إِنَّ اَلْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُه،ُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهُدِهِ اَللَّهُ فَلَا مُضِل لَهُ وَمَنْ يُضلل فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اَللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمِنْ اِتَّبَعَ سُنَّتَهُ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ اَلدِّينِ. أمَّا بعد.
فَاتَّقُوا اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ أَمَرَكُمْ اَللَّهَ تَعَالَى بِذَلِكَ فَقَالَ:﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾آل عمران: 102 .
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ قُلُوبَ اَلْعِبَادِ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعَ اَلرَّحْمَنِ يَصْرِفُهَا كَيْفَ شَاءَ جَاءَ ذَلِكَ فِي اَلْخَبَرِ عَنْ اَلنَّبِيِّ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَيْثُ قَالَ: «إنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِن أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ، ثُمَّ قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا علَى طَاعَتِكَ» رواه مسلمصحيح مسلم (2654)، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فِي بَيَانِ تَقَلُّبِ اَلْقُلُوبِ وَانْكِفَائِهَا وَتَغَيُّرِ أَحْوَالِهَا قَالَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «لَقَلْبُ ابْنِ آدَمَ أَسْرَعُ تَقَلُّبًا مِنَ الْقِدْرِ إِذَا اسْتَجْمَعَتْ غَلَيَانًا»السنة لابن أبي عاصم (226)، والطبراني في الكبير (599)، وصححه الألباني .
وَمَا سُمِّيَ اَلْإِنْسَانُ إِلَّا لَنَسِيَهُ وَلَا اَلْقَلْبُ إِلَّا أَنَّهُ يَتَقَلَّبُ، وَمِصْدَاقُ هَذَا مَا يُشَاهِدُهُ اَلنَّاسُ مِنْ تَغَيُّرِ أَحْوَالِ مِنْ يَرَوْنَ فَكَمْ مِنْ رَوْضَةٍ أَمْسَتْ وَزَهْرِهَا يَانِعٍ عَمِيمٍ، أَصْبَحَتْ وَزَهْرِهَا يَابِسٍ هَشِيمٍ وَبَينَ تَرَى اَلرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ اَلْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ وَمِنْ أَرْبَابِ التُّقَى وَالْفَلَاح قَلْبَهُ بِطَاعَةِ اَللَّهِ مُشْرِقٍ سَلِيمٍ إِذَا بِهِ اِنْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ فَتَرَكَ اَلطَّاعَةَ وَتَقَاعَس عَنْ اَلْهُدَى وَبَين تَرَى اَلرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ اَلْغِنَى وَالْفَسَادِ وَأَهْلِ اَلْفُجُورِ وَالْكُفْرِ وَالْإِلْحَادِ، قَلْبُهُ بِمَعْصِيَةِ اَللَّهِ مُظْلِمٍ سَقِيمٍ إِذَا بِهِ تَحَوَّلَ إِلَى اَلطَّاعَةِ وَالْإِحْسَانِ وَسَلَكَ سَبِيلَ أَهْلِ التُّقَى وَالْإِيمَان وَيَعَظُمُ هَذَا اَلتَّحَوُّلِ أَيُّهَا اَلنَّاسُ: عِنْدَمَا تَكْثُرُ اَلْفِتَنُ وَتَزْدَاد.
فَقَدْ قَالَ اَلنَّبِيُّ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي اَلتَّنْبِيهِ إِلَى ذَلِكَ «إنَّ بينَ يديْ الساعةِ فِتَنًا كقطعِ الليلِ المظلمِ يُصبحُ الرجلُ فيها مؤمنًا ويُمسي كافرًا ويُمسي مؤمنًا ويُصبحُ كافرًا»مسند أحمد (19730)، وقال محققو المسند: صحيح لغيره .
هَكَذَا يُخْبِرُ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- عَنْ اَلتَّحَوُّلِ وَالتَّغَيُّرِ اَلسَّرِيعِ اَلْقَرِيبِ فِي أَحْوَالِ اَلنَّاسِ مِنْ أَقْصَى اَلْيَمِينِ إِلَى أَقْصَى اَلْيَسَارِ، مِنْ اَلْإِيمَانِ إِلَى اَلْكُفْرِ، مِنْ اَلْهُدَى إِلَى اَلضَّلَال، مِنْ اَلِاسْتِقَامَةِ إِلَى اَلِانْحِرَافِ فَاتَّقَوْا اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ؛ وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ ثَمَّةَ ضَمَانَةٌ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَخْتِمَ لَهُ بِخَيْرٍ، فَذَاكَ أَمْرُهُ مَغِيبَ وَالنَّتَائِجِ مَرْبُوطَةٍ بِمُقَدَّمَاتِهَا فَمَنْ اِسْتَقَامَ فِي اَلسَّاعَةِ اَلْحَاضِرَةِ يَسَّرَ اَللَّهُ لَهُ اَلْهُدَى وَثْبَتَهُ عَلَى التُّقَى.
قال –صلى الله عليه وسلم-: «فوالذي لا إله غيره، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها»صحيح البخاري (7454)، ومسلم (2643) .
فَاتَّقُوا اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ وَأَعِدُّوا لِهَذِهِ اَلتَّحَوُّلَاتِ عُدَّتُهَا مِنْ اَلطَّاعَةِ وَالِاسْتِقَامَةِ، فَإِنَّ لِلثَّبَاتِ أَسْبَابًا مَتَّىْ أَخَذَ بِهَا اَلْإِنْسَانُ وَاجْتَهَدَ فِي اَلتَّحَلِّي بِهَا فَازَ بِالثَّبَاتِ مِنْ رَبٍّ كَرِيمٍ يُعْطِي عَلَى اَلْقَلِيلِ اَلْكَثِيرِ اِتَّقَوْا اَللَّهَ أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنِينَ؛ فَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ اَلثَّبَاتِ عَلَى اَلْحَقِّ أَنْ يَفْتَقِرَ اَلْعَبْدُ إِلَى رَبِّهِ فِي اِسْتِقَامَةِ حَالِهِ وَصَلَاح أُمُورِهِ وَثَبَاتِهِ عَلَى اَلْهُدَى وَالدِّينِ، فَالثَّبَاتُ مِنَّةٌ مِنْ اَللَّهِ يُعْطِيهَا وَيُيَسِّرُ أَسْبَابَهَا لِمَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ فَقَدْ قَالَ جَلَّ فِي عُلَاهُ فِي خِطَابِهِ لِسَيِّدِ اَلْوَرَى: ﴿وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾الإسراء: 74 فَبِتَثْبِيتِ اَللَّهِ لِنَبِيِّهِ كَانَ مَا كَانَ مِنْ ثَبَاتٍ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ اَلْهُدَى وَدِينِ اَلْحَقِّ.
وَمِنْ أَسْبَابِ اَلثَّبَاتِ أَنْ يُعَظِّمَ اَلْإِنْسَانُ قَلْبَهُ بِالْإِيمَانِ، فَالْإِيمَانُ مِمَّا يُثْبِتُ اَلْقُلُوبَ عَلَى اَلْهُدَى وَالْيَقِينِ وَقَدْ قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ﴾إبراهيم: 27 وَمِنْ أَسْبَابِ اَلثَّبَاتِ عَلَى اَلْهُدَى وَدِينِ اَلْحَقِّ وَالصَّلَاحِ وَالِاسْتِقَامَةِ أَنْ يُلْزِمَ اَلْإِنْسَانُ طَاعَةَ اَللَّهِ تَعَالَى فِي اَلْحَاضِرِ وَفِيمَا يَسَّرَ اَللَّهُ لَهُ مِنْ اَلْعَمَلِ فَيَقُومُ بِذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ يَرْجُو مِنْ اَللَّهِ اَلثَّوَابِ، فَيَتَّعِظُ لِوَعْظِ اَللَّهِ وَيَمْتَثِلُ أَمرَهُ فِي ظَاهِرِ أَمْرَهُ وَبَاطِنَهُ فِي سِرِّهِ وَإِعْلَانِهِ مُجْتَهِدًا فِي تَلَافِي كُلَّ قُصُورٍ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾النساء: 66- 68 .
كُلُّ ذَلِكَ وَعَدُ اَللَّهِ اَلْمُرَتَّبُ عَلَى اِسْتِقَامَةِ اَلْإِنْسَانِ عَلَى أَمْرِ اَللَّهِ فِي اَلسَّاعَةِ اَلْحَاضِرَةِ، وَمِنْ أَسْبَابِ نَيْلِ اَلِاسْتِقَامَةِ وَالثَّبَاتِ عَلَى اَلْهُدَى أَنْ يَجِدَ اَلْإِنْسَانُ فِي اَلنَّأْيِ بِنَفْسِهِ عَنْ اَلْمَعَاصِي وَالسَّيِّئَاتِ ، فَإِنَّ اَلْقُلُوبَ مَعَ اَلْمَعَاصِي تَنْحَرِفُ وَتَمِيل، وَلِذَلِكَ قَالَ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا يَزْنِي اَلزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقُ اَلسَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ اَلْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ »صحيح البخاري (2475)، ومسلم (57) .
كُلُّ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ اَلْمُوبِقَاتِ تُزلِلُ اَلْإِيمَان، وَأَنَّهَا تَسْلُبُهُ وَتَرْفَعُهُ وَتُضْعِفُهُ وَتُوشِكُ أَنْ تُزِيلَهُ هَذَا فِي اَلْكَبَائِرِ، وَأَمَّا فِي اَلصَّغَائِرِ فَقَدْ قَالَ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إياكم ومُحَقَّراتِ الذنوبِ» يَعْنِي اَلذُّنُوبَ اَلصَّغِيرَةَ اَلَّتِي تَحْتَقِرُهَا أَعْيُنُ اَلنَّاسِ«إياكم ومُحَقَّراتِ الذنوبِ، فإِنَّما مثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذنوبِ كَمَثَلِ قَوْمٍ نزلُوا بَطْنَ وادٍ، فجاءَ ذَا بعودٍ، و جاءَ ذَا بعودٍ، حتى حمَلُوا ما أنضجُوا بِهِ خبزَهُم».
فَاتَّقُوا اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ؛ فَقَدْ قَالَ اَلنَّبِيُّ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :«وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ»مسند أحمد (22808)، وقال محققو المسند: إسناده صحيح .
اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، ثَبِّتنَا بِالْقَوْلِ اَلثَّابِتِ فِي اَلْحَيَاةِ اَلدُّنْيَا وَفِي اَلْآخِرَةِ، وَأَعِذْنَا مِنْ مُضِلَّاتٍ اَلْفِتَنِ وَقِنَا شَرَّ كُلَّ ذِي شَرٍّ ظَاهِرٍ أَوْ مُسْتَتِرٍ، رَبَّنَا آتِنَا فِي اَلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي اَلْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ اَلنَّارِ.
أَقُولُ هَذَا اَلْقَوْلِ وَأَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفَرُوهُ إِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُورُ اَلرَّحِيم.
اَلْحَمْد لِلَّهِ مُقَلِبَ اَلْقُلُوبِ وَالْأَبْصَارِ، وَمُثَبِّتَ عِبَادِهِ اَلْمُتَّقِينَ اَلْأَبْرَارِ، أَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهْ وَرَسُولُهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ اِتَّبَعَ سُنَّتَهُ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ اَلدِّينِ. أمَّا بعد..
فَاتَّقُوا اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ؛ وَالْزَمُوا أَمْرَ رَبِّكُمْ جَلَّ فِي عُلَاهُ بِكُلِّ مَا يَكُونُ مِنْ قُدْرَتِكُمْ وَإِمْكَانَكُمْ فَإِنَّهُ مَنْ لَزِمَ أَمْرُ اَللَّهِ فَتَحَ اَللَّهُ لَهُ أَبْوَابُ اَلْهُدَى وَالتُّقَى وَالصَّلَاح ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾العنكبوت: 69 وَقَدْ جَعَلَ اَللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَسْبَابِ اَلِاسْتِقَامَةِ وَأَسْبَابِ اَلثَّبَاتِ عَلَى اَلْهُدَى أَنْ يَقْبَلَ اَلْعَبْدُ عَلَى كِتَابِ رَبِّهِ تِلَاوَةً وَذِكرًا قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾النحل: 102 فَالْقُرْآنُ مِنْ أَعْظَمَ مَا يُثْبِتُ اَللَّهُ بِهِ اَلْقُلُوب، لِمَنْ تَلَاهُ وَتَدَبَّرَ آيَاتَهُ وَعَمِلَ بِهِ وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ فَهُوَ حَبْلُ اَللَّهِ اَلْمَتِينِ، وَصِرَاطَهُ اَلْمُسْتَقِيمُ وَالضِّيَاءُ اَلْمُبَيَّنُ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ، وَمِنْ أَسْبَابِ اَلثَّبَاتِ عَلَى اَلْحَقِّ وَالْهُدَى وَالصَّلَاحِ وَالتَّقَى أَنْ يَضْرَعَ اَلْإِنْسَانُ لِرَبِّهِ صَادِقًا فِي دُعَائِهِ وَافْتِقَارِهِ إِلَى مَوْلَاهِ وَاَلَّذِي بِيَدِهِ قُلُوبَ اَلْعِبَادِ يُصْرِّفُهَا كَيْفَ شَاءَ أَنْ يُثْبِتَهُ عَلَى اَلْحَقِّ وَالْهُدَى.
هَكَذَا دَعَا اَلْمُؤْمِنُونَ رَبَّهُمْ فِي سَالِفِ اَلزَّمَانِ، فَكَانَ مِنْ دُعَائِهِمْ ﴿رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾آل عمران: 8 وَقَدْ سَأَلُوا اَللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ عَدِيدَةٍ وَمِنْ ذَلِكَ دُعَائِهِمْ اَلَّذِي ذَكَرَهُ اَللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: ﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾البقرة: 250، وَكَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ اَلنَّبِيِّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:(يا مقلب القلوب ثبت قلبك على دين(الترمذي(2140)، وقال:حسن .
فَاضَّرَّعُواَ إِلَى اَللَّهِ وَاسْأَلُوهُ اَلثَّبَاتَ عَلَى اَلْحَقِّ وَالْهُدَى وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ اَلْأَسْبَابِ اَلَّتِي يُثْبِتُ بِهَا قَلْبُ اَلْعَبْدِ عِنْدَ اَلْمُضِلَّاتِ وَالْفِتَنِ وَعِنْدَ اَلدَّوَاهِي وَالنَّوَازِلِ وَالْخُطُوبِ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ ذِكْرِ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ فَكَثْرَةُ ذِكْرِ اَللَّهِ تَعَالَى تُثَبِّت اَلْقُلُوبَ. أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ، وَقَدْ قَالَ اَلنَّبِيُّ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :«مَثَلُ الذي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ»صحيح البخاري (6407)
فَاذْكُرُوا اَللَّهَ كَثِيرًا أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ، اُذْكُرُوهُ –جَلَّ وَعَلَا- غُدُوَّةً وَعَشِيَّةً وَأَدْبَارَ اَلصَّلَوَاتِ، وَعِنْدَ اَلنَّوْمِ وَالِاسْتِيقَاظِ مِنْهُ وَفِي اَلدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ لِلْبُيُوتِ وَلْلِكْنُوفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ اَلْمُنَاسَبَاتِ وَأَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِهِ: سُبْحَانَ اَللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّه، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَجْرِي عَلَيْكُمْ خَيْرًا عَظِيمًا وَأَجْرًا جَزِيلاً فِي عَمَلٍ يَسِيرٍ قَالَ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : «سَبَقَ المُفَرِّدُونَ قالوا: وَما المُفَرِّدُونَ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا، وَالذَّاكِرَاتُ»صحيح مسلم (2676) .
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: تَجَنَّبُوا اَلظُّلْمَ دَقِيقَهُ وَجَلِيلَهُ، فَالظُّلْمُ مِنْ أَسْبَابِ عَدَمِ اَلثَّبَاتِ قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾إبراهيم: 27 فَاتَّقُوا اَلظُّلْمَ فِي اَلْأَمْوَالِ وَاتَّقَوْا اَلظُّلْمَ فِي اَلْأَعْرَاضِ، وَاتَّقَوْا اَلظُّلْمَ فِي اَلدِّمَاءِ فَالظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ، وَهُوَ ظُلْمَةٌ عَلَى صَاحِبِهِ فِي اَلدُّنْيَا قَبْلَ اَلْآخِرَةِ.
اَللَّهُمَّ أَعِذنَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَشَرٍّ، وَاحْفَظْنَا مِنْ كُلِّ ضَلَالَةٍ وَغَيْبٍ، اَللَّهُمَّ ارْبِطْ عَلَى قُلُوبِنَا وَثَبِّت أَقْدَامَنَا وَزِدْنَا تُقَى وَهُدَى يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، رَبَّنَا آتِنَا فِي اَلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي اَلْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ اَلنَّارِ، اَللَّهُمَّ أمِّنا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلِحَ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا وَاجْعَلْ وِلَايَتَنَا فِيمَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ يَا رَبَّ اَلْعَالَمَيْنِ، اَللَّهُمَّ وَفِّق وَلِيِّ أَمْرِنَا خَادِمَ اَلْحَرَمَيْنِ اَلشَّرِيفَيْنِ وَوَلِيِّ عَهْدِهِ إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، سَدِّدَهُمْ فِي اَلْقَوْلِ وَالْعَمَلِ يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، اَللَّهُمَّ أَعِذنَا مِنْ اَلْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطن، اَللَّهُمَّ اِدْفَعْ عَنَّا وَعَنْ اَلْمُسْلِمِينَ كُلَّ شَرٍّ وَسُوءٍ وَفَسَادٍ، اَللَّهُمَّ اِرْفَعْ عَنَّا اَلْوَبَاءَ وَالْغَلَاءَ وَالزِّنَا وَالرِّبَا وَسَائِرَ اَلْآفَاتِ يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنَّ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرحمنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ اَلْخَاسِرِينَ، اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِإِخْوَانِنَا اَلَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ، وَلَا تَجْعَل فِي قُلُوبِنَا غَلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا، رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيم.
اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيَتَ عَلَى إِبْرَاهِيم وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيم إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد.