بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..
قال الحافظ بن حجر –رحمه الله- تعالى في كتابه بلوغ المرام.
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تَسحَّروا، فإن في السَّحور بَرَكةً)) متفق عليه البخاري: (1923) ، ومسلم (1095) .
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..
فهذا الحديث الشريف حديث أنس رضي الله تعالى عنه في بيان سُنَّة من سنن الصيام وهو السحور، وفي الحديث أن النبي –صلى الله عليه وسلم- أمر فقال: «فَإنَّ في السَّحور بركةً» أو السُّحور بركة.
السَّحور بالفتح: الطعام الذي يؤكل، والسُّحور: بالضم فعلُ الأكل في ذلك الوقت وهو وقت السحر وقوله –صلى الله عليه وسلم-: «تسحروا، فإن في السحور بركةً» أي فيه خيرٌ كثير، فالبركة هي الخير الكثير، والخير الكثير الذي ذكره النبي –صلى الله عليه وسلم- في السَّحور أو في السُّحور لا يقتصر على أمر دُنيويٍّ فقط بل يشمل خير الدنيا والآخرة، بركة الدنيا بركة في الدنيا وبركة في الآخرة.
أما بركة الدنيا فهو التقَوِّي على الصيام، والاستعانةُ بهذه الأُكلة على فعل ما أمر الله تعالى به وندَبَ إليه إما وجوبًا كصيام رمضان، وإما نَدبًا وتطوعًا كالصيام في سائر الأيام، وكذلك هو برَكة من حيث الأجر والمَثوبة التي يَجنِيها الإنسان بامتثال أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكذلك هو أجر ومثوبةٌ في إدراك هذا الوقت الشريف الفاضل وهو وقت السحر الذي أثنى الله تعالى فيه على المستَغفِرين بالأسحار، فكلُّ هذا يدخل في بركة السَّحور وبركة السُّحور.
أما المسائل في هذا الباب، فالمسائل عديدة:
- من مسائل هذا الحديث أن السحور مَندوبٌ إليه، ومستحب وهذا لا خلاف بين العلماء فيه، ووجهُ ذلك في الحديث أن النبي أمر بالسحور ونَدَب إليه وأَخبر بأنه بركة.
- من المسائل أيضًا وهي المسألة الثانية بيانُ وقتِ السُّحور، وقت السُّحور للعلماء فيه قولان:
جمهور العلماء على أن وقت السُّحور يبتدئ من بعد مُنتصف الليل إلى طلوع الفجر هذا الذي ذكره فقهاء المذاهب، وذكره جماعة من أهل اللغة
وقال آخرون: بل السُّحور هو في وقت السحر وهو قُبيل الفجر، والجمعُ بين هذين أن السُّحورَ يَبتدئ من منتصف الليل، فما يُؤكل بعد منتصف الليل يكون سُحورًا ولكنَّ أفضلَه ما كان قبيل الفجر.
- المسألة الثالثة فضيلة تأخير السُّحور، وذلك أن السحر يصدُق بالاتفاق على ما قبل الفجر، وهو أوان إدبارِ الليل وإقبالِ النهار، وقد جاء الحديث بالندبِ إلى تأخير السحور في حديث أبي ذرٍّ أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تزالُ أُمَّتِي بخيرٍ ما أخَّروا السُّحورَ وعجَّلوا الفطورَ» أحمد في مسنده: 21507. وهو ضعيف من حديث أبي ذرٍّ؛ فيه ابن لهيعة.أما تعجيل الفطر فهو متفق عليه من غير حديث أبي ذر البخاري :1975, مسلم:1098/48 وهذا يدل على استحباب تأخير السُّحور وقد فعله رسول الله –صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيح من حديث زيد بن ثابت أن النبي –صلى الله عليه وسلم- تسحَّر مع أصحابه فسُئل زيدٌ كم كان بين سُحُوركم والصلاة؟ قال: قَدرَ قراءةِ خمسين آية البخاري:575 .
وهذا تقريبًا قدر قراءة وجهين أو ثلاثة أوجه من المصحف، وهذا يشغل من الوقت قريب سبع إلى عشر دقائق في القراءة المُتأنِّية.
- من المسائل التي في هذا الباب أو في هذا الحديث وهي المسألة الرابعة بيان ما يُتَسحر به وأنه كل مطعومٍ أو مَشروبٍ، فكل مطعوم أو مشروب يحصل به أكلة السَّحر التي ندب إليها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولكن بالتأكيد إن ما كان يحصُل به مقصودُ السُّحور من التقوِّي على الصيام كان أولى، وهو أحق بالدخول في الحديث، لكن لو لم يَتَيسر إلا جَرعة ماء أو ما أشبه ذلك فإنه يتحقق به السحور المندُوب إليه في قوله –صلى الله عليه وسلم-: «تسحَّروا، فإن في السَّحور بركةً».
وليُعلم أن الأحاديث الواردةَ في فضل السحور كثيرةٌ، هذا من أبرزها ولذلك اصطفاه المؤلِّف حيث جاء فيه قوله –صلى الله عليه وسلم-: «تسحروا، فإن في السحور بركة».
هذه جملة من المسائل التي تتصل بهذا الحديث أسأل الله أن يرزقَني وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، ومما يُنبَّه إليه أن السحور مندوب إليه في الفرض وفي النفل كما تقدم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.