×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:2044

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نحييكم تحية طيبة في بداية هذه الحلقة لبرنامج "الدين والحياة"، والتي نستمر معكم فيها على مدى ساعة كاملة بمشيئة الله تعالى.

 في بداية هذه الحلقة مستمعينا الكرام تقبلوا تحيات الزملاء من إخراج هذه الحلقة: ماهر نضراء وياسر زيدان، وتقبلوا أجمل تحية مني محدثكم وائل حمدان الصبحي، أهلا وسهلا ومرحبا بكم.
مستمعينا الكرام ضيف حلقات برنامج "الدين والحياة" هو فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، وضيف حلقتنا في حلقات برنامج "الدين والحياة"، نناقش موضوعات تهم المسلم في أمور دينه ودنياه، من هذه الموضوعات التي سنناقشها، سنناقش موضوعًا في هذه الحلقة حول الآية الكريمة: ﴿الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِالناس:4،  نتحدث عن الوسواس، وما هو الوسواس؟ وما حقيقته؟ وما خطورته؟ وأنواعه أيضًا والأسباب وعلاجه.؟

أيضًا سنتكلم -بمشيئة الله تعالى- عن الوسواس، وهل يمكن طرح هذا الموضوع أو تناوله من جانب شرعيٍّ أم لا؟

 باسمكم جميعًا مستمعينا الكرام نرحب بضيفنا الكريم فضيلة الشيخ الأستاذ "خالد المصلح" أستاذ الفقه "بجامعة القصيم" أهلا وسهلًا فضيلة الشيخ، حياك الله يا مرحبًا.
الشيخ:- مرحبا بك، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته تحية لك طيبة وللإخوة والأخوات المتسمعين والمستمعات.
المقدم:- حياك الله فضيلة الشيخ، مثل ما ذكرت سيكون حديثنا في هذه الحلقة عن الوسواس، عن حقيقته وخطورته وأنواعه، وما إلى ذلك مما سنتحدث عنه، دعنا نتحدث عنها، دعنا نبدأ الحديث فضيلة الشيخ بالسؤال ما هو الوسواس وما هو حقيقته؟ وهل يمكن أن نتناول هذا الموضوع بمرض الوسواس ويمكن أن نطرحه من جانب شرعي أم لا؟
الشيخ:- الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على البشير النذير والسراج المنير نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد..
فقبل الحديث عن حقيقة الوسواس نجيب على الجزئية الثانية، وهي: هل يمكن أن يُتناول الوسواس من جهة شرعية؟ الجواب: بالتأكيد نعم؛ وذلك أن الله تعالى قد ذكر الوسواس في كتابه في أكثر من موضع وخصَّ سورة من سور القرآن الكريم فيما يتعلق بالسبيل والطريق الذي يعالَج به الوسواس، وهي سورة الناس ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِالناس: 1- 6 .
فتناول هذا الموضوع من ناحية معالجة القرآن والسنة لآثاره،وطريقة السلامة منه، وبيان حقيقته، لاشك أنها هي الوسيلة التي من خلالها يتبين حقيقة هذا العارض الذي يعرض لبعض الناس وينتج عنه فساد كبير في معاشهم ومعادهم، في حياتهم وفيما يتعلق بصِلَتهم بالله –عز وجل-.
الوسواس حتى نفهم ارتباط الوسواس بالشيطان وهو العدو الذي أخذ على نفسه العهد بين يدي الله أن ينال من الإنسان من كل سبيل، ومن كل طريق ليصده عن خير الدنيا والآخرة، ليصده عن الإقبال على ربه، وعن سلوك الصراط المفضي إلى سعادة الدنيا والآخرة، الشيطان عدو للإنسان، وقد أخبر الله تعالى بعداوته في محكم الكتاب: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّافاطر: 6 .
هكذا ذكر الله تعالى هذه العداوة على نحو بَيِّن، فقدم أولًا بالإخبار عن عداوة الشيطان للإنسان، ثم أمر بأن تُستحضر هذه العداوة، وأن يجعله الإنسان عدوًّا له، ومعنى قوله تعالى: ﴿فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّافاطر: 6  أي: اجعلوه عدوا لكم بالحذر منه، وتوقي كيده، والفطنة لأساليبه ومداخله، ومجاهدته بكل وسيلة للسلامة من شره والانتصار عليه، والبعد عن كيده ومكره، وقد كانت هذه العداوة عداوةً قديمةً قِدَم خلق الإنسان، فهي ليست عداوة حادثة، بل هي منذ أن كان الإنسان طينًا قبل أن ينفخ الله تعالى فيه الروح بدأت جَذوة هذه العداوة، فإن الله تعالى خلق آدم على صورته، ثم إنه جعله في الجنة قبل أن ينفخ فيه من روحه جل في علاه، فجعل الشيطان يطيف بهذا المخلوق وينظر إليه ويتأمل فيه، فلما وجده أجوفًا أي: له تجويف عرف وعلم أنه لا يتمالك، يعني كأنه يبحث من ذلك الوقت عن الثغرة التي من خلالها ينال من هذا المخلوق الجديد الذي اصطفاه الله –عز وجل-، فخلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، ثم لما أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم وأظهر فضله، ظهرت هذه العداوة علانية وبدت كاشحة لا مواربة فيها، حيث أبى أن يسجد عليه من الله ما يستحق، وقال ما قاله بين يدي الله بعد أن طلب من الله –عز وجل- الإمهال وعدم المعاجلة بالعقوبة ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَالأعراف: 16- 17  وفي الآية الأخرى قال: ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْالحجر: 39، هنا تفصيل لطريقة قعوده أنه يزيِّن للبشر ما في الأرض من الملذات والمتع التي تلهيهم وتغفلهم عما خُلقوا لأجله ﴿وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَالحجر: 39- 40 .
فالمقصود أن الشيطان بادر الإنسان بالعداوة منذ سالف الزمان، وله في تحقيق مراده وإصابة الإنسان بما يكره سبلٌ وطرق عديدة، ومن ذلك ومن أشده تأثيرًا: الوسوسة؛ فإنها سبيل كبير من خلاله يصل الشيطان إلى ما يؤمل من الإضرار بالإنسان والنيل منه وصده عن سبيل الله وإغوائه والانتقام منه حيث فضله الله تعالى عليه.
ولهذا كان أول مدخل دخل به الشيطان على بني آدم الوسوسة، يقول الله في محكم كتابه فيما قصه عن نبيه آدم لما كان في الجنة قال -جل في علاه-: ﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُالأعراف: 20  فكان أول سلاح استعمله في النيل من آدم وزوجه لما أظهر الله من فضله على آدم وإنعامه عليه ما أظهر: الوسوسة ﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَالأعراف: 20، وهذا بيان للمقصود بالوسوسة والسبيل الذي وسوس فيه.
الوسوسة أن يظهر لهما عيوبهما وسوآتهما أي: عوراتهم ويعرِّيهم، وهذه تعرية جسدية تنبئ عن تعرية داخلية، فالقلب يعرى من فضل الله وإحسانه وينعكس هذا على الجسد بأن تبدو عورته وسوءته، وهي ما يحرص كل ذي فطرة سليمة على سترها، قال –جل وعلا-: ﴿وَقَالَ مَا نَهَاكُمَاالأعراف: 20 ، هذا بيان للوسوسة ﴿وَقَالَ﴾ أي الشيطان لآدم في وسوسته ﴿وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِالأعراف: 20، وهي التي امتحن الله تعالى آدم وحواء في الامتناع من أكلها ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَالأعراف: 20 .
فدخل عليهما من هذا المدخل وهو الوسوسة التي أفضت بهما إلى أن عريا من ستر الله، وبدا لهما ما كان مستورًا من سوآتهما، كما ذكر الله –جل وعلا- ﴿وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِالأعراف: 22، ليستر ما بدا من عوراتهما بسبب هذه الوسوسة وهذه السيئة التي ألمَّا بها وهي الأكل مما منعهما الله من تعالى منه، وبالتالي كان الشاهد في هذا الخبر أن أول ما نال الشيطان من الإنسان وأخرجه من النعيم المقيم إلى ما عانى منه في دنياه كان ذلك بسبب الوسوسة، كما ذكر الله تعالى ﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَاالأعراف: 20 .
وفي الآية الأخرى بيَّن الله تعالى ما كان من عاقبة تلك الوسوسة أنهما خرجا من الجنة، قال تعالى: ﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍالبقرة: 36، هذا الذي دخل به الشيطان على الإنسان منذ ذلك الزمان، منذ ذلك الوقت، من أول العداوة فعداوة الشيطان للإنسان عداوة ليست مؤقتة ولا حادثة، بل هي عداوة قديمة دخل فيها على الإنسان فأخرجه من النعيم المقيم، وهذا يبين لنا خطورة الوسواس، وأنها توقع الناس في شرٍّ عظيم وفساد كبير، وتفقدهم خيرات كثيرة لا يسلمون من ذلك إلا بتوقي هذه الوسوسة والبعد عنها، فالوسوسة فساد لحياة الإنسان، فساد لآخرته، فساد لمعاشه ومعاده.
ولهذا ذكر الله تعالى في سورة الناس الطريق الذي يسلم به الناس من هذه الوسوسة، وهو الاهتمام بالله –عز وجل- وسنأتي على تفصيل ذلك، لكن ذكر في سورة خاصة الوسوسةَ؛ لعظيم خطرها، وكبير أثرها، وما ينتج عنها من شرور تفسد معاش الناس ومعادهم، فالوسوسة حقيقتها ما يلقيه الشيطان في القلب، وهذا هو الجواب عن ما هي الوسوسة؟
هي ما يلقيه الشيطان في القلب من حديث النفس والأفكار السيئة التي تراودها، فينطلق بعد ذلك في عمل الشر وفي القعود عن الخير، كما جرى لآدم عليه السلام، فإن الله منعه من أكل الشجرة، فوسوس لهما الشيطان ليبدي ما وري عنهما من سوآتهما، وجاء مرغبًا بشيء تحبه النفوس وهو أن يكونا مَلَكين أو أن يكونا من الخالدين ﴿وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَالأعراف: 20  فأزلهما عن هذا الأمر لهذه الوسوسة التي ألقاها، وهو وسواس خناس جاسم على قلوب بني آدم يحدثهم بما يسوؤهم، لكن لا يأتيهم داعيًا إلى الشر بوصفه شرًّا، إنما بتزينه فيما أخذه الشيطان على نفسه ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْالحجر: 39، فالإغواء ليس ناتج عن تصريف الأمر وعرضه على وجه الحقيقة، إنما تزيين وتسويف ووعد وإغراء للوقوع في الشر والسوء.
هذا ما يتعلق بالوسوسة.
إذًا الوسوسة هي حديث خفيٌّ، يتسلسل إلى قلب الإنسان وإلى فكره، فيكون سببًا لميله وخروجه عن الصراط المستقيم بما ينتج عن ذلك الإحياء، ذلك الهمس، تلك الوسوسة من أعمال ناتجة عن أفكار رديئة، فالوساوس أفكار رديئة تتسرب للقلب، ينتج عنها أعمال رديئة بالوقوع فيما يضر مما حرمه الله ورسوله، أو ترك ما ينفع مما أمر الله تعالى به ورسوله، وهي تختلف من شخص لآخر، وتأتي على صور وأنحاء.
فالوساوس منها ما هو عملي، منها ما يتعلق بالعمل، ومنها ما يتعلق بالاعتقاد، والشيطان لا يهمه ما ينال من الإنسان سواء كان ذلك في عمله أو في اعتقاده، ولذلك يعمل بكل الطرق والوسائل التي يصل من خلالها إلى ما يؤمل من إضلال الإنسان وصده عن سبيل الله، وغالب ما يأتي به وعد لا حقيقة له، ولذلك يوم القيامة عندما ينكشف الغطاء ويتبرأ الأتباع المتبعون من التابعين يقول الشيطان وهو أعظم من أضلَّ عن سبيل الله وصدَّ عن طريقه ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّوَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍإبراهيم: 22  يعني لا يحمل الإنسان ويدفعه كرهًا إلى الشر، لكنه يعمل ﴿إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ﴾، وهي الوسوسة والتزيين والإغراء والتغرير ببني آدم حتى يقعوا في الشر ﴿إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌإبراهيم: 22 .
فينبغي على كل أحد أن يفهم حقيقة الوسواس، وأن حقيقته دعوة شيطانية، أفكار إبليسية تتسرب إلى القلب وتتسلل للفكر، تفسد على الإنسان القاعدة أو تفسد عليه عمله، والواجب عليه أن يكون في غاية الحذر من هذه الوسوسة حتى يسلم من شرها ومن آثارها، ولهذا كان الإنسان البصير العاقل مستحضرًا العداوة التي أمر الله تعالى بها في قوله: ﴿فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّافاطر: 6، فالله أمرنا أن نتخذ الشيطان عدوا، ومقتضى عداوته أن نتخذه بما نستطيع في صدِّ ما يسعى إليه من إفساد في قلوبنا وأعمالنا، سواء كان ذلك في صد ما يلقيه في قلوبنا من الشبهات ومن الشكوك التي تقدح في الإيمان أو كان ذلك فيما يتعلق بما يلقيه في القلوب من الإيرادات الفاسدة والشهوات والملذات، وبالسلامة من هذين الجنديين من جند الشيطان: الشبهات، والشكوك والإيرادات الفاسدة والشهوات يتحقق للإنسان السلامة في دينه ودنياه، كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَالسجدة: 24  فالصبر تدفع به الإيرادات السيئة والشهوات والملذات التي يزينها الشيطان، واليقين تدفع به الشكوك والشبهات التي يلقيها الشيطان في قلوب الناس ليصدهم عن سبيل الله.
المقدم:- فضيلة الشيخ نقطة أخيرة قبل أن ننتقل إلى الفاصل الأول.

 فيما يتعلق بالوسواس هل الوسواس الذي يكون في عصرنا الحالي الذين يسمونه الوسواس القهري هو نفسه الذي كان في زمن النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو نفسه المقصود في كتاب الله –عز وجل- أم ينصرف إلى معنى آخر؟
الشيخ:- الوسواس الذي يصيب الإنسان له صور متعددة:

 منها ما كان في العقائد، ومنه ما هو في الأعمال كما تقدم ذكره، والإنسان مع مرور الزمان لا يتغير فيما يتعلق بأصول الأشياء، قد تتغير الصور، قد تتغير الطرق، الوسائل، الأساليب، لكن يبقى أن أصل الفكرة واحد وإن تعددت الصور أو الطرق التي يدخل بها الشيطان على الإنسان.
المقدم:- فضيلة الشيخ اسمح لي أن نذهب فاصل بعده -بمشيئة الله تعالى- نستكمل بما أنك ذكرت مجموعة من الأنواع سنستكمل هذه الأنواع للوساوس الذي قد يصيب الإنسان من الشيطان، سنذكر هذه الأنواع لكن بعد فاصل قصير -بمشيئة الله تعالى- أيضًا سنتحدث وتكمل حديثك فضيلة الشيخ عن الخطورة، خطورة هذا الوسواس على الإنسان في نفسه، في دينه، في حياته ومعاشه، سنذهب إلى فاصل قصير بعده نكمل الحديث بمشيئة الله تعالى ابقوا معنا.
حياكم الله مستمعينا الكرام مجددًا في هذه الحلقة المباشرة لبرنامج "الدين والحياة" عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة نتحدث في هذه الحلقة مستمعينا الكرام تحت عنوان "من شر الوسواس الخناس" ضيفنا الكريم فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، أهلا وسهلا فضيلة الشيخ حياك الله.
الشيخ:- حياكم الله.
المقدم:- يا مرحبا، حياك الله فضيلة الشيخ، نستكمل حديثنا فضيلة الشيخ عن خطورة الوسواس على حياة الإنسان، يؤثر بالتأكيد بشكل سلبي على حياته مع الناس على حياته الاجتماعية، يؤثر على دينه، يؤثر على معاش الإنسان في هذه الحياة الدنيا، نريد أن نتحدث فضيلة الشيخ بشكل أكثر إسهابًا عن خطورة الوسواس على الإنسان.
الشيخ:- هو أخي الكريم الوسواس الحديث عنه ذو شعب كثيرة، وتفاصيل متنوعة ولكن يعني نحن نشير إشارات إلى بعض جوانب الوسواس، ويهمنا التركيز على الجانب المتعلق بما يلقيه الشيطان على الناس من الوساوس المتعلقة بالعقائد، والوساوس المتعلقة بالأعمال.
هناك الوسواس الذي يحمل الإنسان على فعل المعصية، ويحمله على إرادة السوء، وهذا هو الذي وسوس به الشيطان لأبينا آدم -عليه السلام- عندما ألقى إليه تلك المقالة التي أوقعته في الأكل من الشجرة ﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَالأعراف: 20، فأوقع الشيطان آدم -عليه السلام- وحواء في الخطيئة بالوسوسة، وهذا يتعلق بما يلقيه الشيطان في قلوب الناس من تزيين مخالفة أمر الله –عز وجل-، وله نماذج كثيرة، والسنة جاءت بذكر، الكتاب والسنة جاءت بذكر أسباب الوقوع في المعصية، فذكر الله –عز وجل- النفس الأمَّارة بالسوء، وذكر الله –عز وجل- القَرين الذي يدعو الإنسان للخطأ، كما قال تعالى: ﴿قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍق: 27، وجاء في صحيح الإمام مسلم من حديث عائشة أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «قالَتْ: يا رَسولَ اللهِ، أَوْ مَعِيَ شيطانٌ؟ قالَ: نَعَمْ قُلتُ: وَمع كُلِّ إنْسانٍ؟ قالَ: نَعَمْ قُلتُ: وَمعكَ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: نَعَمْ، وَلَكِنْ رَبِّي أَعانَنِي عليه حتّى أَسْلَمَ»صحيح مسلم (2814)  وهذا الحديث في صحيح الإمام مسلم من حديث عائشة -رضي الله تعالى عنها- فأخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- بأن هناك قرينًا يقارن الإنسان، يزيِّن له الشرَّ، ويوسوس له ويستزلُّه، ومن ذلك قوله للرجلين اللذين رأياه –صلى الله عليه وسلم- مع صفية بنت حيي زوجِه «فقال رسولُ اللهِ ﷺ: على رِسلِكما إنَّها صفيَّةُ بنتُ حُيَيٍّ، فقالا: سبحانَ اللهِ ! يا رسولَ اللهِ! فقال: إنَّ الشَّيطانَ يجري من الإنسانِ مجرى الدَّمِ، وإنِّي خشيتُ أن يقذِفَ في قلوبِكما شيئًا - أو قال: شرًّا»صحيح البخاري (2038)، ومسلم (2175) .
فكل هذا يندرج فيما نتحدث عنه من الوسواس، فمن الوسواس ما يوقع في العمل السيئ، ومنه ما يوقع في العقيدة الفاسدة أو الظن السيئ، وكل ذلك من تزيين الشيطان الذي يسعى للنيل من كل وسيلة وكل طريق.
ما يتعلق بالجانب الذي نتحدث عنه، أو نريد أن نلقي الضوء عليه وهو ما يلقيه الشيطان من الوساوس المتعلقة بالاعتقاد أو بالعمل العبادي ليصد الإنسان عن طاعة الله –عز وجل-، وعن القيام بما أُمر به العبد من طاعة الله –عز وجل-، يعني قسم من الوساوس تزيين لمواقعة الشر، يزين له الفساد، يزين له المعاصي، يزين له ما يهلكه فيتقدم إلى السوء.

 هناك نوع من الوسواس وهو ما يلقيه الشيطان في قلوب الناس فيما يتعلق بإفساد عقائدهم وتشتيتهم، وإدخال الريب عليهم، سواء كان ذلك في العقيدة أو كان ذلك في العمل، هذا النوع من الوسواس نوع مؤذي ويشق على الإنسان مشقة كبيرة حتى تضيق نفسه به فيتكدر عيشه، ويحول بينه وبين التلذذ بالعبادة، ولا يجد الإنسان طاعته طعمًا إذا أصيب بهذا البلاء، وهذا الداء وقد جرى ذلك في زمن النبي –صلى الله عليه وسلم- وشكا بعض الصحابة للنبي –صلى الله عليه وسلم- ما يجدونه سواء كان ذلك فيما يتعلق بالوساوس الاعتقادية أو الوساوس العقدية، وقد دل النبي –صلى الله عليه وسلم- على المخرج من هذا وذاك.
ففيما يتعلق بالعقائد جاء في صحيح الإمام مسلم من حديث أبي هريرة قال: جاء ناس من أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- فسألوه فقالوا: إنا نجد في أنفسنا يعني من الهواجس والأفكار ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به يعني مما يشق على الواحد ويعظم عليه أن يتحدث بما يجده في نفسه من الأفكار التي يعطيها الشيطان، وما يضيق به خاطره، ولذلك جاءوا يشتكون إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- وفي بعض الروايات قالوا: ما يود أحدنا لو أنه أُلقي من السماء فتخطفه الطير ولا يتحدث به يعني من شدة عظم تلك الوساوس يتمنى أحدهم أن يُلقى من السماء وتخطفه الطير، ولا يتكلم بتلك أفكار التي تَرِد عليه، ويلقيها الشيطان في نفسه، فيشق عليه الحديث عنها، والكلام فيها، وهذا ما شَكَوه إلى النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فجاءهم التطمين النبوي الذي أزال ما في نفوسهم، فقال –صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «أو قد وجدتموه؟» يعني هذا الشعور وهذا الإحساس بعظم ما جال في نفوسكم وما دار في خواطركم من أفكار تتعلق بالله أو تتعلق باليوم الآخر أو تتعلق بخبر الله أو خبر رسوله، وجدتم هذا الشعور؟ وهو كره ذلك وتعاظمه والتأذي منه على هذا النحو الذي ذكرته.
فقالوا: نعم قال –صلى الله عليه وسلم- مطمئنًا لهم «ذاك صريح الإيمان»، يعني هذا الشعور الذي شعرتم به وهو كرهكم لتلك الأفكار التي وردت عليكم، كرهكم لما قذفه الشيطان في قلوبكم من أفكار رديئة «ذاك صريح الإيمان»يعني هذا الدفع وتلك الكراهة هي من صادق إيمانكم وخالص إيمانكم بالله –عز وجل- أن وجدتم ذلك الشعور تجاه تلك الأفكار، فقال لهم –صلى الله عليه وسلم- مطمئنًا أن هذه الأفكار قد توحي للإنسان بأنه منافق، أو بأنه على غير الملة، أو أنه على غير دين، أو أنه لا إيمان له، أو ما أشبه ذلك وهذا غرض الشيطان من إدخال هذه الوساوس وهذه الأفكار على الناس فقال لهم النبي –صلى الله عليه وسلم- مطمئنًا: «ذاك صريح الإيمان»صحيح مسلم (132)

 يعني هذا الذي وجدتموه هو صريح الإيمان.
وبالتالي يطمئن الإنسان أن ما وجده في صدره من وسوسة وأفكار ضاق بها صدره،وتكدر بها خاطره إنما هي من كيد الشيطان الذي لا يضره ولا يؤثر على إيمانه بل كرهه لذلك وعدم انشراح صدره به من صريح الإيمان الذي يفرح به المؤمن ويطمئن لسلامة عقيدته وسلامة دينه، وأنه سالم مما يلقيه الشيطان في قلبه من أنه لا إيمان له، أو أنه ضعيف الإيمان، أو نحو ذلك.
وقد أخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- في صحيح سنته أن الشيطان يقعد للإنسان بطرق الإسلام كلها قال: «إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه، فقعد له بطريق الإسلام»يعني هذا تدرج الشيطان«قال: أتُسلِم وتَذَر دينك ودين آبائك وآباء أبيك؟ فعصاه فأسلم ، ثم قعد له بطريق الهجرة» هذا حديث النبي –صلى الله عليه وسلم- عن كيد الشيطان للقعود بالناس عن امتثال طاعة الله في زمن النبي –صلى الله عليه وسلم- والهجرة إليه «ثم قعد له في طريق الهجرة، فقال: أتهاجر إنما مثل هذه مثل فرس في الطول فعصاه فهاجر، ثم قعد له بطريق الجهاد» هكذا يقعد له في كل سبيل ولذلك قال: الني –صلى الله عليه وسلم-: «فمن فعل ذلك منكم فمات فكان حق على الله أن يدخله الجنة»مسند أحمد (15958) وقال محققو المسند: إسناده قوي  يعني من صبر وتجاوز تلك الوساوس كلها، تجاوز تلك الوساوس كلها فإنه يكون مستحقًّا لفضل الله وإحسانه ورحمته وكرمه أن يدخله الجنة.
إذًا الشيطان يوسوس للإنسان فيما يتعلق في دينه وعقيدته وإيمانه، وقد بين النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أن السلامة من ذلك هو بالإعراض عما يقذفه الشيطان في قلب الإنسان من تلك الوساوس، فلا يستسلم لتلك السلاسل من الأفكار التي يقذفها الشيطان في قلبه، فيسترسل معها في كل سبيل وكل طريق من الطرق التي تفضي إلى الفساد.
ولهذا جاء في صحيح الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: «يأتي الشيطان أحدَكم فيقول: من خلق كذا وكذا؟ حتى يقول له في نهاية المطاف من خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته»صحيح البخاري (7296)  فلا يستمع الإنسان لما يقذفه الشيطان في قلبه من تلك الوساوس، ومن تلك الأفكار فإن الشيطان يعد الإنسان بكل سوء وشر.
وفي الحديث الآخر حديث عبد الله بن مسعود قال النبي –صلى الله عليه وسلم- «إنَّ للشَّيطانِ لمَّةً بابنِ آدمَ وللملَكِ لمَّةً: فأمّا لمَّةُ الشَّيطانِ، فإيعادٌ بالشَّرِّ، وتَكْذيبٌ بالحقِّ، وأمّا لمَّةُ الملَكِ، فإيعادٌ بالخيرِ، وتصديقٌ بالحقِّ» إيعاد بالشر الفقر وقلة ذات اليد وخراب الدنيا لا يحمله ذلك على تركه الإنفاق وتركه صالح العمل.
وتكذيب بالحق لأجل أن يبادر إلى الملذات والمشتهيات هذا معنى قوله: «فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق»ليفسد عمله أو تكذيب الحق ليفسد عقيدته قال: «فمن وجدَ ذلِكَ فليعلَم أنَّهُ منَ اللَّهِ» إذا وجد إيعاد بالخير وتصديق بالحق ليعلم أنه من الله فليحمد الله «ومن وجدَ الأخرى، فليتعوَّذ باللَّهِ منَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ، ثمَّ قرأَ: الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ الآيةَ»سنن الترمذي (2988)، وضعفه الألباني .
وقد قال أبو حاتم: إذا وجد الإنسان في قلبه أو خطر بباله من الأشياء التي لا يحل له النطق بها بما يتعلق بالله –عز وجل- في صفاته وأسمائه وخبره فإنه يجب أن يرد ذلك، فإذا رده عن قلبه كان ذلك من صريح الإيمان وصحيحه، وسلم من كيد الشيطان ووسوسته التي تفضي بالإنسان إلى فساد اعتقاده وخراب دينه.
إذًا ما يجده بعض الناس في قلوبهم مما يتعلق بالله واليوم الآخر من أفكار رديئة وقد يتسلط الشيطان عليهم في ذلك تسلطًا يؤذيهم، ويكدر عليهم معاشهم، ويوهمهم بأنهم على نفاق، وأنهم على كفر، وأنهم لا دين لهم، فينبغي ألا يستسلموا، فليكثروا من الاستعاذة بالله من الشيطان، وأن يوقفوا تتابع هذه الأفكار بالاشتغال بما ينفع، والعمل بما يصلح أمورهم، ولا يستسلم لهذا الكيد الكُبَّار، وهذا المكر المتتابع من الشيطان، فإن استسلامهم له لا يزيدهم إلا سوءًا وشرًّا.
وقد يمضي الإنسان أحيانًا لضعفه أو لضعف في بعض أحواله مع هذه الأفكار، فيجد من ذلك الأذى العظيم والضيق الكبير، ومخرجه بأن يتوقف عن التفكير في هذه الأمور، وأن يستعيذ بالله من الشيطان، وأن يلجأ إلى الله –عز وجل- بالدعاء أن يعيذه منه؛ فإن قول: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" أو "أعوذ بالله من الشيطان، من نفخه، وهَمْزِهِ" كل هذا هو احتماء بالله واعتصام به، وفرار إليه أن يحميك من هذا العدو الذي ناصيته بيد الله –عز وجل-، فيحجزه عنك، ويكفُّ عنك شرَّه وأذاه.
هذا مما يتعلق بالنوع الأول مما يلقيه الشيطان من الوساوس، وهو المتعلق بالعقائد فيما يتعلق بالله وأسمائه وصفاته، فيما يتعلق بالخلق، فيما يتعلق باليوم الآخر، فيما يتعلق بالنبي –صلى الله عليه وسلم، فيما يتعلق بأصول الإيمان، طريق السلامة من ذلك هو الفرار إلى الله بالاستعاذة وقطع هذه السلاسل التذكيرية أو الخطرات والواردات الفكرية التي تفضي بالإنسان وتوقعه في ضيق عظيم ولا يصل منها إلا إلى كدر وضرٌّ ومضرة معها هو إستسلام للشيطان.
وإذا استسلم الإنسان للشيطان كان كما قال الله تعالى: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِالمجادلة: 19  أعاذنا الله من ذلك وإياكم.
المقدم:- فضيلة الشيخ قبل أن تكمل القسم الثاني دعنا نذهب إلى فاصل ثاني بعده -بمشيئة الله تعالى- نستكمل حديثنا عن الوسواس، وحديثنا من شر الوسواس الخناس وذكرت أنت فضيلة الشيخ أن الأول وهو فيما يتعلق بالعقائد، وذكرت الأسباب، وأيضًا السلامة من هذا وعلاج هذا كله سنأخذ بعد الفاصل -بمشيئة الله تعالى- النوع الثاني من أنواع الوسواس التي سنذكرها في هذه الحلقة، فاصل قصير بعده نكمل الحديث ابقوا معنا.
حياكم الله مستمعينا الكرام في الجزء الأخير من هذه الحلقة من برنامج "الدين والحياة" والتي تحدثنا فيها تحت عنوان "من شر الوسواس الخناس" تحدثنا عن الوسواس، وعن حقيقته، وعن خطورته، وذكرنا قبل الفاصل نوعًا من أنواع هذا الوسواس عندما يؤثر الشيطان على الإنسان، وتأتيه هذه الخواطر، وتتوارد الأفكار فيما يتعلق بالعقائد، وما يتعلق بالله –تبارك وتعالى- واليوم الآخر، وذكر فضيلة الشيخ العلاج والسلامة من هذا كله.
فضيلة الشيخ حياك الله مجددًا يا مرحبا.
الشيخ:- مرحبا.
المقدم:- أهلا وسهلا، نستكمل حديثنا فضيلة الشيخ عن النوع الثاني الذي سنتحدث به في هذه الحلقة من أنواع الوسواس.
الشيخ:- النوع الثاني من الوساوس التي تعكر على كثير من الناس معاشهم، وتصدهم عن سبيل الله هو ما يتصل بوسوسة الشيطان للإنسان في عبادته، أو فيما يتعلق بالأحكام الشرعية على وجه العموم، وهذا يتخذ صورًا: فمن الناس من يوسوس له في الطهارة، فتجده يشك في النجاسات، وتجده يشك في استكمال الطهارة الواجبة في الصلاة، وتجده يشك في طهارة المواضع والأماكن، وتجده يعيش حالة من القلق العظيم التي تفسد عليه طاعته، هذا بلاء عظيم لا يعرف مدى وقعه على الإنسان وإضراره به إلا من رأى أو مر بهذه المعاناة.
ولهذا ينبغي أن يعرف أن هذا النوع من الوساوس وحتى النوع الأول السابق هو نوع من العارض المرضي الذي ينبغي أن يبادر الإنسان إلى معالجته، وألا يستسلم له.

 الاستسلام للوسواس لا يفضي إلا إلى زيادته، ولا يفضي إلا إلى تمكنه، ولا يؤدي إلا إلى هلاك الإنسان وفساد معاشه وحياته، وأيضًا تعثره في تحقيق العبودية لله –عز وجل-.
من الناس من يوسوس له في الصلاة وما يتعلق بالتكبيرات والقراءة فيها، وأركانها، وسائر أحكامها.

 من الناس من يوسوس فيما يتعلق بالصوم والمفطرات، من الناس، من يوسوس فيما يتعلق بالطلاق وأحكامه وتكدر عيشه وعيش من معه، صور عديدة ومختلفة كلها تندرج تحت هذا العنوان العريض وهو الوساوس المتعلقة بالأحكام الفقهية.
هذا النوع من الوساوس شُكي للنبي –صلى الله عليه وسلم- من بعض أصحابه، فوجه -صلوات الله وسلامه عليه- بتوجيه يسير وجواب يتضمن المخرج الذي يخرج به الإنسان أو التشخيص لهذا المرض والمخرج الذي يخرج به الإنسان من هذا التسلط الشيطاني، فجاء رجل إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- يشكو له ما يجده من عدم حضوره لصلاة الصبح، جاء في صحيح الإمام مسلم من حديث أبي العلاء أن عثمان بن أبي العاص أتى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في هذه المسألة عثمان بن أبي العاص -رضي الله تعالى عنه- من أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- وهو ممن تولَّى الإمامة وكان مؤتمنًا فاضلًا، قَدِم في وفد ثقيف على النبي –صلى الله عليه وسلم- للسنة التاسعة، فأسلموا وأَمَّره عليهم لما رأى من عقله وحرصه على الخير والدين، وكان أصغر الوفد سنًّا، وأقره أبو بكر على الطائفة أميرًا، ثم عمر، ثم استعمله عمر -رضي الله تعالى عنه- في جهة من الجهات.
المقصود أنه رجل ذو فضل، وإضافة لصحبته إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- كان ذا فضل، وكان ذا حرص، وكان ذا سبق إلى الخير حتى بلغ به الأمر أن أمَّره النبي –صلى الله عليه وسلم- على قومه مع ذلك لم يسلم من كيد الشيطان، فقد جاء عثمان بن أبي العاص إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- فقال يا رسول الله: "إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي، يلبّسها علي" يشكو إلى النبي ما يجده من تسلط الشيطان عليه في الصلاة حتى أنه ما يحضر قلبه في صلاته، ولا تستقيم قراءته في صلاته، فيشكِّكه في القراءة، ويشككه في شئون صلاته، ويحول بينه وبينها، فقال له الرسول –صلى الله عليه وسلم- في الجواب على هذه الشكاية، وبيان المخرج، قال: «ذاك شيطان يقال له خَنْزَب» يسمى بهذا الاسم «فإذا أحْسَسْته» يعني إذا وجدت هذا الأذى الذي تذكر من أنه يحول بينك وبين صلاتك، يحول بينك وبين قراءتك، لا تستقيم قراءتك، تتردد القراءة في الفاتحة أو التكبير "الله، الله" كما يفعله بعض الناس فتعوَّذ بالله منه «تعوَّذ بالله من الشيطان» الذي يحول بينك وبين الصلاة «واتْفُل عن يسارك ثلاثا»صحيح مسلم (2203)  إذا لم يكن على يسارك أحد، وتقول:" أعوذ بالله من الشيطان" ثم اتفل ثلاثًا إما بِرِيقٍ، أو بدون ريق على حسب حالك إذا كان هناك أحد أم لم يكن هناك أحد.
المقصود أن النبي –صلى الله عليه وسلم- وجَّهه إلى هذا، يقول عثمان بن أبي العاص -رضي الله تعالى عنه- قال: "ففعلت ذلك" أي التوجيه النبوي أنه متى ما أحسست بهذا العارض تعوذتُ بالله أي احتميت، واعتصمت، والتجأت إلى الله –عز وجل- بالاستعاذة "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" أحتمي بك يا رب، وأعتصم وألتجئ واحتمى بك من كيد هذا الشيطان الذي حال بيني وبين صلاتي، «فتعوَّذ بالله منه، واتفل عن يسارك»قال: "ففعلت ذلك، فأذهبه الله عني" أي: لم أعد أجد ذلك المانع الذي يمنعني من إتمام صلاتي وأدائها على الوجه الكامل.
ولهذا إخواننا الذين يُبتَلَون بالوسواس في الصلاة، في الطهارة أو حتى في الطلاق يعني بعضهم ما الذي يفعله؟ يبحث ويدخل في تفاصيل الأحكام وكلام الفقهاء وما ذكروه وهذا يعني ليس علاجا لهذه الإشكالية، الوسواس ليست إشكاليته علمية في غالب صوره، إنما إشكاليته ذهنية نفسية من تسلط الشيطان وضعف الإنسان، فينبغي أن يقوي نفسه بذكر الله –عز وجل-، وأن يعتصم بالله –عز وجل-، ويأخذ الأسباب التي تدفع كيد الشيطان عنه.
فعليه أن يلتجأ إلى الله تعالى بصدق وإخلاص، كل من بلي بالوسواس مضطر، فيلح على الله بالدعاء أن يكشف عنه السوء، وأن يدفع عنه كيد الشيطان، يكثر من قراءة القرآن والمحافظة على الأذكار، ويستعيذ بالله من الشيطان، ويلزم ذلك بصورة مستمرة حتى يندفع عنه هذا الكيد والمكر وينتهي عن الاسترسال مع ما يلقيه الشيطان في نفسه، لأن بعض الناس يسترسل ويظن أن العلاج هو أن يسترسل مع هذه الوساوس وهذه الأفكار سواء كانت فيما يتعلق بالأعمال، أو كانت فيما يتعلق بالعقائد.
والواقع أن ذلك كالذي يصب الزيت على النار، فلا يزداد إلا اشتعالًا، والبعد عن الانعزال، البعد عن الإنفراد، مخالطة الأخيار، حضور مجالس الخير، الاشتغال بما ينفع في أمر دينه أو أمر ديناه يخرجه عن هذه الدائرة.

 نصحيتي لكل من دبَّ إلى قلبه شيء من الوساوس أن يبادر للعلاج، لا يستسلم؛ لأن استسلامك هو الزيادة، وترى الوسواس الذي يصيب الناس لا يصيب فقط الضعاف من الناس، يصيب الرجل والمرأة والصغير والكبير والمتعلم والجاهل وصاحب المنصب ومن لا جاه له، كل هؤلاء معرضون لهذا الكيد الذي يتسلط به الشيطان على الإنسان، ومن يعتصم بالله يجد ملجأ ومخرجًا وملاذًا يكفيه كيد هذا الشيطان أعاذنا الله تعالى وإياكم منه.
هذه جملة من النقاط المختصرة والإلماحات الموجزة حول هذا الموضوع العظيم الكبير، وهو ما يتعلق بالوساوس.
المقدم:- بارك الله لك فضيلة الشيخ، وشكر الله لك شكرا جزيلا فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم شكرًا جزيلًا فضيلة الشيخ.
الشيخ:- أشكرك، وأسأل أن يعيذنا وإياكم من نزغات الشيطان، ونعوذ به أن يحضرنا في شأننا كله، وأن يرزقنا وإياكم الاعتصام به، وأن يوفقنا إلى كل خير، وأن يدفع عنا كل سوء وشر، وأن يوفق ولاة أمرنا وقيادتنا إلى كل برٍّ وخير، وأن يرفع عن بلادنا وعن البشرية الوباء، وأن ييسرنا لليسرى وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم:- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات91547 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87255 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف