×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة (195) الثبات وأسبابه

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:1446

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نحييكم تحية طيبة عبر أثير "إذاعة نداء الإسلام" من مكة المكرمة في هذه الحلقة المتجددة لبرنامج "الدين والحياة" والتي نستمر معكم فيها على مدى ساعة كاملة بمشيئة الله تعالى مستمعينا الكرام في بداية هذه الحلقة تقبلوا تحياتي محدثكم وائل حمدان الصبحي ومن الإخراج الزميل ماهر ناضرة وأيضًا الزميل لؤي حلبي.
مستمعينا الكرام ضيف حلقات برنامج الدين والحياة هو فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم فضيلة الشيخ السلام عليكم وأهلا وسهلًا بك معنا في بداية هذه الحلقة.
الشيخ:- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته مرحبا بك أخي وائل وحياك الله.
المقدم:- أهلا وسهلا فضيلة الشيخ بمشيئة الله تعالى مستمعينا الكرام في هذه الحلقة سنتحدث حول موضوع مهم وهو عن الثبات وعن أسبابه، أسباب هذا الثبات سنتحدث بمشيئة الله تعالى في ثنايا هذا الموضوع حول نقاط عديدة متعلقة بهذا الموضوع، وهذا الموضوع هو استكمال لموضوعات لبرنامج "الدين والحياة" التي نناقش فيها موضوعات تهم المسلم في أمور دينه ودنياه، نحاول أن نسلط الضوء عليها من خلال كتاب الله –عز وجل- ومن خلال سنة المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، في هذه الحلقة فضيلة الشيخ سيكون حديثنا عن الثبات وعن أسباب الثبات بمشيئة الله تعالى لكن ابتداء دعنا نبدأ حديثنا بالثبات ما معناه؟ وما المقصود به؟
الشيخ:- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته تحية طيبة للإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات وأسأل الله تعالى لي ولهم السداد في القول والعمل.
الثبات في الكتاب والسنة معناه الدوام على صالح العمل ولزوم الصراط المستقيم والأعمال الحسنة، وكف النفس عن كل ما يكون من أسباب هلاكها، فالثبات هو الدوام على الاستقامة، الدوام في لزوم الصراط المستقيم من غير غلو ولا جفاء من غير زيادة ولا نقص، هذا معنى الثبات الذي ذكره الله تعالى في كتابه في منته على رسوله بالتثبيت وفي بيان إنزال القرآن لتثبيت قلوب المؤمنين، وما إلى ذلك من النصوص العديدة.
وفي أيضًا امتثال ما أمر الله تعالى، فقد أمر الله بالثبات في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} الأنفال: 45   فالثبات في الآيات الكريمات وفي السنة عمل وثمرة، عمل يفعله الإنسان بلزوم طاعة الله –عز وجل- والقيام بما أمره والسير على الصراط المستقيم والاجتهاد عن عدم الخروج عنه في الدقيق والجليل ولا صغير ولا كبير ولا سر ولا إعلان، هذا فعل الإنسان وهو منة من الله للعبد في إعانته على سلوك الصراط المستقيم والدوام عليه كما قال تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} إبراهيم: 27   فهو منة من الله تعالى وفضل يتفضل الله تعالى به على عباده، وهو عمل يأتي به الإنسان يستجلب به هذا الفضل ويسعى لإدراك هذا العطاء وتلك المنة من الله جل في علاه.
إذًا الثبات الذي أسال الله تعالى أن يرزقني وإياكم الفوز به هو أن ندوم على الخير، أن نستمر على خصال البر، أن نلزم الصراط المستقيم، أن نكون صالحين في الظاهر والباطن ليس في لحظة ولا في موقف ولا في يوم ولا في مكان إنما على وجه الدوام زمانًا ومكانًا وحالًا وفي كل الأحوال وكل المواقف، هذا هو الثبات الذي جاءت النصوص بالأمر به وبيان فضله والتفضل وكذلك جاءت النصوص بتفضل الله تعالى على عباده.
فالثبات والدوام على الصالح من العمل يثبت الله ما آتاك من حسن تثبيت موسى ونصرًا كالذي نصره.
المقدم:- فضيلة الشيخ بودي أن نتحدث أيضًا ونذكر ورود الثبات في كتاب الله –عز وجل- وفي سنة المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم أيضًا سياقات الثبات هل جاءت بالحث على الثبات؟ أم بالمدح للثابتين على طاعة الله –عز وجل- في هذه الحياة الدنيا؟
الشيخ:- النصوص القرآنية ذكرت الثبات في مواضع عديدة، ذكرته أمرًا وذكرته منحة ومنًا وذكرته علة وسببًا، أما ذكره عملًا ففي قوله –جل وعلا- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} الأنفال: 45   فأمر الله تعالى بالثبات وهو الدوام على أمر الله ولزوم ما أمر به من مواجهة ما يكره الإنسان نصرة لدين الله وإعلاء لكلمته {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} الأنفال: 45   أي أديموا ووطنوا أنفسكم على طاعة الله بالصبر على كل ما تلقونه في سبيل رضاه جل في علاه.
وذكره الله –جل وعلا- أيضًا ثمرة للعمل الصالح وفعل الإنسان لما يقدر عليه من الخير وذكره الله تعالى أيضًا ثمرة للعمل بما أمر ووعظ جل في علاه قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} النساء: 66 .
ثم ذكر الله تعالى عاقبة من فعل عاقبة القليل الذين فعلوا ما أمر الله تعالى به في هذه الآية من لزوم ما أمر جل في علاه فقال: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} النساء: 66   لقوله: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} النساء: 66   أي أنهم لو لزموا ما أمرهم الله تعالى به لكان خيرًا لهم وأشد تثبيتًا هنا الثبات هو منة ومنحة وعطاء من الله –جل وعلا- وقد ذكر الله تعالى هذا في حق المؤمنين فقال: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} إبراهيم: 27   وذكره جل في علاه في سياق امتنانه على رسوله –صلى الله عليه وسلم- في فعله بنبيه قال: {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} الإسراء: 74 .
إذًا ذكر الله تعالى الثبات عمل للإنسان أمره به، وذكره جل في علاه منحة ومنة يتفضل بها على العبد بإيمانه وقيامه بما أمر الله –عز وجل- وأيضًا ذكره –جل وعلا- علة لإنزال كتابه فقال: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} النحل: 102   وعلل به أيضًا إنزال القرآن ملجمًا يعني لم ينزل القرآن جملة واحدة على النبي – صلى الله عليه وسلم- بل نزل مفرقًا على حسب ما تقتضيه أحوال الناس وما يكون عليه صالحهم.
فقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} الفرقان: 32   يعني كان هذا الإنزال على هذا الوجه من التقسيم والتنجيم والتفريق على حسب الحوادث والوقائع والأحوال والزمان والمكان لنثبت به فؤادك أي لنثبت به قلبك {وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} الفرقان: 32 .
إذًا القرآن الكريم احتفى بالتثبيت والثبات وذكره آمرًا به عباده المؤمنين، وذكره بيانًا لمنة الله على عباده العاملين بطاعته وذكره علة في إنزال القرآن على قلب محمد –صلى الله عليه وسلم- وذكره أيضًا علة في كون القرآن نزل على هذا النحو من التفريق.
أيضًا القرآن ذكر الثبات في الدنيا وفي الآخرة، الثبات يحتاجه الإنسان في دنياه ليمتثل أمر ربه جل في علاه، وهو أيضًا يحتاجه في الآخرة لينجو من كيد الشيطان ومكره في حال ضعف الإنسان قال تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} إبراهيم: 27   الثبات في الحياة الدنيا لزوم طاعة الله –عز وجل-، والثبات في الآخرة هو ما يكون عند نزول الموت بالإنسان من حال شديدة يضعف فيها الإنسان على وجه الغالب، فيحتاج إلى تثبيت ربه جل في علاه فينزل الله تعالى عليه الثبات كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} فصلت: 30- 31   فأثبت لهم الولاية التي ثبتوا بها في الدنيا ويثبت لهم الولاية التي في الآخرة، والتي أول منازلها الموت لينجو العبد من تسلط الشيطان في هذه الحال التي يكون فيها ضعيفًا.
وهذا التسلط الشيطاني على الإنسان في الآخرة يعني عند مفارقته الدنيا وإقباله على الحياة الأخرى الحياة البرزخية ليس خاصًا بفئة من الناس، بل يجري على كثير من الناس ولذلك قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «إن للموت لسكرات» صحيح البخاري (4449)   فالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم جرى لهم من الشدة عند الموت هذه الشدة تقتضي ضعفًا وعندما يضعف الإنسان يتسلط عليه الشيطان بأنواع من التسلطات التي غرضه فيها النيل من الإنسان في الرمق الأخير بإزاغته وإضلاله.
ويذكر في هذا ما كان من الإمام أحمد –رحمه الله- حيث أنه في سياق احتضاره سمع من حوله كلمات من الإمام أحمد قالها لم يعرف سببها كانوا قد سمعوا منه أنه قال: لا بعد لا بعد لا بعد كررها ثلاث فقال له بعض من حضره لما سري عنه ورفع ما يجب من شدة قلت كلمة لا ندري ما هي لا بعد لا بعد لا بعد قال: إن الشيطان كان يتمثل لي عند قدمي فقال وهو يعض أصابعه فتني يا أحمد فتني يا أحمد فتني يا أحمد يعني ما تمكنت من إضلالك هذا معنى قوله: فتني يا أحمد ما تمكنت من إضلالك طبعا الشيطان جاء فيما ذكر من هذه القصة للإمام أحمد في هذه الحال في حال السياق فكان الإمام أحمد –رحمه الله- على غاية من الإدراك والوعي وحضور الذهن وقوة التنبه لكيد الشيطان ما جعله يجيب عليه بهذا الجواب فلم يغتر الإمام أحمد بهذه الكلمات بل قال: لا بعد يعني ما انتهى الأمر حتى تقول فتني فمادام الإنسان ذا عين تلحظ وعرق ينبض ونفس يتردد فلا تؤمن عليه الفتنة وإذا قال: لا بعد يعني ما فتك لم أفتك بعد ما دمت حيًا.
وهذا فيه الرد على ما ألقاه الشيطان على الإمام أحمد –رحمه الله- في هذه الحال مما يمكن أن يفضي الإنسان إلى العجب أو إلى الركون إلى حوله وقوته فلا حول ولا قوة إلا بالله والتثبيت منه منة جل في علاه المقصود أن التثبيت الثبات على الحق والهدى يكون في الدنيا وفي الآخرة كما قال تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} إبراهيم: 27   نسأل الله لي ولكم الثبات في القول والعمل.
المقدم:- اللهم أمين فضيلة الشيخ قبل أن ننتقل إلى ما جاء في سنة المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم جاءت الأحاديث كثيرة عن النبي عليه الصلاة والسلام في الثبات ولعل جملة سياق هذه الأحاديث ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «إنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ الزَّمَنَ الطَّوِيلَ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ، ثُمَّ يُخْتَمُ له عَمَلُهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ الزَّمَنَ الطَّوِيلَ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، ثُمَّ يُخْتَمُ له عَمَلُهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ» صحيح مسلم (2651)   هذا أيضًا مما ورد في سياقات السباق في سنة المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
الشيخ:- الأحاديث النبوية أيضًا أشارت إلى الثبات تحذيرًا من ركون الإنسان إلى حاله الحاضرة وتنبيهًا إلى خطورة الغفلة عن تغير القلوب وتصرفها وتحولها فالقلوب ليست على حال من الاستقرار والدوام على حال واحدة تجعل الإنسان يأمن على نفسه بل القلوب تتقلب وتتحول وتتغير ولذلك كان النبي –صلى الله عليه وسلم- قد نبه إلى هذا وحذر من الركون إلى الحال الحاضرة التي قد يغتر بها الإنسان فيكون ذلك سببًا لوقوعه في شيء من الشر والفساد من حيث لا يشعر.
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر أن القلوب تتقلب وأن القلب تتحول، قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «لَقَلْبُ ابْنِ آدَمَ أَسْرَعُ تَقَلُّبًا مِنَ الْقِدْرِ إِذَا اسْتَجْمَعَتْ غَلَيَانًا» السنة لابن أبي عاصم (226) وصحح إسناده الألباني   وهذا يدل على أن قلب الإنسان شديد التحول شديد التغير شديد التقلب فينبغي له أن يفطن لقلبه، وأن يكون على وعي وحذر من أن يتمادي في شيء من الفساد أو الشر أو الضلال، فيهلك من حيث يظن أنه سالم من الهلاك.
أيضًا النبي –صلى الله عليه وسلم- أخبر أن القلوب قلوب بني آدم جميعًا بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء هكذا أخبر النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وخبره –صلى الله عليه وسلم- خبر مؤكد بمعنى أنه خبر لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه بل لا يكون إلا حقًا ويجب التصديق به والنبي –صلى الله عليه وسلم- إنما ذكر هذا لأجل أن يعتني الإنسان بقلبه فقال –صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِن أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ» كما في حديث عبد الله بن عمرو في صحيح الإمام مسلم ثم قال –صلى الله عليه وسلم-: «يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ» أي أنه يقلبها كما يشاء ثم قال في بيان وجوب التفضل لذلك وعدم الغفلة قال: اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك.
إذًا القلب يتحول ويتغير وقوله –صلى الله عليه وسلم- في الحديث الشريف الذي رواه عبد الله بن مسعود «فوالذي لا إله غيره، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع يسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها» صحيح مسلم (2654) .
شاهد لشدة التحولات وإن الإنسان قد يكون في زمن من الأزمان على حال من الصلاح والاستقامة والهدى والفلاح ويكون قلبه مشرق بطاعة الله سليم من الآفات والرزايا إلا أنه يكون عنده من النقص أو الغفلة أو التقصير أو الوقوع في عمل من الأعمال يجعله يترك ذلك الخير فيترك الطاعة ويتقاعس عن الهدى ويتورط في انقلاب القلب وفساده إن المعاصي تنكط في القلوب نكت هذه النكت إذا اجتمعت أسود القلب وعمي وانكفأ كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «تُعْرَضُ الفِتَنُ علَى القُلُوبِ كالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فأيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَها، نُكِتَ فيه نُكْتَةٌ سَوْداءُ، وأَيُّ قَلْبٍ أنْكَرَها، نُكِتَ فيه نُكْتَةٌ بَيْضاءُ، حتَّى تَصِيرَ علَى قَلْبَيْنِ، علَى أبْيَضَ مِثْلِ الصَّفا فلا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ ما دامَتِ السَّمَواتُ والأرْضُ، والآخَرُ أسْوَدُ مُرْبادًّا كالْكُوزِ، مُجَخِّيًا» صحيح البخاري (144)   يعني كالكوب مقلوبا فينقلب على الهدى، وينقلب على الصلاح، وينقلب عن الخير إلى أضداد ذلك من الفساد والشر والأذى والفجور والفسوق.
الأمر الثاني العكس تجد من أسرف على نفسه بأنواع من المعاصي والسيئات بالكفر فما دونه، ثم يمن الله تعالى عليه بلطفه وعظيم بره وإحسانه، فيهدي قلبه فيشرق قلبه بعد ذلك الإظلام وتهتدي نفسه بعد ذلك الضلال ويعود إلى الطاعة والإحسان ويسلك سبيل التقوى والإيمان، فيكون من أولياء الله بعد إن كان من أعدائه ويصير من أحبابه بعد أن كان ممن يبغضهم جل في علاه.
هذا التحول وهذا التغير يجعل الإنسان في غاية الحذر من أن يغفل عن هذه الحقيقة، والسنة الكونية التي أجرى الله تعالى عليها عمل حال الناس وأعمالهم، فينبغي للعبد أن يكون في غاية التنبه لاسيما في أزمنة الشهوات والشبهات وكثرة المضلات الأزمان تختلف أحيانًا تنشط النفوس الطاعة ويقبل العبادة وأحيانًا يغفلون ويشتغلون بأنواع من السيئات والمعاصي، مثل ما قال الحسن البصري إن لهذا الدين إقبالًا يعني فترى يقبل فيها الناس على هذا الدين وعلى هذا الصلاح وهذه الاستقامة وفترات يحصل بها نوع من الغفلة والإدبار، فينبغي للإنسان أن يكون على حذر في أحوال الضعف لأن ذلك مما يكون عرضة للتقلبات كما جاء ذلك في ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه حيث قال –صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ بينَ يديْ الساعةِ فِتَنًا كقطعِ الليلِ المظلمِ يُصبحُ الرجلُ فيها مؤمنًا ويُمسي كافرًا ويُمسي مؤمنًا ويُصبحُ كافرًا» صحيح مسلم (118)   أي مضلات فتنة قد تكون مال، قد تكون شهوة، قد تكون جاه، قد تكون ولد، قد تكون زوجة، قد تكون وظيفة، قد تكون أمر من أمور، قد يكون صاحب أو أمر من أمور الدنيا الفتن متنوعة التي تمر قد يكون مرض، قد يكون صحة، قد يكون غنى، قد يكون فقر كما قال تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} الأنبياء: 35   لكن المقصود بالفتن هنا هي الدواهي العظيمة التي تصيب الناس عامة لذلك قال: كقطع الليل المظلم وهذا لا يكون إلا فيما اشتد من الفتن التي تعم الناس قال –صلى الله عليه وسلم- يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسى كافرًا فذكر التقلب السريع والتحول الكبير من الإيمان إلى الكفر يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا في نفس اليوم ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا في وقت متقارب فيدل ذلك على وجوب الحذر من الغفلة عن القلب وتقلباته وعما ما يكون من أسباب عدم الثبات، فإن ذلك يربي الإنسان ويوقعه في المهالك ثبتنا الله وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
المقدم:- اللهم أمين فضيلة الشيخ قبل أن نستكمل حديثنا في هذه الحلقة سنذهب إلى فاصل بعده -بمشيئة الله تعالى- نكمل حديثنا هذا حول موضوع الثبات وحول أسبابه وسنستعرض جملة من الأسباب التي سنستعرضها بمشيئة الله تعالى التي تساعد المسلم وتعينه على الثبات على طاعة الله –عز وجل-.
مستمعينا الكرام سنذهب إلى فاصل قصير بعده نكمل الحديث ابقوا معنا.
حياكم الله مستمعينا الكرام مجددًا في هذه الحلقة المباشرة لبرنامج الدين والحياة ضيفنا الكريم فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم أهلًا وسهلًا فضيلة الشيخ مجددًا حياك الله يا مرحبًا.
الشيخ:- مرحبًا بك وأهلا وسهلًا بك وبالإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات حياكم الله.
المقدم:- أهلًا وسهلًا فضيلة الشيخ كنا نتحدث قبل الفاصل حول الثبات ذكرنا تعريفه وذكرنا أيضًا سياقات ذكر الثبات في كتاب الله –عز وجل- وفي سنة المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم نريد أن نتحدث فضيلة الشيخ فيما تبقى من وقت البرنامج عن الأسباب التي تعين المسلم على الثبات في هذه الحياة الدنيا.
الشيخ:- أول هذه الأسباب وأهمها هو اليقين بأن الثبات منه من الله يمنحها من يشاء من عباده وأنها فضل منه تفضل به على من اصطفاه من الناس.
هذه المقدمة مهمة حتى يعرف أن الثبات ليس شيئًا يمكن أن ينتزعه الإنسان بنفسه دون فضل الله ومنته بل هو فضله وعطائه ومنحته ومنته لمن شاء من عباده هذا لا يعني أن الثبات ليس له أسباب وأنه عطاء وهبي مجرد عن مقدمات إنما هذا لأجل أن يستشعر الإنسان عظيم فقره وأنه إن حصل منه ثبات فذاك فضل ربه.
هاتان الفائدتان مهمتان عندما يتناول الأسباب وهب من الله، عطاء منه، كرم منه منحة ومنة، لكن ذلك لا يعني أن ليس لها أسباب لا أسباب يتفضل بها على من يشاء من عباده، الله تعالى يقول لنبيه –صلى الله عليه وسلم- متفضلًا عليه {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} الإسراء: 74   الله تعالى بفضله يخبر نبيه –صلى الله عليه وسلم- ما من به عليه من تثبيت قلبه وإدامته على الهدى ودين الحق في إيذاء ما كان يلاقيه –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- من خصومه وأعدائه من الكيد والمكر والتشبيه والتشكيك والتشويه والإضلال والإزاغة التي لم يتركوا سبيلًا إلا واجهه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بها كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} الفرقان: 31 .
هاديًا في إيذاء ما كان من شبيهاتهم وتشكيكهم وإضلالهم، ونصيرًا في مقابل ما امتدت به أيديهم من الأذى الفعلي بسائر صور الأذى الذي ناله –صلى الله عليه وسلم- فدفعه الله تعالى عنه كما قال تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} المائدة: 67 .
إذًا الله تعالى يخبر عن تفضله على رسوله بالتثبيت في إيذاء ما كان يفعله خصومه من أنواع الإزاغة عن الصراط المستقيم، محاولة إخراج عن الهدى الذي أوحي إليه صلوات الله وسلامه عليه إذا كان سيد الورى إمام أهل التقى محتاجًا إلى التثبيت وأنه لا غنى به عن تثبيت ربه، فينبغي أن يستشعر كل واحد منا هذا المعنى ليفزع إلى الله بأخذ الأسباب التي تثبت قلبه.
ولهذا النبي –صلى الله عليه وسلم- عندما ذكر تقلب القلوب في قوله –صلى الله عليه وسلم- في حديث عبد الله بن عمرو «إنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِن أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ».
لم تنتهي الجملة عند هذا بل قال: «اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا علَى طَاعَتِكَ» بين ما الذي يستجلب به التثبيت الذي ينال به الإنسان سلامة قلبه من الزيغ والانحراف والضلال والغيب وسائر ما يكون من الشرور والآفات، إنه لا ينال ذلك إلا بمنحة من الله يتوجه بها إليه –سبحانه وتعالى- فيسأل من فضله اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك.
هذا من الأمور التي تكون بين يدي الحديث عن الأسباب، الله تعالى من منته يتفضل على عباده بتثبيت الملائكة في ساعات زلزلة القلوب وفي لحظات الخوف والفزع وفي لحظات الضعف قال تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} الأنفال: 12   فجعل الله تعالى من عمل الملائكة الكرام عليهم السلام أن يثبتوا المؤمنين كما قال تعالى: {فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} الأنفال: 12 .
ومن أسباب الثبات على الخير والهدى الإيمان، لأن الله تعالى قال: {فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} الأنفال: 12   فالتثبيت نصيب المؤمنين يدركون به هذا العون الإلهي بأن يسخر الله لهم من الملائكة ما يكونون عونًا لهم على دوام الطاعة، على دوام الهداية، على دوام اللزوم للصراط المستقيم، وقد قال الله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} إبراهيم: 27   طريق تحصيل الثبات لزوم الإيمان.
الاستمرار على خصاله وشعبه وأعماله حتى يفوز الإنسان بتزكية ربه جل في علاه، فالإيمان الذي بعث أهله وأصحابه بالتثبيت هو الذي يرسخ في القلوب تصديقًا وإقرارًا بما جاء به الرسل في الكتاب والسنة، وينطق به اللسان وتصدقه الجوارح هذا ما يتعلق بأعظم أسباب التثبيت أن يجد الإنسان في تحقيق خصال الإيمان.
من مهمات أسباب الثبات والأعمال الأساس في إدراكه أن يبعد الإنسان نفسه عما يسلب إيمانه ويضعفه فإن المعاصي في الجملة صغيرة أو كبيرة مما يضعف به الإيمان ويضعف به الثبات فالذنوب من أسباب زيغ القلوب، الذنوب من أسباب الانحراف قال الله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} الصف: 5   فما في إنسان ينكفئ عن وجهه ويترك الثبات إلا بسبب ميل في قلبه ومرض في قلبه يغفل عنه فيستشعر حتى يزيغه ويخرجه عن الصراط المستقيم.
وفي هذا المعنى فيما يتعلق بالمعاصي الكبائر منها على وجه الخصوص، قال النبي –صلى الله عليه وسلم- فيما رواه البخاري ومسلم «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمنٌ ولا يسرقُ السارقُ حين يسرقُ وهو مؤمنٌ» حين مواقعة السرقة وحين مواقعة الزنا الإيمان يضعف ويخشى أن يسلب من صاحبه فلا يعود إليه قال: «ولا يشربُ الخمرَ حين يشربُها وهو مؤمنٌ» صحيح البخاري (2475)، ومسلم (75)   فهذه الموبقات وهذه المعاصي وهذه الذنوب الكبيرة العظيمة تضعف الإيمان ويفقد بها الإنسان الثبات على الصراط المستقيم، ويخشى أن ينزع منه الإيمان بالكلية كما ذكر ذلك أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أن الإيمان يرتفع فيكون فوق رأس الإنسان وقت مواقعته للزنا أو السرقة أو شرب الخمر يكون فوق رأسه كالظلة إن شاء الله سلبه إياه وإن شاء رده إليه فينبغي الحذر والتفطن لخطورة الأمر.
فإذا وقع الإنسان أو يجب عليه أن يجتنب السيئات وأن يؤجرها فإذا وقع في شيء فليبادر إلى التوبة وألا يمضي في طريق الضلال والخطأ، لأن مضيه في الخطأ يوشك أن يوقعه في الزيغ الذي ينحرف به قلبه عن طريق الاستقامة هذا في الكبائر وكذلك في الصغائر فعن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «إيَّاكُم ومُحقَّراتِ الذُّنوبِ ، فإنَّهنَّ يجتمِعنَ على الرَّجلِ حتَّى يُهْلِكْنَهُ» هذه في رواية عائشة ينظر: صحيح الترغيب والترهيب (2472)   وبمثل الحديث رواية سهل قال: «كَمَثَلِ قَوْمٍ نزلُوا بَطْنَ وادٍ، فجاءَ ذَا بعودٍ، و جاءَ ذَا بعودٍ، حتى حمَلُوا ما أنضجُوا بِهِ خبزَهُم»، «وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ» مسند أحمد (22808)، وصححه الألباني .
أعاذنا الله وإياكم من الهلاك.
إذًا ينبغي للإنسان أن يبعد نفسه عن المعاصي، لكن لما كان الإنسان مجبول على الخطأ، كل ابن آدم خطاء فينبغي له ألا يغيب عن قوله وخير الخطاءين التوابون فلنكثر من التوبة ولنجتهد في تلافي ما يكون من قصور أو تقصير، فإن ذلك يقوم المسار ويثبت الإنسان على طريق الهداية ويحفظ قدمه من الزيغ والضلال والانحراف والغواية.
من أسباب الثبات على الحق والهدى أن يكون الإنسان مقبلًا على كتاب الله فإن كتاب الله نور وهدى وصلاح وطمأنينة وشفاء ويخرج به الإنسان من كل ضائقة ومن كل ضيق ويدخل كل فسحة وسعادة وسرور {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} الإسراء: 9   في كل شأن وفي كل أمر والله تعالى إنما أنزله على قلب محمد –صلى الله عليه وسلم- ليثبت الذين آمنوا أي ليثبت إيمانهم ويثبت يقينهم ويقيهم شر الانحراف والزيغ ويحفظهم من كيد الشيطان {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} النحل: 102 .
من أسباب الثبات على الحق والهدى أن يكثر الإنسان من ذكر الله –عز وجل- فذكر الله –عز وجل- نور تضيء به القلوب وتطمئن به الأفئدة ويدرك به الإنسان مفاتيح الخير ويغلق عنه أبواب الشر، ذكر الله يدرك به الإنسان خيرًا كثيرًا قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} الأحزاب: 21   فبكثرة ذكر الله –عز وجل- ينفتح لك باب الإتباع باب الاستقامة على هدي النبي –صلى الله عليه وسلم- باب التأسي به –صلى الله عليه وسلم-.
وإذا عمر القلب بذكره سكن وأطمأن وحيي قال الله تعالى: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} الرعد: 28   وفي الصحيح من حديث أبي موسى الأشعري قال –صلى الله عليه وسلم-: «مَثَلُ الذي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ» صحيح البخاري (6407)   يعني إذا أردت مثال لأثر الذكر على قلبك وتأثير اشتغالك بذكر الله تعالى على قلبك فانظر إلى إنسان حي وإنسان ميت، فبقدر ما معك من الذكر تكون لك الحياة الطيبة ويكون لك حياة قلبك ويكون إشراقك واستقامتك، وبقدر غفلتك عن الله يكون نصيبك من موت القلب ويكون نصيبك من عدم استقراره وطمأنينته وقلقه وظلمته.
الله تعالى أمر المؤمنين بكثرة ذكره جل في علاه لما في الذكر من حياة القلوب واستقامة الأحوال وخروج الإنسان من كل ظلمة إلى كل سعة وهداية.
من أسباب تحصيل الثبات على الحق أن يصبر الإنسان نفسه، فالطاعات تحتاج إلى صبر لما يقوم الإنسان لصلاة الفجر لما يحافظ على الصلوات في أوقاتها سواء في البيوت أو في المساجد أو غيرها عندما يخرج الإنسان الزكاة ويتحرى إخراجها على الوجه الذي يرضي الله تعالى عنه ويضعها في موضعها التي بينها الله –عز وجل- عندما يصوم ما فرض الله تعالى عليه ويلزم ما أمره الله تعالى به من أداء النسك الحج الذي فرضه عليه، كل هذه الأعمال في أركان الإسلام تحتاج إلى صبر وهكذا كل الأعمال التي فرضها الله تعالى كل الفرائض والشرائع لا يمكن أن يأتي بها الإنسان إلا بصبر.
ولذلك أمر الله تعالى رسوله بالصبر فقال: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} الكهف: 28   ولهذا كان الصبر أفضل ما يعطاه الإنسان به يدرك كل ما يؤمله من خير الدنيا والآخرة، فطريق تحصيل الأماني وطريق تحصيل المؤملات في خير الدنيا وفي خير الآخرة هو أن يتحلى الإنسان بالصبر وما أعطي أحد عطاء خيرًا وأوسع من الصبر.
هكذا قال النبي –صلى الله عليه وسلم- فنحتاج أن نصبر أنفسنا ونعلم أن صبر النفس سبب لنيل الثبات والهدى والصلاح وأن الله يعقب العبد إذا صبر على طاعته سعادة ولذة وبهجة ونعيمًا في العاجل قبل الآجل يفوق ما ناله من ألم الصبر على طاعته وكذا عندما يصبر عن معصية الله ينال من اللذة والبهجة في قلبه والسرور والإشراق أعظم من اللذة التي يحصلها بمعصية الله –عز وجل- أن نصبر أنفسنا على طاعة الله ونحتسب الأجر عنده جل في علاه ونطلب عونه فقراء إليه ليس لنا حول ولا قوة لا حول ولا قوة إلا بالله.
أيضًا من أسباب الثبات البعد عن أصحاب الضلال والانحراف والغي والفساد، فإن ذلك مما يضعف ثبات الإنسان، لهذا الرجل الذي قتل مائة نفس عندما سأل عالمًا هل له من توبة؟ قال: نعم وما يحول بينك وبين التوبة ثم قال له: إن في الأرض الفلانية قوما يعبدون الله فاذهب فاعبد الله معهم فأخبره بأن له عودة وأوبة إلى ربه من هذا الجرم العظيم وهو قتل مائة نفس، ثم بعد ذلك حثه ودله على سبب من أسباب الثبات وهو الصحبة الصالحة والخروج عن البيئات والأحوال الموبوءة بالمعاصي والسيئات فإن ذلك مما يضعف الإنسان ولذلك الله تعالى يقول: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} النساء: 140 .
فينبغي للإنسان أن يبعد عن الصحبة السيئة والصحبة السيئة ليست صورة في مظهر، إنما الحقيقة الصحبة السيئة هي كل صحبة تدعوك إلى الخروج عن الصراط المستقيم، الذي يزين لك الشر، الذي يدعوك إلى ترك الطاعة، الذي يتدرج بك في سلم المعصية، أو في دركات المعصية وترك ما أمر الله تعالى هذا صاحب سوء اذهب عنه وابعد عنه فإن ذلك من أسباب سلامة قلبك وثبات نفسك، ولهذا الله –عز وجل- يقول لرسوله وهو المؤيد بالوحي من السماء {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} الكهف: 28   ذكر الصحبة الطيبة وأنه يصبر نفسه مع هؤلاء وينصرف عن كل من يزين له الشر والفساد ومخالفة أمر الله –عز وجل- {وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} الكهف: 28 .
هذه جملة من الأسباب التي يدرك بها الإنسان الصلاح والاستقامة وثبات القلب، ومن أعظم ذلك أن يلح الإنسان على الله بالدعاء أن يثبت قلبه، فإن الدعاء باب عظيم من أبواب نيل هذه المنحة الإلهية منحة تثبيت القلوب.
ولهذا كان من دعاء أولياء الله –عز وجل- الذي ذكره في كتابه أن يثبت قلوبهم {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} آل عمران: 8   وفي الدعاء القرآن الآخر قالوا: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} البقرة: 250 ، والنبي –صلى الله عليه وسلم- كان يقول في دعائه: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك وفي صحيح الإمام مسلم أن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان يسأل الله تعالى أن يصرف قلبه على الطاعة فكان يقول: اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك أي في كل ما يكون من عمل صالح ترضاه ظاهر أو باطن في الغيب والشهادة.
هذه جملة من الأسباب وهناك أسباب أخرى لكن هذه أصول أسباب ثبات القلب واستقامته أسال الله تعالى أن يثبتني وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة وأن يعيذنا وإياكم من مضلات الفتن وأن يصرف عنا كل سوء وشر.
المقدم:- اللهم أمين شكرًا جزيلًا فضيلة الشيخ شكر الله لك وكتب الله أجرك فضيلة الشيخ خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم شكرًا جزيلًا فضيلة الشيخ على ما أجدت به وأفدت في هذه الحلقة وأسال الله –عز وجل- أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه إنه جواد كريم.
الشيخ:- أمين اللهم أمين وأشكركم وأشكر الإخوة والأخوات وأسال الله تعالى لي ولهم الثبات على الحق والهدى وأن يحفظنا من كل سوء وشر وأن يعم البشرية بالخير وأن يوفق ولاة أمرنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده إلى كل بر وخير وأن يثبتهم في الأقوال والأعمال، وأن يجعلهم من لدنه سلطانًا نصيرًا، وأن يحفظ بلادنا من الأشرار والفجار والسيئات والأوبئة وكل ما نكرهه وأن يعم ذلك سائر البلدان وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم:- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته مستمعينا الكرام وصلنا لختام هذه الحلقة لبرنامج الدين والحياة في نهايته تقلبوا تحياتي محدثكم وائل حمدان الصبحي.

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات91487 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87236 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف