المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نحييكم تحية طيبة عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة في هذه الحلقة المتجددة لبرنامج "الدين والحياة"، والتي نستمر معكم فيها على مدى ساعة كاملة بمشيئة الله تعالى مستمعينا الكرام في بداية هذه الحلقة تقبلوا تحياتي محدثكم "وائل الصبحي" ومن الإخراج "خالد الزهراني" و"مصطفى الصحفي" ومن الهندسة الإذاعية "علي مدابغي" . مستمعينا الكرام في برنامج الدين والحياة نناقش موضوعات تهم المسلم في أمور دينه ودنياه ويسعد بها -بمشيئة الله تعالى- في دنياه وآخرته من هذه الموضوعات التي نتحدث عنها ما يتعلق بشهر شعبان هل له فضل وله مزية على غيره من الشهور؟. سنناقش موضوعاتٍ ونقاط تعنى بهذا الموضوع ومسائل أيضًا متفرقة عن هذا الموضوع مجموعة من النقاط الرئيسية سنتحدث عنها بمشيئة الله تعالى مع فضيلة الأستاذ الدكتور الشيخ /خالد المصلح، أستاذ الفقه بـ"جامعة القصيم"، سنتحدث عن هذه الموضوعات معه بمشيئة الله تعالى من هذه الموضوعات مستمعينا الكرام ما يتعلق (بمزية شهر شعبان وهل له فضل على غيره من الشهور؟ وأيضًا هل هناك أعمال تخصُّ شهر شعبان؟ وهل هناك سبب لتسمية شهر شعبان بالصيام؟ وأيضًا ما يتعلق ببحث الناس على كثرة الصيام في شهر شعبان، ومجموعة من المسائل المتعلقة بهذا الموضوع سنطرحها -بمشيئة الله تعالى- على ضيفنا الكريم فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور/ خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم.
في هذه الحلقة مستمعينا الكرام نتحدث حول شهر شعبان، وعن فضله ومزيته على غيره من الشهور، هل هناك أعمال تخص شهر شعبان؟ وهل هناك فضيلة على غيره من الشهور؟ وما يتعلق بصيام شهر شعبان كاملًا؟ وحث الناس على كثرة الصيام في شهر شعبان، ومسألة مغفرة الذنوب أيضًا في ليلة النصف من شعبان، وما يتعلق بالعادات التي تكون في هذا الشهر، وسنتحدث عن فضله على غيره من الشهور هل هناك فضل أم لا؟
مجموعة من هذه النقاط الرئيسة سنتحدث عنها -بمشيئة الله تعالى- مع ضيفنا فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم أهلا وسهلا فضيلة الشيخ.
السلام عليكم، حياك الله.
الشيخ:- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وحياك الله مرحبا بك أخي وائل.
المقدم:- أهلًا، يا مرحبًا فضيلة الشيخ بمشيئة الله تعالى سيكون حديثنا في هذه الحلقة حول شهر شعبان وما يختص به، وأيضًا هل هناك مزية لشعبان على غيره من الشهور؟ مجموعة من النقاط سنتحدث عنها بمشيئة الله تعالى النقاط والمسائل التي نطرحها في هذه الحلقة.
دعني أبدأ الحديث معك فضيلة الشيخ عن شهر شعبان هل لشهر شعبان فضيلة ومزية على غيره من الشهور أم لا؟.
الشيخ:- الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية طيبة لك أخي وائل وللإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.
شهر شعبان هو شهر من أشهر السنة الهجرية، وهو الشهر الثامن من أشهر العام، وهو بين رجب -شهر الله المحرم- وبين رمضان الشهر الذي خصه الله تعالى بمزيد فضل، بقيامه، وأمر بصيامه، وندب فيه إلى صالح الأعمال.
هذا الشهر لم يرد في فضله نصٌّ خاص ثابت صحيح عن نبينا –صلى الله عليه وسلم- بمعنى أنه لم يرد فيه كما ورد في الأشهر الحرم من كونها محرَّمة، ونهي الله تعالى عن ظلم النفس فيها، لم يرد فيه ما ورد في شهر المحرم من أنه أفضل الصيام بعد صيام شهر رمضان، شهر الله شعبان لم يرد فيه من فضائل كما ورد في شهر رمضان، لكن هل ثمة ميزةٌ وخاصية له من جهة أن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان يخصُّه بمزيد صيام عن سائر الأشهر؟
إذًا الخاصية التي تميَّز بها شعبان على سائر شهور العام أنه كان يُكثر فيه النبي –صلى الله عليه وسلم- من الصيام، في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: «ما رأيتُ رَسولَ اللهِ ﷺ استَكمَلَ صِيامَ شَهرٍ قَطُّ، إلّا رَمَضانَ»صحيح البخاري (1969)، ومسلم (1156) يعني أنه ما أكمل النبي –صلى الله عليه وسلم- صوم شهرٍ غير شهر رمضان إلا هذا الشهر شهر شعبان وقد كان –صلى الله عليه وسلم- يصومه كلَّه كما في بعض الروايات، وفي بعض الروايات كان يصوم شعبان إلا قليلًا[صحيح مسلم:1156/176]، فالنبي –صلى الله عليه وسلم- خصَّ هذا الشهر بكثرة صيامه، ولم يرد في ذلك قول عدل، يعني لم يندب إلى صومه قول، فلم يقل فيه كما قال في شهر الله المحرم:«أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم»[صحيح مسلم:113/202]، إنما كان قد ندب إلى صومه بفعله صلوات الله وسلامه عليه، فكان يصومه إلا قليلًا أو يصومه كله كما في بعض الروايات.
إذًا شعبان ليس له خاصية بعمل ندب إليه النبي –صلى الله عليه وسلم- بقوله أو لفضيلة تخصه دون سائر الشهور.
ورد في شعبان أمران يعدهما بعض أهل العلم من خصائص هذا الشهر ومن فضائله.
إذًا قبل أن نذكر هذين الأمرين:
الأمر الأول: الذي يختص به شعبان كثرة صيام النبي –صلى الله عليه وسلم- فيه وهذا فعل منه –صلى الله عليه وسلم- وسنأتي على بقية الحديث فيما يتعلق بالمشروع من صيام هذا الشهر.
الأمر الثاني والثالث: اللذان ذكرهما بعض أهل العلم فيما يتعلق بخصوصية هذا الشهر أو ما اختص به شعبان دون سائر الشهور أنه شهر تغفر فيه الذنوب في ليلة النصف منه، فهذا جاء به الخبر عن النبي –صلى الله عليه وسلم- في عدة أحاديث أخذ بها جماعات من أهل العلم، وأكثر العلماء على أنه لم يثبت في ذلك شيء.
جاء في حديث علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- وهو أمثل هذه الأحاديث في سنن ابن ماجه، يعني أقوى هذه الأحاديث على ضعفه في سنن ابن ماجه أنه قال –صلى الله عليه وسلم-: «إذا كانت ليلةُ نصفِ شعبانَ فقوموا ليلَها وصوموا نهارَها فإنَّ اللهَ – تبارك وتعالى – ينزلُ لغروبِ الشمسِ إلى السماءِ الدنيا فيقولُ: ألا من مستغفرٍ فأغفرَ له؟ ألا من مسترزِقٍ لأرزُقَه؟ ألا من مبتلًى فأعافيَه؟ ألا كذا؟ ألا كذا؟ حتى يطلعَ الفجرُ»سنن ابن ماجه (1388)، وقال الألباني: ضعيف جدا أو موضوع. الضعيفة:2132.
فهذا الحديث حديث علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- فيه تخصيص هذه الليلة، ليلة النصف من شعبان لفضيلة إجابة الدعاء، وأهم ذلك ورأسه مغفرة الذنوب، إلا أن هذا الحديث أطبق أهل العلم من أهل الحديث على ضعفه، وأنه حتى قال بعضهم: إنه موضوع، ولذلك لا يُثبت أهل العلم صحة صيام تخصيص يوم الخامس عشر بالصيام ولا تخصيص ليلة النصف من شعبان بالصيام.
جاء في حديث أيضًا في مسند أبي بكر عند البزار قال:«إذا كان ليلة النصف من شعبان ينزل الله –تبارك وتعالى- إلى السماء الدنيا فيغفر لعباده إلا ما كان من مشرك أو مشاحن لأخيه»مسند البزار (80)، من حديث أبي بكرt. وقال الهيثمي:رواه البزار، وفيه عبد الملك بن عبد الملك، ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، ولم يضعفه، وبقية رجاله ثقات.مجمع الزوائد:12957. وله شاهد عند أحمد وفيه ذكر "القتل" بدل "الشحناء". قال محقق المسند:صحيح بشواهده. المسند:6642
وهذا المعنى وهو مغفرة الذنوب ليلة النصف من شعبان لكل أحد سلم من الشرك والمشاحنة وهي البغضاء والأحقاد جاء في أحاديث عديدة، في حديث أبي ثعلبة[عند ابن أبي عاصم في السنة:511]، وحديث أبي موسى[عند ابن ماجه في سننه:1390]، وحديث أبي هريرة[عند البزار في المسند:9268]، جاء من طرق عديدة، وهذا الذي حمل بعض أهل العلم من التابعين على استحباب تخصيص هذه الليلة أو على إثبات فضيلة هذه الليلة بهذه الخاصية، وهي مغفرة الذنوب وأنه يدعى فيها ويُسأل الله تعالى الفضل في ذلك، جاء ذلك عن الشافعي، وعن جمع. قال النووي: استحب الشافعي وأصحابه الدعاء والتقرب إلى الله تعالى بالأدعية والأذكار في هذه الليلة مع كون الحديث ضعيفًا، لكن جعلوا ذلك من أحاديث فضائل الأعمالالمجموع (5/43) .
وقال ابن تيمية –رحمه الله-: أما ليلة النصف من شعبان ففيها فضل، وكان في السلف من يصلي فيها، لكن الاجتماع فيها لإحيائها في المساجد بدعة، وكذلك الصلاة في نوع من الصلاة يخص بعضهم هذه الليلة بألف ركعة ولكن هذا لا دليل عليهالمستدرك على مجموع الفتاوى (3/112) .
فالخلاصة أن ليلة النصف من شعبان جاء فيها أحاديث عديدة في أن الله تعالى يغفر فيها الذنوب، وفي حديث أبي بكر أنه يجاب فيها الدعاء بالمغفرة وبغيره من المسائل والمطالب، لكن الحديث ضعيف، ولكن من أهل العلم من السلف من أخذ بمجموع هذه الأحاديث، وأثبت فضيلة ليلة النصف من شعبان بالدعاء وتطهير القلب من المشاحنة، والسلامة من الشرك حتى يفوز بالمغفرة.
وأما من حيث الثبوت الذي تطمئن إليه النفس، ويقال: إن هذه الفضيلة ثابتة بحديث صحيح، فلم يثبت في ذلك حديث يصار إليه، وإنما مجموع هذه الأحاديث أخذ منها جماعةٌ من أهل العلم فضيلة هذه الليلة وفضيلة الدعاء في هذه المغفرة؛ لما جاء فيها من أحاديث في مغفرة الله تعالى لكل أحد إلا لمشرك أو مشاحن.
إذًا هذه الفضيلة الثانية أو الخاصية الثانية التي في هذا الشهر، وهي في ليلة النصف منه، وهي محل خلاف بين أهل العلم أخذ بها جماعة من أهل السلف.
الأمر الثالث الذي اختص به هذا الشهر فيما ذكره بعض أهل العلم أنه ترفع فيه الأعمال، جاء ذلك فيما رواه النسائي من حديث أسامة بن زيد -رضي الله تعالى عنه- قال: «قلتُ يا رسولَ اللهِ لم أرَك تصومُ من شهرٍ من الشُّهورِ ما تصومُ شعبانَ» يعني لاحظ أن النبي –صلى الله عليه وسلم- يكثر من الصيام في نصف شعبان فقال –صلى الله عليه وسلم- في سبب هذا وعلته «ذاك شهرٌ يغفَلُ النّاسُ عنه بين رجبَ ورمضانَ» يغفل فيه الناس يعني عن الطاعة والإقبال عن طاعة الله تعالى بصالح العمل، «وهو شهرٌ تُرفعُ فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالمين وأُحِبُّ أن يُرفعَ عملي وأنا صائمٌ»مسند أحمد (21753)، وقال محققو المسند: إسناده حسن .
هذا الحديث كما ذكرت جعله بعض أهل العلم مستندًا لخاصية شعبان لرفع الأعمال، وبالتالي جعل ذلك من خصائص هذا الشهر، لكن إسناد هذا الحديث فيه مقال وهو ضعيف من حيث السند، فلا تكمن هذه الفضيلة وهذه الخاصية للشهر لضعف الحديث الوارد في ذلك.
خلاصة ما تقدم أن شهر شعبان كسائر الأشهر لم يثبت فيه فضيلة خاصة، والذي ورد أن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان يكثر فيه من الصيام فعلًا دون القول.
الثاني:- أنه –صلى الله عليه وسلم- ورد عنه في أحاديث عديدة لكن لا يثبت منها شيء أنه في ليلة النصف يغفر الله تعالى إلا لمشرك أو مشاحن.
الثالث:- أنه شهر ترفع فيه الأعمال، والحديث الوارد في ذلك ضعيف.
هذا ما يتعلق بجواب السؤال هل لشهر شعبان خاصية دون سائر الشهور؟ نسأل الله تعالى أن يستعملنا وإياكم في طاعته وأن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.
المقدم:- فضيلة الشيخ اسمح لي أن نذهب لفاصل بعده نكمل الحديث بمشيئة الله تعالى، وكنت أريد أن أسألك عن الجمع بين الأحاديث التي ندب النبي عليه الصلاة والسلام فيها للصيام في شهر الله المحرم، وبين أيضًا صيام النبي -عليه الصلاة والسلام- في شهر شعبان، والفرق بينهما، والفرق في ذلك.
سنذهب إلى فاصل بعده -بمشيئة الله تعالى- نكمل الحديث مستمعينا الكرام فاصل قصير ابقوا معنا.
حياكم الله مستمعينا الكرام نرحب بكم ونرحب بمن انضم إلينا الآن في هذه الحلقة المباشرة لبرنامج "الدين والحياة" عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة، ضيفنا الكريم فضيلة الأستاذ الدكتور الشيخ/ خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم أهلًا وسهلًا فضيلة الشيخ حياك الله.
الشيخ: مرحبا بك حياك الله، وحيا الله وأهلا وسهلا المستمعين والمستمعات.
المقدم: أهلا وسهلا فضيلة الشيخ، كنا نتحدث في بداية الحلقة عن شعبان وخصائصه، وما يندب فيه من أعمال، وتحدثنا حول شهر شعبان هل له فضيلة وميزة بين الشهور؟ وذكرنا مجموعة من الأعمال التي تخصُّ شهر شعبان، كنت أريد أن أسألك فضيلة الشيخ كيف نجمع بين الأحاديث التي جاءت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ويندب فيها إلى صيام شهر الله المحرم، وأنه أكثر الشهور التي كان يصومها عليه الصلاة والسلام، وبين الفعل التقريري للنبي عليه الصلاة والسلام، الفعل عندما كان يصوم شهر شعبان، وجاءت الأحاديث أيضًا التي تدل على صيام النبي- عليه الصلاة والسلام- من شهر شعبان كيف نجمع بين هذه الأحاديث؟ والميزة في شهر شعبان في ذلك؟
الشيخ:- هو الحقيقة ليس ثمة تعارض بين فضيلة صيام الله المحرم وبين كون النبي –صلى الله عليه وسلم- كان يكثر الصوم في شعبان فتلك فضيلة ثبتت بالقول، وهي فضيلة صيام شهر المحرم، وهذه فضيلة ثبتت بالفعل، وهي كونه –صلى الله عليه وسلم- كان يكثر الصيام في شعبان.
فالمعنى أن الفضائل الثابتة عنه –صلى الله عليه وسلم- للعمل نوعان:
فضائل تثبت بالقول، وفضائل تثبت بالفعل، والكل سنة.
وصيام النبي –صلى الله عليه وسلم- في شعبان اختلف فيه علة الإنسان، الصوم في شعبان بعد ثبوت ذلك عنه –صلى الله عليه وسلم- وقد ثبت عنه بالنقل الصحيح الثابت أنه كان –صلى الله عليه وسلم- يكثر الصيام في شعبان، وتتحقق هذه السنة بأن يكثر الإنسان الصوم في شعبان أكثر من سائر الشهور لأن عائشة تقول: «ما رأيتُ رَسولَ اللهِ ﷺ استَكمَلَ صِيامَ شَهرٍ قَطُّ، إلّا رَمَضانَ» ثم قالت: «وما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبًان»سبق فبينت- رضي الله عنها -أنه خص شعبان بكثرة صيامه دون سائر الشهور، وبالتالي ينبغي لمن أراد الأخذ بالسنة أن يجعل صيامه من شعبان أكثر من صيامه في غيره، فمثلا إذا كان يصوم ثلاثة أيام في كل شهر فليزد في صيام شعبان أيامًا بحيث يكون صيامه في شعبان أكثر من صيامه في غيره، وفي ذلك يتحقق السنة من حيث المعنى العام.
وأما تحقيق السنة من حيث المطابقة فهو أن يصوم غالب هذا الشهر، ويصوم ما يسَّر الله تعالى له منه دون أن يستكمله.
إذًا الفضيلة في صيام شعبان فعلية، سواء مصدر ثبوت فضيلة صيام شعبان فعله –صلى الله عليه وسلم- وأما صيام شهر الله المحرم فقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكلاهما سنة، هذا سنة، وذاك سنة، وهو ثابت في العبادات كلها، فلها نظائر حيث يثبت شيء من الأعمال بالفعل، فضيلة عمل من الأعمال بالفعل، وفضيلة عمل من الأعمال بالقول، وفي كل هديه –صلى الله عليه وسلم- والخير في إتباعه صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
أما لماذا خص شعبان بكثرة الصيام؟
فهذا للعلماء فيه أجوبة:
فمن ذلك أن كثرة الصيام في شعبان كانت بسبب ما ورد فيه الحديث وهو حديث أسامة التي ذكرته قبل قليل وهو أنه شهر ترفع فيه الأعمال، وكذا في حديث النسائي من حديث أسامة بن زيد «قلتُ يا رسولَ اللهِ لم أرَك تصومُ من شهرٍ من الشُّهورِ ما تصومُ شعبانَ» يعني كثرة فقال –صلى الله عليه وسلم-: «ذاك شهرٌ يغفَلُ النّاسُ عنه بين رجبَ ورمضانَ»مسند أحمد (21753)، وسنن النسائي (2357)، وقال محققو المسند: إسناده حسن هذا السبب الأول أنه شهر يغفُل فيه الناس عن الطاعة لعدم ورود فضيلة خاصة للطاعة فيه، بخلاف الشهر المحرم فهو شهر نهى الله تعالى عن ظلم الناس فيه، وهو شهر محرم العمل فيه يعظم أجره إذا كان من العمل الصالح، وإذا كان من العمل السيئ تغلظ فيه العقوبة.
ورمضان فضيلته ثابتة بفضيلة صيامه «مَن صامَ رَمضانَ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تقدَّمَ مِن ذَنْبِه».صحيح البخاري (38)، ومسلم (760)، وبفضيلة قيامه «مَن قامَ رَمضانَ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تقدَّمَ مِن ذَنْبِه».[صحيح البخاري:37، صحيح مسلم:759/173]
أما شعبان فلم يرد للعمل الصالح فيه فضيلةٌ خاصة، فيغفل الناس فيه عن العمل الصالح، والعمل الصالح يعظم أجره في أزمنة الفتورات، هذا معنى يخفى على بعض الناس أن الأزمنة التي يقلُّ فيها اجتهاد الناس في الطاعة، وتكثر فيهم الغفلة، إقبال الإنسان فيه على الطاعة هو من موجبات مضاعفة الأجور وجزيل العطاء من ربٍّ كريم، يعطي على القليل الكثير.
ولذلك قال –صلى الله عليه وسلم-: «ذاك شهرٌ يغفَلُ النّاسُ عنه بين رجبَ ورمضانَ» هذا السبب الأول.
السبب الثاني قال: «وهو شهرٌ تُرفعُ فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالمين»، أي تعرض فيه الأعمال على الله –عز وجل-.
العمل يرفع إلى الله تعالى كل يوم، فيرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل يعني يصعد الملائكة بأعمال العباد إلى ربِّ العباد -جل في علاه- في البكور والآصال، في أول النهار في صلاة الفجر، وفي آخر النهار في صلاة العصر، وهذا الرفع الذي يكون يوميًّا، لكن المذكور في الحديث رفع سنويٌّ، ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين «وأُحِبُّ أن يُرفعَ عملي وأنا صائمٌ» أي يكون عرض العمل على الله –عز وجل- والعبد صائم، فيكون هذا من موجبات رحمته، ومن أسباب عفوه وتجاوزه وصفحه أن يكون العبد مشتغلًا بالطاعة وقت عرض عمله على رب العباد –سبحانه وبحمده-.
هذا مما ورد في أسباب تخصيص شعبان بكثرة الصيام.
إذًا سبب التخصيص هو أنه شهر يغفُل فيه الناس عن الطاعة، والثاني أنه شهر ترفع فيه الأعمال وقد جاء هذا في حديث أسامةtعند النسائي إلا أن إسناده فيه مقال.[تقدم تخريجه]
وإن كان المعنى الأول معقول فإنه شهر بين شهرين لهما فضيلة، وهذا قد يوجب الغفلة، فيكون الإغفال على الطاعة في هذا الزمان له من الأجر ما ليس لغيره؛ إذ العبادة في زمن الغفلة أعظم أجرًا من العبادة في زمن النشاط من جهة أن النفوس في زمن الغفلة تكسل ودواعي العمل وعوائق العمل كثيرة، ودواعي القعود عديدة، وبالتالي إذا قام الإنسان بالعمل والطاعة في مثل هذا الظرف كان ذلك موجبًا لعطاء الرب جل في علاه.
السبب الثالث من أسباب كون الصوم في شعبان له فضيلة، وسبب تخصيص شعبان بكثرة الصوم، أنه نوع من التهيؤ والاستعداد لاستقبال الشهر الكريم شهر رمضان الذي فرض الله تعالى صيامه للناس، فيكون صيامه على الناس لقوله تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾البقرة: 185 صيام هذا الشهر المبارك يحتاج إلى تمهيد، وهو أن يصوم الإنسان قبله ما تيسَّر له من الصيام في شهر شعبان حتى يأتي الشهر والنفس قد تهيأت، والبدن قد استعد، والإنسان قد مُرِّن ودُرِّب على صيام الفرض، فيكون ذلك موجبًا للأجر والثواب من رب يعطي على القليل الكثير.
إذًا العلة في الصيام العلة الثالثة في الصيام هو تهيئة الإنسان واستعداده وتقويته على صيام الفرض، ولهذا نظائر فإن الشريعة تندب إلى السُّنَّة قبل الفرض في بعض العبادات تهيئةً للفرض حتى يقبل الإنسان على الفرض وهو نشيط حاضر القلب، ومن ذلك قوله –صلى الله عليه وسلم- في الصلاة: «بين كل أذانين صلاة»[صحيح البخاري:624، ومسلم:838/304]، فندب إلى أن يصلي الإنسان نافلة بين كل أذانين، يعني قبل كل صلاة مفروضة حتى يكون ذلك تهيئة له إذا جاء الفرض يكون الإنسان قد تهيأ، وحضَر قلبُه، وقويت نفسه على الطاعة والعبادة.
أيضًا مما قيل وهذا السبب الرابع من أسباب تخصيص شعبان للصوم أن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان يشتغل عن الصيام في بعض الأشهر، فتجتمع عليه أيام من الأيام التي عهد أن يصومها –صلى الله عليه وسلم- من النوافل فيصومها في شعبان، لكن هذا فيه إشكال أن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان يصوم شعبان كلَّه، وشعبان إذا قلنا: إنه صامه كله أو أغلبه، فإنه سيصوم أكثر من خمس وعشرين يوم، ومعلوم أنه لو قسمنا صيام ثلاثة أيام من كل شهر وفاته صيام ثلاثة أيام في شهر من الأشهر أو شهرين فهذه ستة أيام أو تسعة أيام، ولا تستوعب الشهر كاملًا.
على كل هكذا قيل: أنه كان يشتغل عن الصيام الذي يتطوع به –صلى الله عليه وسلم- في بعض الأشهر فيقضيه في شعبان.
هذه أربعة أسباب مما ذكر في سبب تخصيص شعبان في الصوم، وعلى كل حال سواء كانت هذه الأسباب وجيهةً ويعضدها الدليل، أو كانت اجتهادات واستنباطات، أو أسندت إلى ضعيف من الدليل، فإن الصوم ثابت عنه –صلى الله عليه وسلم- وهو من هديه وسنته في هذا الشهر شهر شعبان.
المقدم:- فضيلة الشيخ اسمح لي أن نذهب إلى فاصل قصير، بعده -بمشيئة الله تعالى- نستكمل حديثنا ومجموعة من المسائل أيضًا متعلقة بشهر شعبان.
فيما يتعلق أيضًا بضرورة اغتنام ما بقي من شهر شعبان في قضاء صيام رمضان الفائت، وما ينبغي أيضًا من الاستعداد لشهر رمضان، ومجموعة من المسائل الأخرى المتعلقة بهذا الشهر، فاصل قصير نكمل بعده الحديث.
حياكم الله مستمعينا الكرام في هذه الحلقة المباشرة من برنامج الدين والحياة عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة نرحب بكم، ونرحب بضيفنا الكريم فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، أهلًا وسهلًا فضيلة الشيخ حياك الله.
الشيخ:- مرحبا حياك الله، أهلا وسهلا، وحيا الله الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.
المقدم:- أهلا وسهلا فضيلة الشيخ نستكمل حديثنا الذي بدأناه حول شهر شعبان، ولعلنا نذكر مجموعة من الرسائل المتعلقة بهذا الشهر.
فضيلة الشيخ أسألك فقط عن عادة سنوية لدى الناس وهي ما يعرف بالشعبنة؟ يعني من ضمن حديثنا، وإلا في هذه الأوقات أعتقد أن الوضع لا يسمح للناس خاصة مع منع حظر التجول في كثير من المدن المملكة العربية السعودية، لكن يعني من سياق الحديث نذكر هذه المسائل ما يتعلق بعادة الناس في الشعبنة، والتجمع في شهر شعبان وفي آخره تحديدًا.
الشيخ:- على كل حال هذا ليس له أصل من حيث أنه سنة، أو عبادة، أو قربة، أو يندب إليه، بل هذا نوع من العادات يفعلها بعض الناس، والامتناع عنها في هذا الوقت واجبٌ؛ وذلك عملًا بما أوصت به الجهات المسئولة من عدم الاشتغال بالتجمعات، وعدم إقامة الولائم والمناسبات التي يجتمع فيها الناس لما في ذلك من خطر متعلق بانتشار وتفشي الإصابة بفيروس "كورونا".
فينبغي الالتزام بهذا حتى على المستوى الضيق، يعني أحيانًا قد يقول قائل: ما تكون الاجتماعات كبيرة، إنما تخَصُّ الأسرة أو نحو ذلك، كل هذا مما ينبغي مراعاة التنظيمات والتوجيهات في وقاية للناس، وبعدًا عن الخطر، وهذا فيما لو كان عبادة الآن العبادات تأثَّرت بوجود هذا الفيروس وخطره، فعُلِّقت الصلوات في المساجد بسبب خطر التفشي هذا الوباء، فكيف بالعادات التي الأمر فيها أهون وأيسر من العبادات؟
بالتالي أنا أقول: ينبغي ترك مثل هذه العادات، وعدم الاشتغال بها لما فيها من الضرر والخطر، ولزوم التدابير الوقائية والتوجيهات الاحترازية التي تحفظ من انتشار هذا الفيروس، أسأل الله تعالى أن يحمينا وبلادنا والبشرية من خطر هذا الفيروس.
فيما يتعلق بالصيام إذا كنا سنرجع له في قضيتين:
قضية ما يُنهى عن صيامه في شعبان، وقضية القضاء إذا كان لهما فصحى تكلمنا عنهم.
المقدم:- اتفضل فضيلة الشيخ، أترك لك المساحة الآن.
الشيخ:- فيما يتعلق بصيام ما ينهى عنه في صيام شعبان جاء في صيام شعبان أحاديث، حديث أبي هريرة في السنن أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا انتصفَ شعبانُ فلا تصومُوا»سنن الترمذي (738)، وقال: حديث حسن صحيح، وهذا الحديث نهى فيه النبي –صلى الله عليه وسلم- عن صيام ما بعد النصف من شعبان يعني نحن اليوم في اليوم الثاني عشر بعد أربعة أيام أو ثلاثة أيام من اليوم فقوله:«إذا انتصف شعبان فلا تصوموا» حديث أخذ به جماعة من أهل العلم ورأوا أنه يُنهى عن الصيام بعد النصف من شعبان، ولهم في ذلك توجيهات مع الأحاديث التي فيها أن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان يصوم أكثر شعبان أو كله.
فالصواب أنه هذا الحديث ضعيف[قال البيهقي:قال أبو داود: وقال أحمد بن حنبل: هذا حديث منكر، قال: وكان عبد الرحمن لا يحدث به. السنن الكبرى للبيهقي:7964]، وبالتالي لا يعمل به من جهة النهي، فليس ثمة نهي عن الصيام لا يثبت نهي عن الصيام بعد منتصف شعبان، فمن شاء أن يصوم تطوعًا بعد منتصف شعبان فلا ينهى عن ذلك، لكن الحديث الثاني الوارد في ذلك نهيه –صلى الله عليه وسلم- عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين هذا الذي ثبت عنه –صلى الله عليه وسلم- في الصحيحين أنه قال –صلى الله عليه وسلم-: «لا تقَدَّموا صيامَ شهرِ رمضانَ بصيامِ يومٍ أو يومينِ إلّا رجلٌ كان يصومُ صيامًا فليصُمْه»صحيح البخاري (1914)، ومسلم (1082) فنهى النبي –صلى الله عليه وسلم- عن تقدم رمضان بصوم يوم يعني من شعبان أو يومين واستثنى –صلى الله عليه وسلم- من هذا النهي من كان له صومٌ معتاد جرت عليه صيامه، فمن يصوم يومًا ويفطر يومًا مثلا، أو من جرت عادته بأن يصوم ثلاثة أيام من شهر، ولم يتمكن إلا في آخر الشهر، أو من كان عليه قضاء وضاق عليه الوقت فلم يمكنه الصوم إلا قبل يوم أو يومين من رمضان فكلُّ هؤلاء لا يُنهى عن صيامهم، إنما ينهى عمن خصَّ صوم يوم أو يومين قبل رمضان لغير سبب، إنما لأجل الاعتراض برمضان والتحوط له هذا هو الذي ينهى عنه من صيام شعبان.
إذًا ما ورد من النهي عن الصيام بعد منتصف شعبان لا يثبُت، والثابت هو نهي نبويٌّ عن أن يصوم الإنسان قبل رمضان بيوم أو يومين احتياطًا لرمضان، أما إذا كان يصومه لصيام معتاد أو لصيام له سببٌ من قضاء فرضٍ أو أداء واجب فإنه لا حرج عليه في ذلك.
هذا ما يتعلق بما ينهى عنه في صيام شعبان، أما ما يتصل بالقضاء فأنا أوصي إخواني وأخواتي بالمبادرة إلى قضاء رمضان واستغلال ما بقي من الأيام من كان عليه قضاء أن يبادر إلى القضاء قبل إدراك رمضان الآخر، فإن ذلك أبرأ لذمته وأسرع في امتثال ما أمر الله تعالى به في قوله –جل وعلا-: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾البقرة: 185 .
وقد كان هذا عمل أزواج النبي –صلى الله عليه وسلم- فعن أم سلمة قالت: سمعت عائشة -رضي الله تعالى- عنها تقول: «كان يكون عليَّ صوم من رمضان -يعني عليها قضاء من رمضان- فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان»صحيح البخاري (1950)، ومسلم (1146) أي لأجل شغلها واشتغالها بالنبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وهذا الحديث في الصحيحين في صحيح البخاري، ومسلم، وهو دالٌّ على أنه من كان عليه قضاء من رمضان الفائت فليبادر إلى صومه قبل رمضان القادم.
عائشة -رضي الله تعالى عنها- تقول: كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان، فينبغي للإنسان أن يبادر للقضاء، ويبرأ ذمته في قضاء ما عليه من الصيام.
من كان له عذر كالمريض أو المسافر ونحو ذلك، فلم يتمكن من القضاء في هذا الشهر فإنه يقضيه بعد رمضان القادم؛ لأن البعض قد يكون لديه عذرٌ، لاسيما يعني مثل من كانت حاملًا أو مرضعًا أو نحو ذلك من أهل الأعذار، فإنه لا حرج عليهم في ترك القضاء لما لهم من أعذار، ويقضون بعد رمضان، وليس عليهم إلا القضاء.
أما إذا كان التأخير لغير عذر، فجمهور العلماء معنى أن الإنسان يستطيع ولا عنده ما يمنعه من قضاء أيام رمضان الماضي، ويترك ذلك حتى يدركه رمضان فجمهور العلماء على أنه يجب عليه القضاء مع الكفارة مع الفدية، إطعام المساكين[ينظر في ذلك: المهذب6/363، والإقناع:2/343]، والصواب أن عليه القضاء دون الفدية وإنما تستحب الفدية لمن يجب عليه فدية على الراجح من قولي العلماء وهو مذهب أبي حنيفة وقول جماعات من أهل العلم وقول عند الإمام أحمد[انظر مراقي الفلاح(ص375)، والإنصاف للمرداوي:(3/334)].
المقدم:- حتى وإن كان من غير سبب فضيلة الشيخ؟
الشيخ:- حتى وإن كان من غير سبب لكن ينبغي له القضاء، هذا ما يتعلق به بقية مسائل الصوم المتصل بشعبان.
والخلاصة أن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان يكثر من صيامه فيندب صيام شعبان ولا فرق في ذلك بين أوله وآخره إلا أنه نُهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا إذا كان له سببٌ للتقدم، وأيضًا يجتهد الإنسان بقضاء ما عليه من الصوم.
المقدم:- اسمح لي فضيلة الشيخ أن نذهب إلى فاصل بعده نكمل جزءنا الأخير في هذه الحلقة، وحديثنا الأخير حول ما تبقى من شهر شعبان أيضًا، والكلمة الأخيرة التي سنختم بها لكن دعنا نذهب إلى فاصل أخير بعدها نكمل الحديث بمشيئة الله تعالى.
حياكم الله مستمعينا الكرام في الجزء الأخير من هذه الحلقة لبرنامج الدين والحياة ضيفنا الكريم فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، أهلًا وسهلًا فضيلة الشيخ، حياك الله.
الشيخ:- مرحبا حياكم الله وأهلا وسهلا بكم.
المقدم:- أهلا وسهلا فضيلة الشيخ لم يتبق لدينا وقت طويل جدا، بودنا أن نختم الحديث هذا بكلمة توجيهية باغتنام الشهر العظيم أو هذا الشهر بالصيام لاستقبال شهر رمضان المبارك؛ لأن الآن الناس في منازلهم والفرصة متاحة لهم للصيام خاصة يعني الأمور ميسرة -والحمد لله- الأيام البيض قادمة والناس في بيوتهم جالسون، لا يذهبون، لا يأتون، لا يروحون والفرصة مهيأة لهم للصيام والاستزادة من هذا الشهر التزامًا بسنة النبي عليه الصلاة والسلام.
كلمة أخيرة توجهية في هذا الجانب.
الشيخ:- أنا أدعو نفسي وإخواني إلى اغتنام أيام العمر، فالعمر ما أسرع ما تنقضي أيامه، وتنطوي لياليه والإنسان إنما يفرح عند رحيله وانقطاعه من الدنيا بما كان قد قدَّمه من صالح العمل، لا يفرح بكثرة ولد، ولا بكثرة مال، ولا بأي شيء يمر بالدنيا؛ لأنه يترك ذلك كله ويقدُم على ربٍّ لا يقدم عليه إلا بعمله، فينبغي أن يستكثر من العمل الصالح ما استطاع إلى ذلك سبيلًا.
وهذا الشهر شهر كان سلفنا الصالح يكثرون فيه من العمل بشتى صوره وأنواعه استعدادًا لرمضان، ولذلك كان يسميه بعض أهل العلم شهر القرآن، مع أن شهر القرآن هو رمضان، شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، لكن سمي شهر شعبان بشهر القرآن؛ لأن من السلف من كان يكثر القراءة فيه، لأجل أن يقوى على كثرة القراءة في رمضان وكما تفضلت الناس اليوم في ظل هذا الظرف العارض الذي أسأل الله أن يعجِّل بالفرج منه، ورفع البلاء، وتأمين الناس على أنفسهم وعلى من يحبون.
ثمة فراغ واسع «نِعْمَتانِ مَغْبُونٌ فِيهِما كَثِيرٌ مِنَ النّاسِ: الصِّحَّةُ والفَراغُ»صحيح البخاري (6412) ، هذا الفراغ ينبغي أن يُشغل بما ينفع، ومن ذلك الاشتغال بالعمل الصالح على ما يطيق الإنسان، ومنه الصيام لمن كان مُطيقًا للصيام، فنندب أنفسَنا إلى المشاركة للنبي –صلى الله عليه وسلم- في هذه واتباع سنته بالاستكثار من صيام هذا الشهر بما نستطيع.
الإيمان عهد بالصيام بالكلية صيام يوم، يومين، ثلاثة كان ذلك مشاركًا للهدي النبوي أو متَّبِعًا للهدي النبوي في عموم تخصيص شعبان بكثرة الصوم، وكذلك الذي له الصيام يكثر من الصيام، وكما ذكرت الأيام البيض غدا وبعد غد وبعده، هي أيام أجمع العلماء على سُنِّية صيامها من كل شهر، وفي شعبان أتت بكثرة صيام النبي –صلى الله عليه وسلم- فيها.
فأوصي نفسي وإخواني بالعمل الصالح عمومًا، واجتهاد في ذلك وأن نتواصَى، نوصي أنفسنا وأبناءنا وبناتنا وأزواجَنا وزوجاتنا وآباءنا وأمهاتنا وجميع من نعاشرهم ونعيش في محيطه يكون عونًا على الخير والبرِّ واستثمار الوقت بما ينفع، نسأل الله تعالى أن يعجل بالفرج وأن يدفع عنا وعنكم كل سوء وشر وبلاء.
المقدم: شكرًا جزيلًا فضيلة الشيخ شكر الله لك، وكتب الله أجرك فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم شكرًا جزيلًا فضيلة الشيخ.
الشيخ: وأنا أشكركم وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرفع عن عباده، أن يأمننا على أنفسنا وأهلينا وبلادنا وأن يجزي قيادتنا خير الجزاء على ما يبذلونه في الحفاظ على سلامة الناس وصحتهم، وأن يكلِّل هذه المساعي بالتوفيق والتسديد والوصول للمطلوب، وأن يبلغنا وإياكم رمضان، وأن يرزقنا فيه صالح الأعمال، وأن يعيننا على ما يحب ويرضى في سائر الزمان وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم:- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.