السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نحييكم تحية طيبة عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة في هذه الحلقة المتجددة لبرنامج "الدين والحياة" والتي نستمر معكم فيها على مدى ساعة كاملة بمشيئة الله تعالى.
في بداية هذه الحلقة مستمعينا الكرام، تقبلوا تحيات الزملاء من الإخراج ماهر نابرة، وياسر زيدان، وتقبلوا أجمل تحية مني محدثكم وائل حمدان الصبحي.
مستمعينا الكرام في برنامج الدين والحياة نناقش موضوعات تهم المسلم في أمور دينه ودنياه، ونسعى بمشيئة الله تعالى من خلالها لتذكير أنفسنا والمستمعين الكرام، وأيضًا لعرض رأي ديننا الحنيف في كثير من المسائل التي نطرحها.
من هذه الموضوعات التي سنطرحها -بمشيئة الله تعالى- ما سنطرحه في هذه الحلقة حول استقبال الشهر الكريم شهر رمضان المبارك الذي سيقدم علينا بمشيئة الله تعالى، ونسأل الله عز وجل ابتداء أن يعجِّل بزوال هذه الغمة عنا وعن العالم أجمع إنه جواد كريم.
مستمعينا الكرام ضيف حلقات برنامج الدين والحياة هو فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، فضيلة الشيخ تسمعني؟
مستمعينا الكرام في هذه الحلقة بمشيئة الله تعالى سنتحدث حول استقبال الشهر الكريم، أهمية التهيؤ لاستقبال شهر رمضان المبارك، وأثر هذا التهيؤ على استقبال شهر رمضان المبارك، وحسن العمل فيه، وكسب الأجور والخير من الله تبارك وتعالى. أيضًا سنتحدث حول الأعمال المهمة من خلال هذا الشهر الكريم، أيضًا سنتحدث عن الأمور التي تُعين الإنسان على التهيؤ لاستقبال شهر رمضان المبارك، فضيلة الشيخ السلام عليكم.
الشيخ: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المقدم: أهلاً وسهلاً فضيلة الشيخ حياك الله، يا مرحبًا.
الشيخ: الله يحفظكم.
المقدم: أهلاً وسهلاً.
فضيلة الشيخ ذكرت أن حديثنا في هذه الحلقة بمشيئة الله تعالى سيكون حول استقبال الشهر الكريم، استقبال شهر رمضان المبارك، وبودي أن نتحدث أولاً عن أهمية التهيؤ، تهيئة أنفسنا لاستقبال هذا الشهر الكريم الذي فيه من الخير والبركة من الله عز وجل.
الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد...
شهر رمضان شهر عظيم خصه الله تعالى من بين الشهور بفضائل عديدة، ومزايا كثيرة، تحفِّز النفوس إلى المبادرة لكل بِرٍّ وخير، وإلى اغتنام ما فيه من خيرات الله علينا، ولهذا من المهم ومن الضروري لاغتنام تلك الفضائل تحصيل تلك الخيرات التي جعلها الله تعالى في هذا الشهر الكريم أن نتهيأ له، وأن نستعد له بما يليق به فإن الإنسان إذا علم بوِفادة ضيف رفيع، وقادم بمنزلة فإنه يتهيأ له بما يكون أهلاً للقيام بحقِّه، ويكون أدعى لحسن استقباله، وكريم إيفائه لما يكون من حقوقه التي يستحقها بمقدمه.
شهر رمضان الله تعالى خصه بأعظم خاصية ميَّزها بين الشهور، وبين الزمان، وهي أن الله تعالى جعله محلًّا لإنزال القرآن، ولهذا لما ذكر الله تعالى فريضة هذا الشهر قدم ذلك بهذه المقدمة التي تبين السبب والموجب لهذا الفضل، ولهذا الإكرام، ولهذا العطاء، ولهذا التمييز لهذا الشهر فقال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾البقرة:185 ، وهذا يبين أن هذه المنزلة لهذا الشهر هي ببركة هذا الكتاب المبين الذي جعله الله تعالى مباركًا، وجعله نورًا وهدى، جعله حَبلاً يصل به الناس إلى ما يحبه ويرضاه -جل في علاه-، يهديهم إلى الصراط المستقيم، يخرجهم من الظلمات إلى النور.
فمن بركات هذا القرآن العظيم أن جعل الله -جل وعلا- شهره محلًّا لفرض من فرائض الإسلام، وركنا من أركانه وهو صوم رمضان؛ فإدراك سبب هذه الفضيلة مما يبين سبب الصفوة والاختيار لهذا الشهر المبارك ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾القصص:68 .
ومن المهم في استقبال هذا الشهر المبارك أن نعلم ما له من الفضائل، ما له من المزايا، وما إلى ذلك مما يتعلق بهذا الشهر من خصائص؛ لأن ذلك مما يحفز النفوس، ويحثها على أن تتهيأ لهذا الشهر.
وأقولها وبكل وضوح: إنه بقدر ما يكون التهيؤ والاستعداد لهذا الشهر المبارك بما ينبغي أن يتهيأ له به يكون نصيب الإنسان من خيرات هذا الشهر، ولذلك كلما زادت عنايةُ الإنسان باستقبال هذا الشهر، وتهيأ له بما يُتهيَّأ بمثله من مواسم البر، كان ذلك موجبًا للقيام بحقه، والاستكثار من خيراته.
أيها الإخوة والأخوات، أيها الأكارم هذا الشهر المبارك ينبغي أن يُعرف أن الله تعالى خصَّه بأعظم الخصائص القدرية وهي نزول القرآن، وهذه الخاصية القدرية يعني أن الله قدَّر نزول هذا القرآن في هذا الشهر المبارك في ليلة القدر ما أضفى خيرًا عظيمًا على هذا الشهر فجعله محلًّا لخصائص شرعية عديدة، فصيامه فرضٌ، والاجتهاد فيه لصالح العمل مندوبٌ، والاعتكاف في أواخره عملٌ خصه النبي صلى الله عليه وسلم بالعشر، ولم يتركه في حياته صلى الله عليه وسلم، واعتكف نسائه من بعده.
فالخيرات التي في هذا الشهر كثيرةٌ وذلك جميعه بسبب بركة القرآن، ببركة نزول هذا الوحي العظيم، وهذا الكتاب المبين الذي فيه الهدى والنور.
إذًا عرفنا أن تخصيص هذا الشهر بهذه الفضائل هو ببركة نزول القرآن فيه، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص القرآن في هذا الشهر بما لا يكون في غيره من الأشهر، فكان يعرض القرآن على جبريل في كل رمضان مرة واحدة، ثم إنه صلوات الله وسلامه عليه في العام الذي توفِّي فيه عرضه على جبريل مرتين، والعرض معناه القراءة، وكان يقرأه صلى الله عليه وسلم على جبريل ويسمعه منه في كل عام مرة، وفي العام الذي قُبض فيه صلوات الله وسلامه عليه ضعَّف ذلك فكان العرض والقراءة للقرآن بينه وبين جبريل مرتين.
إذًا هذا الشهر المبارك يستحق أن نتهيأ له، يستحق أن نستعد له، يستحق أن لا نتعامل معه على أنه شهر من الشهور التي تأتي وتمرُّ، بل هو شهر مميَّز، شهر خصه الله بفضائل، شهر جعله الله تعالى محلًّا لركن من أركان الشريعة، ودعامة من دعائم الإسلام، فجدير بنا أن نتهيأ لهذا الشهر بما هو أهله.
هنا ننتقل إلى نقطة أخرى وهي ماذا ينبغي علينا أن نكون عليه في استقبال هذا الشهر؟ أو بعبارة أخرى بماذا نتهيأ لهذا الشهر؟ ما الذي يستحقه منا هذا الشهر فيما يتعلق بالتهيؤ حتى نستعد له ونعمل به؟
هناك عدد من الأمور التي ينبغي الحرص على استحضارها وذلك لأجل أن نحقق جميل التهيؤ وحسن الاستقبال لهذا الموسم المبارك.
أيها الإخوة والأخوات رمضان موسم من مواسم الله المباركة، وهو من مزارع البر والخير، ومنحة من الله عز وجل، ميدان سباق لنيل مرضات الله تعالى والفوز بهباته التي جعلها متوافرة، متتابعة لهذا الشهر المبارك، ولهذا ينبغي أن نعرف أن التهيؤ لهذا الشهر ضرورةٌ لاغتنام ما فيه من المَبَرَّات والخيرات.
نتهيأ له أولاً بالنية الصادقة، والعزيمة الراشدة على اغتنامه، والاشتغال فيه بالطاعات، ليست الغنيمة أن تدرك رمضان فقط ثم لا يكون فيه من العمل ما تمحى به السيئات وتغفر به الزلات، وتدرك به الحسنات والدرجات، إنما الغنيمة الحقيقية، والغنيمة في هذا الشهر هو أن تدركه، وأن تخرج منه وقد حُطَّت خطاياك، غُفرت ذنوبك، أدركت فيه من فضل الله وإحسانه، وبره، وعطائه، وجزيل هباته ما يكون فوزًا لك في الآخرة، وما يكون سعادة لك في الدنيا.
أيها الإخوة والأخوات من الضروري أن ندرك أن الفوز الحقيقي في هذا الشهر، والغنيمة الحقيقية في هذا الشهر هو بأن ندرك ما رتَّبه الله تعالى عليه من الفضائل، ولهذا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بيَّن عظيم الخسارة لمن أدرك رمضان ولم يخرج منه بما يؤمِّله من العفو والمغفرة والإحسان والبر، فقد جاء في حديث لا بأس بإسناده عند البزار والطبراني وغيرهم من حديث جابر بن سمرة قال: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: «آمِينَ آمِينَ آمِينَ»، كرَّرَها ثلاثًا صلوات الله وسلامه عليه، فلما نزل سُئل عن ذلك يعني سئل عن هذا التأميم الذي سُمع منه وهو يرقى درجات المنبر صلوات الله وسلامه عليه، «قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ حِينَ صَعِدْتَ الْمِنْبَرَ قُلْتَ: آمِينَ آمِينَ آمِينَ، قَالَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي، فَقَالَ: رغِم أنفُ امرئٍ أدرك رمضانَ فلم يُغفرْ له» قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: قُلْ آمين، فقلتُ: آمين»مسند البزار (4277)، وصححه الألباني لغيره .
فهذه دعوة دعى بها أشرف الملائكة وهو جبريل عليه السلام، وأمَّن عليها أشرفُ الخلق وسيد ولد آدم صلوات الله وسلامه عليه، محمد بن عبد الله، عبد الله ورسوله، فقال: آمين، ومعنى الرغام: الذل والخسار، الرغام: هو لُصوق الأنف بالطين والغبار وما يؤنَف منه، ويُكرَه من علامات الهوان والذل.
فدعاء جبريل على من أدرك رمضان وخرج منه بلا مغفرة يبين كبير الخسار الذي يحصل لمن أدركه رمضان ولم يغفر له، ولهذا الغنيمة الحقيقية هي أن يدرك هذا الشهر ويجتهد فيه بصالح العمل.
ولهذا لابد من أن يستقبل الإنسان هذا الشهر بهذه العزيمة، وهذه النية التي تحفِّزه على صالح العمل، وتنشِّطُه على اغتنام مَبرَّات هذا الشهر المبارك هذا الشهر الكريم.
والنية يدرك بها الإنسان من الأجور والثواب ما لا يدركه بالعمل؛ فإن الإنسان إذا نوى صالحًا كُتب له ما يرجوه من الثواب، إذا كان قد عزَم عزمًا جازمًا ولو لم يعمل ذلك العمل إذا كان الحائل بينه وبين العمل أمرًا خارجًا عن اختياره، أمرًا خارجًا عن يده كأن يحال بينه وبين ما أمَّل من الخير، مثال ذلك رجل عزم على صيام رمضان إيمانًا واحتسابًا، لكنه توفي قبل ذلك أو مرض مرضًا لا يمكنه معه الصيام فإنه يدرك ما نواه بقلبه، وعزم عليه، فالله تعالى كريم منَّان، يدرك ذلك موفورًا كاملاً، وذلك أن الإنسان إذا نوى الصالح فإنه يؤجر على هذه النية ولو لم يعملها، فلو نوى الصالح وجزم في هذه النية وعزم عزمًا أكيدًا لكن حال بينه وبين هذا الصالح حائلٌ خارجٌ عن اختياره، خارج عن إرادته فإنه بهذا يكون قد أدرك الصالح موفورًا بفضل الله وكرمه، وعظيم إحسانه ومنه.
ولهذا بشرى لمن عمَّر قلبه بالنية الصالحة فإنه يدرك من فضل الله وإحسانه وكرمه ما لا يدركه بعمله.
إذًا التهيؤ لهذا الشهر بالنية الصالحة هو مما يستقبل به هذا الشهر، وإذا نظرت إلى ما نُقل عن السلف الصالح من كلمات ومأثوراتٍ وجدتَ أن السلف الصالح -رحمهم الله- لهم عناية فائقةٌ في الحفاوة بهذا الشهر، فقد جاء عن يحيي بن أبي كثير أن من السلف من كان يدعو فيقول: اللهم سلِّمنا لرمضان، وسلِّم لنا رمضان، وتسلَّمه منا متقبلاً.[أخرجه الطبراني في الدعاء من حديث عبادة ابن الصامتt. وسنده ضعيف]
وكان من السلف من يدعو ستة أشهر قبل مجيء رمضان أن يبلغهم الله رمضان، ويدعون بعد ذلك ستة أشهر أن يتقبل الله تعالى منهم العمل، هكذا نُقل عن جماعة من السلف، وهذا يبين عظيم الحفاوةَ وتعلَّق القلوب بهذا الشهر بالنيات الصادقة، والعزائم الراشدة التي تترجم بإدراكه إلى أعمال صالحة وحسنات متنوعة في أوجه البرِّ من الفرائض، والواجبات، وسائر المندوبات والمستحبات التي نُدب إليها في هذا الشهر المبارك.
من المهم أن ندرك أن العزيمة على الرُّشْد نعمة عظيمة ينعم الله تعالى بها على العبد، ولذلك كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أن يرزقه العزيمة على الرشد، والعزيمة على الرشد منها أن ينوي الإنسان العمل الصالح، وأن يتهيأ له، وأن يعلق قلبه به فمن سأل الله تعالى العزيمة على الرشد كان ذلك شاملاً للنية الراشدة، فالعزيمة هي النية ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما في المسند والسنن من حديث شدَّاد بن أوس أن من دعائه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: «اللَّهمَّ إنِّي أَسألُك الثباتَ في الأمرِ، وأَسألُك العَزيمةَ على الرُّشدِ»مسند أحمد (17114)، والترمذي (3407)، وقال محققو المسند: حسن بطرقه والعزيمة على الرشد هي:النية الصالحة التي ينوي بها الإنسان صالح العمل، هي داخلة من ذلك،فالعزيمة على الرشد جِدٌّ في الأمر بحيث يعزم وينوي العمل الصالح ويُقبِل عليه بكل ثَبات وقوة ومِضاء حتى يدرك ما أُمر به، ويفعل ما طُلب منه من الواجبات.
هذا ما يتصل بالنية الصالحة وأثر ذلك في استقبال الشهر، فليبشر كلُّ من عزم على الرشد، ونوى الصيام في هذا الشهر المبارك أن الله تعالى يبلِّغه ما أمَّل، ويدرك بذلك خيرًا عظيمًا وقد جاء في حديث أنس وإن كان في إسناده مقال: «اللَّهمَّ بارِكْ لَنا في رجَب وشعبانَ، وبلِّغنا رمضانَ»الطبراني في الأوسط (3939)، وضعفه الألباني ، كل هذا يفيد معنى الحفاوة بهذا الشهر، والعزيمة على أن يكون فيه من صالح العمل ما يكون محقِّقًا للسبق إلى فضل الله ورحمته.
إذًا النية الصالحة التي ينضمُّ إليها الدعاء ببلوغ الشهر، ما أحد عنده يقين أنه يدرك الشهر المبارك، ومن أدركه ينبغي أن يحرص على أن يكون في إدراكه سابقًا إلى كل بر،ٍّ إلى كل خير، إلى كل إحسان، إلى كل مَسَرَّة من صالح العمل يسرُّ بها، ويفرح بها عند لقاء ربه جل في علاه، هذا مما يستقبل به الشهر.
أيضًا مما يُتَهيَّأ به لهذا الشهر، ويستقبل به هذا الشهر أن يعزم الإنسان على ترك المعاصي والسيئات، والعزيمة على ترك المعاصي والسيئات من العزيمة على الرشد؛ لأن العزيمة على الرشد تشمل فعل الطاعة، وتشمل ترك المعصية، ولا شكَّ أن النفوس في رمضان تُقبِل على الله عز وجل، وتنشَط إلى ما يكون من البرِّ والخير، وترغب فيما عنده -جل في علاه-، فمن المهم الذي ينبغي أن لا يفوت الراغبَ فيما عند الله -عز وجل- أن يجِدَّ، وأن يجتهد في القرب من الله -عز وجل- بترك المعاصي والسيئات، فإن ترك المعصية هو مما يؤجَر عليه الإنسان.
وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم كفَّ شرِّ الإنسان مما يؤجر عليه ويكون صالحًا من العمل، فإذا كان كفُّه للشر بالتوبة إلى الله تعالى والرجوع عن السيئات كان ذلك من صالح العمل الذي يَفتح الله تعالى به للإنسان أبواب الخير، فإن النفس المُثْقَلة بالسيئات تثقُل عليها الطاعات، فإذا قال: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو وأتوب إليه بقلب صادق، وندمٍ جازم، وعزيمة راشدة على الهدى والإقلاع عن الرَّدى والسيئ من العمل كان ذلك من خير ما يستقبل به الشهر، فإن ذلك عنوان الصدق، وسيعينه الله تعالى على أبواب البر، كلنا ذو خطإ، ما منا إلا وله سيئة ظاهرة أو باطنة، مستترة أو معلنة، فلنجتهد في التوبة إلى الله، التوبة العامة من كل الخطايا والسيئات، وإذا ذَكرت ذنبًا بعينه فليكن هذا الذنب حاضرًا في ذهنك بالاستغفار والتوبة منه، والإقلاع منه، فنستغفره -جل في علاه- من دقيق الذنب وجليله، وصغيره وكبير، وعلانيته وسرِّه، ما ذكرنا منه وما لم نذكُر، ما علمنا منه وما لم نعلم، فإنه لا يغفر الذنوب إلا هو.
المقدم: حياكم الله مستمعينا الكرام مجدَّدًا في هذه الحلقة المباشرة لبرنامج الدين والحياة عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة، نتحدث في هذه الحلقة عن استقبال الشهر الفضيل شهر رمضان المبارك، والأمور المعينة عليه وأهم الأعمال التي ينبغي الحرصُ عليها في شهر رمضان المبارك.
ضيفنا الكريم فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور/ خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، أهلاً وسهلاً فضيلة الشيخ حياك الله.
الشيخ: حياكم الله أهلاً وسهلاً ومرحبًا.
المقدم: أهلاً وسهلاً فضيلة الشيخ، نستكمل حديثنا الذي بدأناه عن استقبال شهر رمضان المبارك، وبودِّي أن نتحدث عن الأمور المعينة التي تعين الإنسان على استقبال شهر رمضان المبارك بالشكل الذي ينبغي أن يكون عليه الإنسان المسلم.
الشيخ: هو أخي الكريم يعني الاستعداد لشهر رمضان بصالح العمل والتهيؤ له مما يعين على استغلال هذا الشهر، والقيام بحقه فيما يتعلق بالاستغلال له وطاعة الله عز وجل فيه، لا شك أن علم الإنسان بفضيلة هذا الشهر وعظيم منزلته عند الله عز وجل وما أعدَّه الله تعالى للعاملين فيه مما يحفِّز النفوس على الإقبال على هذا الشهر بهمة ونشاط، واغتنام ما فيه من خيرات ومبرَّات.
وإن الناظر في هذا الشهر المبارك وما فيه من أبواب الخير، وصنوف البرِّ يجد الهمة، يجد المحفِّزات للهمم ويجد المنِشَّطَ لكل برٍّ وخير، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشِّر بالشهر قبل مجيئه، أو في أول مجيئه كما جاء ذلك في حديث سلمان في الزوائد على المسانيد في المطالب العالية قال: «إنَّهُ قدْ أظلَّكم شهرٌ عظيمٌ، شهرٌ مباركٌ فيهِ ليلةٌ خيرٌ مِن ألفِ شهرٍصحيح ابن خزيمة (1887)، ومن طريقه وطريق غيره البيهقي في الشعب (3336)، وقال ابن أبي حاتم في العلل: هذا حديث منكر. علل ابن أبي حاتم:3/110 »، وهذا التبشير بالشهر مما يبين عظيم الفرصة التي تتاح وتمنح لمن أدرك هذا الشهر المبارك، ولمن اشتغل فيه بصالح العمل، وبادر فيه إلى الخير، وأن الخيرات فيه متنوعةٌ في ليله ونهاره، بل في كثير من أعماله حتى الأعمال التي توافِق ما تحبه النفوس يؤجر عليها الإنسان ويثاب عليها.
فإذا نظرت في الصيام مثلاً قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لا يزالُ الدِّينُ ظاهرًا ما عجَّل النَّاسُ الفِطْرَ إنَّ اليهودَ والنَّصارى يؤخِّرونَ»مسند أحمد (9810)، وأبو داود (2353)، وحسنه الألباني فجعل تعجيل الفطر مما يدل على الخيرية في الناس، وفي حديث سهل بن سعد في الصحيح قال: «لا يَزَالُ النَّاسُ بخَيْرٍ ما عَجَّلُوا الفِطْرَ»صحيح البخاري (1957)، ومسلم (1098) ، وهذا يدل على كثرة الخيرات التي في هذا الشهر حتى في فعل ما هو موافق للجِبِلَّة والطبيعة، فالصائم وهو من طال زمن إمساكه عن الطعام والشراب وسائر المفطرات تتوقُ نفسه عند الفطر إلى الطعام والشراب، ولذلك يبادر إليه، هذه المبادرة جعلها النبي صلى الله عليه وسلم من دلائل الخير في الأمة «لا يَزَالُ النَّاسُ بخَيْرٍ ما عَجَّلُوا الفِطْرَ»، لطاعتهم الله عز وجل في الفطر، وأيضًا في الصوم قال في الإمساك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «تسحَّروا فإنَّ في السَّحورِ برَكَةً»صحيح البخاري (1923)، ومسلم (1095)، فجعل في السحور وهو الأكل الذي يكون بين يدي الصيام يتقوَّى به الإنسان على الإمساك مما يحصل له به البركة في بدنه، وفي دينه، وفي دنياه، وفي آخرته، كل ذلك مشمولٌ بقوله -صلى الله عليه وسلم-: «تسحَّروا فإنَّ في السَّحورِ برَكَةً».
إذا لمحت هذه المعاني الطبيعية التي تقتضيها النفوس، وتتطلبها الجبلَّة، وتميل إليها الأنفس دون ملاحظة جانب التعبُّد كان ذلك مما يدل على كثرة الخير، ووَفرَته في هذا الشهر المبارك، فالخيرية منوطةٌ بتعجيل الفطر في الأمة، وكذلك البركة منوطةٌ بهذه الوجبة التي يأكلها الناس، وهي موافقة لجِبِلَّتِهم في الاستعانة على هذه الفريضة، والاستعانة على هذه العبادة الجليلة وهي الصوم. الأجور التي رتَّبها الله تعالى على الصيام وعلى صالح الأعمال في هذا الشهر المبارك هي كثيرة ومتنوعة، ولهذا يصحُّ أن يسمَّى هذا الشهر دُرَّة المواسم لما فيه من سلوك البر، وأنواع الخير التي يدركها الإنسان بأنواع القروبات وصنوفها التي جعلها الله تعالى لمن عمل صالحًا في هذا الشهر.
فمثلاً على سبيل المثال النبي صلى الله عليه وسلم ذَكَر أن صوم رمضان مما تُحَطُّ به الخطايا وتُكفَّر به الذنوب فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن صامَ رَمضانَ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تقدَّمَ مِن ذَنْبِه»صحيح البخاري (38)، ومسلم (760) ، وهذا يبين عظيم الأجر المرتب على الصوم وأنه سبب لتحصيل هذه الغنيمة العظيمة وهي مغفرة الذنوب، وقد جاء أيضًا في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أنه قال: «مَن صام يومًا في سبيلِ اللهِ بعَّده اللهُ مِن النَّارِ سبعينَ خريفًا»صحيح البخاري (2840)، ومسلم (1153) ، وجاء أيضًا في الصحيح من حديث أبي هريرة أنه قال -صلى الله عليه وسلم-: «ولِلصَّائِمِ فَرْحَتانِ: فَرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ، وفَرْحَةٌ حِينَ يَلْقَى رَبَّهُ»صحيح البخاري (7492)، ومسلم (1151) .
كل هذا يبين عظيم الأجر المرتب على هذه العبادة، وهذه الطاعة التي فرضها الله تعالى على أهل الإسلام في هذا الشهر «مَن صامَ رَمضانَ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تقدَّمَ مِن ذَنْبِه»، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: إيمانًا واحتسابًا أي أن صيامه كان الباعث له الإيمان بالله عز وجل، هذا هو المنشأ، وهو الباعث، وأما الهدف والمقصود من ذلك هو الفوز بعطاء الله تعالى وفضله ولذلك قال: «واحتسابًا»، والاحتساب هو الطمع في الإثابة من الله -عز وجل- على هذا العمل، فمن صام إيمانًا بالله وتصديقًا لشرعه، وقيامًا بما فرضه جل وعلا، وإقرارًا بما أوجبه، وكان ذلك الصوم قد خلصت فيه النية، وعظمت فيه الرغبة بالثواب من الله عز وجل فإنه ينال بذلك حطَّ السيئات وتكفيرَها، ولذلك غُفر له ما تقدم من ذنبه أي مُحِيت عنه خطاياه، وغفر له وعفي له عن كل ما كان من سيئ عمله.
وهذا فضل عظيم وأجر كبير على عمل يسير يقوم به جُلُّ المسلمين ولله الحمد.
لكن ينبغي أن يستحضروا هذا المعنى حتى يفوزوا بعظيم الأجر، وكبير الفضل أن يكون صومهم لا عادةً، ولا حِميةً، ولا لأجل صحة، ولا مُوافقةً للمحيط والمجتمع إنما الصيام تحقيقًا للإيمان، ومقرونًا بالاحتساب والطمع والرجاء في إثابة الله -عز وجل- على العمل.
وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الصوم لا يقتصر أجرُه فقط على التكفير للخطايا، والمحو للسيئات، والمغفرة للزلَّات بل ثمة جانب آخر في الإثابة على أجر الصيام وهو العطاء الجزيل، والأجر الوفير الذي يدركه الصائم.
فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال في الحديث الإلهي أي الحديث الذي يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه يقول: «الصَّومُ لي، وأنا أجْزي به»صحيح البخاري (7492)، ومسلم (1151) ، أي أن أجره على الله -عز وجل- وهو له خالصٌ فإنه لا يعلم حقيقة الصيام إلا الله -جل وعلا- إذ أن حقيقة الصيام تقوم على أمرين:
- الأمر الأول عمل قلبيٌّ، وهو النية والعزيمة على الإمساك طاعة لله ورغبة فيما عنده، وهذا لا يعلمه إلا الله فما في القلوب من النيات لا يعلمها إلا هو -جل في علاه- «إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّات»صحيح البخاري (1) .
- الأمر الثاني الذي يقوم عليه الصيام هو الإمساك عن المفطرات، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
كلا هذين الأمرين الإنسان مؤتَمَن عليه بمعنى أن صيامك أمانة بينك وبين ربك، فقد يمسك الإنسان من غير نيَّة فلا يكون صائمًا، وقد يظهر الإمساك وهو في الحقيقة مُفطِر في حال خلوته أو في حال غياب الناظر عنه، ولذلك كان الصوم له جل في علاه، لا يكون الصوم لسواه، وقد قيل في معنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الصَّومُ لي، وأنا أجْزي به» أنه عملٌ لن يتعبد به لغير الله -عز وجل- بمعنى أنه ما تقرب أحد لأحد بالصوم إلا ما تقرب به المؤمنون لله عز وجل بالإمساك عن المفطرات.
وهذا لا يكون صحيحًا لكن هذا يحتاج إلى استقراء، والواضح من معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الإلهي، الحديث الذي يرويه عن ربه: «الصَّومُ لي، وأنا أجْزي به» أن الصوم عمل بين العبد وربه، فهو خالصٌ لله ليس فيه حظٌّ لأحد، ولا فيه اطلاع من الخلق إلا من الله جل وعلا فلا يطلع على حقيقة الصوم إلا الله -جل في علاه-، ولذلك قال: «الصَّومُ لي، وأنا أجْزي به».
قال العلماء في قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الإلهي: «وأنا أجْزي به» أي أن أجر الصوم لا يجري على قانون التقدير والحساب الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف بل هو أمر يفوق ذلك، ويتجاوز ما يكون من التقدير والحساب الذي جرى عليه سائر العمل؛ لعظيم ما في الصوم من إخلاص، ويكفي في بيان عظيم الأجر أن من صام يومًا لله تعالى خالصًا كما جاء في حديث أبي سعيد باعد الله بينه وبين النار سبعين خريفًا.
ومن ذلك أيضًا أن الصُوَّام لهم باب يدعَون منه لا يدخله إلا الصائمون، وهو باب الرَّيَّان، وهذا في حقِّ كل من صام الفرض؛ لأن كل من صام الفرض يدخل من هذا الباب، يدعى من هذا الباب.
فنسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يدعى من أبواب الجنة كلها. المقصود أن الصوم ليس فقط يُحطُّ به الخطايا والسيئات بل تُرفع به الدرجات، ويثيب الله تعالى فيه العامل بجزيل العطاء، وكثيرِ المنِّ والإحسان بفضله وإحسانه جل في علاه.
أيضًا مما يحفِّز النفوس على الاستعداد لهذا الشهر المبارك أن قيام شهر رمضان مما تُحطُّ به الخطايا والسيئات، وبهذا يكون الشهر جميعًا ليلُه ونهاره مما تتاح فيه الفرص للعاملين أن يتقربوا بالأعمال التي تحط بها السيئات، وتُغفر بها الزلَّات، وتكتسب بها عظيم الأجور وكبير الإثابة من الله عز وجل.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن صامَ رَمضانَ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تقدَّمَ مِن ذَنْبِه»، وكذلك قال: «مَن قام ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتسابًا غفَر اللهُ له ما تقدَّم مِن ذنبِه»صحيح البخاري (1901)
فهذه أعمال مباركة تكون في هذا الشهر المبارك لمن فتح الله تعالى عليه، وتعرض لبرِّ الله وإحسانه، وجزيل عطائه وكرمه -سبحانه وبحمده-.
المقدم: فضيلة الشيخ أيضًا بودِّي أن نتحدث عن نقطة أخيرة في حديثنا هذا حول استقبال شهر رمضان المبارك بعدما أجدت وأفدت فيما تقدم من هذه الحلقة، فضيلة الشيخ أيضًا في ظل هذا الوضع الذي يعيشه الناس حاليًا، وفي ظل العزل المنزلي، وأيضًا منع التجول بودِّي أن نتحدث عن هذا الأمر تحديدًا، وكيف لنا أن نستقبل هذا الشهر الفضيل، وأن نستغلَّه في ظل هذه الأوضاع الراهنة الغير مسبوقة والاستثنائية، ونسأل الله عز وجل أن يعجل بزوالها إنه جواد كريم.
الشيخ: نسأل الله تعالى أن يعجل بالفرج، وأن يرفع الوباء، وأن يصلح الأحوال، وأن يرحم العباد والبلاد.
ما يتعلق بهذا الشهر في ظل هذا الظرف الاستثنائي الذي يعيشه الناس في العالم أو في أكثر العالم من عزل، وإجراءات احترازية المؤمن لا يعجز عن عمل صالح، ولا يقف به حال عن أن يحقق العبودية لله عز وجل في السراء والضراء، والعسر واليسر، والمنشط والمكره، وفي كل أحواله والنبي صلى الله عليه وسلم أمره الله تعالى بإقامة الصلاة في حال الخوف في ساحات القتال والجهاد كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ﴾النساء:102 إلى آخر ما ذكره الله تعالى في صفة الصلاة.
فالمقصود أن الإنسان الذي يرغب في الطاعة والإحسان لن يثنيَه عن ذلك حال أو يمنعه من ذلك ظرف بل هو يتعبد لله -عز وجل- في كل الأحوال بما يفتح الله تعالى عليه، وييسر الله تعالى له، وما حيل بينه وبينه بسبب ظروف طارءة سواء أن كانت هذه الظروف وهذه ... خاصة كالمرض أو الخوف أو ما أشبه ذلك أو العجز أو كان ذلك بسبب ظرف عام كالظرف الذي يعيشه الناس اليوم من العزل فإنه يكتب له ما كان يعمله صحيحًا مُقيمًا، فعلى سبيل المثال العمرة في رمضان جرى عليها عمل كثيرٍ من الناس وبسبب هذه الظروف الاستثنائية التي اقتضاها الحرص على سلامة الناس، وعدم تفشي هذا المرض بينهم قد لا يتيسر له في هذا العام بسبب هذه الإجراءات الوقائية الاحترازية، فيقال له: من كان من عمله أن يقوم بعمرة في رمضان، فإنه يكتب له ما كان يعمله صحيحًا مقيمًا، فيكتب له أجرُ العمرة التي كان يعملها، بل حتى من لم يكن له عهد وعمل سابق بهذا، ونوى وقال: لو أن الأمور أتيحت لفعلت كذا وكذا من العمل الصالح، فإنه يكتب له ما نوى، «إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى»[سبق تخريجه]، وبالتالي ينبغي أن لا نقف عند حال من الأحوال ونترك العمل، بل نستغل الأحوال التي نمرُّ بها في تحقيق طاعة الله- عز وجل- على الوجه الذي يتاح لنا ويمكننا.
فالصوم لا علاقة به بالعزل؛ لأن الإنسان يصوم في حال العزل، وفي حال غيره، وقد يكون العزل عونًا لبعض الناس الذين قد يشقُّ عليهم الخروج والذهاب والتعرض للشمس، فيكون هذا من رحمة الله تعالى بهم في تيسير هذه العبادة عليهم، الصلاة وقيام الليل وقراءة القرآن كل ذلك مما يمكن الإنسان فالنبي صلى الله عليه وسلم ندب إلى قيام الليل ولم يخصَّ ذلك بالمساجد بل كان يقيم صلى الله عليه وسلم في بيته، ويقيم أصحابه كذلك، وصلى بأصحابه ليلة أو ليلتين، ولا شكَّ أن صلاة التراويح في المساجد مستحبة، لكن إذا كان الظرف الاستثنائي اقتضى تعليق الصلوات المفروضات والمكتوبات والجمع والجماعات، فمن باب أولى صلاة التراويح التي هي مستحبة وليست واجبة، ويمكن أن يأتيها الإنسان في بيته وقد قال عمر -رضي الله تعالى عنه-: "والتي ينامون عنها أفضل."[صحيح البخاري:2010]
فينبغي أن نعرف أن المؤمن لن يثنيَه ظرف عن تحقيق طاعة الله - عز وجل- بل في كل حال وظرف يستعين الله تعالى على ما يكون عبادة تتيسر له، ولعل فيما يقيمه الإنسان من الصلاة في بيته مع أولاده أو أهله أو غير أولاده وأهله خيرًا له من صلاته في غير ذلك في ظل هذا الظرف؛ لأن ذلك مما يحفزهم ويعينهم. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة في البيوت، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا قَضى أحَدُكم صَلاتَه في المَسجِدِ، فلْيَجعَلْ لبَيتِه نَصيبًا من صَلاتِه، إنَّ اللهَ جاعِلٌ في بَيتِه من صَلاتِه خَيرًا»صحيح مسلم (778) ، أي بسبب صلاتكم فيها.
بالتالي ينبغي أن نجتهد في كل برٍّ وفي كل خير، حتى فيما يتعلق بالصدقة بعض الناس يقول: كيف أزكي مالي وأنا ما أقدر أخرج؟
هناك -ولله الحمد- من الوسائل ما يمكن أن يوصل الإنسان زكاة ماله والصدقات في تطبيق زكاته مثلاً وهو مما تشرف عليه الدولة ما يكون عونًا للإنسان على إخراج الزكاة الواجبة وهو في بيته من طريق التطبيقات، ومن طريق العمل الإلكتروني عن بُعد دون أن يحتاج إلى خروج أو ما إلى ذلك.
أسأل الله تعالى أن يستعملنا في طاعته، وأن يعيننا على مرضاته، وأن يبلغنا رمضان، وأن يرزقنا فيه صالح الأعمال من الصيام والقيام وسائر العمل إيمانًا واحتسابًا.
المقدم: اللهم آمين، شكر الله لك، وكتب الله أجرك فضيلة الشيخ خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، شكرًا جزيلاً فضيلة الشيخ على ما أجدت به وأفدت في هذه الحلقة.
الشيخ: وأنا أشكرك وأشكر الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات، وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرفع الوباء، وأن يعيننا على الصالح من الأعمال، وأن يوفق ولاة أمرنا إلى ما يحب ويرضى وأن يسددهم، وأن يعينهم، وأن يبارك في سعيهم فيما يقومون به من جهود مباركة في حماية الوطن، وحماية المواطنين والمقيمين في هذه البلاد على رأسهم خادم الحرمين الشريفين وولي عهدهم، وأسأل الله تعالى أن يعجل بالفرج للجميع، وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.