×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة (196) من برنامج الدين والحياة حول

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:1516

المقدم:بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نحييكم تحية طيبة في بداية هذه الحلقة لبرنامج "الدين والحياة"، والتي نستمر معكم فيها على مدى ساعة كاملة بمشيئة الله تعالى.

 في بداية هذه الحلقة مستمعينا الكرام تقبلوا تحياتي محدثكم وائل حمدان الصبحي، ومن الإخراج فهد الحلبي وياسر زيدان.

مستمعينا الكرام ضيفنا الكريم في حلقات برنامج "الدين والحياة" هو فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، أهلا وسهلًا فضيلة الشيخ، حياك الله ويا مرحبا.

الشيخ:-حياكم الله، أهلا وسهلًا بك وبالإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات، حياكم الله.

المقدم:-أهلا وسهلا فضيلة الشيخ، بمشيئة الله تعالى سيكون حديثنا في هذه الحلقة فضيلة الشيخ حول موضوع جميل، وحقيقة العنوان لفت نظري لما سنتحدث به في هذه الحلقة -بمشيئة الله تعالى- حول "النبات آيات وأحكام"، سنتحدث حول مجموعة من النقاط المتعلقة بهذا الموضوع وعظيم صنع الله –جل وعلا- وآياته وقدرته وعظيم شأنه في قضية النبات، والإحياء بعد الموت والبعث وكل هذه الأمور. سنتحدث -بمشيئة الله تعالى- عن سياقات النبات في كتاب الله –عز وجل-، وبعض الأحكام المتعلقة أيضًا بهذا النبات، بهذه النعمة التي أنعم الله –تبارك وتعالى- بها على خلقه بوجودها.

نريد أن نتحدث ابتداء دكتور عن شقين، سنقسم الحلقة إلى قسمين:

 -عن الآيات.                               - والجزء الآخر عن الأحكام.

نريد أن نتحدث ابتداء عن الآيات المتعلقة بالنبات، وكونه آية من آيات الله –تبارك وتعالى- وَهَبها لعباده، ولكي يتأمل أيضًا عظيم صنع الخالق –جل وعلا- في هذا النبات.

 نريد أن نتحدث ابتداء عن النبات في كتاب الله –عز وجل-، وجاء ذكره كثيرًا، وفي سياقات متعددة في كتاب الله –جل وعلا-.

الشيخ:- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية طيبة لك أخي وائل وللإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد..

فإن الله تعالى دعا الخلق لعبادته، وهو خلقهم لذلك كما قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[الذاريات: 56]، ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا[الملك: 2]، ولما كانت العبادة تقتضي معرفة المعبود والعلم به -جل في علاه-، كان الله -جل في علاه- من فضله وإنعامه وإحسانه إلى عباده أن عرَّف نفسه –سبحانه وبحمده- لعباده، فعرَّف به –جل وعلا- للعباد ليحققوا العبادة له –سبحانه وبحمده-، والتعريف بالله –عز وجل- والعلم به –سبحانه وبحمده- له في الجملة طريقان:

 - طريق استدلالي بما جعله الله تعالى من الدلائل الدالة على الخالق الرب الإله الصانع الذي له الكمالات في السموات والأرض.

 - وأيضًا ما جعله الله تعالى من الرسالات، ما أرسله وبعثه من الرسالات، وكلا هذين الطريقين، الآيات الآفاقية، الآيات الكونية، الآيات الخلقية، والآيات الكتابية السمعية من القرآن وما سبقه من كتب المرسلين- صلوات الله وسلامه عليهم- كلاهما يعزِّزان العلمَ بالله الذي فطر الناس عليه في الخِلقة والفطرة، كما قال تعالى: ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا[الروم: 30]، فالله ركز في فطر الناس محبَّته والسعيَ إلى التعرف عليه -جل في علاه-، وإلى إقامة حقه بعبادته، ثم جعل من الطرق المعرِّفة به لتحقيق هذه الغاية آياتٍ كونية وآيات شرعية دينية، آيات خِلقية في السموات والأرض والأنفس والكون، وآيات شرعية جاءت بها الرسل -صلوات الله وسلامه عليه- فيما أوحاه الله تعالى إليهم.

القرآن مليء بذكر الآيات الكونية التي تلفت الأنظار لعظيم شأن الخالق -جل في علاه-، الآيات فيه تدل على أنه لا يستحق العبادة سواه، والتي تدل على كمالاته –سبحانه وبحمده-، وما له من الإتقان والكمال في أسمائه وصفاته.

لمحة موجزة عن هذه الآيات في آيات عديدة، فإن الله تعالى من أوائل ما ذكره -جل في علاه- بعد ذكره أنه –سبحانه وبحمده- أمر الخلق أن يعبدوه وحده لا شريك له، أول نداء للبشرية في القرآن الكريم ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[البقرة: 21] أمر الله تعالى بالعبادة، وجاء النداء لكافة البشر، لم يخصه بجنس دون جنس، بل الخطاب في القرآن وأول نداء قرآني كان لعموم الناس، لعموم رسالة النبي –صلى الله عليه وسلم- وشمولها لكل البشر ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ[البقرة: 21].

 بعد أن أمر بالعبادة جاءت المسوِّغات والدلائل على أنه يستحق أن يُعبد وحده، يستحق أن يمسك الأمر –جل وعلا- في ألا يعبد سواه ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[البقرة: 21].

 بعد ذلك ذكر الخلق، وهذه آية في الأنفس يراها الناس في أنفسهم وفي خلق الله تعالى لجنسهم، قال: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ[البقرة: 22]، هذا الذكر لهذه الآيات كله لبيان أنه -جل في علاه- يستحق العبادة وحده لا شريك له.

ولهذا كل الآيات التي ذكرها الله تعالى في القرآن تجري في هذا المساق، في مساق الاستدلال على أنه المستحق للعبادة وحده لا شريك له، وأنه –سبحانه وتعالى- الذي كمُل في أسمائه، وكمُل في صفاته، وعظم شأنه، وعرفه عباده في صنعه الذي قال فيه تعالى: ﴿الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ[النمل: 88] –سبحانه وبحمده-.

على سبيل المثال يذكر الله تعالى من تنوع الآيات الدالة على عظيم شأنه ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ[البقرة: 164]، وفي أية أخرى يقول: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ[آل عمران: 190]، وهلم جرًّا.

 في بيان تعريف الله بخلقه الله تعالى ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ[الأعراف: 54].

وبما أن حديثنا لن يتطرق لكل هذه الآيات، إنما إلى آية من آيات الله تعالى في الكون وهي النبات. النبات من آيات الله تعالى التي لفت الله تعالى الأنظار إليها في كتابه الحكيم، في آيات كثيرة جدًّا، وذلك لبيان أهميتها وحاجة الناس إليها، ولمخالطتهم بها، ولبيان عظيم منَّة الله تعالى عليهم بهذه الآية، فاقترن بالنبات الإحسان والإنعام والدلالة على عظيم شأن الباري الخالق للفضل والإذعان –سبحانه وتعالى-، فاجتمع في النبات هذان المعنيان.

ولذلك تكرر ذكرهما في القرآن في آيات كثيرة، فالله سبحانه يقول: ﴿كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ * فَلْيَنْظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا*وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا*وَفَاكِهَةً وَأَبًّا* مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ[عبس: 23- 32]، فذكر الله -جل في علاه- في هذه الآية وجوب نظر وتأمل الإنسان للاستدلال على عظيم شأن الخالق واستحقاقه لِأَن يُعبد وحده لا شريك له، وألا يشرك به سواه إلى الطعام الذي يحتاجه الإنسان لإقامة معاشه، والذي لا يستغني عنه كائن بشري، هذا الطعام الذي يأكله ينظر إليه كيف وصل إلى نفعه؟ وكيف انتفع به، وتغذى به، وقامت حياته به، ينظر إلى أصله، ومَن الذي أنعم به؟

ذكر الدورةَ الخِلقية التي نتج عنها هذا الطعام، وهي صنع الله الذي أتقن كل شيء ﴿أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا*وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا[عبس: 25- 28]، إلى آخر الآيات الكريمة التي ذكر فيها الله –جل وعلا- خلقَ النبات وتنوعَه واختلاف ألوانه.

الله -جل في علاه- جعل النبات آية من آياته الدالة على عظيم قدرته، فذكر في آيات كثيرة الإنبات قال: ﴿فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا[عبس: 26- 28] كما في الآية، وفي الآية الأخرى قال: ﴿فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا[النمل: 60]، قال تعالى: ﴿يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ[النحل: 11]، ويقول -جل في علاه-: ﴿إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ[الأنعام: 95]، فلفت الله تعالى الأنظار إلى هذا النبات العظيم، هذا الخلق العظيم الذي يدل على عظمة خالقه -جل في علاه-، وعلى عظيم قدره –سبحانه وبحمده-.

النبات مصدر غذاء الإنسان والحيوان، فلا غنى لإنسان ولا لحيوان في إطعامه ولافي غذائه عن النبات، ولذلك كرر الله تعالى ذكره في القرآن.

والنبات أيضًا يأتي من مقاصد خلقه ومن دلائل عظيم شأن خالقه، أن الله تعالى جعله زينةً وجمال وبهاء يزين الله تعالى به الأرض، كما قال تعالى: ﴿وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى[طه: 53]، نبات في أصناف مختلفة، في أنواع متعددة وأشكال ومقادير ومنافع وألوان وروائح وطعوم على شتى صنوف وأنواع لا يحيط بها الناس، ولذلك تجد أنك تقوم في مكان فتجد من أصناف النبات الواحد ما لا تستطيع أن تحصيَه، وهذا في مكان واحد ثم بعد ذلك تنتقل لمكان آخر، فتجد أصنافًا كثيرة من نفس النوع الذي في المكان أو من نفس جنس المكان الآخر لكنه مختلف.

فعلى سبيل المثال التمر أنواع متعددة، لو أحصاها الإنسان تصل في التمر في منطقة واحدة قد تصل إلى عشرين نوعًا أو خمسة عشر نوعًا، وفي مكان آخر أنواع أخرى كل ذلك من صنعه ،كما قال تعالى: ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ[النمل: 88]، فالنبات زينة، والنبات جمال كما أنه غذاء وقوت وكفاية للبشرية لتقوم حياتهم، قال الله تعالى: ﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا[النمل: 60]، المُنبِت لها هو الله، لو اجتمعوا الخلق كلهم على أن ينبتوا شجرة بفعل أنفسهم استقلالًا عن خلق الله وتدبيره ما استطاعوا، قال تعالى: ﴿مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ[النمل: 60]، فاستدل -جل في علاه- بهذه الآية العظيمة على أنه لا يستحق العبادة سواه، وقد قال الله تعالى: ﴿وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ[ق: 7]، هذه كلها مقاصد من هذا الخلق العظيم، فهو غذاء، وهو زينة وجمال، كما أنه أيضًا آية من آيات الله تعالى الدالة عليه المعرفة بها –سبحانه وبحمده-.

ولذلك أمر الله تعالى الناس بالنظر إلى هذه الآية العظيمة، يقول الله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ[الأنعام: 99]، في هذا البيان الإلهي لهذا الخلق العظيم، وما ذكره من شأن النبات وتفنُّنه وتنوعه وأصنافه واختلاف منافعه وألوانه ما يدل على عظيم شأن الصانع الخالق الإله الذي لا يستحق العبادة سواه.

فالنبات سبيل للتفكر والاعتبار والاتعاظ، وهو آية من آيات الله تعالى، ولذلك يقول الله تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ *لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ[يس: 33- 35]، ويقول في آية أخرى: ﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ*وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ* رِزْقًا لِلْعِبَادِ[ق: 9- 11]، هذا مقصد من مقاصده فيما جعله من هذا النبات ومن هذا النخيل ﴿رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ[ق: 11].

إذًا النبات فيه من العبر والآيات ما يدعو الإنسان إلى التفكر والتأمل، لنقف مع كون النبات آية من آيات الله تعالى، آية تدل على عظيم قدره وجليل أسمائه وصفاته، يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ[الأنعام: 95]، يعني كيف تُصرَفون عن عبادته وحده لا شريك له، وهو الذي فلق الحَبَّ والنوى -جل في علاه-؟، فهو –سبحانه وتعالى- الذي له العبادة دون كل ما يُعبد سواه، فهو الذي فلق الحب شقَّ الحب من كل ما ينبت من النبات فأخرج منه الزرع، كما أنه فالق النوى -جل في علاه-، وهو كل ما يغرس مما له نواة، فأخرج منه الشجر، فالحَبُّ أصل الزرع، والنوى أصل الشجر، والنبات إما أن يكون شجرًا، وإما أن يكون زرعًا، فهو الذي فلق الحب والنوى -جل في علاه-، وهو المستحِقُّ للعبادة.

ولهذا يخبر تعالى عن كماله وعظمة سلطانه، وعن قوة اقتداره وسعة رحمته وعموم كرمه، وشدة عنايته بخلقه عندما ذكر هذه الآية، ونبه إليها في قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى[الأنعام: 95]، يشمل جميع الحبوب التي يزرعها الناس وينتفعون بها، وجميع الأشجار التي ينتفعون بها ويقتاتون منها، وهو بهذه يريهم من بِرِّه وإحسانه ما يبهر العقول، إذا كان كل هذا الذي نراه من الحبوب والثمار هي صنعه وهي إحسانه لخلقه، فيذهل الإنسان من عظيم إحسان ربه إليه -جل في علاه-، وعظيم مَنِّه عليه، ثم انظر إلى قوله -جل في علاه- في هذه الآية الكريمة قال –سبحانه وبحمده-: ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ[الأنعام: 95]، فذكر تعالى إخراجَ الحي من الميت، وإخراج الميت من الحي، يخرج الحي من الميت، يخرج من الحب والنوى، (الحب والنوى) ما في حياة، ميت، لكن يخرج منه الحي وهو الزرع والشجر والنبات، كما أنه مخرج الميت من الحي، وذلك أن هذه الحبوب وذلك النوى وهي ميتة خرجت من الحي وهو النبات زرعا وشجرًا ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ[الأنعام: 95] أي كيف تُصرَفون وتُصَدُّون عن عبادة من هذا شأنه، مَن هذا إحسانه، من هذا منه، من هذه قدرته -جل في علاه-؟

ويقول أيضًا في الدلالة على وجوب عبادته يقول –سبحانه وتعالى-: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ[الأنعام: 99] به، جل في علاه.

موسى لما جاء إلى فرعون، ودعاه إلى عبادة الله وحده، قال فرعون سائلًا موسى على وجه الاستكبار ﴿قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى[طه: 49]، بماذا عرَّف موسى -عليه السلام- اللهَ –عز وجل- لفرعون الجاحد المكذب بالله –عز وجل-؟ قال: ﴿رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى[طه: 50]، قال فرعون: ﴿قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى*قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى[طه: 51- 52] ثم عاد إلى التعريف بربه الذي يدعو إليه ويأمر بعبادته وحده لا شريك له، قال: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى *كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُوْلِي النُّهَى[طه: 53- 54] أي آيات لأصحاب العقول والبصائر، وقد عظم الله تعالى نفسه وسبحها –سبحانه وبحمده- بعد أن ذكر هذه الآية العظيمة آية إخراج النبات من الأرض، قال: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ * سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ[يس: 33-36]، فالله تعالى ذكر في كتابه ما يؤثر  في القلوب ويدل عليه -جل في علاه- من عظيم الآيات الدالة عليه، المعرِّفة بعظيم قدره –سبحانه وبحمده-، وأنه المستحق للعبادة وحده لا شريك له في آيات كثيرة، ذكر فيها النبات وجعله دليلًا على عظيم شأنه –سبحانه وبحمده- وعلى أنه لا يستحق العبادة سواه.

إذًا هذا ملحظ أو هذا مساق من المساقات التي ذُكرت فيها النباتات للاستدلال والبيان لعظمة الله –عز وجل- ووجوب العبادة له لا شريك له، لكن جاء ذكر النبات أيضًا في مساقات أخرى.

المقدم:-حياكم الله مستمعينا الكرام مجددًا، نرحب بكم ونرحب بمن انضم إلينا الآن في هذه الحلقة المباشرة لبرنامج "الدين والحياة" عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة، وضيفنا الكريم الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، أهلًا وسهلًا فضيلة الشيخ، حياك الله.

الشيخ:- حياك الله، ومرحبا بك وبالإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات، حياكم الله.

المقدم:- يا مرحبا فضيلة الشيخ حديثنا حول "النبات آيات وأحكام"، ومازلنا في النصف الأول وفي الجزء الأول من حديثنا حول الآيات من النبات التي ذكرها الله –تبارك وتعالى- في كتابه الكريم، ولازال حديثنا في سياقات ذكر النبات في كتاب الله –جل وعلا-

الشيخ:- الله -جل في علاه- ذكر النبات في سياق الاستدلال على أمور عديدة من القرآن الكريم، ذكرنا منها الاستدلال بهذا الخلق العظيم على أن الله -جل في علاه- المستحق للعبادة، وأنه الكامل في صفاته وأفعاله جل في علاه –سبحانه وبحمده-، جاء ذكر النبات دليلًا على البعث بعد الموت، على قدرة الله –عز وجل- على إحياء الناس بعد موتهم، وهذه قضية كبرى في القرآن العظيم، فإن الله تعالى ذكر بعث الناس بعد موتهم في آيات عديدة، وذكر لذلك دلالاتٍ كثيرة، ومن ذلك استدلاله بما يرونه من شأن النبات.

قال الله تعالى: ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ[يس: 78]، وهو أن من كذَّب النبي –صلى الله عليه وسلم- جاء مستكبرًا، فقال -وقد فك عظامًا رُمَّت بين يديه-، قال: يا محمد من يحيي هذا بعد موته؟ أي من يجمع هذا العظام الرميم المتفتِّت المتفرق بعد موته؟ قال الله تعالى: ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ[يس: 78]، سؤال استكبار وتكذيب أي لا يقدر على إحياء هذا العظم الذي رمَّ أحدن ونسي خلقه، نسي أن الله تعالى أنشأه، ثم قال: ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ[يس: 79]، هذا الدليل الأول، الدليل الأول على أن الله تعالى قادر على الإحياء هو أن الله أنشأ الإنسان أول مرة، فالذي أنشأك أول مرة قادر على إحيائك.

ثم جاء ذكر النبات في الاستدلال على عظيم قدرة الله تعالى، قال: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ[يس: 80]، فاستدل الله تعالى في هذه الآية على قدرته على الخلق بأن له القدرةَ الفائقة؛ إذ يخرج –سبحانه وبحمده- المتضادات المتقابلات، فهو الذي أخرج من الشجر الأخضر البارد الرطب النارَ الحارةَ اليابسة، وذلك أبلغ في إثبات قدرته؛ لأن اجتماع الحرارة والرطوبة أيسر من اجتماع الحرارة واليوبسة، فالرطوبة تقبل الانفعال ما لا تقبله اليوبسة.

ومع ذلك كان ذلك في مقدوره فهو على كل شيء قدير، الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارًا تكون منه النار المحرقة الحارة، وكان ذلك دليلًا على عظيم قدرته.

 ووجه آخر من أوجه الاستدلال بالنبات على البعث والنشور، وعلى قدرة الله على إحياء الناس بعد موتهم قال: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً[فصلت: 39] أي: مُصفرَّة ذليلة، خلت من كل أوجه البلاء والزينة، ﴿فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[فصلت: 39]، ويقول تعالى: ﴿وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ[الحج: 5]، بعد ذلك يقول: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ[الحج: 6- 7] فالذي أنبت الأرض الهادمة، الأرض الميتة، الأرض الخاشعة، قادر على أن يبعث من في القبور –سبحانه وبحمده-.

هذا المساق الثاني الذي ذكر الله تعالى فيه النبات استدلالًا على قضية من قضايا أصول الإيمان وهي البعث بعد الموت، ذكر الله تعالى النبات وجعله مثلًا قائمًا شاهدًا للبشر على حال هذه الدنيا التي هي دار عبور، ودار مرور، ودار اختبار، ودار عمل، فليست دارَ قرار، ولا دارَ استمرار، ولا دار ثبات ودوام، بل ما أسرع زوالَها! وما أسرع تحول ما فيها وتغير أحوالها! يقول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ[يونس: 24]، صورة الحياة الدنيا التي نعيش فيها، وهي محل اختبارنا ﴿فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ[يونس: 24]، أنبتت وأخرجت أنواع النباتات المختلفة، كما قال تعالى: ﴿فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى[طه: 53]، ﴿حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ[يونس: 24]، وأنت تسعى على حقل قبل حصده لترى قدرته وبهاءه وجماله، ثم قف عليه بعد أن يجني الزارعون حصاده كيف يكون وتصير حاله إلى اليُبْس، وإلى فقد النضارة، وإلى ذهاب الحياة؟ لتعرف الفرق بين الحالين، هكذا هي الدنيا تزَّيَّن وتطيب وتروق للإنسان، ثم بعد ذلك تتحول، وهذا المثل من أحسن الأمثلة وهو مطابق لحال الدنيا فإن لذاتها وشهواتها وجاهها ونحو ذلك مما يحبه الناس فيها، إذا استكمل وتمَّ اضمحل وزال عن صاحبه، فالدنيا إما أن يزول عنها صاحبها أو تزول عنه، فيصبح الإنسان صفر اليدين يخرج من هذه الدنيا بشيء، المسلم والكافر على حد سواء، لا يخرج من الدنيا بشيء، كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «يتْبعُ الميْتَ ثلاثَةٌ: أهلُهُ ومالُه وعمَلُه، فيرْجِع اثنانِ ويبْقَى واحِدٌ: يرجعُ أهلُهُ ومالُهُ، ويبقَى عملُهُ».[صحيح البخاري:ح6514]

فلا يأخذ الإنسان من هذه الدنيا بشيء إلا ما كان من صالح عمله، هذا مثل ذكره الله تعالى في كتابه وأمر الله تعالى رسوله بأن يضرب للناس المثل ليتذكروا، قال: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا[الكهف: 45].

مما يتعلق بالنبات إذًا الآن نحن عرجنا على ما يتعلق بذكر هذه الآية النبات والاستدلال بها في القرآن الحكيم.

المقدم:- فضيلة الشيخ عفوا قبل أن تكمل حديثك عما جاء في سنة المصطفى -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم-، أيضًا جانب مهم أقسم الله –تبارك وتعالى- به في كتابه الكريم من أنواع النباتات، وجاء القسم في كتاب الله –عز وجل- لأنواع عديدة من النبات.

الشيخ:- صحيح، هذا أيضًا يعني الله –عز وجل- أقسم بالتين قال: ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ[التين: 1]، وهذان نوعان من النبات أقسم الله تعالى بهما في محكم كتابه، وكما أن الله تعالى ذكر في القرآن النباتات بأسمائها، وذكرها نعيمًا في الآخرة يتنعم بها عباده الصالحون، وإن كانت التي في الآخرة تختلف عن الدنيا، كما قال ابن عباس في تفسير قوله تعالى: ﴿وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا[البقرة: 25]، قال أنه ليس في الآخرة مما في الدنيا من أسماء الفواكه والنعيم إلا الأسماء المختلفة[تفسير الطبري:1/392]، كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم- فيما رواه عن ربه في الحديث الإلهي: «أعدَدتُ لعبادي الصالحينَ ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطرَ على قلبِ بشرٍ».[صحيح البخاري:ح3244]

فالإقسام بالنباتات في القرآن أو بثمار النباتات، في القرآن مما يدل على عظيم شأن هذه النباتات، وعظيم آيات الله تعالى في ذلك، وهذا جاري في كل ما أقسم الله تعالى به مما أقسم به من خلقه.

ما يتعلق بالسنة النبوية، ذُكرت النباتات وأحكامُها، وذكر شيء كثير مما يتعلق بها، لكن النبي –صلى الله عليه وسلم- مثَّل المؤمن بشجرة من الشجر، ففي الصحيح من حديث ابن عمر -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في مجلس من مجالس أصحابه : «إنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لا يَسْقُطُ ورَقُهَا، وهي مَثَلُ المُسْلِمِ، حَدِّثُونِي ما هي؟» رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يسأل أصحابه عن شجرة من الشجر تتميز بأنه لا يسقط ورقها، وبين بعد ذلك أنها مثل المسلم، أي صفتها صفة المسلم وهي مثل المسلم في نفعها وخيرها وفضلها ومنزلتها قال: فحدثوني ما هي؟ «فَوَقَعَ النَّاسُ في شَجَرِ البَادِيَةِ» أي في أنواع من الأشجار التي تكون في البوادي «قَالَ عبدُ اللَّهِ: فوقع في نفسي أنها النخلة فَاسْتَحْيَيْتُ» يعني لصغر سِنِّه، وأن المجلس الذي سأل فيه النبي –صلى الله عليه وسلم- هذا السؤال كان فيه من كبار الصحابة ما جعله يتراجع أن يتكلم في حضرته حياءً، ثم قالوا له بعد أن تكلموا بأنواع من الشجر «فَقالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، أخْبِرْنَا بهَا؟ فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: هي النَّخْلَةُ» [صحيح البخاري:ح61]، وهذا فيه فضل هذه الشجرة، شبَّه النخلة بالمسلم في كثرةِ خيرِها، ودوام ظلها، وطيب ثمرها، واستمراره وعظيم المنافع التي تدرك به، وأنه ما من شيء من أجزاء هذه الشجرة وفروعها ومنتجاتها إلا وفيه من النفع ما يعرفه المختصون.

هذا مما جاء في السنة، ضرب المثل للمؤمن أيضًا بنوع آخر، وهو ما مَثَله النبي –صلى الله عليه وسلم- للمؤمن بالزرع قال: مثل المؤمن كمثل الزرع، الزرع من أطيب النباتات، فهو الذي ينتج عنه قوت الناس من الحبوب التي يقوم بها معاشهم من البُرِّ وغيره فقال –صلى الله عليه وسلم-:«مَثَلُ المؤمن كمثل الزرع»هناك التمثيل في الطيب، مثَّله بالنخلة في الطيب لعظيم المنافع وكثرة الخير ودوام النفع، وأنه لا يكون منه إلا خير.

الآن مثَّل النبي –صلى الله عليه وسلم- المؤمن بالزرع فيما يجري عليه من الفتن قال: لا تزال الريح تُميله، الزرع الريح تعصف به تميله لكنها لا تَجْتثُّه، ولا تُزيله عن مكانه وأنت انظر إلى حقل أو بستان مُليء بالزرع كيف يتمايل بمرور الريح العاصفة يمنة ويسرة؟ مع دقته وضعفه إلا أنه ثابت في مكانه، لا تجتثه الرياح والعواقب، بل يميل الزرع مع الهواء والعواصف يمنة ويسرة، قال –صلى الله عليه وسلم-: «مَثَلُ المُؤْمِنِ كَمَثَلِ الزَّرْعِ لا تَزالُ الرِّيحُ تُمِيلُهُ، ولا يَزالُ المُؤْمِنُ يُصِيبُهُ البَلاءُ».

بقدر ما يكون من إيمانه، ثم مثل المنافق وهو المقابل للمؤمن، قال: «ومَثَلُ المُنافِقِ كَمَثَلِ شَجَرَةِ الأرْزِ، لا تَهْتَزُّ حتَّى تَسْتَحْصِدَ»[صحيح البخاري:ح5643، ومسلم:ح2809/58واللفظ لمسلم] في مكانها مستقرة لكنها إذا جاءت الرياح اجتثتها من جذورها، «لا تهتز حتى تستحصد»أي حتى تزال من أصولها وتنبعث مرة واحدة، هذا مثال أيضًا ذكره النبي –صلى الله عليه وسلم- فيما يتعلق بالنبات فمثل المؤمن ومثل من يقابله والمنافق للزرع ولشجرة الأرز.

أما ما يتعلق بالأحاديث الواردة للنبات قد جاء في النبات.

 أولًا: الحث على الإنبات وعلى الزراعة، وهذا ما دل عليه قول النبي –صلى الله عليه وسلم- فيما جاء في الصحيح الإمام البخاري وصحيح الإمام مسلم قال –صلى الله عليه وسلم-: «ما من مسلم يَغرِس غرسًا أو يزرع زرعًا فتأكل منه دابة أو طير أو إنسان إلا كان له صدقة».[صحيح البخاري:ح2320]

إذًا كل من ينتفع من الغرس الذي تغرسه والزرع الذي تزرعه بأي وجه من أوجه الانتفاع، ومهما كان المنتفع طيرًا أو إنسانًا أو بهيمة إلا كان للزارع والغارس كان له بذلك صدقة، وقد جاء أيضًا في صحيح الإمام مسلم من حديث جابر أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً إلاَّ كانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لهُ صَدَقَةً، وَمَا سُرِقَ مِنْه لَه صدقَةً، وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ مِنْهُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ، وَلاَ يرْزؤه أَحَدٌ إلاَّ كَانَ لَهُ صَدَقَةً».[صحيح مسلم:ح1552/7]

يعني ما أُكل من هذا الغرس ومن هذا الزرع كان له صدقة، والأعجب قال: «وَمَا سُرِقَ مِنْه لَه صدقَةً»، ما أُخذ غصبًا للسرقة يكون له صدقة، والأعجب ما أكل السبُع منه فهو صدقة، يعني ما أكل الحيوانات من السباع وغيرها، وما أكل الطير فهو له صدقة، قال –صلى الله عليه وسلم-: «وَلاَ يرْزؤه أَحَدٌ إلاَّ كَانَ لَهُ صَدَقَةً» يعني ما يُنقص من هذا الغرس بأي وجه من أوجه النقص إلا كان له صدقة، وهذا يدل على عظيم الأجر المرتب على الزراعة، وعلى حث النبي –صلى الله عليه وسلم- على الغرس وعلى الزرع الذي يحصل به انتفاع هذه المخلوقات، ويؤجر الإنسان ولو لم ينو هذه الأجور التي ذكرها النبي –صلى الله عليه وسلم-؛ لأنها صدقة حاصلة لكل غارس ولكل زارع، سواء نوى بذلك نفع هؤلاء واحتسب أو لم ينو.

 ومما يدل على حث النبي –صلى الله عليه وسلم- على الغرس واستمرار العمل في الزراعة، جاء في مسند الإمام أحمد بإسناد جيد قال –صلى الله عليه وسلم-: «إن قامتِ الساعةُ و في يدِ أحدِكم فسيلةً ، فإن استطاعَ أن لا تقومَ حتى يغرِسَها فليغرِسْها».[مسند أحمد:ح12981، وقال الهيثمي في المجمع(ح6236):ورجاله أثبات ثقات]

هذا دليل على أن نفع الزرع دائم ومستمر ومندوب إليه إلى آخر رمق، حتى لو أيقن الإنسان قيام الساعة، وفي يد أحدكم فسيلة واستطاع أن يغرسها قبل أن تقوم الساعة فليفعل، ولذلك قال –صلى الله عليه وسلم-: «إِنْ قَامَتْ عَلَى أَحَدِكُمُ الْقِيَامَةُ، وَفِي يَدِهِ فَسِيلَةٌ فَلْيَغْرِسْهَا» وهذا دليل على حث النبي –صلى الله عليه وسلم- على الغرس، وهو أمر للندب والاستحباب، ودليل على الأجر المرتب، يعني إذا غرَسها قبل أن يموت وانتفع بها أحد بعد موته كان هذا صدقة جارية بعد موته، ولهذا جاء في حديث أن النبي –صلى الله عليه وسلم- حديث جابر في مسلم أن النبي –صلى الله عليه وسلم- دخل على امرأة من الأنصار يقال لها أم مُبَشِّر في نخل لها، فقال لها النبي –صلى الله عليه وسلم-:«مَن غَرَس هذا النخل؟»،سألها عمن غرس هذا النخل، «من غرس؟»ولم يسأل من يملك؟ قد يملك بعد الغرس سأل عن غرس هذا النخل أمسلم أم كافر؟ فقالت: بل مسلم فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-:  «لَا يَغْرِسُ مُسْلِمٌ غَرْسًا، وَلَا يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلَ مِنْهُ إِنْسَانٌ، وَلَا دَابَّةٌ، وَلَا شَيْءٌ، إِلَّا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً»[صحيح مسلم:ح8/1552]، وهذا يدل على أن الأجر في الغرس هو للغارس الذي ابتدأ الغرس، أما من راعى الغرس بعد ذلك فهو مأجور بما ينتج عنه من استمرار هذا الغرس وهذا الزرع بعد غرسه وزرعه.

أيضًا من الأحكام المتعلقة بالنبات فضيلة التكسب بالزرع، فإن النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذكر أن أطيب كسب الإنسان ما كان بيده، واستدل به بعض أهل العلم على أن أصل المكاسب الزراعة، وهذا وإن كان  محلَّ نقاش لكن هو مما استدل به على فضل العمل بالزراعة.

من الأحكام المتعلقة بالنباتات أن الله تعالى جعل له فيما ينتج من الحبوب والثمار حقًّا قال تعالى: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ[الأنعام: 141]، وهو الزكاة التي فرضها الله تعالى في الخارج من الأرض، والناتج من الأرض، والزكاة هي ليست في كل ما ينتج من الأرض، إنما في الحبوب وفي العنب وفي التمر وما كان قوتًا يُكال ويدخر، وثمة تفصيل فيما يتعلق بهذا.

 وقد أوجب الله تعالى في الثمار والحبوب حقًّا، وهو العشر فيما إذا كانت تسقى من السماء، يعني لا عمل للإنسان في سقيها، وأما ما كان للإنسان عمل في سقيه ورعايته، ولا ينبت إلا بعمل منه ففيه نصف العشر، وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا العُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْرِ» [صحيح البخاري:ح1883].

 هذه بعض الأحكام المتعلقة بالنبات، فثمة أحكام أخرى تتعلق بما يجوز للإنسان أخذه من النبات وما لا يجوز، نقتصر على هذا، ونسأل الله تعالى أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح.

المقدم:-شكر الله لك وكتب الله أجرك فضيلة الشيخ على ما أجدتَ به وأَفَدْتَ في هذه الحلقة، شكرًا جزيلًا، نسأل الله –عز وجل- أن يجعل هذا في موازين حسناتك، ونسأل الله –عز وجل- أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه إنه جواد كريم، شكرًا جزيلًا فضيلة الشيخ.

الشيخ:-اللهم آمين، وأسأل الله تعالى القبول والإعانة والتثبيت، وأن يحفظنا من كل سوء وشر، وأن يستعملنا فيما يحب ويرضى، وأن يوفق ولاة أمرنا إلى كل خير خادم الحرمين الشريفين ووليَّ عهده، وأن يحفظ بلادنا من كيد الفجار ومكر الأشرار، وأن يذُبَّ عنا، وأن يديم عزَّنا وأُلفَتَنا واجتماعنان وأن ينشر الخير في البشر، وأن يرفع عنا وعن سائر البشر الوباء والبلاء، وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم:- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مستمعينا الكرام وصلنا لختام هذه الحلقة لبرنامج "الدين والحياة"، في نهايتها تقلبوا تحياتي محدثكم وائل حمدان الصبحي.

 

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات93793 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89654 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف