بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين.
قال المصنف –رحمه الله- تعالى:
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "نَهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الوِصال، فقال رجل من المسلمين: فإنَّك تُواصِل يا رسول الله، فقال: ((وأَيُّكم مثلي؟ إني أَبِيت يُطعمُني ربِّي ويَسقِيني)) فلمَّا أبَوا أن ينتهوا عن الوصال، واصل بهم يوماً ثم يوماً، ثم رأوا الهلال، فقال: ((لو تأخَّر الهلالُ لزِدتُكم)) كالمُنكِّل لهم حين أبَوا أن ينتَهوا" متفق عليه. البخاري:1965، ومسلم:1103/57
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..
فهذا الحديث فيه بيانُ منتهى الصيام، الله جلَّ في علاه أمر بصيام أيامٍ معدوداتٍ يَبتدئ الصيام بطلوع الفجر، ويَنتهي بغروب الشمس، ما بعد هذا ليس محلًّا للصيام ولا للتقرُّب إلى الله تعالى بطاعته بالإمساك عن المفطرات قال الله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ البقرة: 187 ثم قال: ﴿فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ البقرة: 187 فمَوضِعُ الصيام هو النهار.
الوصال حقيقتَه يبينها هذا الحديث وهذا من مسائل هذا الحديث، فالنبي –صلى الله عليه وسلم- نهى عن الوصال وهذا فيه جملة من المسائل:
المسألة الأولى:- بيان حقيقةِ الوصال وأنه: وَصْل صومِ يوم بيوم بمعنى أنه إذا جاء الليل لا يُفطر بأي نوع من أنواع المفطرات ويواصِل الصيامَ إلى اليوم الذي يليه، هذا هو الوصال أن يصل صوم يوم بيوم دون فطر، فعله رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ولذلك لما نَهى عن الوصال قال رجل من المسلمين: يا رسول الله إنك تواصل يعني تصل صيامَ اليوم بصيام غدٍ، فلا تفطر بين اليومين بطعام ولا شراب، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: إِني لَست كهيئتِكم إِنِّي أبيت يُطعمني ربي ويَسقِيني، فبيَّن النبي –صلى الله عليه وسلم- أن حالَه مختلفةٌ عن حال سائر الناس في هذا الأمر، وهو من خصوصيَّاته التي خصَّه الله تعالى بها أنه يَستغني بذكر الله بطاعتِه وعبادته عن الطعام والشراب هذا معنى قوله: أبيت يطعمني ربي ويسقيني.
بمعنى أنه يستغني بذكر الله وطاعته وعبادته وما يجد في قلبه من قوت الإيمان ولذة ذكر الرحمن ما يغنيه عن الطعام والشراب هذا معنى قوله: أبيت يطعمني ربي ويسقيني.
أما ما فَعله الصحابة لما قال هذا لما رأَوه على هذا الحال، فهِموا أن نهيَه لهم ليس لأجل أن يمتنعوا عن الصوم بل نهاهم رحمةً بهم كما قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ التوبة: 128 فلم يُفهم من النهي المانعُ، بل فهموا منه الرحمة بهم لا العزم عليهم بالترك، فاستمروا فلما رآهم –صلى الله عليه وسلم- لم ينتهوا واصل بهم يومًا ثم يومين ثم رأى الهلال يعني كانوا في آخر الشهر فرأوا هلالَ الفِطر فأفطر –صلى الله عليه وسلم- وذلك تربيةً لهم أن يأخذوا بتوجيهه وألا يكونوا كحالِ التي لا يماثلونها، فهم مختلفون عنه لهم من الحاجة من الطعام والشراب ما ليس للنبي –صلى الله عليه وسلم-.
ففي هذا الحديث بيانُ حقيقةِ الوِصال وأنه وصَلَ يومًا بيوم دون فطر، وفيه أن الطعام والشرابَ يقطع الوصال ولو كان قليلًا، ولو كان أدنى ما يكون من طعام أو شراب يحصل به قطعُ الصيام.
ومن المسائل المتصلة بهذا الحديث بيانُ أن الطعام والشراب من المفطرات، لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: يطعمني ربي ويسقيني وهو الذي يحصل به الفطر، ففي الحديث بيانُ أن الطعام والشراب من المفطرات، والمفطرات في الصيام أصولهُا ثلاثةٌ ذكرها الله في أية الصيام في قوله: ﴿فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ﴾ البقرة: 187 هذا يتعلق بالشهوة ﴿وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ البقرة: 187 وهو الجماع وما في حكمِه، الثاني ﴿وَكُلُوا﴾ البقرة: 187 هذا الطعام ﴿وَاشْرَبُوا﴾ البقرة: 187 وهذا السقاء هذه الثلاثة أشياء هي أصول المفطرات، دلَّ عليها الحديث كما دلَّت عليه الآية،.
وفيه من الفوائد أيضًا أن الجماع في ليل رمضانَ ليس كالطعام والشراب حاجةً، ولهذا قال: يطعمني ربي ويسقيني ولم يذكُر الجماع.
ولهذا بعض العلماء قال: لو جامع قَطَع الوصالَ، والصواب أنه ينقطع الوصال بكل مُفطر ولو بالنية، يعني لو نَوى قطع الصيام وأمسك عن الطعام والشراب فإنه يزول بذلك الوصال، فالوصال يقطعه كلُّ مفطر من المفطرات من طعام وشراب وجماع وغير ذلك ويقطعُه أيضًا أن يُقطع النية.
اللهم علِّمنا بما ينفعنا وأنفعنا بما علمتنا وزدنا علما يا عليم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.