بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين.
قال المصنف –رحمه الله- تعالى:
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من لم يدع قولَ الزور والعملَ به والجهلَ فليس لله حاجة في أن يدع طعامَه وشرابَه)) رواه البخاري وأبو داود واللفظ له. البخاري:1903, أبو داود:2362.
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..
هذا الحديث فيه بيانُ مقصودِ الصيام، وأنه تحقِيق تقوَى الله –عز وجل- في القول والعمل قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ البقرة: 183 فمقصودُ الصوم هو تحقيقُ التقوى، وبقدرِ ما يُحقِّق العبدُ التقوى في قوله وعمله يدرِك من مقاصد الصيامِ وغايَتِه وأجورِه وثوابِه لهذا يقول –صلى الله عليه وسلم-: «من لم يَدَع قولَ الزورِ» أي من لم يترك قولَ الباطل والعملَ به أي والعملَ بالباطل، وهذا يشمل كلَّ قول محرم وكل عمل محرم، والجهل يرجع إلى الاثنين، بمعنى أن قول الزور والعمل به من الجهل، فالجهل هنا المقصود به عدمُ العمل بالعلم، وذلك أن عدم العمل بالعلم جهل ولو كان الإنسان عالمًا قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ﴾ النساء: 17 فقول: بجهالةٍ أي بعدمِ علم، بعدم عمل بالعلم، وليس بعدم علم هم يعلمون أن هذا محرَّم لكنَّهم يأتُونه فكانوا بذلك جاهلين في أنهم تركوا مقتضى العلم.
في الحديث مسألتان:
المسألة الأولى:- أثرُ الذنوب على الصَّوم. لاشك أن مقصود الصوم هو تحقيق التقوى، والتقوى هي: التزامُ ما أمر الله تعالى به في القول والعمل، فإذا أخلَّ الإنسان بذلك لم يأت بمقصود الصوم، وينقص من أجره بقدر ما يقع في صومه من المخالفات، سواء كانت المخالفات قوليةً كالكذب والنميمة والغيبة والشتم وما إلى ذلك من قبيح القول، أو كان ذلك في العمل كإطلاق البصر في المحرمات، إطلاق السمع في المحرمات، كالتزوير في المعاملات، الإخلال بالواجبات، التقصير في الصلوات، التقصير في الفرائض والواجبات كله مما يندرج في العمل بالزور الذي ينقص أجر الصائم.
ولهذا الذين يصومون ثم يضيِّعون الصلوات هؤلاء لا ينالُون أجر الصيام على الوجه الذي يأمَلونَه؛ لأن الصوم مقصودُه التقوى، فإذا كان الصوم سبيلَ إضاعةِ الصلوات وعدمِ المحافظة عليها، فهذا لاشك أنه منقِص للأجر نقصًا عظيمًا ولهذا قال: فليس لله حاجة أي ليس لله مقصودٌ في أن يترك طعامه وشرابه فالله ما أمرنا بترك الطعام والشراب والملذَّات المباحة لأجل أن يمنعنا بلا غاية ولا مقصود.
بل غاية ذلك ومقصوده أن يكون الإنسان قائمًا بطاعة الله –عز وجل- وأن يكون الصوم عونًا له على ما يحبُّ الله تعالى ويرضى، لا أن يكون الصوم طريقًا له في ارتكاب المحرمات والوقوع في المعاصي والسيئات.
أما المسألة الثانية:- هل يبطُل الصوم بوقوع شيء من المعاصي فيه؟
للعلماء في ذلك قولان:
- جمهور العلماء على أنه إذا وقع في الصائم في معصية فإنه لا يبطُل صومُه، بل صومه صحيح مادام أنه ممسِك عن المفطرات، بمعنى أن المعاصي غيرُ المفطرات من الكذب والنميمة والعمل بالسيئات في غير المفطرات لا يفسد الصوم ولا يبطله، إنما يُنقِص أجره وقد يَذهَب بالأجر بالكلِّية إذا كان ذلك قد عمَّر وقته في صيامه بالمعاصي أو كانت المعاصي عظيمةً، لكن هل يستوي من صام وعصا الله في صيامه مع من لم يصم ولم يعص الله؟
الجواب:- لا، لا يستويان بل عقوبةُ ذلك أعظم من عقوبة هذا، وبالتالي كون الإنسان يقع في المعصية وهو صائم هو خيرٌ ممن لم يقع في المعصية ولم يصوم، فإن الصومَ لابد أن يكون له تأثيرٌ على الإنسان وإن كان قد يحبَط عملُ الصوم بما يكون من المعاصي فيه ويُنقَص أجره، لكنه لا يكون كتارك الصوم من أصله.
ذهب بعض أهل العلم كالأوزاعي والظاهرية إلى أن المعاصي تُبطل الصوم، بمعنى أنه إذا وقع في معصيةٍ فقد فسَد صومُه وعليه التوبةُ إلى الله –عز وجل- وعليه قضاءُ ذلك اليوم، كما لو كَذَب في الصيام مثلا أو لم يغضَّ بصرَه، أو عمل بمحرم فإنه يفسد صومه وعليه القضاء.
لكن الذي عليه الجمهور وهو قول عامة العلماء، أن الصوم لا يَبطل ولا قضاء عليه، لكنه يَذهب من أجرِه بقدر مخالفته للتقوى في صيامه في قوله أو في عمله.
اللهم أعنَّا على الصيام والقيام إيمانًا واحتسابًا وبلِّغنا ما تحبُّ وترضى من الأعمال في السرِّ والعلن، واصرف عنا السوءَ والفحشاء وكلَّ شرٍّ واجعلنا من حزبك وأوليائك وصلى الله وسلم على نبينا محمد.