بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين.
قال المصنف –رحمه الله- تعالى:
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من نسِيَ وهو صائم فأكل أو شرب فليُتمَّ صومَه فإنما أطعمه الله وسقاه». البخاري:1933, مسلم:1155/171 .
وللحاكم: ((من أفطر في رمضان ناسياً فلا قضاءَ عليه ولا كفارةَ)) وهو الصحيح. ابن حبان:3521, الحاكم:1569. وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه بهذه السياقة
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..
فهذا الحديث حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه يبيِّن فيه النبي –صلى الله عليه وسلم- أثرَ النسيان في وقوع شيء من المفطرات، فالصائم ممنوعٌ من الأكل والشرب والجماع كما قال تعالى: ﴿فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ البقرة: 187 .
فهو ممنوعٌ من هذه الأمور الثلاثة إذا وقع منه شيء منه وهو ناسٍ، فما أثَّر ذلك على صومه يقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه» هذا الحديث بين به النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه لا إثم على من أكل أو شرب حال صيامِه سواءً كان صيامَ فرض أو صيام نفل، سواء كان صيامَ رمضان أو كان صيام غيرِه من المشروع من الصيام، وأنه يتم صومه حيث قال –صلى الله عليه وسلم-: فليتم صومه ثم قال: فإنما أَطعمه الله وسقاه، فأضاف الفعلَ إلى غير الفاعلِ المباشِر له وهو الإنسان، فجعله مضافًا إلى الله الذي قدَّره وقضاه وشاءه وخلقه –سبحانه وبحمده-.
وفي هذه الرواية ذكرَ الأكل والشرب، وفي رواية الحاكم قال: (من أفطر وهو صائم فليتم صومه فلا قضاء ولا كفارة) فأخبر بنفي القضاء والكفارة بعد ذِكر عموم المفطرات في قوله: (من أفطر وهو صائم فلا قضاء عليه ولا كفارة).
الحديث فيه مسائل:
المسألة الأولى:- أن من أكل وهو صائمٌ ناسيًا، وكذلك إذا شرب فإنه لا يؤثِّر ذلك على صحة صومه فصومُه صحيح ولا يفسد بذلك؛ لقوله –صلى الله عليه وسلم-: فليُتمَّ صومه فسمَّاه صيامًا؛ ولأنه –صلى الله عليه وسلم- بين أن هذا الفعل لا يُضاف إليه بل يضاف إلى الله –عز وجل- حيث قال: فإنما أطعمه الله وسقاه، وإلى هذا ذهب جمهور العلماء خلافا لما ذهب إليه الإمام مالك من أنه لا إثم عليه وعليه القضاء.
والصواب: أنه لا يَفسد صومه ولا إثم عليه.
أما المسألة الثانية:- فهي إن من وقع منه ذلك أي أَكَل أو شرب فإنه لا قضاء عليه؛ لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- إنما أمره بالإِتمام ونفى عنه المؤاخذة بقوله: فإنما أطعمه الله وسقاه، وفي رواية الحاكم قال –صلى الله عليه وسلم-: (فلا قضاء عليه ولا كفارة)، وبالتالي إذا أكل الإنسان أو شرب ناسيًا حال صيامه فرضًا كان أو نفلًا فإنه لا قضاء عليه، فينتَفي في حقه الإثم، وينتفي في حقه أيضًا وجوبُ القضاء؛ لأن هذا النسيان وقع حال لولا أن هذا الأكل والشرب والإخلال بالصيام وقع حال عذر فلا يؤاخذ به والله تعالى يقول: ﴿رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ البقرة: 286 .
وهنا المؤاخذة في عدم الإثم، والمؤاخذة أيضًا في إتمام الصوم وعدم وجوب القضاء.
المسألة الثالثة:- النبي –صلى الله عليه وسلم- نصَّ على الأكل والشرب فهل ماعداهما من المفطرات يأخذ الحكم نفسه؟ بمعنى أنه لو جامع ناسيًا والجماع من المفطرات هل يفسد صومه بذلك؟
جمهور العلماء على أن الجماع يختلف عن الأكل والشرب، فإذا وقع منه جماع فسد صومه، واختلفوا في وجوب الكفارة مع وجوب القضاء.
والصواب انه لا فرق بين الجماع وغيره من المفطرات؛ لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- ذكر الأكل والشرب وهما مما يمنع منه الصائم.
ومعلوم أن ذكرَ بعض أحكام الصيام يَجرى على بقية المفطرات؛ وذلك أن الشرع سوَّى بين هذه الأمور الثلاثة في حصول الفطر فحكمُها واحد في إفساد الصوم وعدمه، فلما نفى فسادَ الصوم والإثم والكفارة في الأكل والشرب كذلك يثبت الحكم في الجماع، ويدل له أيضًا رواية الحاكم حيث قال –صلى الله عليه وسلم-: من أفطر وهو صائم والفطر هنا يكون بكل المفطرات.
من المسائل التي تذكر في هذا الحديث أن من أفسد صومَه متعمدًا بأكل أو شرب أو غير ذلك فإنه يجب عليه أن يُمسك بقيةَ يومه، وذلك أن النبي –صلى الله عليه وسلم- أمر من أكل أو شرب معذورًا بالنسيان أن يتم صومه، فمن أفسد الصوم من غير عذر، فإنه أولى بوجوب حفظ حرمة اليوم والإمساك عن المفطر هكذا ذكر فقهاء المالكية وهم يرون أن الصوم يفسد بهذا وإن كان معذورًا.
أسال الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقني وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، وأن يبلغنا فضائله وأن يرزقنا ما يرضي به عنا وصلى الله وسلم على نبينا محمد.