بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم اللهم اغفر لشيخنا وللمسلمين.
قال المصنف –رحمه الله- تعالى:
وعن سلمان بن عامر الضَّبِّي -رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا أفطر أحدكم فليُفطِر على تمر فإن لم يجد فليُفطر على ماء فإنه طَهور» رواه الخمسة وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم. الترمذي:658. وقال: حديث حسن صحيح
الحمد لله رب العالمين أحمده حقَّ حمده لا أحصي ثناء عليه كما أثنى على نفسه وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبدالله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أما بعد..
فهذا الحديث الشريف حديثُ سلمان بن عامر الضبي رضي الله تعالى عنه في بيان ما يسن عند الإفطار قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور» هذا التوجيه النبوي بيانٌ لأفضل ما يفطر به وفيه جملة من المسائل فيه عدة مسائل:
المسألة الأولى:- استحبابُ الفطر على تَمر وهذا قال به عامَّة أهلِ العلم، ووجهه أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر» فَنَدب إلى الفِطر بالتمر.
والتمر: اسم لجنس من ثمر النبات، وهو ثمر النخل وهو على مراتب؛ منه ما هو رَطِب، ومنه ما هو بُسْر، ومنه ما هو تَمر، والتمر إذا أُطلق فإنه يُراد به جنسُ ثمرِ النخيل سواء كان رطبًا أو كان بُسرًا أو كان يابسًا.
مما جفَّ ويبُس من التمر وفي حديث أنس في السنن أن النبي –صلى الله عليه وسلم-: «إذا أفطرَ، أفطرَ على تَمرٍ أو على رُطَباتٍ، وإن لم يكنْ حسا حسواتٍ من ماءٍ» أبو داود:2356, والترمذي: 696 وهذا بيَّن أن الأفضلَ في مراتِبِ أنواعِ التمر الرطِب ليُسرِه وسهولَةِ مَضغِه وأكله، وعليه فإن الأفضل في الفِطر أن يكون على تمر، فإن تيسر رطِبٌ من التمر فهو أفضل ما يكون، فإن لم يكن فليُفطِر على ما يبُس من التمر، وهو ما يُسمى تمرا سواء كان مما يبس أو مما ضمِّد وجبن هذه المسألة الأولى.
المسألة الثانية:- من لم يجد تمرًا فالسنةُ أن يفطر على ماءٍ، وإلى هذا ذهب جمهور العلماء خلافًا لما جاء عن بعض الشافعية والحنابلة فإن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا أفطر أحدكم فليُفطر على تمر فإن لم يجد فليفطر على ماء» فذكر بعد التمر الماءَ، فنَقَل من التمر إلى الماء فدلَّ على استحبابه، ولم يجعل بينهما واسطة.
وما ذكَره بعض الفقهاء الشافعيةِ والحنابلة من أنه إذا لم يَجد التمر فيستحب أن يُفطر على حُلوٍ لا دليل عليه فليس في الحديث ما يدلُّ عليه ولا في السنة ما يدل عليه، إنما إذا لم يجد تمرًا فليَبتدِئ فطره بالماء وذلك لما علل به النبي –صلى الله عليه وسلم- في قوله فإنه طَهور أي يحصل به تطهير الجَوف وإطفاءُ العطش وتغذيةُ البَدَن، وذلك لحاجة البدن إلى الماء بسبب الصيام الذي يُفضِي إلى الجفاف وقلةِ الماء في البدن.
المسألة الثالثة:- التي تتعلق بهذا الحديث إذا لم يكن تمرٌ ولا ماء فماذا يصنع؟ لم يتكلم كثيرٌ من الفقهاء عن هذه المسألة، وإنما يستفاد من قولهم من نوى الفطر أفطر، فإنه إذا لم يجد طعامًا من التمر ونحوِه والماء فإنه ينتقل إلى الفِطر بالنِّيَّة، ينوي الفطر وهذا ما يُقطَع به الصيام ليحصِّل فضيلةَ المبادرة إلى تعجيل الفطر فإن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يَزالُ النّاسُ بخَيْرٍ ما عَجَّلُوا الفِطْرَ» خ:1975, مسلم:1098/48 فجَعلَ تعجيلَ الفِطر فضيلةً، ويحصل هذا بقطع نيَّة الصيام؛ لأن الصيام مركب من أمرين: نيةٍ، وإمساكٍ.
فإذا لم يتمكن من قطع الإمساك بأكل مَطعوم أو مشروب، فإنه يَنتَقل إلى النية التي يَقطَع بها صومَه، وذهب طائفة من أهل العلم وهو مذهبُ المالكية والحنفية إلى أنه لا يقع الفطر بالنية بمعنى أنه لو نوى الفطر لم يُفطِر؛ لأن الفطر لابد فيه من عمل يخرُج به عما دخل فيه من إمساك، والأقرب والله تعالى أعلم أن تحصيلَ فضيلةِ تعجيل الفطر يحصل بنيَّة الفطر إذا لم يجد ما يأكلُه إذن –صلى الله عليه وسلم- وهنا مسألة هل ثبت عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه أفطر بغير التمر والماء؟
نعم في الصحيحين من حديث أبي أوفى أن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان في سفر مع أصحابه «قالَ: انْزِلْ فاجْدَحْ لَنا» قال: الشمس يا رسول الله يعني ما غَرَبت الشمس إلى الآن في نَظَرِه لوجود الضَّوء «قالَ: انْزِلْ فاجْدَحْ لَنا» البخاري:1941, مسلم:1101/52 أي هيِّء لنا ما نفطر به وهو ماء مع سَويق، فالجَدْح: هو أن يحرِّك السويقَ، وهو دقيق البُرِّ في الماء تهيئةً لشُربه فشرب منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
فدلَّ هذا على أن شُرب العصائر ونحوِها مما يَتَيسَّر في الفطور مما يحصل به الفطر، ولذلك ترجم البخاريُّ لهذا الحديث: يُفْطِرُ بِمَا تَيَسَّرَ مِنَ المَاءِ، أَوْ غَيْرِهِ، فإذا لم يتيسر ماءٌ خالصٌ كأن يكون عصيرٌ أو ما إلى ذلك فإنه يتحقق به سُنة الفطر والتعجيل فيه، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علمًا يا عليم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.