إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسانٍ إلى يوم الدين، أما بعد.
فاتقوا الله أيها المؤمنون، اتقوا الله تعالى وابتغوا مرضاته واسعوا فيما يقربكم إليه فإن ذاك من تقواه التي أمركم الله تعالى بها ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران:102، الله مع المتقين قال جل في علاه: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ التوبة:36، فليكن لديكم علمٌ أيها المؤمنون أن المعونة من الله والتوفيق والتسديد تنزل بحسب التقوى، فكل ما زاد نصيب العبد من تقوى ربه كانت معية الله تعالى له أعظم توفيقًا وتسديدًا وحفظًا ونصرًا وتمكينًا، اللهم اجعلنا من عبادك المتقين وحزبك المفلحين وأوليائك الصالحين.
أيها المؤمنون قال الله تعالى:﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ﴾البقرة:197، وخير ما يتزود به إليه ما أمر به جل في علاه من الفرائض والواجبات وما ندب إليه من المستحبات، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم سباقًا إلى كل خير، مبادرًا إلى كل بر، لم يترك بابًا من أبواب الخير إلا طرقه ولا خصلة من خصال البر إلا أخذ بها صلى الله وعليه وسلم ، ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ الأحزاب:21، فبادروا الصالحات فإن الإنسان لا يدري ما تعرض له من الموانع والشواغل والعوارض، فبادروا الصالحات بعملها والأخذ بها في كل باب من أبواب البر من الصلاة والزكاة والصوم والحج وسائر أبواب البر التي هي حقه أو حق عباده.
كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يكثر العبادة في كل أحيانه وأوقاته فيقوم الليل حتى تتفطر قدماه ويصوم حتى يقال لا يفطر، ويفطر حتى يقال لا يصوم هكذا كان صلى الله وعليه وسلم في المسابقة إلى كل بر.
ومما أكثر صلى الله وعليه وسلم فيه الصيام شهر شعبان فكان صلى الله وعليه وسلم يصوم شعبان كله كما جاء في بعض الروايات، وكان يصوم شعبان كله إلا قليلاً وهذا هو الثابت عنه صلى الله وعليه وسلم أنه كان يفطر بعض هذا الشهر ويصوم أكثره صلى الله عليه وآله وسلم، فينبغي للمؤمن أن يبادر إلى هذه السنة وأن يكثر من صيام هذا الشهر ما استطاع على حسب طاقته، فمن كان يستطيع أن يصوم أكثر فليفعل، ومن كان له عادة في صيام أيام معدودة كأن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر فليزد في هذا الشهر شيئًا من الأيام حتى يطابق سنة سيد الأنام من أنه صلى الله وعليه وسلم كان أكثر ما يكون صيامًا في شعبان.
أيها المؤمنون إن المؤمن يصوم طاعة لله وتقربًا إليه فيما فرض عليه وفيما ندبه إليه، فمن كان قد فرغ مما فرض الله تعالى عليه فليبادر إلى التنفل والتطوع بالصوم وغيره، ومن كان عليه فرائض من حق الله تعالى فليبادر إلى إبراء ذمته ومن ذلك من عليهم صوم قضاء فإنه ينبغي لهم أن يبادروا إلى إبراء ذممهم مما شغلها تركهم الصيام لعذر، قال الله تعالى:﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ البقرة:184.
وعائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان يكون عليَّ القضاء من رمضان فلا أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان لمكان رسول الله صلى الله وعليه وسلم مني، فينبغي للمؤمن أن يبادر إلى إبراء ذمته مما أوجبه الله تعالى عليه من الصوم المفروض، وألا يقصر في ذلك فإن ذلك يفضي إلى الإضاعة.
أيها المؤمنون عباد الله جاء عنه صلى الله عليه وآله وسلم في السنن من حديث أبي هريرة أنه قال: «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا» وذها الحديث في إسناده ضعف، ولذلك ترك العمل به أكثر أهل العلم لضعف إسناده، وقد قال صلى الله وعليه وسلم في ما جاء في الصحيحين «لا تقدموا صوم رمضان بيوم ولا يومين إلا أن يكون صومًا يصومه أحدكم فليصمه» وهذا يدل على جواز الصيام بعد نصف شعبان فليصم الإنسان ما يسر الله تعالى له، فسنة صيام شعبان يستوي فيها أول الشهر وآخره.
وليتق الله العبد بالتقرب إلى الله تعالى بكل ما شرع من الطاعات الظاهرة والمستترة التي تقع في أعين الناس والتي تكون في الخلوات، ومن أقل ما يتقرب به العبد إلى ربه أن يترك ما نهاه عنه، فإن تركك الشر صدقةٌ منك على نفسك، والصوم الذي يصومه الناس في هذا الشهر سواء كان قضاءً أو نفلاً هو مما يستعدون به للقاء شهر عظيم شهر رمضان الذي جعله الله تعالى سببًا لحط الخطايا والسيئات فمن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه.
وقد جاء عن جماعات من السلف أنهم كانوا يكثرون في شهر شعبان من تلاوة القرآن، يكثرون في شعبان من قراءة القرآن استعدادًا لرمضان، والتهيؤ لكثرة القراءة فيه.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، استعملنا فيما تحب وترضى، ربنا خذ بنواصينا إلى مراضيك واصرف عنا معاصيك واجعلنا من عبادك المتقين وحزبك المفلحين وأوليائك الصالحين، أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، حمدًا يرضيه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسانٍ إلى يوم الدين، أما بعد.
فاتقوا الله عباد الله،﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ التحريم:6 تقربوا إلى الله تعالى بالصالحات وبادروا أعماركم بما يقربكم إلى رب الأرض والسماوات، اطلبوا ما عنده من الخير فإنه لا يستجلب ما عند الله إلا بطاعته وتقواه، واستصرفوا الشر الذي تخافونه بالقرب منه جل في علاه، فإنه قد وعد المتقين بالفوز والمعية لتي يحصل لهم بها كل فضل ويحصل لهم بها كل ظهور ومخرج من المضائق.
قال الله تعالى:﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2)وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ (3)﴾ الطلاق:2-3، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ الطلاق:4، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا﴾ الطلاق:5، اللهم اجعلنا من عبادك المتقين، اللهم اجعلنا من عبادك المتقين، اللهم اجعلنا من عبادك المتقين يا رب العالمين، اللهم يسر الهدى لنا بفضلك ومنك يا أرحم الراحمين.
أيها المؤمنون عباد الله إن الفضائل في الأيام والليالي وفي الأعمال والأحوال لا تقترح بل تستقى وتؤخذ وتقتبس من قول من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فليست الفضائل مقترحات ولا مبتكرات بل هي سنن متبعات وإنه قد شاع عند كثير من الناس فضل لأيام محددة أو ليالي محددة لم يأت في فضلها نصٌ صريح أو حديثٌ صحيح.
وبالتالي يجب على كل أحد أن يعرض عن كل ما يقال فيه إنه فاضل حتى يقوم الدليل على ذلك سواء كان ذلك في الأيام أو في الليالي أو في الأشهر أو في الأحوال أو في الأعمال والأقوال، كل ذلك لا بد فيه من دليل.
وإنه مما شاع بين كثير من الناس ما يتعلق بفضل ليلة النصف من شعبان، وقد جاء فيها جملةٌ من الأحاديث لا يصح منها شيء، ولهذا ذهب جماهير العلماء من السلف والخلف إلى أنه ليس لهذه الليلة فضل، ذهب إلى ذلك جماعات من أهل العلم قديمًا وحديثًا، فليلة النصف من شعبان كسائر ليالي الزمان ليس لها فضل يخصها ولا لها ميزةٌ تميزها عن غيرها، بل ما قيل فيها من الفضائل هو في الأسبوع مرتين فما قيل من عرض العمل ليلة النصف من شعبان على رب العباد والمغفرة لكل مسلم ومؤمن غير مشرك ولا مشاحن قد جاء به الحديث الصحيح عن النبي صلى الله وعليه وسلم فقال صلى الله وعليه وسلم «تُعْرَضُ الأَعْمَالُ فِى كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ فَيَغْفِرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِى ذَلِكَ الْيَوْمِ لِكُلِّ امْرِئٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلاَّ امْرَأً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ ارْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ارْكُوا» أي أخروا، «ارْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا».
فهذه الفضيلة التي يقال إنها في ليلة النصف من شعبان تتكرر علينا في الأسبوع مرتين، فالأعمال تعرض في كل جمعة على الله عز وجل كل يوم اثنين وخميس، فمن أراد الفضل المذكور في الحديث من حصول المغفرة فليحقق التوحيد لله لا إله إلا الله، فإنه يغفر لكل مسلم، وليطهر قلبه من الغل والشحناء، فإن الشحناء والغل توجب حجب المغفرة من الله عز وجل.
وليبادر إلى الإصلاح فالصلح خير، وإذا بدأ الإنسان غيره بالصلح وأبى ذلك فإن البشارة إليه من سيد الورى صلى الله وعليه وسلم الذي قال: «وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلامِ»، فمن بدأ بالإصلاح ووجد من غيره رفضًا فقد برأت ذمته وحصل له المطلوب من إزالة المانع من المغفرة، والإثم يبوء به من امتنع من المبادرة إلى الإصلاح.
اللهم اجعلنا من أوليائك وحزبك، طهر قلوبنا من الشرك والنفاق ومن الغل والشحناء واعمرها بما تحب وترضى من صالح الأعمال يا ذا الجلال والإكرام.
أيها المؤمنون بادروا إلى الصالحات وخذوا من أبواب البر ما استطعتم إلى ذلك سبيلاً، حثوا أنفسكم وأهليكم ذكورًا وإناثًا على كل بر وخير، أعينوا أولادكم على اختباراتهم ويسروا لهم الأمور وهيئوا لهم ما ينفعهم وكونوا لهم عونًا على مصالح دينهم ودنياهم بالأعمال المباركة والتهيئة الممكنة والدعوات الصالحة، فالدعاء يبلغ به المؤمن من مراده ومطلوبه ما لا يبلغ بعمله.
اللهم ألهمنا رشدنا وقنا شر أنفسنا، خذ بنواصينا إلى ما تحب وترضى واصرف عنا السوء والفحشاء يا ذا الجلال والإكرام، اللهم آمنا في أوطاننا، اللهم آمنا في أوطاننا، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا الملك سلمان وولي عهده إلى ما تحب وترضى، خذ بنواصيهم إلى البر والتقوى، سددهم في الأقوال والأعمال يا ذا الجلال والإكرام، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم سددنا في الأقوال والأعمال والنيات واجعلنا من أوليائك، اللهم اختم لنا بخير، اللهم اختم لنا بخير، اللهم اختم لنا بخير، اللهم أدخلنا في كل أمر مدخل صدق وأخرجنا مخرج صدق واجعل لنا من لدنك سلطانًا نصيرًا، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، أكثروا من الصلاة على النبي صلى الله وعليه وسلم فإن صلاتكم في هذا اليوم معروضة عليه.
قال صلى الله وعليه وسلم «إنَّ مِنْ أفْضَلِ أيَّامِكُمْ يَومَ الجُمُعَةِ، فَأكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلاةِ فِيهِ، فَإنَّ صَلاَتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ»، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد.