يقول الإمام النووي –رحمه الله- تعالى باب الأمر بأداء الأمانة: وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، قَالَ: حدثنا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حدِيثَينِ قَدْ رأيْتُ أحَدَهُمَا وأنا أنتظرُ الآخر: حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثُمَّ نزل القرآن فعلموا مِنَ القرآن، وعلِموا من السنةِ.
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على البشير النذير والسراج المنير نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..
ما الأمانة المقصودة هنا؟
الأمانة المذكورة في الحديث هي الإيمان هكذا قال جمع من أهل العلم، وقال آخرون الأمانة المذكورة في الحديث هي كل ما أمر الله تعالى به ورسوله من الشرائع والفرائض والواجبات والحدود فهي تشمل كل التكاليف الشرعية.
وقال آخرون: الأمانة هي التي ذكرها الله تعالى في قوله: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ﴾[الأحزاب: 72] كل ذلك مما قيل في معنى الأمانة.
والأمانة في الأصل هي ضد الخيانة، وهي أداء وفعل الشيء الذي كلف به الإنسان وألتزمه سواء كان ذلك فيما يتعلق بأعمال القلوب، أو كان ذلك فيما يتعلق بأعمال الجوارح، أو كان ذلك فيما يتعلق بحقوق الله أو يتعلق بحقوق الخلق.
حذيفة رضي الله عنه:
حذيفة رضي الله تعالى عنه من جِلة أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- وهو أمين سره كما قال جمع من أهل العلم في وصفه، حيث إن النبي –صلى الله عليه وسلم- أسر إليه شيئًا لم يعلمه غيره من أصحابه رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
وتميز رضي الله تعالى عنه بذكر أحاديث الفتن وما يكون من الوقائع والحوادث في مستقبل الزمان، ولهذا يخبر في هذا الحديث عن حديثين سمعهما من النبي –صلى الله عليه وسلم-، أما أحدهما فقد رآه وعلمه، وأما الآخر فيقول: وإني أنتظره وهذا يدل على عظيم يقينه لصدق ما أخبر به النبي –صلى الله عليه وسلم- فلم يقل في ذلك إلا أنه ينتظر يعني أنه عالم بصدق خبره وينتظر وقوع ذلك الخبر.
الإيمان نزل في جذر قلوب الرجال:
أما الحديث الأول الذي أخبر به حذيفة رضي الله تعالى عنه في هذا الحديث، هو ما يتصل بالإيمان وأثر القرآن في زيادته قال رضي الله تعالى عنه قال –صلى الله عليه وسلم-: إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال المقصود بالأمانة هنا الإيمان في أرجح أقوال أهل العلم.
أي أن الإيمان نزل في قلوب الرجال والمقصود قلوب الرجال أي قلوب الناس رجالًا ونساء فذكر الرجال هنا على وجه ذكر البعض وإرادة الكل أي أنزل الله تعالى الإيمان في قلوب الناس، ونزول الإيمان في قلوب الناس هو الفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها، فإن الله فطر الناس على الإيمان به وعلى طلب معرفته وعلى محبته وعلى الإقرار به.
ولذلك قال –صلى الله عليه وسلم-: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ»[صحيح البخاري (1359)، ومسلم (2658)] أي يخرجانه عن هذه الفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها من أنهم لا يبتغون ربًا ولا إلهًا ولا معبودًا سوى الله –عز وجل-.
ثم يطرأ عليهم الانحراف بسبب ما يكون من البيئة المحيطة بهم، فيقول النبي –صلى الله عليه وسلم- «إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال» أي أنزلها الله تعالى بمنه وفضله في قلوب الناس، فتفضل عليهم بأن جعل في قلوبهم ميلًا إلى الإيمان ورغبة فيه وتأثرًا به، ثم أنه لم يتركهم إلى هذا بل تاب عليهم من دلائل تقوية الإيمان وتثبيته وزيادته ما جاء في الكتاب والسنة، ولذلك قال: ثم علموا من القرآن وعلموا من السنة أي أنهم علموا من آيات الكتاب الحكيم وسنة خير الأنام صلوات الله وسلامه عليه ما جعل ذلك الإيمان يثبت ويزيد ويثمر ثمارًا في الأقوال والأعمال والأحوال.
عظيم أثر العلم بالقرآن والسنة:
وبهذا يتبين عظيم تأثير القرآن والسنة، العلم بالقرآن، العلم بالسنة، العلم بالقرآن، العلم بالسنة على إيمان العبد فمن وجد في إيمانه ضعفًا أو نقصًا أو أحب زيادة في إيمانه ورغبة في زيادة يقينه وإقباله على ربه فليقبل على كتاب الله وعلى هدي سيد الأنام صلوات الله وسلامه عليه، فإن القرآن والسنة هما أعظم ما يدل على الله –عز وجل- وأعظم ما يعرف به، وأعظم ما يزيد القلوب في الإقبال عليه جل في علاه.
أهمية أن يتفقد المسلم قلبه:
ولهذا يا إخواني من المهم أن يتفقد الإنسان قلبه وألا يعتمد فقط على ما فيه من أصل الفطرة، فإن أصل الفطرة في الإقبال على الله يحتاج إلى زيادة وإلى تنمية وإلى تقوية وإلى تثبيت، ولا يكون ذلك إلا بدلائل القرآن والعلم بما فيه، فكثرة تلاوة القرآن، كثرة تدبره، العمل به، التفهم لمعانيه، كذلك سنة النبي –صلى الله عليه وسلم- معرفتها والعلم بها والعمل بها، كل ذلك يزداد به الإيمان كما قال الله تعالى: ﴿نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾[النور: 35] فنور الفطرة إذا أضاف العبد إليه نور القرآن ونور السنة ونور العمل بهما كان ذلك من أعظم ما يسعد به في دنياه ويزداد به قربًا إلى مولاه.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، ثبت الإيمان في قلوبنا وزدنا منه يا ذا الجلال والإكرام، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.