إِنَّ اَلْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مِنْ يَهْدِهِ اَللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ إِلَهُ اَلْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ اَلرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اَللَّهِ وَرَسُولُهُ صَلَّىَ اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمِنِ اِتَّبَعَ سُنَّتَهُ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ اَلدِّينِ. أمَّا بَعْدُ.
فاتقوا الله عبادَ اللهِ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾آل عمران:10
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: عِبَادَ اَللَّهِ؛ قَلْبُ اَلْإِنْسَانِ لَا يَزَالُ فِي اِضْطِرَابٍ وَقَلَقٍ وَحَيْرَةِ وَعَدَمِ سُكُونٍ إِلَّا إِذَا عَرَفَ اَللَّهَ وَاقْتَرَبَ مِنْهُ، فَبِقَدَرِ عِلْمِ اَلْعَبْدِ بِرَبِّهِ وَمَعْرِفَتِهِ بِاَللَّهِ –عَزَّ وَجَلَّ- وَكَثْرَةِ ذِكْرِهِ وَمُلَازَمَةِ اَلْقِيَامِ بِحَقِّهِ وَالْعِلْمِ بِهِ يَنَالُ مِنَ اَلنَّعِيمِ وَالسُّكُونِ وَاللَّذَّةِ وَالْبَهْجَةِ وَالِاسْتِقْرَارِ قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ الرعد: 28
تِلْكَ اَلْقُلُوبُ اَلَّتِي بِهَا صَلَاحُ اَلْإِنْسَانِ وَطَيبُ عَيْشِهِ وَبِهَا اِنْتِكَاسُ حَالِهِ وَتَعَثُّرُ مَسِيرِهِ)) ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وهي القَلْبُ)) صحيح البخاري (52)، ومسلم (1599).
هَكَذَا قَالَ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي اِخْتِصَارِ بَيَانِ تَأْثِيرِ صَلَاحِ اَلْقَلْبِ وَفَسَادِهِ عَلَىَ مَسَارِ اَلْإِنْسَانِ وَعَمَلِهِ وَمَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ؛ فَأَصْلِحُوا قُلُوبَكُمْ وَاعْمُرُوا قُلُوبَكُمْ بِمَا تَنْعَمُ بِهِ وَتَقَرُّ، وَبِمَا يُسَكِّنُهَا وَيُذْهَبُ عَنْهَا اَلْقَلَقَ وَالْحَيْرَةَ وَلَا شَيْءَ أَعْظَمُ فِي تَحْقِيقِ ذَلِكَ مِنْ ذِكْرِ اَللَّهِ جَلَّ فِي عُلَاهُ ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾الرعد: 28 .
أَقُولُ هَذَا اَلْقَوْلَ وَأَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ اَلْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفَرُوهُ إِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُورُ اَلرَّحِيمُ.
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَهُ اَلْحَمْدُ فِي اَلْأُولَى وَالْآخِرَةِ، وَلَهُ اَلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمِنْ اِتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ اَلدِّينِ أمَّا بَعدُ.
فَاتَّقُوا اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ، اِتَّقَوُا اَللَّهَ -جَلَّ فِي عُلَاهُ وَالْزَمُوا ذِكْرَهُ وَتَعْظِيمَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ ذِكْرَ اَللَّهِ –جَلَّ وَعَلَا- يُكَوُنُ أَوَّلاً بِالْقَلْبِ بِحُبِّهِ وَتَعْظِيمِهِ وَالْعِلْمِ بِهِ وَمَعْرِفَتَهِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْعَكِسُ ذَلِكَ عَلَى اَللِّسَانِ فَإِذَا عَلِمَ اَلْعَبْدُ قَدْرَ رَبِّهِ وَعَظِيمَ مَنْزِلَتِهِ لَمْ يَفْتُرْ لِسَانُهُ مِنْ ذِكْرِهِ فَيَكُونُ ذَاكِرًا لِلَّهِ بِلِسَانِهِ فِي اَلْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَآنَاءَ اَللَّيْلِ وَأَطْرَافَ اَلنَّهَارِ ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ الرعد: 28 . ذِكْرُ اَللَّهِ يَكُونُ أَيْضًا بِالْجَوَارِحِ بِأَعْمَالِ اَلْبَدَنِ فَإِنَّ اَلَّذِي يَقُومُ مُصَلِّيًا ذَاكِرًا لِرَبِّهِ.
وَاَلَّذِي يُمْسِكُ عَنِ اَلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْمَلَذَّاتِ طَاعَةً لِلَّهِ صَائِمًا ذَاكِرًا لِرَبِّهِ وَهَكَذَا فِي كُلِّ اَلْأَعْمَالِ اَلصَّالِحَةِ بِرِّكَ لَأبَوَيْكَ وَقِيَامِكَ بِصِلَةِ أَرْحَامِكَ وَأَدَائِكَ لِلْأَمَانَةِ، وَسَائِرَ اَلْأَعْمَالِ اَلصَّالِحَةِ كُلُّ ذَلِكَ مِمَّا يَتَحَقَّقُ بِهِ لِلْعَبْدِ اَلْقِيَامُ بِذِكْرِهِ -جَلَّ فِي عُلَاهُ-، ذِكْرُهُ بِالْقَلْبِ وَذَكَّرَهُ بِاللِّسَانِ وَذَكَّرَهُ بِالْجَوَارِحِ.
فَالْزَمُوا ذِكْرَهُ وَعَظِّمُوهُ وَأَبْشِرُوا بِعَطَائِهِ وَنَوَالِهِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذِكْرِ اَللَّهِ إِلَّا أَنَّ اَللَّهَ يَذْكَرُ عَبْدَهُ إِذَا ذَكَرَهُ رَبُّهُ كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ اَلْهِبَاتِ وَفَوَاتِحِ اَلْخَيْرِ وَالْبِرِّ، (فَاذْكُرُونِي أُذَكِّرُكُمْ وَاشْكُرُونِي وَلَا تَكْفُرُون)َ.
اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ أَلْزِمْنَا طَاعَتَكَ فِي اَلسِّرِّ وَالْعَلَنِ، أَقِمْنَا عَلَىَ مَا تُحِبُّ وَتَرْضَىَ وَاخْتِمْ لَنَا بِخَيْرِ يَا ذِا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنَّ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرَحمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ اَلْخَاسِرِينَ، اَللَّهُمَّ أَمِّنَّا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلِحَ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا وَاجْعَلْ وِلَايَتَنَا فِيمَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ، اَللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَفِّقْ خَادِمَ اَلْحَرَمَيْنِ اَلشَّرِيفَيْنِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ إِلَى كُلِّ بِرٍّ وَخَيْرٍ، وَاصْرِفْ عَنْهُمْ كُلَّ سُوءٍ وَشَرٍّ، اَللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكُ بِفَضْلِكَ وَعَظِيمِ إِحْسَانِكَ أَنْ تَدْفَعَ عَنَّا كُلَّ سُوءٍ وَشَرٍّ، اَللَّهُمَّ اِرْفَعْ عَنَّا اَلْوَبَاءَ، وَقِنَا شَرَّ اَلْأَسْقَامِ وَالْأَدْوَاءِ وَأَعِنَّا عَلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، قِنَا شَرَّ اَلْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطْنَ وَعُمَّ ذَلِكَ بِلَادَ اَلْإِسْلَامِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، رَبَّنَا آتِنَا فِي اَلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي اَلْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ اَلنَّارِ، صَلَّوْا عَلَى نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيَتَ عَلَىَ إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.