وعدم انتظام أحوالهم، ولو لم يكن إلا أنه سبب للتشويش عليهم لكان كافيًا في الانصراف عنه، وهذه القرارات الصادرة التي اختارها هؤلاء العلماء واعتمدها ولي الأمر ووجَّه لالتزامها هي مما لا يجوز مخالفته، وشهد هذا ما جرى من الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- مع عمر -رضي الله تعالى عنه- لما كان خليفة وقد قدم بالصحابة إلى الشام وقبل أن يصل إليها بلغه انتشارُ الوباء في الشام وهو الطاعون فتوقف -رضي الله تعالى عنه- في الإقدام على الدخول بالصحابة ورماهم المسلمين إلى أرض الشام وهي أرض وبيئة بالطاعون، فاستشار أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- على اختلاف مراتبهم ومنازلهم، وانتهى رأيه رضي الله عنه بعد المشورة والأخذ والبحث في هذا الأمر إلى أنه لا ينزل أرض الشام لأجل حماية من معه من الصحابة وتوقي خطر الإصابة بهذا المرض.

جاء أبو عبيده -رضي الله تعالى عنه- وكان أميرًا في الشام إلى عمر -رضي الله تعالى عنه- وقال له: أفرارًا من قدر الله يا أمير المؤمنين؟ قال: "لو قالها غيرك يا أبا عبيدة، نفِرُّ من قدر الله إلى قدر الله؟" ومعنى هذا أن عمر -رضي الله تعالى عنه- لم ير في هذا الإجراء الاحترازي طعنًا في التوكل على الله أو ما أشبه ذلك فيما يتعلق بأعمال القلوب، بل رآه من التدبير المتوافق مع ما وجهت إليه النصوص وجاءت به الشريعة، وقد وفق الله تعالى عمر ومن معه من الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- إلى هذا قبل أن يأتيهم بيان نبوي يفصل في الأمر.

فقد كان عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه غائبًا عنهم، فلما جاء أخبرهم بأنه سمع النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: عن الطاعون «إذا سمِعتم به في أرضٍ فلا تَقْدَموا عليه وإذا وقع بأرضٍ وأنتم بها فلا تخرُجوا فرارًا منه» صحيح البخاري (5729)، ومسلم (2219)  فوافق اجتهادُهم توجيهَ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، والتزم ذلك جميع أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم-، وكان القرار الصادر عن عمر وهو الخليفة بعدم القدوم على أرض الشام وعدم الدخول إليها قرارًا مسددًا التزمه أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- مع وجود اجتهاد آخر وهو اجتهاد أبي عبيدة -رضي الله تعالى عنه- في أنه لماذا يرجع الناس، وهذا قدر الله؟، لكنه لم يلتفت إلى هذا الرأي وعُمل بالرأي الذي اختاره ولي الأمر وهو عمر -رضي الله تعالى عنه- ومن معه من أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم-.

الشاهد من هذه القصة أن الاجتهادات التي تخالف القرار الذي أخذه ولي الأمر، واعتمده، ورتب عليه أمور الناس، ينبغي ألا يلتفت إليه وأن لا يشاع بين الناس، وألا يشوَّش به على القرار الصادر من الجهات التي لها حق الاجتهاد، وصدر عنها عن اجتهادها قرارات ولاة الأمر واعتمدوها.

هذا الفقه يحتاجه الفقيه فيما يتعلق بإشاعة الآراء المخالفة للاجتهاد الذي اجتهدته الجهات المختصة، وأيضًا يفيد عموم الناس، فالفقيه لا ينبغي أن يشيع اجتهاده وأن يقتصر في اجتهاده على نفسه دون أن يشيعه أو أن ينقله للناس مادام أن الأمر قد رُفع باختيار ولي الأمر للقول الذي يرى أنه هو المصلحة في تحقيق صلاح معاش الناس ومعادهم، صلاح دنياهم وصلاح دينهم.

كذلك الناس ينبغي أن ينصرفوا عن كل الاجتهادات المخالفة لما صدر عن ولاة الأمر، وعن الهيئة المختصة بهذا الشأن في قرارها، وإشاعة ذلك برسائل الواتس أب أو رسائل شبكات التواصل نوع من التشويش الذي ينبغي أن ينأى الإنسان بنفسه عنه، فنحن أحوج ما نكون إلى الالتفاف والالتئام والاجتماع، وأن يكون منطلقنا واحدًا، وأن نلغي كلَّ الاجتهادات المخالفة للاجتهاد الذي اختاره وقرَّره ولاة أمرنا بناء على ما صدر عن الجهات العلمية المختصة.

هذا ما يتصل بالفقيه وما يتصل بغيره من الناس وهم عامَّة الناس ألا يشيع أيَّ أمر يخالف ما صدر من القرارات، سواء كان ذلك في أمور الدين، أو كان ذلك في أمور الدنيا، القرارات الصادرة عن الجهات المختصة تطال هذا، تطال الأمرين فيما يتعلق بالصلوات، وتعليق الصلوات في المساجد والجمع، أو فيما يتعلق بالخروج والتنقلات وما أشبه ذلك مما دعت إليه الجهات المختصة في توجهيها لعموم الناس حتى يتم صدُّ هذا المرض وانتشاره، ويمكن الأمر يحتاج إلى مزيد من التوضيح للناس فيما يتعلق بخطورة هذا المرض، وأيضًا خطورة التساهل في التعامل معه ونحن نرى البلدان التي حصل فيها عدم اكتراث واعتناء بهذا المرض الإصابة مرتفعة، وهي في ازدياد بالآلاف على مدار الأيام، يعني كل يوم ترتفع الإصابات بأعداد مخيفة تصل في بعض البلدان ستة آلاف في اليوم الواحد وبأعداد مئات متوافرة.

وبالتالي إدراك هذا الأمر وخطورة هذا الأمر، وأن التساهل في اتخاذ الإجراءات والتدابير الوقائية يفضي إلى هذه النتيجة، نجعل الإنسان يتحمل مسئولية، ويعي أن تصرفاته قد تكون سببًا للإضرار به، وإذا كان مستهترًا في نفسه فهي قد تصيب أيضًا غيره، فيكون هنا الضرر متعديًا وليس قاصرًا على الإنسان بنفسه بكونه والله ما اتخذ التدابير، أو ما رأى أهمية أخذ التدابير الاحترازية والوقائية.

فينبغي أن نعي هذا الأمر، وأن يكون منا على ذُكْر، وأنا أقول: خطورة هذا الفيروس المستجد –كورونا- الذي أصاب كثيرًا من الناس تظهر من عدة جهات، يمكن إبراز هذه الأوجه، هذه الخطورة ترجع على الغافل، ويتيقظ ويبذل جهده في أخذ التدابير الواقية من الإصابة بهذا المرض.

أولًا: من أوجه خطورة هذا المرض وهذا الفيروس جدة هذا الفيروس وحداثته، فهو فيروس يصيب الإنسان للمرة الأولى، وكان أول ظهور له في نهاية السنة الميلادية السابقة في ديسمبر 2019.

الأمر الثاني: أنه لا يوجد أمصال مضادة لهذا الفيروس المكتَشف حديثًا، ولا يوجد أيضًا أدوية للعلاج منه، فليس هناك أدوية وقائية للإصابة تقي الإصابة من هذا المرض، ولا أدوية علاجية واضحة تعالج المصابين بهذا المرض، لكن العمل على تطوير أمصال وأدوية تتسابق إليه الجهات المختصة في العالم، ونسأل الله تعالى أن يوفق لما فيه خير العباد والبلاد.

الأمر الثالث: مما يتضح به خطورة هذا الفيروس أن فيروس كورونا مصنَّف ضمن الفيروسات الفتَّاكة سريعةِ الانتشار، وإشكاليته ليست فقط في كونه يفضي إلى الموت أو ينتهي بنسبة من المصابين إلى الموت، إنما في كونه سريع الانتشار، والانتشار إصابة الواحد بهذا إذا خالط فإنه قد يصيب العدد الكبير من الناس من حيث يشعر أو من حيث لا يشعر، هذا المرض ينتقل بالملامسة بل حتى عبر الهواء أثناء التنفس العادي ينتقل كما ذكر ذلك الأطباء التنفس أو الحديث إلى الشخص الذي يتحدث للشخص المصاب أو الحامل للفيروس حتى ولو لم يكن يشعر.

الوجه الرابع: من أوجه خطورة هذا المرض خطورة هذا الفيروس أن فترة حضانة الفيروس وظهور الأعراض قد تمتد لأربعة عشر يوم لأسبوعين، وبالتالي فمن الممكن للمصاب الذي لا يشعر بإصابته أن يطوف مناطق واسعة حتى قال بعضهم نصف العالم ويمر باختبارات الفحص الطبِّي دون أن تُكتشف إصابته أو أن يشعر بأعراض هذا المرض، وهذا يبين أنه الوقاية منه تتطلب العناية الفائقة والاحتراز الكبير الذي يتوقَّى به الإنسان الإصابة بهذا المرض من خلال هذه الأوجه التي ذكرها المختصون من الأطباء، والمعتنون من أصحاب الجهات الصحية يتبين أن الموضوع جد خطير، وأنه موضوع ذو بال ينبغي أن يتخذ فيه التدبير الكامل للوقاية من هذه الأضرار، والسلامة من هذا الفيروس الذي وسع انتشاره، وكثرت أضراره على مستوى الصحة، وعلى سائر مستويات معاش الناس واقتصادهم واجتماعهم وسائر شئونهم، فنسأل الله تعالى أن يعجل بالفرج، وأن ينزل الرحمة على العباد، وأن يرفع البلاء، وأن يدفع عنا وعن سائر عباد الله ما نزل بهم من هذا البلاء والمصاب العظيم.

المقدم:- فضيلة الشيخ كنا نتحدث وما زال حديثنا عن الأحكام الشرعية الفقهية المتعلقة بفيروس كورونا ذكرنا ابتداء حول المرض ووصفه بالطاعون وبيَّنا وجه خطورته وأيضًا تحدثنا عن دور الفقيه في التعامل مع النوازل وتكييف الفتوى لما فيه مصلحة الناس، أيضًا بودي أن نكمل الحديث حول الأحكام الفقهية المتعلقة بهذا الفيروس بالأخذ بالاحتياطات، وأيضًا تنفيذ التوجيهات والالتزامات الصادرة من الجهات المعنية، بودي أن نذكر هذه الأحكام المتعلقة بالفيروس؟

الشيخ:- هذه القضية قضية الاحتياطيات والاحترازات هي من أهم ما يحاصَر به المرض، ما يتوقى شره على مستوى الفرد وعلى مستوى المجتمعات والدول وسائر البشر، ولذلك أفضل ما تقابل به هذا الوباء وهذا الفيروس سريع الانتشار هو أخذ هذه التدابير الاحترازية، ولذلك كان الاحتراز بأخذ التوجيهات من الجهات المختصة هو مما تقتضيه الأحكام الشرعية التي توافرت فيها النصوص على وجوب حفظ النفس وعدم الإلقاء بها إلى التهلكة قال الله تعالى: ﴿وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ البقرة: 195  والتهلكة قد يقع الإنسان فيها بإهلاك نفسه مباشرة، أو إهلاك نفسه بالتسبب، ومن التسبب هو التقصير في أخذ أسباب السلامة.

ولهذا ينبغي أن يُعلم أن إلقاء النفس إلى التهلكة ليس مقصورًا على الجناية المباشرة التي يقتل فيها الإنسان نفسه، أو يطعن فيها بشيء من بدنه، بل حتى فيما يتعلق بالأسباب التي تفضي إلى الإصابة بما يهلك، ولهذا جاء التوجيه النبوي إلى البعد عن ما يكون سببًا للإصابة بالمرض، ولهذا جاء في الحديث الصحيح قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم «إذا سمِعتم به في أرضٍ فلا تَقْدَموا عليه وإذا وقع بأرضٍ وأنتم بها فلا تخرُجوا فرارًا منه» سبق  فهذا التوجيه النبوي الصارم في أمر من كان في الأرض الموبوءة ألا يخرج منها، ومن كان خارجها ألا يقدم عليها هو من وسائل حفظ النفس، ومن وسائل عدم الإلقاء بالنفس إلى التهلكة، ولذلك أكد النبي –صلى الله عليه وسلم- على هذا الأمر وبين عظيم أجر الملتزم بهذا التوجيه فقد جاء في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أنها سألت النبي –صلى الله عليه وسلم- عن الطاعون، فأخبرها النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه كان عذابًا يبعثه الله على من يشاء فجعله الله رحمة للمؤمنين، وهذا في كل ما يصاب به الإنسان من المصائب فهو إن كان عابدًا متقيًا كان محقًا لخطاياه ورفعة في درجاته إذا صبر واحتسب وامتثل أمر الله –عز وجل- وإن كان على غير ذلك ممن خرج عمن أمر الله تعالى به ورسوله، فيكون ذلك نيلًا منه بعذاب كما قال تعالى: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ السجدة: 21 .

الشاهد أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «فليس من عبد يقع الطاعون يعني ينزل الطاعون في مكانه في بلده فيمكث في بلده صابرًا» صحيح البخاري (3474)  أي صابرًا على البلاء باحتمالية الإصابة يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له أي مفوِّضًا أمره إلى الله مع احتمالية الإصابة إلا كان له مثل أجر الشهيد، وهذا تنبيه إلى عظيم الأجر الحاصل في الصبر على هذا البلاء، وأخذ الأسباب الاحترازية، فالنبي –صلى الله عليه وسلم- جعل أخذ السبب الاحترازي في الوقاية من الطاعون في المكث في البلد التي نزل بها الطاعون مع التعلق الله –عز وجل- في منزلة أجر الشهيد.

وقد ذكر الحافظ ابن حجر –رحمه الله- أن هذا الأجر، وهو أجر نيل الشهيد، لا يقتصر على من أصيب بالطاعون في الأرض التي نزل فيها ومات به بل حتى من لم يمت به ممن امتثل أمر النبي –صلى الله عليه وسلم- فصبر وبقي واحتسب الأمر عند الله –عز وجل- كان ذلك موجبًا لنيله الشهادة ولو لم يمت، ولذلك قال: "اقتضى منطوقه أي منطوق حديث النبي –صلى الله عليه وسلم- أن من اتصف بالصفات المذكورة وهي قوله –صلى الله عليه وسلم- ليس من أحد يقع الطاعون فيمكث في بلده أي في مكان الوباء صابرًا محتسبًا أي صابرًا على الخوف من الإصابة به محتسبًا أجر عند الله –عز وجل- في هذه الإقامة وهذا الاحتراز يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد.

يقول: "اقتضى منطوقه أن من اتصف بالصفات المذكورة" من البقاء والصبر والاحتساب والتوكل على الله –عز وجل- "يحصل له أجر الشهيد وإن لم يمت بهذا المرض" فتح الباري (10/193-194) ، وعلى هذا ينبغي أن نحتسب الأجر.

 وأنا أذكر إخواني وأخواتي وجميع الناس باحتساب الأجر عند الله –عز وجل- في التزام التوجيهات التي تصدر عن ولاة الأمر.

لاشك أن هذه التوجيهات فيها نوعٌ من الخروج عن المألوف في معاش الناس، فالناس اعتادوا الخروج والدخول والذهاب إلى الأعمال والإتيان إلى المساجد، والحركة الحرة التي يصلون من خلالها إلى ما يشاءون من مصالح دينهم ودنياهم.

نزل هذا الوباء بالناس وكان من لوازم السلامة منه، ما وجَّهت إليه الجهات المختصة بالاحتراز وذلك بالبقاء في المنازل وعدم الخروج منها إلا للضرورة مع أخذه حتى في حال البقاء في المنازل أخذ الاحتياطات التي تكون سببًا للوقاية إذا امتثل الإنسان هذه التوجيهات الصادرة عن الجهات المختصة فيما يتعلق بعدم المخالطة فيما يتعلق بأخذ الاحتياطات الشخصية في الوقاية من المرض، وفيما يتعلق بسائر أوجه الامتثال لما يصدر عن الجهات المختصة، فهو مأجور على ذلك.

وشاهد ذلك في الحديث النبوي الذي ذكر فيه النبي –صلى الله عليه وسلم- أجرَ الشهيد لمن أخذ بأسباب الوقاية وصبر على ما نزل به من بلاء ومصاب ببقائه في مكان يكره البقاء فيه فإن بقاء الإنسان في الأرض الموبوءة مكروه، يعني الإنسان بطبيعته يفرُّ من الخوف، يفر من مواطن العطب، لكن لما كان البقاء ضروري هنا لمحاصرة الداء وقد يفضي هذا إلى إصابة الإنسان وصبر وامتثل أمر الله –عز وجل- واحتسب، فإنه يؤجر بهذا الأجر الذي ذكره النبي –صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث الذي في صحيح البخاري وله أجر الشهيد.

مما ينبغي أن يعلم أيها الإخوة والأخوات، أن هذه الاحتياطات نفعها ليس لغيرك فقط، بل نفعها في الامتداد لك أنت بأن تقي نفسك الإصابة من هذا المرض، وأن تقي أيضًا من تعاشرهم من أبناء وبنات وأزواج وآباء وأمهات، ومن يعيش في محيطك بامتثالك للتوجيهات الصادرة تقي نفسك وتقي كل هذا المحيط، وتتوسع الدائرة عندما تستشعر أن ذلك وقاية أيضًا لسائر من تخالطه من أفراد المجتمع، سواء كانت مخالطة مستديمة أو كانت مخالطة عارضة، وبالتالي من الضرورات المهمة أن نستشعر هذا المعنى لاسيما وأنه قد رتب الله تعالى عليه الأجر كما في الحديث، وقد أمر به النبي –صلى الله عليه وسلم- في قوله: «لا يُورِدُ مُمْرِضٌ على مُصِحٍّ» صحيح البخاري (5771)، ومسلم (2220)، يعني لا يأتي وينزل إنسان مريض على صحيح والعكس كذلك.

هذا تنبيه لمن أصيب بهذه الأمراض، أو كان حاملًا لها أن يتجنب مخالطة الناس، وأنه يجب عليه ألا يخالط الناس، ولما كانت الإصابة بهذا المرض كما تقدم قبل قليل خفية، قد يكون الإنسان مصابًا وهو لا يعلم بإصابته فكان الأمر شاملًا للمصاب العالم بإصابته أو أيضًا الشخص غير الذي لم تظهر عليه علامات الإصابة وهو لا يدري أمصاب هو أم لا.

وبالتالي ينبغي التوقي من المخالطة على وجه العموم لتحقيق ما قاله –صلى الله عليه وسلم- «لا يُورِدُ مُمْرِضٌ على مُصِحٍّ»  وينبغي الحذر من كل الأماكن والجهات التي هي مواطن للإصابة، وهذا لا يمكن تحديده مع هذا الخفاء في انتشار هذا الوباء وسرعة انتقاله، وكون الإنسان قد يكون حاملًا له وهو لا يشعر وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «فِرَّ من المجذومِ فراركَ من الأَسدِ» صحيح البخاري (5707) .

ومن تحقق إصابته بهذا وجب عليه أن يبادر إلى إعلام الجهات المختصة، وأن يلتزم ما كان من توجيهات في ما يتعلق بالمعالجة بهذا المرض، لاشك أن المعالجة لهذا المرض قد تكون صعبة وقاسية على النفس وشديدة وخارجة عن المألوف المعتاد في حياة الناس، لكن الضرورات لها أحكام،

وإذا لم تكن إلا الأسنة مركبًا فما حيلة المضطر إلا ركوبها؟

 وهذا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يفد عليه وفد يأتيه من الطائف وفيهم رجل مجذوم، قد تعنَّى وتكلف وجاء من هذا المسافة البعيدة ليبايع النبي –صلى الله عليه وسلم- فلما وصل إلى المدينة لمبايعة النبي –صلى الله عليه وسلم- على الإسلام، وهذا شرف عظيم ومنزلة كبرى، لم يقابله النبي –صلى الله عليه وسلم- لم يصافحه بل أرسل إليه وهذا يعني أنه لم يلتق به أرسل إليه إنا قد بايعناك فارجع فهذا ممن بايع النبي –صلى الله عليه وسلم- دون أن يراه.

وسبب ذلك هو الوقاية، وهذا سيد ولد آدم وهو أعظم الخلق توكلًا على الله –عز وجل- وقيامًا بأمره جل في علاه مع ذلك –صلى الله عليه وسلم- يمتنع عن مصافحته ومخالطة هذا المجذوم لأجل توقي الإصابة بما نزل به من مرض، رغم أن هذا الرجل جاء من تلك المسافات البعيدة من الطائف ولم يأتِ بطائرة ولا بسيارة فارهة جاء على وسائل النقل المعهودة في زمن النبي –صلى الله عليه وسلم- من الإبل والسير على الأقدام نحو ذلك، ومع هذا ردَّه النبي –صلى الله عليه وسلم- وأثبت له البيعة دون أن يلقاه فأرسل إليه النبي –صلى الله عليه وسلم- «إنا قد بايعناك فارجع» صحيح مسلم (2231)  وهذه صورة من صور أخذ النبي –صلى الله عليه وسلم- للإجراءات الاحترازية التي يتوقى بها الضرر على نفسه –صلى الله عليه وسلم- والضرر على من معه من المسلمين.

وبالتالي ينبغي أن يستشعر كل أحد من المسئولية وأن يعرف أن التزامنا وأخذنا بالتوجيهات الصادرة عن الجهات المختصة فيما يتعلق بحصر المخالطة في الأوجه الضرورية مع أخذ الاحترازات التي تقي الإصابة بهذا المرض من استخدام غسل اليدين قبل وبعد التعامل مع الناس أيضًا المداومة على البعد عن المصابين بالسعال وعطاس ونحو ذلك، وأن من حصل منه ذلك عطاس أو سعال أو استخدم دورات المياه أن يبادر إلى غسل يديه قبل أن يتعامل مع غيره، وحتى قبل أن يرفع يده إلى وجهه فإن الجهات الطبية تؤكد على أن استخدام المحارم الورقية عند السعال والعطاس وتغطية الأنف هو مما يقي الإنسان والناس انتشار هذا المرض والتخلص من هذه النفايات، وتجنب ملامسة العينين والأنف والفم باليد وذلك للوقاية من احتمال انتقال العدوى عن طريق اليدين بعد ملامسته للأسطح الملوثة بالفيروس.

فالشاهد أنه ينبغي الاجتهاد في أخذ كل التدابير واحتساب الأجر والصبر على ذلك، فإنه لاشك أن فيه من المعاناة ما فيه، لكن إحنا نحتاج إلى الصبر، ولذلك قال النبي –صلى الله عليه وسلم- «صابرًا محتسبًا» فأنا أوصي إخواني وأخواتي وعموم الناس ببذل المستطاع والجهد في التزام أسباب الوقاية، وهذا لا يعني ضعفًا في التوكل ولا يعني خروجًا عما أمر الله تعالى به من اليقين، بل هو من أسباب السلامة التي أمرت بها الشريعة وحثت عليها.

المقدم:- فضيلة الشيخ نحن في آخر الحلقة حقيقة، إذا تبقى لنا بعض المسائل وبعض الأحكام الفقهية سنوردها بمشيئة الله تعالى في الدقائق القادمة، لكن أسألك فضيلة الشيخ عن مشروعية الخروج للصلاة والدعاء جماعة برفع البلاء؟ مثل: صلاة الاستسقاء بعض الأفاضل أورد في بعض وسائل التواصل الاجتماعي مسائل قديمة أوردها العلماء لمجموعات خرجوا في زمن ماضي للدعاء والصلاة جماعة ومن ثم أتت عليهم النتائج عكسية هذا أيضًا يورد مقاصد الشرع أيضًا في الأخذ بالأسباب والاحتراز أسألك عن مثل مشروعية هذه الصلوات؟

الشيخ:- يا أخي الكريم الآن التوجيه الصادر عن الجهات المختصة العلمية ومن جهة ولاة الأمر أيضًا أن يترك الناس الخروج لكل الأمور إلا لما لابد منه، ومن ذلك الخروج للصلوات إذ إن المساجد من مواطن التجمعات، وهذا المرض ينتشر ويشيع ويمتد في أدنى تجمع يمكن أن يكون، ولو كان عارضًا لمدة قصيرة، ولهذا وفق الله تعالى أهل العلم في هيئة كبار العلماء إلى هذا القرار، وبادرت إلى تعميمه والإلزام به وزارة الشئون الإسلامية وامتثل الناس ذلك ولله الحمد.

ولهذا دعوة الناس إلى الخروج إلى صلاة تشبه صلاة الاستسقاء أو تجمعات هي مما يتنافى مع هذا الأمر، وإذا كان الناس لا يخرجون للصلاة المفروضة من الجمعة والجماعات توقيًا لهذا الخطر وبعدًا عن أسباب الإصابة به، فكيف بالخروج إلى مثل هذه الصلوات المحدثة التي ليس لها أصل لا في الكتاب ولا في السنة، ولم يرد بها دليل؟، بل هي من المحدثات والمبتدعات، ولهذا نبه الحافظ ابن حجر –رحمه الله- إلى أنه في القرن الثامن الهجري وقع طاعون بدمشق فذكر من أحداث ذلك الطاعون أنه خرج الناس إلى الصحراء ومعهم من معهم من الناس، فلما خرجوا واختلطوا كان عودهم خرجوا للصلاة والدعاء، فلما عادوا كانت الإصابة والموت فيهم كثيرٌ بسبب هذا الاختلاط الذي حصل.[بذل الماعون:328-329]

فلذلك من الضروري أن يعي الناس أن العبادات لا تؤخذ بالعواطف، بل تؤخذ بالنصوص والأدلة من الكتاب والسنة، والدعاء لاشك أنه أعظم سلاح يقابل به الداء، الدعاء أعظم ما يقابل به الداء، أعظم ما يدفع به البلاء، لكن هذا لا يعني أن يكون الدعاء على وجه محدث، أو وجه يفضي إلى خطر ويتنافى مع النصوص الشرعية الموجبة للبعد عن الاختلاط بالمصابين والمرضى، أو بمن يحتمل إصابتهم وتحتمل أن يكونوا مرضى.

ينبغي أن يدعى الله –عز وجل- ودعاء الله –عز وجل- ليس محصورًا على وقت ولا على مكان ولا على حال، بل يكون دعاؤه –عز وجل- في كل الأحوال، وفي كل الأماكن، وفي كل الأزمنة، وتُتحرَّى ساعات الإجابة في السجود، وفي أدبار الصلوات، وبين الآذان والإقامة، في البيوت، وفي الأسحار أو آخر الليل، ويدعو دعاء المضطر أن يرفع الله البلاء عن البلاد والعباد، وأن يرحم عباده فهو بهم رحيم وهو بهم لطيف، وأن يكثر من الاستغفار؛ فإن الاستغفار من موجبات رفع البلاء والعذاب قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ الأنفال: 33 .

فيوجه الناس إلى هذه العبادات، وإلى هذه الأوجه من الدعاء دون أن يكون ذلك على وجه تحصل به مخالفةُ سنة النبي –صلى الله عليه وسلم- وأيضًا مخالفة ولاة الأمر، فإن طاعة ولاة الأمر مما فرضه الله تعالى على الناس وليس لأحد مصلحة في أن يمنع الناس من الخروج، إلا لمصلحتهم وبالتالي يجب المبادرة إلى الامتثال ويجب السمع والطاعة الله تعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ النساء: 59  فلا يجوز لأحد أن يخالف هذا بأي نوع من المخالفة، وأن يلتزم ما يأتي به الجهات المختصة من توجيه.

 ولله الحمد نحن في هذه البلاد المباركة نضرب مثلا مميزًا على مستوى العالم في امتثال الوسائل الوقائية، والأخذ بالأسباب الاحترازية والتدابير الواقية من الإصابة بهذا المرض مما يجعلنا أسوة وقدوة.

 نحن نطلق بهذا طاعة لله –عز وجل- وطاعة لرسوله –صلى الله عليه وسلم- وكذلك طاعة لولاة الأمر الساعين إلى ما فيه خير العباد والبلاد.

أسأل الله العظيم رب العرش الكريم الذي بيده مفاتيح الفرج أن يعجل لعباده الفرج برفع البلاء وكشف الداء، وإصلاح الحال وإنزال الشفاء إنه ولي ذلك والقادر عليه.

المقدم: شكر الله لك، وكتب الله أجرك فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه في جامعة القصيم.

 شكرًا جزيلًا فضيلة الشيخ على ما أجدت به وأفدت به في هذه الحلقة

الشيخ: وأنا أشكركم، وأسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، وأن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين، ويوفق ولاة أمرنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده، والجهات المختصة بحفظ صحة الناس إلى ما فيه الخير وما فيه كشف البلاء عنا وعن هذه البلاد وعن سائر بلاد الناس، وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم:- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات91544 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87253 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف