إنَّ اَلْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اَللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ومَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اَللَّهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اِتَّبَعَ سُنَّتَهُ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ اَلدِّينِ. أمَّا بَعد:
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ الله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾آل عمران: 102
أَيُّهَا اَلنَّاسُ: إِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى نَهَاكُمْ عَنِ اِتِّبَاعِ خُطُوَاتِ اَلشَّيْطَانِ، وَخُطُوَاتُ اَلشَّيْطَانِ هُوَ كُلُّ مَا يَأْمُرُ بِهِ وَيُزَيِّنُهُ لِلنَّاسِ لِيُخْرِجهُمْ عَنْ اَلصِّرَاطِ اَلْمُسْتَقِيمِ وَهَدْيِ سَيِّدِ اَلْمُرْسَلِينَ مِنْ شِرْكٍ أَوْ نِفَاقٍ أَوْ بِدْعَةٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالًا طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ البقرة: 168- 169.
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: عِبَادَ اَللَّهِ؛ إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ خُطُوَاتِ اَلشَّيْطَانِ وَأَعْمَالِهِ وَسُبُلِهِ فِي إِضْلَالِ اَلنَّاسِ وَإِغْوَائِهِمْ مَا يُلْقِيهِ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ اَلْوَسَاوِسِ وَلِهَذَا كَانَ أَوَّلَ مَا اِسْتَعْمَلَهُ مِنْ اَلسُّبُلِ فِي إِغْوَاءِ اَلْإِنْسَانِ مَا أَخْبَرَ اَللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ إِغْوَاءِ آدَم وَحَوَّاءَ لِيُخْرِجَهُمْ مِنَ اَلْجَنَّةِ قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ﴾الأعراف: 20 .
فَالْوَسْوَسَةُ أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ هِيَ كُلُّ مَا يُلْقِيهِ اَلشَّيْطَانُ فِي قَلْبِ اَلْإِنْسَانِ مِنْ اَلشُّكُوكِ وَالشُّبُهَاتِ، وَمِنْ اَلْمُغْرِيَاتِ وَالْمُضِلَّات اَلَّتِي تَدْعُوهُ إِلَى مُوَاقَعَةِ اَلْخَطَأَ وَالْخُرُوجِ عَنِ اَلصِّرَاطِ اَلْمُسْتَقِيمِ، فَمِنْ وَسَاوِسِ اَلشَّيْطَانِ مَا يُلْقِيهِ فِي قَلْبِ اَلْإِنْسَانِ مِنْ اَلشُّبُهَاتِ وَالْأَوْهَامِ اَلْفَاسِدَةِ وَالظُّنُونِ اَلْكَاذِبَةِ، اَلَّتِي يَسْعَى مِنْ خِلَالِهَا إِلَى إِفْسَادِ اَلْإِيمَانِ وَإِضْعَافِهِ، وَإِلَى إِدْخَالِ اَلرَّيْبِ وَالشَّكِّ فِيمَا جَاءَتْ بِهِ اَلرُّسُلُ مِنْ عِبَادَةِ اَللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ جَاءَ فِي صَحِيحٍ اَلْإِمَام مُسْلِم مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اَللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ اَلنَّبِيَّ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَاءَهُ نَاسُ مِنْ أَصْحَابِهِ فَسَأَلُوهُ إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ أَيْ يَجِدُ أَحَدُهُمْ فِي نَفْسِهِ مِنْ اَلْأَفْكَارِ وَالْوَسَاوِسِ اَلَّتِي يُلْقِيهَا اَلشَّيْطَانُ مَا يُعَظِّمُ عَلَى اَلْوَاحِدِ مِنْهُمْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ: «إِنَّ أَحَدَنَا لَيُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِالشَّيْءِ يَعْظُمُ عَلَى أَحَدِنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، قَالَ: أَوَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟ ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ» صحيح مسلم (132) .
أَيْ هَذَا اَلْكُرْهِ وَذَلِكَ اَلْبُغْضُ لِهَذِهِ اَلْوَسَاوِسِ اَلَّتِي يُلْقِيهَا اَلشَّيْطَانُ فِي قَلْبِ اَلْإِنْسَانِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِيمَانِ، بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ اَلْآخِرِ وَسَائِرِ مَا أَخْبَرَ بِهِ سَيِّدُ اَلْأَنَامِ، إِنَّمَا هُوَ مِنْ صَرِيحِ اَلْإِيمَانِ وَمِنْ وَسَاوِسِ اَلشَّيْطَانِ أَيُّهَا اَلنَّاسُ اَلشُّكُوكَ اَلَّتِي يَسْعَى مِنْ خِلَالِهَا إِلَى إِفْسَادِ اَلْعِبَادَاتِ وَالتَّنْفِيرِ مِنْهَا وَإِلَى إِفْسَادِهَا وَإِخْرَاجُ اَلْإِنْسَانِ عَنْ مَقَاصِدَ تِلْكَ اَلْعِبَادَاتِ فِي اَلطَّهَارَةِ أَوْ فِي اَلصَّلَاةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا مِنَ اَلْعِبَادَاتِ وَالطَّاعَاتِ.
وَقَدْ جَاءَ اَلتَّنْبِيهُ إِلَى خُطُورَةِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ مِنْ كَيْدِ اَلشَّيْطَانِ مَا رَوَاهُ اَلتِّرْمِذِي عَنْ أُبَيْ بْنْ كَعْبْ رَضِيَ اَللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ للوُضوءِ شيطانًا يُقالُ له الوَلهان، فاتَّقُوا وَسْواس الماءِ» الترمذي (57)، وقال غريب وليس إسناده بالقوي .
أَيْ اِحْذَرُوا مَا يُلْقِيهُ فِي قُلُوبِكُمْ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِشَأْنِ اَلطَّهَارَةِ فِي إِزَالَةِ اَلنَّجَاسَةِ أَوْ فِي حُصُولِ اَلطَّهَارَةِ اَلْمُشْتَرَطَةِ لِلصَّلَاةِ وَمِنْ ذَلِكَ أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ مَا أَخْبَرَ بِهِ اَلنَّبِيُّ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا جَاءَ فِي اَلصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ اَلشَّيْطَانَ إِذَا أَقْبَلَ اَلْإِنْسَانُ عَلَى صِلَاتِهِ فَإِذَا فَرَغَتْ اَلْإِقَامَةُ أَقْبَلَ اَلشَّيْطَانُ حَتَّى يَخْطُرَ بَيْنَ اَلْمَرْءِ وَنَفْسِهِ يَقُولُ لَهُ: اُذْكُرْ كَذَا وَكَذَا مِمَّا لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى يُضِلَّ اَلرَّجُلُ لَا يَدْرِي كَم صَلَّى.
هَذَا شَيْءٌ مِنْ كَيْدِ اَلشَّيْطَانِ وَوَسْوَسَتِهِ وَخُطُوَاتِهِ اَلَّتِي يُضِلُّ بِهَا اَلنَّاسَ عَنْ عِبَادَةِ اَللَّهِ وَيُخْرِجُهُمْ بِهَا عَنِ اَلصِّرَاطِ اَلْمُسْتَقِيمِ.
أَقُولُ هَذَا اَلْقَوْلَ وَأَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ اَلْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفَرُوهُ إِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُورُ اَلرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَهُ اَلْحَمْدُ فِي اَلْأُولَى وَالْآخِرَةِ، وَلَهُ اَلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَأَشْهَد أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهْ وَرَسُولُهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمِنَ اِتَّبَعَ سُنَّتَهُ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ اَلدِّينِ. أمَّا بَعد.
فَاتَّقُوا اَللَّهَ أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ؛ فَإِنَّ أَعْظَمَ مَا يَتَوَقَّى بِهِ اَلْإِنْسَانُ كَيْدَ اَلشَّيْطَانِ تَقْوَىَ اَلرَّحْمَنِ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ.
أَيُّهَا اَلنَّاسُ: إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ السُّبُلِ اَلْوَاقِيَةِ مِنْ خُطُوَاتِ اَلشَّيْطَان، وَمَا يَأْمُرُ بِهِ مِنْ اَلشَّرِّ وَالْفَسَادِ وَمَا يُلْقِيهِ فِي اَلْقُلُوبِ مِنْ اَلْوَسَاوِسِ وَالشُّكُوكِ وَالْأَوْهَامِ وَمَا يُزَيِّنُهُ مِنْ اَلْمَلَذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ أَنْ يَسْتَحْضِرَ اَلْإِنْسَانُ عَدَاوَةَ اَلشَّيْطَانِ فَإِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى أَمْرَكُمْ فِي كِتَابِهِ أَنْ تَتَّخِذُوا اَلشَّيْطَانُ عَدُوًّا قَالَ اَللَّهُ –جَلَّ وَعَلَا-: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾فاطر: 6.
حَذَّرَكُمُ اَللَّهُ تَعَالَى مِنَ اِتِّبَاعِ خُطُوَاتِهِ، وَبَيَّنَ لَكُمْ مَآلَهَ وَالْمُنْتَهَى لِمِنْ سارَ فِي سَبِيلِهِ وَطَرِيقِهِ، إِنَّ اَلْمَالَ هُوَ مَا ذَكَرَهُ جَلَّ فِي عُلَاهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ اَلسَّعِيرِ أَجَارَنَا اَللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْهُ، وَقَدْ أَكَّدَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَمْرَ اَلْعَدَاوَةِ بَيْنَ اَلشَّيْطَانِ وَالْإِنْسَانِ وَأَعَادَ وَأَبْدَىَ فِي مُحْكَمِ اَلْقُرْآنِ فِي بَيَانِ شِدَّةِ اَلْعَدَاوَةِ وَقِدَمِهَا فَإِنَّهُ عَدُوٌّ لِلْإِنْسَانِ مُنْذُ سَالِفِ اَلزَّمَانِ قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾الزخرف: 62.
عِبَاد اَللَّهِ: إِنَّ اِسْتِحْضَارَ اَلْعَدَاوَةِ يَحْمِلُ اَلْإِنْسَانَ عَلَى تَوَقِّي كَيْدِهِ، وَالْبُعْدِ عَنْ شَرِّهِ وَمَكْرِهِ، وَقَطْعِ اَلطَّرِيقِ عَلَيْهِ فِيمَا يُلْقِيهِ مِنْ وَسَاوِسَ مُزَيِّنَةٍ لِلشَّهَوَاتِ، وَوَسَاوِسَ مُوُقِعَةٍ فِي اَلشُّكُوكِ وَالشُّبُهَاتِ.
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَنْجُوُ بِهِ اَلْإِنْسَانُ مِنْ كَيْدِ اَلشَّيْطَانِ اَللَّجَوءَ إِلَى اَلرَّحْمَنِ فَإِنَّهُ مَنِ الْتَجِأَ إِلَى اَللَّهِ تَعَالَى بِالْإِخْلَاصِ وَالدُّعَاءِ وَالِاسْتِعَاذَةِ وَالْفَزَعِ إِلَيْهِ كَانَ ذَلِكَ مِنْ دَوَاعِي وِقَايَةِ اَلشَّيْطَانِ قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾الأعراف: 200 اِحْتَمِ بِاَللَّهِ، اِعْتَصِمْ بِاَللَّهِ، الْتَجِئْ إِلَى اَللَّهِ، سَلِ اَللَّهَ اَلْوِقَايَةَ مِنْ كَيْدِهِ ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾الأعراف: 200- 201.
فَافْزَعُوُا إِلَى اَللَّهِ – عَزَّ وَجَلَّ - فَإِنَّهُ أَعْظَمُ اَلْأَسْلِحَةِ فِي وِقَايَةِ شُرُورِ اَلدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَاسْتَعِيذُوا بِهِ وَاعْتَصِمُوا بِهِ وَاحْتَمَوُا بِهِ وَأَحْسِنُوا اَلصِّلَةَ بِهِ، فَإِنَّهُ لَا سُلْطَان لَهُ عَلَى أَوْلِيَاءِ اَللَّهِ تَعَالَى وَعِبَادهِ وَقَدْ أَنْزَلَ اَللَّهُ سُورَةً فِي كِتَابِهِ مِنْ أَعْظَمِ اَلسُّورِ اَلَّتِي تَقِي كَيْدَ اَلشَّيْطَانِ وَهِيَ سُورَةُ اَلنَّاسِ قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾الناس: 1-6 وَمِنْ أَعْظَمِ اَلْأَسْلِحَةِ اَلَّتِي يَتَّقِي بِهَا اَلْإِنْسَانُ اَلشَّرَّ اَلَّذِي يُلْقِيهِ اَلشَّيْطَانُ فِي قَلْبِهِ فِي صَلَاتِهِ أَوْ فِي طَهَارَتِهِ أَوْ فِي سَائِرِ شَأْنِهِ أَنْ يَحْتَمِيَ بِاَللَّهِ وَأَنْ يَسْتَعِيذَ بِاَللَّهِ مِنْ اَلشَّيْطَانِ.
جَاءَ عُثْمَان بن اِبْن أَبِي اَلْعَاصِ وَهُوَ مِنْ اَلصَّحَابَةِ اَلْكِرَامِ يَقُولُ لِرَسُولِ اَللَّهِ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّ اَلشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتي وَقِرَاءَتِي يَلْبَسُهَا عَلِيَّ يُوَسْوِسُ لَهُ فِي صَلَاتِهِ وَيَحُولُ بَيْنُهُ وَبَيْنَ اَلْخُشُوعِ فِي حُضُورِ اَلْقَلْبِ فَقَالَ لَهُ اَلنَّبِيُّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ذاك شيطان يقال له خنزب فإذا أحسسته» أَيْ إِذَا وَجَدَتْ هَذَا اَلْمَانِعِ مِنْ حُضُورِ قَلْبِكَ فِي صَلَاتِكَ وَكَثْرَةِ اَلْوَسَاوِسِ وَالشُّكُوكِ «فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا» قُلْ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ اَلشَّيْطَانِ اَلرَّجِيمِ وَاُتْفُلْ عَنْ يَسَارِكَ ثَلَاثًا إِنْ لَمْ يَكُنْ عَنْ يَسَارِكَ أَحَد وَإِلَّا فَالْتَفَتَ يَسِيرًا وَأَنْفُث نَفْثًا يَذْهَبُ كَيْدَهُ وَيُعِيذُكَ مِنْ شَرِهٍ قَالَ عُثْمَانْ بن أَبِي اَلْعَاصْ رَضِيَ اَللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: ففعلت ذلك أي ما أمرني به النبي –صلى الله عليه وسلم- فأذهبه الله عني". صحيح مسلم (2203) .
عِبَادُ اَللَّهِ: إِنَّ مِمَّا يَقِي اَلْإِنْسَانَ شَرَّ وَسَاوِسِ اَلشَّيْطَانِ أَنْ يَنْتَهِيَ اَلْإِنْسَانُ عَنْ اَلِاسْتِرْسَالِ فِي وَسَاوِسِهِ وَفِي اَلْأَفْكَارِ اَلَّتِي يُلْقِيهَا إِلَيْهِ فَإِنَّهُ يَأْتِي لِلْإِنْسَانِ بِأَفْكَارٍ وَيَأْتِي إِلَيْهِ بِأَوْهَامٍ وَظُنُونٍ إِنْ يَسْتَمِرُّ اَلْإِنْسَانُ مَعَهَا كَانَتْ مِنْ أَسْبَابِ هَلَاكِهِ وَمِنْ أَسْبَابِ زَلْزَلَةِ إِيمَانِهِ وَضَعْفِ يَقِينِهِ جَاءَ فِي صَحِيحِ اَلْإِمَام مُسْلِم مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اَللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَأْتي الشَّيْطانُ أحَدَكُمْ فَيَقُولَ: مَن خَلَقَ كَذا وكَذا؟ حتَّى يَقُولَ له: مَن خَلَقَ رَبَّكَ؟ فإذا بَلَغَ ذلكَ» أَيْ إِذَا بَلَغَتْ وَسْوَسَتَهُ أَنْ يُشَكِّكَ فِي اَللَّهِ –عَزَّ وَجَلَّ- وَكَمَالُهُ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، «فَلْيَسْتَعِذْ باللَّهِ»صحيح مسلم (134) أَيْ فَلْيَقُلْ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنَ اَلشَّيْطَانِ اَلرَّجِيمِ وَلْيَنْتَهِ أَيْ وَلْيَقْطَعْ تِلْكَ اَلسِّلْسِلَةَ مِنْ اَلْأَفْكَارِ اَلشَّيْطَانِيَّةِ.
وَمِنْهُ أَيْضًا أَنَّ اَلنَّبِيَّ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ بِأَنْ يَثْبُتَ اَلْإِنْسَانُ عَلَى مَا يَعْلَمُهُ مِنَ اَلْحَقِّ، وَمَا يَعْرِفُهُ مِنَ اَلْهُدَىَ وَأَلَّا يَسْتَجِيبَ لِوَسَاوِسِ اَلشَّيْطَانِ فِي سَائِرِ عَمَلِهِ قَالَ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سُؤَالِ مِنْ سَأَلَهُ عَنْ اَلرَّجُلِ فِي اَلصَّلَاةِ يَجِدُ شَيْئًا أَي: يَتَوَهَّمَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ مَا يَنْقُضُ وُضُوءَهُ وَمَا يُفْسِدُ صَلَاتَهُ مَاذَا يَفْعَلُ ؟ قَالَ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» البخاري (137)، ومسلم (361).
يَعْنِي لَا يَتْرُكُ مَا يَعْلَمُهُ مِنَ اَلْحَقِّ وَالْيَقِينِ إِلَّا إِلَى مِثْلِهِ، فَالْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ، لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ فِي كُلِّ مَا يُلْقِيهُ اَلشَّيْطَانُ عَلَيْكَ مِنْ اَلْوَسَاوِسِ اَلْمُشَكِّكَةِ اَلَّتِي تَنْقُلُكَ عَمَّا تَعْرِفُهُ مِنْ اَلْحَقِّ وَالْهُدَى إِلَى غَيْرِه، فَلَا تَنْصَرِفْ عَنْهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ اَلْحَقُّ فِي سِوَاهُ بِبَيِّنَةٍ وَبُرْهَانٍ وَمِنْ أَسْبَابِ وِقَايَةِ اَلشَّيْطَانِ وَشَرِّهِ وَوَسْوَسَتِهِ أَنْ يَكُونَ اَلْإِنْسَانُ كَثِيرَ اَلذِّكْرِ لِرَبِّهِ فِي صَلَاتِهِ، وَفِي سَائِرِ عِبَادَتِهِ، وَفِي مُطْلَقِ حَالِهِ فَإِنَّ اَلذِّكْرَ تَطَمَئِنُّ بِهِ اَلْقُلُوبُ وَيَنْخَنِسُ بِهِ اَلشَّيْطَانُ قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾الرعد: 28.
فَمَنْ أَخَذَ بِهَذِهِ اَلْأَسْبَابِ مِنَ اَلدُّعَاءِ وَغَيْرِهِ مِنَ اَلتَّوْجِيهَاتِ اَلنَّبَوِيَّةِ وَلَمْ يَزَلْ اَلشَّيْطَانُ يُلْقِي إِلَيْهِ اَلْوَسَاوِسُ وَيَكِيدُهُ بِكَيْدٍ عَظِيمٍ يُوشِكُ أَنْ يُخْرِجَهُ عَنِ اَلصِّرَاطِ اَلْمُسْتَقِيمِ، فَلْيَبْحَثْ عَنْ عِلَاجٍ فِيمَا عِنْدَ اَلْأَطِبَّاءِ فَإِنَّ عِنْدِهِمْ مِنِ اَلدَّوَاءِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْفَعَ فِي إِزَالَةِ اَلْوَسَاوِسِ وَكَيْدِ اَلشَّيْطَانِ مَعَ اَلِاعْتِصَامِ بِالرَّحْمَنِ ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾الطلاق: 2- 3.
اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَىَ ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، اَللَّهُمَّ اِسْتَعْمِلْنَا فِي طَاعَتِكَ وَاصْرِفْ عَنَّا مَعْصِيَتَكَ، أَعِذْنَا مِنَ اَلْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، رَبَّنَا لَا تَزُغْ قُلُوبَنَا بَعْد إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ اَلْوَهَّاب، اَللَّهُمَّ مَقْلَبَ اَلْقُلُوبِ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ، اَللَّهُمَّ أَمِّنَا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَاجْعَلْ وِلَايَتَنَا فِيمَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، وَفِّقَ وَلِيِّ أَمْرِنَا خَادِمَ اَلْحَرَمَيْنِ اَلشَّرِيفَيْنِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ وَبِرٍّ، خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَاصْرِفْ عَنْهُمْ كُلَّ سُوءِ وَشَرِّ يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، رَبَّنَا اِغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا اَلَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ، وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غَلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا، رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيم، اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد كَمَا صَلَّيَت عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.