×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة (194) من برنامج الدين والحياة

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:1284

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نحييكم تحية طيبة في بداية هذه الحلقة لبرنامج "الدين والحياة" والتي نستمر معكم فيها على مدى ساعة كاملة بمشيئة الله تعالى.
 مستمعينا الكرام في بداية هذه الحلقة تقبلوا تحيات الزملاء من الإخراج فهد الحربي ولؤي حلبي، وتقلبوا أجمل تحية مني محدثكم وائل حمدان الصبحي.
مستمعينا الكرام ضيف حلقات برنامج "الدين والحياة" هو فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ بجامعة القصيم، فضيلة الشيخ السلام عليكم، وأهلا وسهلًا بك معنا في بداية هذه الحلقة.
الشيخ:- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبا بك، حياك الله أخي وائل، وحيا الله الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.
المقدم:- أهلا وسهلا فضيلة الشيخ، بمشيئة الله تعالى مستمعينا الكرام سيكون حديثنا في هذه الحلقة عن عشر ذي الحجة، العشر الأول من ذي الحجة، سنتحدث عن منزلتها ومكانتها في ديننا الإسلامي، وسنتحدث أيضًا -بمشيئة الله تعالى- قبل ذلك عن التمايز والحكمة في التمايز والاختيار.
الله –تبارك وتعالى- يصطفي من الملائكة ومن الناس، ومن الأيام ومن الأزمان، وغير ذلك سنتحدث عن هذا التمايز وعن الحكمة منه، فضيلة الشيخ! بودي أن نبدأ حديثنا عن الحكمة من الاختيار والاصطفاء من الله –تبارك وتعالى- وتمايز الأيام، وتمايز الخلق، وتمايز بعض الأشياء عن غيرها البعض.
الشيخ:- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية طيبة لك أخي وائل ولجميع المستمعين والمستمعات وأسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم من المباركين، وأن يوفقنا إلى القول السديد والعمل الرشيد، اللهم آمين.
فيما يتعلق بالاختيار والاصطفاء أخبر الله –جل وعلا- في كتابه عن أنه يصطفي ويختار من عباده ما يشاء –سبحانه وبحمده- قال تعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ[القصص: 68].
فالله –عز وجل- يخلق ما يشاء من خلقه زمانًا ومكانًا وأعيانًا، في السماء والأرض، في الحي والجماد، وهو -جل في علاه- عليم بما خلق ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُالملك: 14 فله الكمال المطلق في العلم بما خلقه –جل وعلا- وبناء على هذا العلم التام الكامل بخلقه -جل في علاه-، يكون اختياره واصطفاؤه، فهو –جل وعلا- يختار من عباده ومن خلقه ما هو محل للاختيار والاصطفاء، وقد يتبين للخلق ذلك السر والمعنى في الاصطفاء والاختيار زمانًا ومكانًا وحالًا وشخصًا وعملًا وعينًا، وقد لا يتبين، لكن اليقين الذي لا يرتاب فيه مؤمن، ولا يتردد فيه بصير عليم بالله –عز وجل- أنه –سبحانه وبحمده- إنما يختار لحكمة.
قال تعالى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا[الإنسان: 30]، فما من شيء إلا ولله فيه حكمة، ومن ذلك اصطفاؤه واختياره، وإخفاؤه السر والمعنى والسبب والحكمة والعلة والغاية من الاصطفاء أو الاختيار الإلهي للزمان أو المكان أو الشخص أو العمل أو الشيء لا يعني أنه لا حكمة فيه، بل خفاء الحكمة معناه أنه يصعب فهم الإنسان وإدراكه عن معرفة حكمة العلام الحي القيوم –سبحانه وبحمده-، وبالتالي ينبغي أن يسلم الإنسان لله اختيارَه- جل في علاه- ولا يعارض ذلك الاختيار باستفسار أو استنقاص أو غير ذلك لما يمكن أن يدخل من خلاله الشيطان على العبد في شأن ربه -جل في علاه-.
لهذا من الضروري أيها الإخوة والأخوات أن ندرك أن اختيارات الله –عز وجل- الخلقية والشرعية إنما هي لحِكَم وغايات وإن قصرت عنها أفهامنا وإن غابت عنها إدراكاتنا فهذا لعجزنا، وليس لأن الله –عز وطل- يفعل ما لا حكمة فيه، أو يقضي ما لا معنى له، بل ما من شيء إلا ولله فيه حكمة بالغة وفيه إرادة معللة، لكن قد تخفى هذه علينا، فما يكون منا إلا كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ[الأحزاب: 36].
فيسلم الإنسان لاصطفاء الله واختياره، ويعرف لهذا الاصطفاء حقه، الله –عز وجل- أخبر في محكم الكتاب وآيات القرآن الحكيم عن اصطفاءات واختيارات عديدة، وليست محدودة في شيء من خلقه، بل أخبر عن اصطفائه من الرسل، وعن اصطفائه من الملائكة، وعن اصطفائه من البشر، وعن اصطفائه للأماكن، وعن اصطفائه من الأزمان، وعن اصطفائه من الجمادات، وعن اصطفائه من الأحوال، فالآيات القرآنية أظهرت هذا بجلاء في مواضع عديدة يذكر الله تعالى فيها اصطفاءه واختياره، فتلمح ذلك في الآيات القرآنية يجعل الإنسان موقنًا بأن الله -جل في علاه- لم يسوي بين الخلق فيما يتعلق بالاصطفاء، بل مايز بينهم، وهذا التمييز لا يمكن أن يقابل إلا بالتسليم والإقرار بعظيم فضله وعظيم حكمته فيما قضاه وحكم به -جل في علاه-، بمعنى أنه المؤمن ليس له أن يقول: لم كذا؟ أو لما فعل الله تعالى كذا؟ على وجه المعارضة، أو على وجه التوقف في القبول.
أما على وجه تلمس الحكمة فهذا لا بأس به على أن يكون على وجه الأدب والإقرار التام بأن العبد قاصر في عقله، قاصر في سائر شأنه، أن يدرك ما يفسر اصطفاء الله –عز وجل- لما اصطفاه أو لقضاء قضاه -جل في علاه-.
من الاصطفاء الذي ذكره الله –عز وجل- في كتابه، الاصطفاء من الملائكة ومن البشر قال الله –جل وعلا- في محكم كتابه، قال سبحانه: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ[القصص: 68].
هذه الآية الكريمة تبين أن الخلق من الملائكة ومن الناس ليسوا على درجة سواء، بل اصطفى الله من الملائكة على أن جميعهم مصطفَون، على أن جميعهم مختارون، اصطفى الله تعالى منهم جملة من الخلق، جملة من الملائكة وكذلك جملة من الرسل، خصهم بما خصهم به، فجبريل أشرف الملائكة وخصهم الله بما خصه به، محمد بن عبد الله عليه أفضل صلاة وأتم تسليم النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام- خصه الله بخصائص واصطفاه فميزه عن سائر البشر -صلوات الله وسلامه عليه- بما خصه به وميزه به.
وكذلك أخبر الله تعالى عن اصطفائه لأفراد ولجماعات فقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ[آل عمران: 33] فالاصطفاء هنا لأفراد: آدم ونوح ولمجموعات: آل عمران وآل إبراهيم، وقد أخبر الله تعالى عن اصطفائه أيضًا من الرسل، من اصطفاه واختاره مما اصطفاه به، فقوله تعالى في إبراهيم وإسحاق ويعقوب: ﴿وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ[ص: 47].
قال تعالى أيضًا في مجمل الرسل -صلوات الله وسلامه عليهم- قال: ﴿وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ[الأنعام: 87] الاجتباء الصفة ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ[القصص: 68]، بالأشخاص أو من الملائكة وغيرهم اصطفى الله تعالى جملة من الأشياء، منها ما اصطفاه –جل وعلا- من الأماكن فمثلا مكة شرفها الله تعالى واصطفاها فجعلها أم القرى.
قال الله تعالى: ﴿وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا[الأنعام: 92] أم القرى يعني أصلها وما اجتمع فيه فضائل وخصائص سائر البلدان هذا معنى أم، فأمُّ الشيء هو أصله وما اجتمع فيه جُلُّ خصائص ومجموع خصائص سائر الأشياء، فأم القرى هي أم البلدان التي جمع الله تعالى لها من المنزلة والمكانة والخاصية ما فاقت سائر الأمصار، وسائر البلدان لما خصها الله تعالى بها.
وهذا ليس في حقبة زمنية محددة، وليس في وقت دون وقت، بل هذا على مر العصور منذ أن خلق الله تعالى هذه الأرض، فهذه البقعة مصطفاه، ولذلك يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِين َفِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا[آل عمران: 96- 97]، فهذه الآية الكريمة تبين الاصطفاء القديم لهذا المكان وهذه البقعة المباركة، اصطفى الله تعالى، حتى لما اصطفى الله تعالى بقاع فيها ميزها دون سائر بقاع الحرم، فقال الله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ[البقرة: 158] أي من أعلامه الدالة على إلهيته الدالة على عظيم قدره وعلو شأنه –سبحانه وبحمده-، وكذلك اصطفى الله تعالى مواضع المناسك عرفات، منى، مزدلفة، كل هذه من المقامات التي خصها الله بهذه الخصائص واصطفاها على سائر الأماكن كما قال الله تعالى: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى[البقرة: 125]، المقصود بالمقام هنا في أحد قولي المفسرين: الأماكن التي تعبد الله تعالى بها إبراهيم -عليه السلام-، يعني الأماكن التي جرى فيها من إبراهيم -عليه السلام- نوع من الطاعة والعبادة.
فالمقصود أن الله ذكر في الاصطفاء المكاني جملة من الأماكن، من ذلك أيضًا اصطفاء بيت المقدس قال الله –سبحانه وتعالى-: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ[الإسراء: 1]، فأخبر عن اصطفائه بكونه موضعًا للعبادة، وأخبر عن اصطفائه بكونه موضعًا لبركة الله –عز وجل- بما أنزله الله تعالى من البركات في تلك البقاع، البركة الدينية، والبركة الدنيوية، فبالتالي واضح من خلال ما ذكر الله من كتابه اصطفائه -جل في علاه- للأماكن والبقاع التي خصها بما خصها به من المزايا، وخصها بما خصها به من الأحكام.
أيضًا مما ذكر الله تعالى اصطفاءه في محكم كتابه، اصطفاؤه -جل في علاه- للأيام والزمان على وجه العموم، سواء كان يومًا أو كان شهرًا أو كان غير ذلك مما ذكره الله تعالى في محكم كتابه، فالله تعالى اصطفى من الزمان رمضان على سبيل المثال وجعله محلًّا لنزول القرآن ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ[البقرة: 185] هذا شهر اصطفاء يوم أو جزء من هذا الشهر، واصطفاؤه بليلة القدر التي أنزل فيها القرآن، قال الله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ* فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ[الدخان: 3- 4] هذه الآية اصطفاها الله تعالى، هذه الليلة اصطفاها الله تعالى بما اصطفاها به من هذا التخصيص الإلهي لها بالشرف العظيم والمنزلة الكبرى التي هي إنزال محكم القرآن على خاتم النبيين وسيد المرسلين -صلوات الله وسلامه عليه-.
من الاستيفاء أيضًا الزماني ما ذكره الله –جل وعلا- من اصطفائه للعشر الأُول من ذي الحجة، كما قال تعالى: ﴿وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْرٍ* وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ[الفجر: 1- 3]، فإن الله تعالى اصطفى هذه الليالي العشر، قال جماعة من المفسرين- وهو قول الأكثرين-، قالوا: المقصود بالليالي العشر الليالي الأُول من عشر ذي الحجة هي المقصودة فيما ذكره الله –عز وجل- من القَسَم في قوله: ﴿وَالْفَجْرِ *وَلَيَالٍ عَشْرٍ[الفجر: 1- 2]، فقد أقسم الله تعالى بهذه الليالي في هذه السورة الكريمة لفتًا للأنظار لعظيم منزلة هذا الزمان، كما اصطفى الله تعالى أجزاء من النهار بتخصيص هذه الأزمنة بفضائل ومزايا ليست في غيرها من ساعات اليوم.
فالفجر مثلا أقسم الله تعالى به قال: ﴿وَالْفَجْرِ[الفجر: 1]، وأقسم الله تعالى بالضحى ﴿وَالضُّحَى* وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى[الضحى: 1- 2]، وأقسم بالليل فقال: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى[الليل: 1] في أكثر من آية ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى[الضحى: 2]، وأقسم الله تعالى بالنهار ﴿وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى[الليل: 2]، كل هذه الآيات المقسمات بها هي نوع من الاصطفاء والاختيار الزماني الذي خصه الله تعالى بشيء من الخصائص في محكم كتابه.
الخلاصة من هذا كله أن الله تعالى أخبر في محكم كتابه عن اصطفاءات عديدة تتعلق بأشخاص، كاصطفاء النبي –صلى الله عليه وسلم-، اصطفاء الرسل، اصطفاء الملائكة، تتعلق بالأمكنة كاصطفائه –جل وعلا- مكة البلد الحرام واصطفائه بيت المقدس، وغير ذلك مما جاء ذكره في القرآن.
أيضًا من الاصطفاء الذي ذكره الله تعالى في محكم كتابه اصطفاؤه للزمان، حيث ذكر اصطفاءه لأيام وأشهر وأوقات في اليوم لها مزايا وخصائص خصها الله تعالى بها، أيضًا من اصطفائه المذكور في القرآن، اصطفاء الأحوال، وهو ما يتعلق بحال العاملين مثل قوله –جل وعلا-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ[المائدة: 1]، ففي هذه الآية في سورة المائدة ذكر الله –جل وعلا- اصطفاءه لبعض أحوال الخلق من العاملين ومن أعمالهم، فمثلًا قال: ﴿آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ[المائدة: 2]، فخص الله الهَديَ لحرمة ومنزلة خصَّها به حيث قال: لا تحلوا الهدي، نهى عن إهدار حرمة الهدي، ﴿لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ[المائدة: 2]، وهو الهدي المقلَّد الذي مُيِّز بقلائد توضع في رقبتها قال: ﴿وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا[المائدة: 2]، يعني ولا القاصدين لبيت الله –عز وجل- المعظِّمين لهذه البقعة بقصدها مُحرمين ملبِّين.
فهذه من الأحوال التي خصها الله –عز وجل- بخاصية ذكرها في محكم كتابه، نحن نتكلم عن اصطفاء على وجه الإجمال، ثم نعود إلى ما يتعلق بالعشر الأول من ذي الحجة.
المقدم:-حياكم الله مستمعينا الكرام مجددًا في هذه الحلقة المباشرة لبرنامج "الدين والحياة" عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة نرحب بضيفنا الكريم فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ بجامعة القصيم، أهلا وسهلًا فضيلة الشيخ مجددًا، حياك الله.
الشيخ:- أهلًا وسهلًا، الله يحييكم.
المقدم:- فضيلة الشيخ تحدثنا عن سنة التمايز والحكمة في الاختيار والتمايز من الله –تبارك وتعالى-، وأن الله يصطفي أزمنة معينة، ويصطفي أماكن معينة، واصطفى أيضًا –تبارك وتعالى- من الملائكة ومن البشر، حديثنا أيضًا عن العشر الأول من ذي الحجة وأن الله –تبارك وتعالى- اصطفاها وميزها على غيرها وجعلها أفضل أيام الدنيا، نريد أن نتحدث عن تخصيص العشر الأول من ذي الحجة.
الشيخ:- الله تعالى خلق الخلق لغاية عظمى ومقصد أسمى وهدف كبير تطيب به حياتهم إذا حققوه، وتصلح به آخرتهم إذا عملوا به، خلق الله تعالى الخلق لعبادته، فالله –عز وجل- لم يخلق الإنس والجن عبثًا، ولم يخلق السموات والأرض باطلًا، بل خلق ذلك بالحق وللحق، والله تعالى أخبر في كتابه عن غاية الخلق والوجود فقال: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[الذاريات: 56]، فعمر كل واحد منا، عمره وعمرك وعمر الذكر والأنثى الجميع هو محل لتحقيق هذا الهدف والحصول على هذه الغاية، قال الله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا[الملك: 2].
فالمنافسة بين البشر ليست المنافسة الحقيقية التي يترتب عليها السعادة، وينالون بها الفوز والسبق، ليست في شيء من أمر الدنيا، إنما هي في الحقيقة غاية وجودهم، ولذلك المنافسة في أن يفوز كل واحد منا بأن يكون عمله أحسن العمل ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا[الملك: 2]، فالتحدي الذي ينبغي أن يكون حاضرًا في أذهاننا والذي نسعى إلى تحقيقه في كل أعمالنا، أن نحقق حسن العمل في صلتنا بالله –عز وجل-، وفي صلتنا بالخلق في كل شأن من شؤوننا، هذا هو التحدي الحقيقي.
ومحل ذلك هو الحياة الليل والنهار، الأيام والأسابيع والشهور والسنوات، فمادامت الدقائق تمضي، العرق ينبض، والعين تلحظ، والجسد فيه الروح فهو محل السباق، محل تحقيق هذه الغاية.
من رحمة الله –عز وجل- بعد أن ندبنا إلى أن نعبده في كل حين ووقت ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمُ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[الحج: 77]، لتدركوا الفلاح، هذا أمر في كل الأوقات، وفي كل الأزمان، وفي كل اللحظات، وفي كل الأحوال، ولكل الأشخاص فهو أمر عام للجميع  ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمُ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[الحج: 77]، اللهم أعنا على ذلك.
لكن من رحمته أن جعل مواضع من الزمان، مواضع من الأيام والليالي، محلًّا للمسابقة وهو كالمضمار الذي يسير فيه الناس، يسيرون فيه على مراتب ودرجات، في مراحل يمشون بالهُوَينة، وفي مراحل يحثون السير، وفي مراحل يركضون، وكل هذا التنوع لأجل أن يبلغوا الغاية على أكمل ما يمكن أن يكون من كل واحد منا محققًا ما ذكر الله –عز وجل- ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا[الملك: 2] أحسن: الأفضل، الأعلى عملًا في صلته بالله، وفي صلته بالخلق.
هذا في كل الزمان ولكنه على مراحل، فمن رحمة الله أن جعل أيامًا محلًّا للمسارعة إلى الخيرات، محلًّا للسبق، فعلى سبيل المثال على مدار الأسبوع الجمعة تتميز عن سائر الأيام بأن الله تعالى جعلها محلًّا لفضائل، محلًّا لخيرات، محلًّا لهبات، محلًّا لعطايا، محلًّا لمسابقة إلى فضل الله –عز وجل- وعطائه على مدار الأسبوع، على مدار اليوم، أيضًا جعل الله تعالى زمانًا يسارع فيه الناس في أوقات الفرائض المكتوبات، في أوقات الصلوات، وفي البكور والآصال، في الغدو والعشي في أول النهار وآخر النهار، وفي الثلث الأخير من الليل.
كل هذا في اليوم الواحد محلًّا لحث الخطى والزيادة في الخير، والاستكثار من الصالح ليستعين بذلك العبد على قطع المسافة في سفره إلى ربه، في وصوله إلى غايته وهدفه، من مواضع ذلك في الشهور أيضًا ندب الله تعالى إلى صيام ثلاثة أيام من كل شهر فيما ثبت عنه –صلى الله عليه وسلم- في وصيته لأصحابه، وفي فعله -صلوات الله وسلامه عليه-، والأيام البيض من مواضع المسابقة إلى الله –عز وجل- بالعمل الصالح بخصوص الصوم فيما يتعلق بالشهور رمضان له خاصية مميزة «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»صحيح البخاري (38)، ومسلم (760)، «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح37]، «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»صحيح البخاري (1901)
 وهلمَّ جرًّا.
والأمر جاري على هذا المنوال في المسابقة إلى فضل الله، وإلى رحمته، وإلى عطائه وهباته، من ذلك ما خص الله تعالى به العشر الأول من ذي الحجة، فإن العشر الأول من ذي الحجة لها من مِيزة والمكانة ما ليس لغيرها من الأيام، فأقسم الله تعالى بها في كتابه فقال تعالى: ﴿وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْرٍ[الفجر: 1- 2]، وإقسام الله تعالى بالشيء دليل على اختصاصه، وعلى تميزه عن غيره من جنسه.
ففضل الله تعالى بالليالي العشر يدل على تميز هذه الليالي عن سائر ليالي الزمان، والله تعالى أقسم بالليالي دون الأيام فقال: ﴿وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْرٍ[الفجر: 1- 2]، مع أن الاتفاق منعقد على أيام العشر أفضل أيام الزمان، وأما بخصوص الليالي فليالي العشر في الجملة بمجموعها هي أفضل حتى من العشر الأواخر من ليالي العشر الأواخر من رمضان، لكن بما أن العشر الأواخر من رمضان هي محلُّ ليلة القدر جعلها بعض أهل العلم فضيلة العشر الأواخر من رمضان أعلى من فضيلة العشر الأول من ذي الحجة.
وفي كل الأحوال هذه الليالي لها ميزة وخاصية، والأيام التي تتبعها، لأن الأيام تتبع الليالي لها ميزة وخاصية.
 في الإقسام بذلك دليل على شرفها، وعلى شرف الأيام التي تتبعها، وخص الله تعالى هذه الأيام بتشريف وتمييز، فقال تعالى: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ[الحج: 28]، قوله تعالى: ﴿فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ[الحج: 28] أي في أيام عُلم فضلُها، واشتهر تخصيصها، وتبين عظيم منزلتها على سائر أيام الزمان، فهي معلومات مثل لما تقول عن شخص: هذا معروف يعني لا يُسأل عنه، هذا المكان معلوم يعني لا يغفل عنه وعن خصائصه وميزاته الناس، كذلك الأيام المعلومات وصفت هذه الأيام بهذا الوصف لأجل أنها تميَّزت، وهذه الأيام عن سائر أيام الزمان بما تميزت به من الاشتهار والمعرفة وظهور الفضل الذي أدركه الناس وعرفوه.
ولذلك قال تعالى: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ[الحج: 28]، وهذه الأيام المعلومات جاء في فضلها ومنزلتها أن النبي –صلى الله عليه وسلم- أخبر بتخصيص الله لها بخاصتين فقال -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فيما رواه البخاري من حديث عبد الله بن عباس -رضي الله تعالى عنهما-: «مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ» يعني ليس هناك عمل في أيام أحب إلى الله من هذه الأيام، ليس هناك عمل في أيام الزمان أحب إلى الله تعالى من العمل في هذه الأيام، وما المقصود بالعمل هنا؟ العمل الذي من أجله خُلق الناس وهو طاعة الله، عبادته، التقرب إليه، وسيأتي تفصيل ذلك، لكن المقصود بالعمل هنا العمل للآخرة، العمل لما بعد الموت، التزود بالتقوى هذا المقصود بالعمل في قوله: «ما العمل في أيام أحب إلى الله من هذه الأيام»، وحب الله للعمل:
1. يدل على شريف منزلته.
2. يدل على عظيم الأجر المرتب على هذا العمل.
3. يدل على عظيم النفع الحاصل للعبد بهذا العمل في دنياه وأخراه.
4. يدل على عظيم زيادة الإيمان وصلاح الحال بهذا العمل.
هذه أربعة معاني يمكن أن تستفاد من قوله –صلى الله عليه وسلم-:« العمل في أيام أحب إلى الله من هذه الأيام» فهو عمل مميز؛ لأن الله يحبه، وهو عمل عظيم الأجر؛ لأن الله يحبه، وهو عمل كثير النفع؛ لأن الله يحبه، وهو عمل يزيد الإيمان واليقين وصلاح القلب؛ لأن الله يحبه.
كل هذه المعاني مستفادة من هذه الجملة المختصرة التي بين النبي –صلى الله عليه وسلم- فيها فضيلة العمل في هذه الأيام« ما العمل في أيام أحب إلى الله من هذه الأيام»، يعني العشر الأول من ذي الحجة، ثم الصحابة لما سمعوا هذا من النبي –صلى الله عليه وسلم- ذكروا أشقَّ الأعمال على النفوس وأظهرها في تحقيق العبادة لله –عز وجل- فسألوا عن الجهاد قالوا: والجهاد في سبيل الله قال –صلى الله عليه وسلم-: «إِلا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ».[تقدم]
وبه يُعلم أن المقصود بالعمل هنا العمل الذي يجري في أيام الناس على وجه الدوام، لأن الجهاد لا يكون في كل الأحوال وفي كل الزمان ومن كل الأشخاص، ولذلك سألوا عن الجهاد؟ لأنه عمل لا يكون في كل الزمان، ولا يكون من كل الأشخاص، إنما يكون في بعض الزمان ومن بعض الأشخاص وفي بعض الأحوال، فسألوا عنه.
فقوله –صلى الله عليه وسلم- ما العمل؟ والجهاد من العمل، لكن لماذا استفسروا عنه؟ لأنه ليس دائمًا، النبي –صلى الله عليه وسلم- يتكلم عن العمل الدائم، وبه يعلم أن العمل الذي أشار إلى فضله النبي –صلى الله عليه وسلم- في قوله: «ما العمل في أيام» هو العمل الذي يكون في أيام الإنسان كلها، أي العمل الدائم المستمر الذي يقع من الناس على وجه العموم، والغالب وليس المقصود به العمل الذي يختص ببعض الناس وفي بعض الأحوال، وفي بعض الأحيان كالجهاد على سبيل المثال.
فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «وَلا الْجِهَادُ، إِلا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ»، وفي الحديث الآخر في مسند الإمام أحمد بإسناد جيد قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ اْلأيَّامِ»[أخرجه أبوداود في سننه:ح2438، وأحمد في مسنده:ح1968، وصححه الألباني في إرواء الغليل:ح890] فذكر المحبة وذكر الفضل، فتميزت هذه الأيام بأن العمل الصالح فيها له هذه المنزلة، فهو رفيع المنزلة عند الله بأن بلغ محبة الله -جل في علاه-، وهو رفيع المنزلة عند الله –عز وجل- بأن الله فضله على العمل في سائر الزمان.
وهذا يدل على كبير هذه المنزلة، وعظيم هذه المكانة، التي خص الله تعالى بها هذا الزمان على غيره من سائر الزمان.
إذًا فضل هذه الأيام يتبين من خلال نصوص عديدة على سبيل المثال، إقسام الله تعالى بليالي هذه الأيام في قوله: ﴿وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْرٍ[الفجر: 1- 2] ووصف الله تعالى هذه الأيام بأنها معلومات في قوله: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ[الحج: 28].
الثالث أن النبي –صلى الله عليه وسلم- صرح بميزة هذه الأيام على سائر أيام الزمان بأن العمل فيها أحب إلى الله من العمل في غيرها، وأن العمل فيها أفضل عند الله من العمل في غيرها، ويمكن أن يعرف أيضًا مزايا وخصائص هذه الأيام من جهات عديدة، فهذه الأيام فيها خير أيام الزمان" يوم عرفه"، خير يوم طلعت فيه الشمس، وفيه يوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر، وكل هذا من خصائص هذه الأيام عمومًا ومن خصائصها على وجه التخصيص لبعض أيامها، فيوم عرفه صيامه يكفِّر السنة التي قبلها، ويوم النحر يوم يتقرب فيه المؤمنون إلى الله –عز وجل- بذبح الهدايا والضحايا ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ[الحج: 37].
من كل هذا يتبين فضيلة هذه الأيام، نسأل الله تعالى أن يبلغنا إياها، وأن يرزقنا فيها ما يحب ويرضى من العمل ومن القول ومن الشأن والحال، فإنها أيام فضيلة يدرك بها الإنسان خيرًا عظيمًا وسبقًا كبيرًا إذا أعانه الله ويسر له اليسرى بصالح الأعمال.
هذا على وجه الإجمال، أما تفصيل ما يندب من العمل في هذه الأيام، فهذا ما سنتكلم عنه الآن.
المقدم:- فضيلة الشيخ قبل أن نتحدث عن تفصيل الأعمال، هناك مسألة أخرى بودي أن نتحدث عنها بالتأكيد، الأعمال الصالحة والمباركة هي أفضل من غيرها في هذه العشر من شهر ذي الحجة، لكن في المقابل أيضًا هل الذنوب والسيئات يتضاعف إثمها ويعظم في هذه الأيام أم لا؟
الشيخ:- العفو ما اتضح عندي السؤال؟
المقدم:- الذنوب والسيئات هل يتضاعف إثمها وتعظم في هذه الأيام أم لا؟
الشيخ:- هناك قاعدة لا تختص هذه الأيام، بل هي في كل الأيام كل ما خصه الله بفضل من الأيام، فإن الحسنات فيها أي في هذه الأيام التي خصها الله تعالى بالفضل، الحسنات فيها مضاعفة ما معنى مضاعفة؟ يعني الحسنة بعشر أمثالها إلى أضعاف كثيرة لا يعلمها إلا الله، والسيئات فيها مغلظة وأرجو التنبيه أو التنبه إلى الفرق بين المضاعفة وبين التغليظ، فالحسنات مضاعفة والسيئات مغلظة.
أما مضاعفة الحسنات فكما ذكرت الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة، فالعمل الصالح في الزمان المبارك كما أنه في الزمان المبارك مما يعظم الله تعالى به الأجر، ويجري به على الإنسان حسنات عديدة وفيرة، وأما ما يتعلق بالسيئات فالسيئات في الزمان المبارك والمكان المبارك مغلظة ما معنى مغلظة؟
يعني العقوبة فيها مشدَّدة لكنها مشددة كيفية لا عددًا، فإن الله -جل في علاه- لا يظلم الناس شيئًا قال تعالى: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا[الشورى: 40] فلا تتضاعف السيئات، لا تذكر السيئة بعشر أمثالها لكن السيئة هي هي، لكنها تغلظ بكونها سيئة في سائر الزمان أنها انتهكت حرمة ما عظمه الله –عز وجل- وما جعل له حرمة ومكانة.
ويشير إلى هذا المعنى قول الله تعالى في محكم كتابه عن البيت الحرام وعن الحرم قال -جل في علاه- في سورة الحج: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ[الحج: 25] يعني في الحرم من يرد فيه بخروج عن طاعة الله وطاعة رسوله وإحداث ما لا يرضاه الله ورسوله في حرمه، فإنه قد توعده الله تعالى ﴿نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾، وهذه العقوبة ليست على الإيقاع بل على الإرادة أي على الهم والقصد الجازم لفعل ما حرم الله ورسوله، فكيف بالمواقعة؟ بالتأكيد أن الإثم فيها أعظم.
إذًا الزمان المبارك، والمكان المبارك، ما عظمه الله تعالى من الأشهر، ما عظمه الله من الأزمنة والأيام، ما عظمه الله من الليالي، كل ذلك السيئة فيه مغلظة ومشددة، وأما الحسنة ففيها مضاعفة، فضل الله واسع، وعطاؤه جزيل، يعطي على القليل الكثير –سبحانه وبحمده-.
المقدم: فضيلة الشيخ ذكرت قبل قليل سنتوسع ونتحدث بإسهاب عن الأعمال وفضائلها في هذه العشر، يعني متبقي تقريبًا أمامنا خمس دقائق إذا كنا نوجز فيها فضيلة الشيخ.
الشيخ:- بما إن المتبقي خمس دقائق فنحن نلمِّح للأعمال عدًّا حتى يدرك المستمع الكريم والمستمعة الكريمة ما يتعلق بما هي الأعمال المندوبة التي يتحقق بها حفظ مكانة هذه الأيام ومعرفة فضلها.
أولًا: أعظم عمل نتقرب إلى الله تعالى به في هذه الأعمال التعظيم لشعائر الله، التعظيم لحرماته، وهذا الذي تكلمنا عنه قبل قليل، فإن الله –عز وجل- عظم أماكن، وعظم أزمنة، وجعل لها مزية وخاصية، فإذا عظم العبد شيئًا مما عظمه الله –عز وجل- بحفظ حقه فيه ومعرفة منزلته وقدره، كان ذلك من العمل الصالح الذي يؤجر عليه.
فأول العمل الصالح الذي نندب إليه بخصوص هذه الأيام أن نعظم شعائر الله، قال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ[الحج: 32] أيُّ عمل صالح يعظم الله تعالى به الأجر ويدرك به الإنسان الخير كما قال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ[الحج: 30] هذا أول ما يكون من العمل الذي يندب لكل مؤمن ومؤمنة في هذه الأيام.
وهذا العمل عمل قلبي لأن التعظيم محله القلب، فتعظيم ما عظمه الله من الأعمال القلبية التي يفتح الله تعالى بها للإنسان أبواب الخير في العمل، هذا أولًا.
ثانيًا: مما نندب إليه من الأعمال الصالحة في هذه الأيام أن نسابق إلى الله بكل عمل، كل عمل نستطيعه بلا استثناء عمل ظاهر، باطن، خاص، عام، نجدُّ في التقرب إلى الله تعالى به، فكل ما شرعه الله محلٌّ للتقرب، لقول النبي –صلى الله عليه وسلم-:«ما العمل في أيام أحب إلى الله من هذه الأيام»، وهذا ندب إلى كل العمل، فالعمل هنا من ألفاظ العموم التي تشمل كل الأعمال.
وأما إذا أردنا التفصيل فالأعمال تنقسم إلى قسمين: أعمال واجبة، وأعمال مستحبة.
ونحن مندوبون في هذه الأيام إلى التقرب إلى الله –عز وجل- بهذين النوعين من عمل، بعض الناس يظن أن فضيلة العشر وفضيلة الأيام المباركة والليالي المباركة والأشهر المباركة هي فقط في الأعمال والنوافل من المستحبات والتطوعات والمندوبات، وهذا قصور في فهم العمل الذي نُدبنا إليه، نحن مندوبون بهذه الأيام إلى الاجتهاد في كل العمل، وعلى رأسها ما فرضه الله تعالى علينا، فإن الله -جل في علاه- فرض فرائض وحدَّ حدودًا وأوجب واجبات التقرب إليه فيها -جل في علاه- أحب إليه من كل أنواع التقربات.
قال النبي –صلى الله عليه وسلم- في الحديث الإلهي في صحيح الإمام البخاري من حديث أبي هريرة يقول الله –عز وجل-: «وَمَا تقرَّبَ إِلَيَ عبْدِي بِشْيءٍ أَحبَّ إِلَيَ مِمَّا افْتَرَضْت عليْهِ»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح6502]، هذه المرتبة الأولى، المنزلة الأولى أن نتقرب إليه بما فرض علينا من توحيده وأعمال القلوب، محبته وتعظيمه والتوكل عليه والإنابة إليه، أعمال القلوب بالدرجة الأولى، ثم أعمال الجوارح تدخل في ذلك ابتداء برأس العمل وهو الصلاة في الفرائض والمكتوبات، ثم بعد ذلك فيما فرضه الله تعالى علينا من الحقوق في الأموال، سواء كان ذلك في الزكوات أو النفقات الواجبة أو الحقوق المالية التي تجب على الإنسان، ثم بعد ذلك في الصوم الواجب، ثم بعد ذلك فيما فرضه الله تعالى على الناس من حج بيته.
هذا أول ما ينبغي أن نفكر فيه وأن نجتهد فيه، في عملنا في هذه الأيام، يقول واحد: نحن نصلي في كل زمان، نعم مادام أنك تصلي في كل زمان، ليكن حرصك وإتقانك لصلاتك في هذه الأيام أشدَّ حرصًا وأكثر محافظة عنها في سائر الأيام، فالفريضة في هذه الأيام أعظم أجرًا من النافلة، أعظم أجرًا من الفرائض في سائر الزمان، صلاة الفجر في هذه العشر، صلاة الظهر في هذه العشر، صلاة العصر، المغرب، العشاء في هذه العشر أعظم من صلوات الظهر والفجر والمغرب والعشاء والعصر في سائر الزمان.
فجدَّ في الاجتهاد بإتقانها، أصلح صلاتك «فإنما يصلي أحدكم لنفسه »[أخرجه مسلم في صحيحه:ح423/108]كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم- كذلك الزكاة، كذلك الصوم، كذلك الحج، ولهذا عمر -رضي الله تعالى عنه- ندب إلى أن يشتغل من عليه قضاء بالقضاء في هذه الأيام، فالإنسان إذا كان مثلا عليه قضاء من رمضان ولم يصمه، بعض الناس يصوم نافلة وهو خير، لكن كونه يصوم القضاء الذي عليه أعظم أجرًا من أن يشتغل بالنافلة في صيام هذه الأيام؛ لأنه يؤدي فريضة في الأيام، والفرائض أحب إلى الله من النوافل.
إذا فرغنا من الواجبات واجتهدنا في إتقانها فلنسابق الخيرات من النوافل والتطوعات والمستحبات، فإن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال في الحديث الإلهي الذي يخبر به عن الله، يقول الله –عز وجل-: «وَمَا تقرَّبَ إِلَيَ عبْدِي بِشْيءٍ أَحبَّ إِلَيَ مِمَّا افْتَرَضْت عليْهِ: وَمَا يَزالُ عَبْدِي يتقرَّبُ إِلى بالنَّوافِل حَتَّى أُحِبَّه»[تقدم]، فبعد ذلك يشتغل الإنسان بالنوافل طاقَتَه وقدرته حتى يدرك الأجر والفضل والسبق والخير الذي يرجوه من الله –عز وجل-.
بهذا يدرك الإنسان الفضل، بهذا يدرك الخير، هذا ثاني ما ينبغي أن نهتم به ونجتهد فيه.
 هناك أعمال خاصة خُص ذكرها في هذه الأيام على وجه الخصوص، ومن ذلك كثرة ذكر الله –عز وجل-، فإن ذكر الله –عز وجل- في هذه الأيام له من المنزلة ما ليس لغيره، قال الله تعالى: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ[الحج: 28].
والذكر هنا يشمل كل الذكر، الذكر الواجب والذكر المستحب، قراءة القرآن في الصلاة، التكبيرات، التسبيحات، داخلة في الآية وكذلك الذكر المستحب بذكر الله –عز وجل- في الصباح والمساء وأدبار الصلوات كالاستيقاظ من النوم، وسائر الأحوال يدخل في قوله: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ[الحج: 28] إضافة إلى هذا الذكر المطلق الذي يكون في كل حين ووقت بالتكبير، فإنه يندب في هذه العشر كثرة ذكر الله بتكبيره: الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيرًا، وغير ذلك من الصيغ الواردة عن الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- في تكبير الله –عز وجل- قائمًا وقاعدًا وعلى جنب، في البيت، وفي السوق، وفي السيارة، وفي الاجتماع، وفي الانفراد، وفي المساجد، وفي المكاسب وفي سائر الأحوال الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
والمشروع في هذه الأيام العشر على وجه الخصوص الذكر المطلق، أي الذكر الذي يكون في كل حين، ليس مقيدًا بما بعد الصلوات إلا فيما يتعلق بيوم عرفه ويوم النحر فإنه يجتمع الذكر المطلق والمقيد، فالذكر المطلق يكون في كل وقت، والذكر المقيد الذي يكون بعد الصلوات إذا سلَّم من الصلاة وقال: أستغفر الله أستغفر الله أستغفر، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، إما أن يكمل التسبيح المعتاد أو يقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد فيدرك بذلك فضيلة التكبير وذكر الله في هذه الأيام.
تلاوة القرآن والإكثار منه مما يتقرب به إلى الله –عز وجل- في هذه الأيام، الصوم مما يتقرب إلى الله تعالى به في هذه الأيام، لاسيما يوم عرفه فإنه يكفر السنة التي قبلها كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «أَحْتَسِبُ علَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ»[أخرجه مسلم في صحيحه:ح1162/196] أن يجدَّ في كل عمل صالح يفك رقبته من عذاب الله وعقابه، فإنه ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفه، وهذا ندب إلى أن نجدَّ في هذا اليوم بأسباب العتق من صوم وعبادة وإحسان وإصلاح وإذهاب شحناء وسائر ما يكون من العمل الطيب الصالح في السر والعلن.
من الأعمال الصالحة أيضًا الأضحية وهي تكون يوم النحر، وذلك بذبح الأضاحي والهدايا بعد صلاة العيد من يوم النحر، هذا مجمل ما في هذه الأيام من صالح الأعمال التي يندب إليها المؤمن وقد قال تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ[آل عمران: 133.
فيا إخواني ويا أخواتي فرصة ومنحة أن يبلغنا الله هذه الأيام، بلغنا الله وإياكم فضلها وأعاننا فيها على ما يحب ويرضى، فلنجدَّ ونجتهد، ولنعلم أننا نعامل الكريم الذي يعطي على القليل الكثير، الله يعطي الجنة نسأل الله أن نكون ممن يفوز بها، فأقبلوا عليه -جل في علاه- وأبشروا بعطائه،« فالله يرضى عن العبد يأكل الأَكْلَة فيحمده عليها ويشرب الشَّرْبَة فيحمده عليها»[أخرجه مسلم في صحيحه:ح2734/89] فكيف بمن هو قائم في طاعة الله ساجد وراكع وسائر في صلاح نفسه ومشتغل بكثرة التوبة والاستغفار والأوبة إليه من سيء الأعمال؟ لاشك أن الله لن يرده، ولن يخيب رغبته وإقباله عليه، أعاننا الله وإياكم على ذلك، وجعلنا وإياكم من السابقين إلى برِّه وإحسانه.
المقدم:- اللهم آمين، نسأل الله –عز وجل- أن يصلح قلوبنا وأعمالنا، شكر الله لك فضيلة الشيخ خالد المصلح على ما أجدت به وأفدت في هذه الحلقة، شكرًا جزيلًا فضيلة الشيخ.
الشيخ:- الشكر لكم، وأسأل الله تعالى أن يدخل هذه الأيام المباركة علينا بخير وبر، ووصيتي لإخواني وأخواتي أن نغتنمَها بصالح الأعمال، أسأل الله أن نغتنمها بصالح الأعمال، أسأل الله أن يوفق ولاة أمرنا إلى ما يحب ويرضى، أن يسددهم في الأقوال والأعمال، وأن يجعلهم مباركين أينما كانوا وأن يؤيدهم بنصره، وأن يدفع عنا وعن المسلمين كلَّ سوء وشرٍّ، وأن يعم الخير بلاد الناس، وأن يرفع عنا وعن البشرية الوباء، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم:- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94001 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89900 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف