بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين.
قال المصنف –رحمه الله- تعالى:
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُقبِّل وهو صائم، ويباشِر وهو صائم، ولكنه كان أَملَكَكم لإِربه" متفق عليه، واللفظ لمسلم وزاد في رواية "في رمضان". البخاري:1927, مسلم:1106/65
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..
فهذا الحديث حديث عائشة فيه خبرُها رضي الله تعالى عنها عن حال النبي –صلى الله عليه وسلم- في معاملة أَهله في نهار الصيام، وفي رواية في نهار رمضان، كان يقَبِّل وهو صائم، ويباشر وهو صائم ثم نبَّهت عائشةُ رضي الله تعالى عنها إلى فارقٍ مهمٍّ وأمر ينبغي أن يُلتَفت إليه ويُتنبَّه إليه وهو أنه كان يأمن من فساد صومه –صلى الله عليه وسلم- بذلك حيث قالت: ولكنه كان أملكَكَم لإِرْبِه أي لحاجةِ نفسه أو لعضوه.
هذا الحديث الشريف فيه جملة من المسائل:
المسألة الأولى:- تأكيدُ ما دلَّ عليه القرآن من أن الشهوةَ من المفطرات، شهوةُ الجماع من المُفطِّرات حيث قال الله –جل وعلا-: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾البقرة: 187 ثم قال جل في علاه: ﴿فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾البقرة: 187 .
وهذه الآية تضمَّنت أصولَ المفطِّرات، فمن المفطرات الجماع وما يُفضِي إليه، أو ما يؤدِّي إلى إليه الجماع من قضاء الوَطَر والأكلِ والشرب، والقُبلة والمباشرة هما طريقان يوصلان إلى الجماع؛ ولذلك بيَّن النبي –صلى الله عليه وسلم- حكمَهما بالفعل حيث كان يقبِّل ويباشر وهو صائم لكنه لا يَخشى ما يصل إلى وراء ذلك، فدلَّ هذا على أنه ينبغي أن يصونَ الإنسان صيامه إذا كان يخشى مفسدًا.
هذه المسألة الأولى، والمسألة الثانية حكم القُبلة والمباشرة للعلماء في ذلك عدة أقوال:
- منهم من ذهب إلى الإباحة، ومنهم من ذهب إلى الكراهة مطلقًا، ومنهم من ذهب إلى الكراهة لمن تُحرِّك شهوتَه، ومنهم من ذهب إلى الاستحباب.
وأقرب الأقوال هو ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة من أنه تُكره القبلة لمن تحرِّك شهوته، أما إذا كان يَخشى المفسد فلا خلاف بين العلماء في أنه لا تجوز القبلة.
أما إذا كان لا يخشى ذلك فإنه لا يفسد صومه، وإن قيل: بكراهيته.
ما يتعلق بالمباشرة ما هي؟
المباشرة هذه المسألة الثالثة المباشرة هي إلصاق البَشرة بالبشرة على وجه يَحصُل به إثارةُ الشهوة، سواء كان ذلك بمسِّ الرأس أو سائر البدن، أو كان ذلك بضمٍّ أو نحو ذلك مما يكون بين الرجل وامرأته، لكن فيما دون الفَرج، فإن ذلك كلَّه داخل في المباشرة التي جاء فيها هذا الخبر.
وأما المسألة الأخيرة إذا حصل منه تَقبِيل أو مباشرةٌ ثم أنزل فهل يَفسَد صومه؟
الجواب: لا خلاف بين العلماء في أن من حصل منه تقبيلٌ أو مباشرة وهو صائم ثم فسد صومه بالإنزال أو حصل منه الإنزال فإن صومه يفسَد بذلك، وعليه التوبة إلى الله –عز وجل- وعليه القضاء إن كان ذلك قد فرط منه من غير اختيار، غلب عليه، وأما إذا كان متعمِّدًا يعلم أن تقبيلَه أو مباشرته ستفسد صومَه واسترسل في ذلك فهذا قد أفسد صومه متعمِّدًا، والقاعدة أن كلَّ من أفسد صومه متعمدًا فإنه لا ينفعُه أن يأتي به قضاءً فيما يتعلق بصوم رمضان، وذلك أن من أفسد العبادةَ المؤقتَّة بوقت من غير عُذر فإنه لا ينفعه أن يأتي بها بعد ذلك.
أسال الله أن يرزقني وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، وأن يصونَنا عما لا يحب ولا يرضى، وأن يوقفنا إلى مَحابِّه ومراضيه وصلى الله وسلم على نبينا محمد.