إِنَّ اَلْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُه، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهدِهِ اَللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اَللَّهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اِتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ اَلدِّينِ.
أمَّا بعد.
فَاتَّقُوُا اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ، اِتَّقَوُا اَللَّهَ تَعَالَى حَقَّ تَقْوَاهُ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران:102]، وَتَقْوَىَ اَللَّهِ -جَلَّ فِي عُلَاهُ- إِقَامَةُ شَرْعِهِ، وَالدَّوَامُ عَلَىَ طَاعَتِهِ، وَبَذْلُ اَلْوُسْعِ فِي إِدْرَاكِ مَحْبُوبِهِ وَمَرْضَاتِهِ، فَاتَّقُوا اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اَللَّهَ أَمَرَكُمْ بِتَقْوَاهُ، وَأَمَرَكُمْ فِي اَلتَّقْوَىَ بِالْمُسْتَطَاعِ مِنْهُ، فَقَالَ جَلَّ وَعَلَا: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾[التغابن:16]، وَالْمُؤْمِنُ يَبْذُلُ وُسْعَهُ وَجُهْدَهُ فِي طَلَبِ مَرْضَاةِ اَللَّهِ وَفْقَ طَاقَتِهِ وَاسْتِطَاعَتِهِ.
وَلِذَلِكَ جَاءَتْ اَلشَّرِيعَةُ كُلُّهَا فِي أُصُولِهَا وَفُرُوعِهَا، فِي عَقَائِدِهَا، وَتَكَالِيفِهَا، وَأَعْمَالِهَا بِالْمُسْتَطَاعِ اَلَّذِي يُطِيقُهُ اَلنَّاسُ ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا﴾[الطلاق:7]، ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾[البقرة:286]، كُلُّ ذَلِكَ مِمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ اَلنُّصُوصُ، وَاسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ شَرِيعَةُ أَحْكَمِ اَلْحَاكِمِينَ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا شَرَّعَهُ اَللَّهُ تَعَالَى مِنْ اَلْفَرَائِضِ، فَفِي اَلصَّلَاةِ قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾[البقرة:238]، وَقَدْ قَالَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَلِّ قَائِمًا، فإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1117]، وفي الصومِ قالَ -جَلَّ وَعَلا-: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[البقرة:183]، ثُمَّ قالَ -جَلَّ في عُلَاه-: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾[البقرة:184]--، وهكذا في الحج قال -جَلَّ في علاه-: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾[آل عمران:97].
فَكُلُّ شَرَائِعِ اَلدِّينِ جَارِيَةً عَلَى هَذَا اَلْأَصْلِ اَلْقَوِيمِ، وَهُوَ أَنَّ اَللَّهَ لَا يُكَلِّفُ اَلْعِبَادَ إِلَّا بِمَا يَسْتَطِيعُونَ، وَالْحَجُّ فَرِيضَةٌ فَرَضَهَا اَللَّهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ فِي آخِرِ زَمَنِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَرَضَ فِي اَلسَّنَةِ اَلتَّاسِعَةِ مِنْ اَلْهِجْرَةِ، وَهُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ اَلْإِسْلَامِ«بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ«[أخرجه البخاري في صحيحه:ح8، ومسلم في صحيحه:ح16/19]، وقد قال الله تعالى في كتابه: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾[آل عمران:97]، فَجَعَلَ اَلْفَرْضُ مَنُوطًا بِالِاسْتِطَاعَةِ، وَلِذَلِكَ إِذَا عَجَزَ اَلْإِنْسَانُ عَنْ أَدَاءِ اَلنُّسُكِ فَإِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى لَا يُؤَاخِذُهُ، وَيُرَخِّصَ لَهُ فِي تَرْكِ اَلْحَجِّ إِلَى أَنْ يَسْتَطِيعَ، فَإنْ دَام عَجْزُهُ أَقَامَ مَنْ يَنُوب عَنْهُ فِي اَلْحَجِّ، كَمَا جَاءَ فِي اَلصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدُ اَللَّهِ بن عَبَّاسْ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا-أنَّ امرأةً أدْرَكَتْ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم فقالت: يا رسولَ اللهِ إنَّ فَرِيضَةَ اللهِ على عِبَادِهِ في الحَجِّ أدركَت أبي شيخًا كبيرًا لا يَثبُت على الراحلة أفأحجُّ عنه؟ قال صلى الله عليه وسلم: «نعم»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1513 ]، أي حُجِّي عن أبيك.
فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ اَلْعَجْزَ اَلدَّائِمَ عَنْ اَلْحَجِّ يَقُومُ غَيْرَهُ مُقَامُه، يَقُومَ غَيْرَ اَلشَّخْصِ مُقَامَهُ إِذَا كَانَ مُسْتَطِيعًا بِمَالِهِ، سَوَاءً كَانَ مُسْتَطِيعًا بِمَالِهِ، أَوْ كَانَ مُسْتَطِيعًا بِنَائِبِهِ، فَاتَّقَوْا اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ وَقُومُوا عَلَى مَا أَمَرَكُمْ اَللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ اَلِاسْتِطَاعَةِ؛ وَذَاكَ أَنَّ اَللَّهَ تَعَالَى عَلِيمٌ بِكُمْ، فَالِاسْتِطَاعَةُ لَيْسَ فِيهَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ اَللَّهِ وَسِيط.
وَلِهَذَا لَمَّا جَاءَ اَلرَّجُلُ إِلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكَرُ لَهُ مَا كَانَ مِنْهُ مِنْ وَقَاعِ أَهْلِهِ فِي نَهَارِ رَمَضَانْ، قَالَ لَهُ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ قَالَ: لاَ، قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، قَالَ: لاَ»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1936، ومسلم في صحيحه:ح1111/82] فَلَمْ يُنَاقِشْهُ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَدَمِ قُدْرَتِهِ اَلْمَالِيَّةِ، وَلَا فِي عَدَمِ اِسْتِطَاعَتِهِ بَلْ أَوْكَلَ اَلْأَمْرُ إِلَيْهِ، فَالِاسْتِطَاعَةُ مِمَّا يُدِينُ فِيهَا اَلنَّاسُ، فَلَيْسَ فِيهَا بَيْنَ اَلْعَبْدِ وَرَبِّهِ وَسِيطٍ، إِنَّمَا هِيَ مِمَّا يَعْرِفُهُ اَلْإِنْسَانُ وَيُدْرِكُه، وَاَللَّهُ تَعَالَى عَلَى اَلْإِنْسَانِ حَسِيب.
وَإِنْ مِنْ اَلْأَعْذَارِ اَلْمُسْقَطَةِ لِوُجُوبِ اَلْحَجِّ عَلَى اَلْأَفْرَادِ أَنْ يَكُونُوا عَاجِزِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ إمَّا عَجْزًا بِعَدَمِ اَلْقُدْرَةِ اَلْمَالِيَّةِ، وَإِمَّا عَجْزًا بِعَدَمِ اَلْقُدْرَةِ اَلْبَدَنِيَّةِ، سَوَاءً كَانَ ذَلِكَ عَارِضًا أَوْ دَائِمًا. وَإِنْ مِمَّا نَزَلَ بِالنَّاسِ اَلْيَوْمِ مَا تَرَوْنَهُ مِنْ هَذَا اَلْوَبَاءِ اَلَّذِي عَمَّ أَرْجَاءَ اَلدُّنْيَا، وَأَصْبَحَ مُهَدِّدًا لِحَيَاةِ كَثِيرٍ مِنْ اَلنَّاسِ، وَقَدْ اِتَّخَذَتْ اَلْجِهَاتُ اَلْمَسْئُولَةُ فِي اَلدُّنْيَا كُلِّهَا تَدَابِيرٌ وَاقِيَةٌ، وَاحْتِرَازَاتٌ تَقِي اَلنَّاسَ اَلْإِصَابَةَ بِهَذَا اَلْمَرَضِ، وَمِنْ هَذَا مَا يَكُونُ مِنْ تَقْلِيلِ وَتَقْلِيصِ اَلِاجْتِمَاعَاتِ وَالتَّجَمُّعَاتِ، لِمَا فِي اَلتَّجَمُّعِ مِنْ كَثْرَةِ فَشُو هَذَا اَلْمَرَضِ وَانْتِشَارِهِ، وَتَأْثِيرُهُ عَلَى اَلْمُجْتَمِعِين، لَاسِيَّمَا وَأَنَّ سُرْعَةَ اِنْتِشَارِهِ كَبِيرَة، فَكَانَ مِنْ ذَلِكَ مَا جَرَتْ بِهِ اَلتَّدَابِيرُ فِي هَذِهِ اَلْبِلَادِ اَلْمُبَارَكَةِ فِي زَمَنٍ مَضَى مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالصَّلَوَاتِ ، صَلَوَاتُ اَلْفُرُوضِ وَالْجُمْعَة وَالْجَمَاعَة ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ مِنْ اَلْخَيْرِ مَا أَسْأَلُ اَللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَدْفَعَ بِهِ عَنَّا وَعَنْ اَلْمُسْلِمِينَ اَلْبَلَاءِ وَالْوَبَاءِ.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا صَدَرَ بِهِ اَلْقَرَارُ مِنْ تَقْلِيصِ أَعْدَادِ اَلْحُجَّاجِ لِهَذَا اَلْعَامِ لِأَجَلِ تَوْقِي خَطَرَ اِنْتِشَارِ هَذَا اَلْمَرَضِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى حَكِيمٌ عَلِيمٌ، وَهُوَ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِ اَلْعِبَادِ مِنْ اَلرَّغْبَةِ وَصِدْقِ اَلتَّوَجُّهِ إِلَيْهِ، وَيَبْلُغَ اَلْعَبْدُ بِصَادِقِ نِيَّتِهِ وَصَالِحُ قَصَدَهُ وَحُسْنُ مُرَادهَ مَا لَا يَبْلُغُهُ بِعَمَلِهِ، وَلِهَذَا نَحْمَدُ اَللَّهُ عَلَى مَا يَسَّرَ مِنْ هَذَا اَلتَّدْبِيرِ اَلَّذِي أَقَامَ اَللَّهُ تَعَالَى بِهِ هَذِهِ اَلْفَرِيضَةِ مَعَ اِحْتِيَاطَاتٍ وَاحْتِرَازَاتٍ تَقِي اَلنَّاسَ اَلْأَخْطَارَ اَلَّتِي تَكُونُ مُهَدِّدَةً لِحَيَاتِهِمْ، وَطَيب مَعَاشِهِمْ.
فَاَللَّهُ نَسْأَلُ - وَهُوَ اَلْجَوَادُ اَلْكَرِيمُ - أَمْ يَجْعَلنَا وَإِيَّاكُمْ مِمَّنْ وُفِّق إِلَى اَلْعَلَمِ اَلنَّافِعِ وَالْعَمَلِ اَلصَّالِحِ، وَأَنْ يُوَفِّقَ وُلَاةَ أَمْرِنَا إِلَى مَا يُحِبُّ وَيَرْضَى، وَأَنْ يَحْفَظَ حُجَّاجَ بَيْتَهُ مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَشَرٍّ، وَأَنْ يُقِيمَ لَنَا اَلشَّعَائِرُ ظَاهِرَةً فِي كُلِّ مَدِينَةٍ، وَفِي كُلِّ سَمَاءٍ وَأَرْضٍ، ذَاكَ فَضْلُهُ وَصَلَّى اَللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّد.
أَقُولُ هَذَا اَلْقَوْلِ وَأَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ اَلْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفَرُوهُ إِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُورُ اَلرَّحِيم.
اَلْحَمْدُلِلَّهِ حَمْدَ اَلشَّاكِرِينَ، لَهُ اَلْحَمْدُ فِي اَلْأُولَى وَالْآخِرَة، وَلَهُ اَلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّه، إِلَه اَلْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، أمَّا بَعد.
فَاتَّقُوا اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ، اِتَّقَوْا اَللَّهَ تَعَالَى حَقَّ تَقْوَاهُ، وَابْذُلُوا وُسْعَكُمْ وَطَاقَتَكُمْ فِي نَيْلِ مَرْضَاهُ، فَرِضَاهُ - جَلَّ فِي عُلَاهُ- لَيْسَ بِالْعَسِيرِ، وَلَا بِالصَّعْبِ، وَلَا بِالْبَعِيدِ، فَهُوَ -جَلَّ فِي عُلَاهُ- يَرْضَى عَنْ اَلْعَبْدِ يَأْكُلُ اَلْأَكْلَةَ فَيَحْمَدهُ عَلَيْهَا، وَيَرْضَى عَنْ اَلْعَبْدِ يَشْرَبُ اَلشَّرْبَةَ فَيَحْمَدهُ [أخرج مسلم في صحيحه:ح2734/89 من حديث أنس أنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إِنَّ اللهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا»]، فَابْذُلُوا وُسْعَكُمْ فِي طَلَبِ مَرْضَاتِهِ، بِالْقِيَامِ بِشَرْعِهِ، وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ، وَالسَّعْي فِيمَا يُحِبُّ وَيَرْضَى، وَاجْتِنَابَ مَا نَهَى عَنْهُ وَزَجَرَ، فَإِذَا وَقَعْتُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ اَلْخَطَأِ فَبَادَرُوا إِلَى اَلتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ، فَالتَّوْبَةِ تَمْحُو مَا كَانَ قَبِلَهَا مِنْ اَلسَّيِّئِ وَالْخَطَأِ، اَلتَّوْبَةُ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبلُهَا كَمَا جَاءَتْ بِهِ دَلَالَاتُ اَلنُّصُوصِ.
فَاتُّقُوا اَللَّه عِبَادُ اَللَّهِ، وَأُقِيمُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى طَاعَةِ اَللَّه، حَافَظُوا عَلَى ذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ، وَعَلَى اَلْقِيَامِ بِحَقِّهِ، حَافَظُوا عَلَى اَلصَّلَوَاتِ وَسَائِرِ اَلْعِبَادَاتِ اَلْمَفْرُوضَةِ عَلَيْكُمْ، أَكْرِمُوا أَنْفُسَكُمْ بِطَاعَةِ اَللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، فَإِنَّ طَاعَةَ اَللَّهِ أَعْظَمُ كَرَامَةً يَمُنُّ بِهَا عَلَى اَلْعَبْدِ، أَكْرِمُوا أَنْفُسَكُمْ بِالْقِيَامِ بِحُقُوقِ اَلْخَلقِ؛ فَإِنَّ حُقُوقَ اَلْخَلقِ شَدِيدَةً عَسِيرَةً لَا يَبْرَأُ مِنْهَا اَلْإِنْسَانُ إِلَّا بِبَذْلِهَا أَوْ اَلتَّحَلُّلِ بِأَصْحَابِهَا. أَكْرِمُوا أَنْفُسَكُمْ بِكَثْرَةِ اَلْعِبَادَةِ وَالذَّكَرِ وَالطَّاعَةِ وَالْإِقْبَالِ عَلَى اَللَّهِ وَالدُّعَاءِ، فَإِنَّ اَلْفِتَنَ خَطَّافَةٌ، وَالْأَعْمَارُ سَائِرَةٌ، وَاللَّيَالِي تَنْقَضِي، وَالْأَيَّامُ تَمْضِي، وَالْعُمْرُ يَنْتَهِي، وَلَا يَفْرَحُ اَلْعَبْدُ إِلَّا بِطَاعَةِ رَبِّهِ، ﴿قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ﴾[المؤمنون:1]، اَللَّهُمَّ اِجْعَلْنَا مِنْهُمْ يَا رَبَّ اَلْعَالَمَيْنِ، رَبَّنَا آتِنَا فِي اَلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي اَلْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ اَلنَّارِ، رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنَّ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرَحمنَا لِنَكُونِنَ مِنْ اَلْخَاسِرِينَ.
اَللَّهُمَّ أَمِّنا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحَ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَأَجْعَل وِلَايَتَنَا فِيمَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ يَا رَبَّ اَلْعَالَمَيْنِ.
اَللَّهُمَّ وَفِّق وَلِيِّ أَمْرِنَا اَلْمَلِك سَلْمَان وَوَلِيِّ عَهْدِهِ إِلَى مَا يُحِبُّ وَيَرْضَى، خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ إِلَى اَلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، سَدِّدَهُمْ فِي اَلْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، اَللَّهُمَّ اِدْفَعْ عَنَّا كُلَّ سُوءٍ وَشَرٍّ، اَللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَالْمُسْلِمِينَ بِسُوءٍ أَوْ شَرٍّ أَوْ فَسَادِ أَوْ فِتْنَةِ فَرُدَّ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ، وَاكْفِ اَلْمُسْلِمِينَ شَرِه.
رَبَّنَا إنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ صَلَاحًا وَاسْتِقَامَةً، اِغْفِرْ لَنَا اَلزَّلَل وَالْخَطَأ، عَامِلنَا بِمَا أَنْتَ أَهْلُهُ مِنْ اَلْفَضْلِ وَالْإِحْسَانِ، وَاغْفِرْ لَنَا كُلَّ خَطَأٍ وَنِسْيَانٍ يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ. رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرحمنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ اَلْخَاسِرِينَ، اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا اَلَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ، وَلَا تَجْعَل فِي قُلُوبِنَا غَلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا، رَبَّنَا إِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ اَلْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتُ، اَللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكُ اَلْهُدَى وَالْتَقَى وَالْعَفَاف وَالرَّشَاد وَالْغِنَى.
صَلَّوْا عَلَى نَبِيِّكُمْ مُحَمَّد صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد كَمَا صلَّيَت عَلَى إِبْرَاهِيم وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيم إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد، وَبَارِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد كَمَا بَارَكَت عَلَى إِبْرَاهِيم وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيم إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد.