×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:1754

المقدم:بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نحييكم تحية طيبة عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة في هذه الحلقة المتجددة لبرنامج "الدين والحياة"، والتي نستمر معكم فيها على مدى ساعة كاملة -بمشيئة الله تعالى-.

 في بداية هذه الحلقة مستمعينا الكرام تقبلوا تحياتي محدثكم وائل حمدان الصبحي، ومن الإخراج مصطفى مستنطق، ولؤي حلبي.

مستمعينا الكرام ضيف حلقات برنامج "الدين والحياة" هو فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور/ خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم.

 فضيلة الشيخ السلام عليكم، وأهلًا وسهلًا بك معنا في بداية هذه الحلقة.

الشيخ:-وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مربحا بك، حياك الله أخي وائل، وأسأل الله أن يرزقني وإياكم السدادَ في القول والعمل.

المقدم:-اللهم آمين، فضيلة الشيخ سيكون حديثنا -بمشيئة الله تعالى- في هذه الحلقة حول "مراقبة الله –عز وجل-" بالتأكيد في برنامج "الدين والحياة" نناقش موضوعات تهمُّ المسلم في أمور دينه ودنياه، ويسعد بها ويرتقي بدرجاته في آخرته -بمشيئة الله تعالى-، من ضمن هذه المواضيع التي سنناقشها ما نناقشه في هذه الحلقة حول مراقبة الله –جل وعلا-.

ابتداء فضيلة الشيخ نريد أن نتحدث حول أعمال القلوب، من المعلوم أن الأعمال تقسم إلى:

- أعمال الجوارح التي تُعمل بالجوارح، بالجنان.

- وأيضًا أعمال القلوب، من ضمن هذه الأعمال ما يتعلق بمراقبة الله –جل وعلا-، نريد أن نتحدث حول أعمال القلوب، ومن ثم ننتقل بالحديث عن مراقبة الله –جل وعلا- التي هي من أعمال القلوب.

الشيخ:- الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فتحية طيبة لك أخي وائل وللإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات، حديثنا فيما يتصل بمراقبة الله –عز وجل- هو حديث وثيقُ الصِّلةِ بعمل القلب، فالقلب هو الذي به تصلح سائر الجوارح، فهو كالملك والجوارح جنود ينفِّذون ما أمر، ويسيرون فيما وجَّه إليه وطلب؛ لذلك بيَّن النبي –صلى الله عليه وسلم- الصلة بكلمة مختصرة توضح نتيجةَ صلاح القلب وفسادِه على الجوارح على سائر ما يكون من الإنسان من عمل أو قول فقال –صلى الله عليه وسلم-: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ».

جميع الجسد تابع لهذه المضغة «وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ»[صحيح البخاري:ح52، ومسلم:ح1955/107]، فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لفت الأنظار في أسلوب عرض، وفي التمثيل والبيان والتصوير بتأثير صلاح القلب وفساده على صلاح ما يكون من الإنسان قولًا وعملًا، وعلى فساد ما يكون من الإنسان قولًا وعملًا، لذلك كانت الأعمال المتعلقة بالقلب في الذروة من الأهمية والخطورة.

ولهذا كان ما يصلح به حال الإنسان وينجو ويستقيم به قوله وعمله مبدؤه صلاح سرِّه، صلاح قلبه، صلاح باطنه، صلاح فؤاده؛ فإن ذلك ولابد ينعكس على الجوارح ما لم يوجد ما يمنع من ظهور ذلك، بخلاف الأعمال الظاهرة فإنها قد تصدر ممن خَرُب باطنُه، فقد يظهر الإنسان بمظهر حسن جميل لمصلحة يدركها أو لمخافة يتَّقيها، ولكنه في قلبه وسرِّه قد أظلم قلبه وعمِيَت بصيرته، فليس له نور في قلبه، وبالتالي هذا الظاهر إنما هو صورة سرعان ما تنقشع، وإنما هو مظهر سرعان ما يزول، وأما ما في القلب فإنه هو الذي عليه مناط الإثابة والعقاب، وعليه مناط الفلاح والنجاح، والخسارة والبوار.

لذلك كانت العناية بالقلوب وأعمالها من أهم المهمات التي ينبغي أن يعتني بها كل من أراد نجاتَه؛ فإن أعمال القلوب مفتاح صلاح حال الإنسان في دنياه، وهي مفتاح فوزه وسبقه إلى ربه ومولاه، فليس ثمة سبقٌ أعظم من سبق صلاح القلب واستقامته.

     قطع المسافة بالقلوب إليه لا   *****  بالسير فوق مقاعد الركبان.

 فالمسافة تُقطع إلى الله –عز وجل- ويُوصَل إلى رضوانه لا بسير الأقدام، بل بسير القلوب، وسير القلوب يقطع مسافات واسعة وفيافي بعيدة، ويصل إلى ما لا يصل به إليه العمل.

ولذلك جاء في الصحيح من حديث جابر وكذلك من حديث أنس أن النبي –صلى الله عليه وسلم- في رجوعه من تبوك إلى المدينة وهي من أشد الغزوات التي غزاها -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عثرةً ومشقةً حتى سمِّيت ذات العثرة؛ لما فيها من المشقة وقلة ذات اليد، قال وهو راجع من تبوك لأصحابه «إنَّ بالمَدِينَةِ لَرِجَالًا ما سِرْتُمْ مَسِيرًا، وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا، إلَّا شَرِكُوكُمْ في الأجْرِ»، يعني شاركوكم في المثوبة بخروجكم هذا وما لقيتموه من عنت ومشقة وتعبٍ وَوَصب وأذًى في سبيل الله –عز وجل-، شاركوكم وهم في المدينة قالوا: وهم في المدينة يا رسول الله؟ يعني يدركون ما أدركنا من الأجر والمثوبة وهم في المدينة؟ قال –صلى الله عليه وسلم-: «حَبَسَهم العُذْرُ»[صحيح البخاري:ح2839]، وفي رواية: «حبسهم المرض».[صحيح مسلم:ح1911/159]

فهؤلاء قوم في مدينة النبي –صلى الله عليه وسلم- بين أهليهم ما الذي خرج بهم وبلَّغهم هذه المنزلة وبوَّأهم هذا المكان الرفيع أن شهد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بمشاركة الخارجين في سبيل الله في الأجر في كل ما كان من أعمالهم وتقرُّبهم من الله –عز وجل- في هذا الخروج، قال –صلى الله عليه وسلم-: «حَبَسَهم العُذر»،إنهم خرجوا بقلوبهم، خرجوا بنيتهم الصالحة، خرجوا بصادق رغبتهم في نصرة الله ورسوله، وإن كانت قد قعدت بهم أحوالهم من جهة عدم القدرة على الخروج لقلة ذات يد، أو لمرض، أو لعذر منعهم من الخروج.

فالمقصود أن الإنسان يبلغ بقلبه من جهة المثوبة والأجر، ومن جهة رضوان الله –عز وجل- ما لا يبلغه بعمله، كما أنه يدرك من السوء ما لا يدركه بعمله، ولهذا قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «إنَّما الدُّنيا لأربعةِ» أي العمل فيها لأربعة، أي لأربعة أصناف من الناس «عبدٌ رزقَه اللَّهُ مالًا وعِلمًا فهوَ يتَّقي ربَّهُ فيهِ ويصلُ بهِ رحِمَهُ، ويعلَمُ للَّهِ فيهِ حقًّا. وعبدٍ رزقَهُ اللَّهُ علمًا ولم يرزُقهُ مالًا فَهوَ صادقُ النيَّةِ، يقولُ: لَو أنَّ لي مالًا لعَمِلتُ فيه بعَملِ فلانٍ فهو بنيَّتهِ فأَجرُهُما سواءٌ» هذا بلغ هذه المنزلة العالية بنية صادقة التي عمَّر بها قلبه لأجل أنه عجز بعمله، فسأل الله تعالى من فضله بالنية الصادقة أنه لو رزقه الله مالًا عمل به مثل ما عمل فلان، قال –صلى الله عليه وسلم-: «فأجرهما سواء»، وفي المقابل السيئة قال: «وعَبدٌ رزقَهُ اللَّهُ مالًا ولَم يَرزُقهُ عِلمًا، يخبِطُ في مالِهِ بغيرِ عِلمٍ، لا يتَّقي فيهِ ربَّهُ، ولا يَصلُ فيهِ رحمَهُ، ولا يعلَم للهِ فيهِ حقًّا، فهو بأخبَثِ المنازلِ»[سنن الترمذي:ح2325، ومسند أحمد:ح18031، وقال الترمذي:«هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ». وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب:ح16]

إذًا هذا عنده مال ولكنه لا تقوى له، ولا حفظ لهذا المال، ولا عِلمَ يبصِّره بما ينفعه في هذا المال في دينه ودنياه فهو بأخبث المنازل، آخر لم يرزقه الله مالًا ولا علمًا لكنه أعطاه قلبًا لم ينوِ خيرًا قال فهو يقول: «لَو أنَّ لي مالًا لعَمِلْتُ فيهِ بعمَلِ فلانٍ، فَهوَ بنيَّتِهِ، فوِزرُهُما سواءٌ»، هذا الحديث عظيم الذين يبين أثر النية في العمل الصالح وفي العمل السيئ، وأن الإنسان قد يبلغ بنيته الصالحة مبلغًا عظيمًا، كما يبلغ بنيته السيئة الجازمة مبلغًا عظيمًا من السوء والشرِّ، وهذا حديث في مسند الإمام أحمد وعند أصحاب السنن بإسناد جيد.

المقصود أن الشأن فيما يتعلق بنجاح الإنسان ونجاته هو في قلبه الذي بين جنبيه، متى سلم قلبه وصلح سلمت أعماله وصلحت، وسلم يوم القيامة وفاز.

 إن الله تعالى أناط النجاة والنجاح يوم القيامة بالمجيء بالقلب السليم، قال تعالى: ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ[الشعراء: 88- 89]، فمن جاءه بقلب سليم كان فائزًا؛ لأنه لا ينفعه ماله ولا بنوه، ولا يدرك نجاةً إلا من أتى الله بقلب سليم، فإنه يَفِد على الله تعالى بأمن وسلامة، وسلامة القلب كما أنها نجاة في الآخرة هي نجاة في الدنيا.

ولذلك قال الله تعالى في وصف إبراهيم: ﴿وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ[الصافات: 83]، أي من شيعة نوح -عليه السلام-، ومن يوافق نوحًا في التوحيد والإيمان بالله وتعظيمه والرسالة إبراهيم، ﴿وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ﴾، الضمير يعود إلى نوح -عليه السلام- ﴿وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ *إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ[الصافات: 83- 84]، هذا في الدنيا وفي الآخرة ﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ[الصافات: 85]، هذا بيان وإيضاحٍ للقلب السليم الذي كان مع إبراهيم -عليه السلام- ﴿مَاذَا تَعْبُدُونَ* أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ * فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ[الصافات: 85- 87] إلى آخر ما ذكر الله –جل وعلا- في دعوة إبراهيم لأبيه وقومه.

المقصود أن القلب السليم هو مفتاح السعادة في الدنيا، وهو طريق النجاة يوم العرض على الله –عز وجل-، فإنه يأتي يوم القيامة آمنًا قد أمن من كل مخافة، هذا ما يتصل بضرورة العناية بالقلب.

 أعمال القلوب: تعظيم الله، ومحبتهن ورجاؤه، وخوفهن والتوكل عليهن والذلُّ له –جل وعلا-، الخشية، الإنابة، كذلك المراقبة.

فإن المراقبة -مراقبة الله تعالى- من أعمال القلوب، بل هي من أعلى مراتب الدين، فإن النبي –صلى الله عليه وسلم- سأله جبريل عن الإسلام، وعن الإيمان؟ ثم سأله عن الإحسان؟ فقال: «أن تَعْبُدَ اللهَ كأنَّك تَراه، فإِن لم تَكُن تَرَاه فإنه يَرَاك»[صحيح البخاري:ح50، وصحيح مسلم:ح8/1]، فإن المنزلة السامية التي هي منزلة الإحسان قائمة على مراقبة الله، «أن تَعْبُدَ اللهَ كأنَّك تَراه»، أي: تبصره، أو المرتبة التي دون هذا -كما قال بعض أهل العلم- أن تُوقِن بأنه يراك، ومعلوم أن في تلك المنزلتين ما يحمل الإنسان على إصلاح العمل وإتقانه، فالمراقبة شأنها عظيم، مراقبة الله –عز وجل- مراقبة الإنسان اللهَ –عز وجل- شأنها عظيم.

ولذلك كان الله تعالى قد ملأ في كتابه الإخبار عن إحاطته وعلمه وشهادته لما يكون من عباده؛ كل ذلك لأجل أن يبعث النفوسَ على مراقبة الله وتقوى الله في السرِّ والعلن، فإن الله تعالى لا يعجز عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، لا يغيب عنه شيء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، مثقال ذرة يعني وزن ذرة لا تغيب عنه -جل في علاه-، بل هو عالم بها هو محصي لها، سيحاسب الإنسان على ذلك، كما قال تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه[الزلزلة: 7- 8]، كلُّ ما يكون منا ،كل ما يصدر عنا، كل ما تمتلئ به قلوبنا أو تشتغل به جوارحنا هو في علمه -جل في علاه-، وقد أحصاه، قال الله تعالى: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ[يس: 12]، أي: في كتاب مبينٍ دقيقن لا يفوته شيء ﴿إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ[الجاثية: 29]، ﴿إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ[الطارق: 4]، ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ[ق: 18]، ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ﴾ إن تظهروا ما في قلوبكم، وما يجول في خواطركم وأفكاركم ﴿أَو تُخْفُوهُ﴾ فلا تتكلموا به ولا تُعلِموا به أحدًا ﴿يُحاسِبْكُم به الله﴾ والمحاسبة فرع العلم، ومبنية على الإحاطة ﴿فَيَغفِر لِمن يَشاء ويُعذِّب مَن يَشَاء واللهُ عَلَى كلِّ شيءٍ قدير﴾. [البقرة: 284]

أخبرنا الله تعالى في كتابه بأنه عالم بما في أنفسنا، لا تخفى عليه منا خافية، وأن السرَّ عنده علانية، قال تعالى: ﴿وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى[طه: 7] ما هو الذي أخفى من السر؟ هو ما في القلوب مما لا يتكلم به الإنسان، لأن السر ما باح به الإنسان فقد يبوح به الإنسان لواحد أو يُسِرُّه عن غيره، لكن الأخفى هو ما لا يسبق عليه أنه سرٌّ مما يخفى في قلوب الناس ويدور في ضمائرهم ﴿قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا[الفرقان: 6] فالله تعالى يعلم ما تُخفي الصدور، كما قال تعالى: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ[غافر: 19].

هذا الإخبار بهذا العلم ليبعث في قلوب الناس مراقبته، وأن يكون الإنسان على دراية بأن ما يصدر عنه لا يغيب عن ربه ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ[إبراهيم: 42]، وقد قال الله تعالى في إثبات رقابته على جميع خلقه ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا[الأحزاب: 52] فهو مراقِب -جل في علاه- يُبصِر ويعلم ويسمع، وهو –جل وعلا- لا تخفى عنه من شئون عباده خافية، ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا[النساء: 1].

  وهذافيما يتعلق بالإنسان نفسه، تحذير من الغفلة عن مراقبة الله تعالى له في ظاهره وباطنه.

 ثم هو شهيد -جل في علاه-، والشهيد: المشاهِد الذي يبصر ويدرك ويعلم علمًا لا يلتبس ولا يختلط ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ[الحج: 17]،﴿وَٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا تَعۡمَلُونَ[آل عمران:98]، وقد جمعهما عيسى -عليه السلام- عندما سأله ربه -جل في علاه- عما يزعمه من يعبد غيرَ الله –عز وجل- من يزعم  أن عيسى -عليه السلام- أمرهم أن يعبدوه من دون الله قال: ﴿مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ[المائدة: 116]، ثم قال: ﴿وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ[المائدة: 117]، فجمع هذين الاسمين في الإخبار عن إحاطة الله.

الشهيد قد يخفى عليه شيء أو يفوته شيء، لكن إذا كان شهيدًا رقيبًا فإنه لن يغيب عنه شيء من شئون عباده، هذه الأخبار القرآنية في إثبات عظيم إحاطة الله تعالى بعباده، وأنه عليم بهم محيط بما يكون منهم، عليم بسرِّهم وإعلانهم، لاشك أنها من أعظم ما يبعث في قلوب العباد خشيتَه، من أعظم ما يبعث في قلوب العباد مراقبة الله –عز وجل-، من أعظم ما يبعث في قلوب العباد الاستجابة له –سبحانه وبحمده-.

المقدم:-فضيلة الشيخ نريد أن نتحدث في هذا الجزء من هذه الحلقة في ماذا تكون مراقبة الله –عز وجل- في الأعمال التي بين العبد وربه، وبين العبد والناس في تعاملاته معهم؟

الشيخ:-الرقابة، رقابة الله تعالى على الإنسان لا تُختصر على حال أو على شأن، بل هي شاملة لكل أحوال الإنسان في كل تفاصيله، في أمر دينه وأمر دنياه، كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ[يونس: 61]، فالله تعالى يذكر في هذه الآية الكريمة إحاطتَه بما يكون من الإنسان في كل أحواله، يخبر -جل في علاه- أنه ما من شأن ولا عمل إلا والله تعالى على العبد فيه شهيد ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ[يونس: 61] ﴿شُهُودًا﴾ أي: نشهدكم، ونعلم سرَّكم وإعلانكم، ونبصر ما يكون منكم ونسمع مقالكم، فما يخفي عليه من شأن عباده شيء، كما قال تعالى: ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ[الملك: 14]، جميع شئون الإنسان الله تعالى عليه فيها رقيب، يحيط به -جل في علاه-، ولا يعزب عنه شيء من شأن عبده.

ولذلك بعد أن ذكر الإحاطة بكل شأن الإنسان ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ[يونس: 61- 62] بعد هذا ذكر جزاء أوليائه، قال: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ[يونس: 63]، الولاية كيف حصلت لهؤلاء؟ بإدراكهم رقابة الله، وحفظ الله –جل وعلا- في جميع شئونهم، فرقابة الله تعالى للعبد في جميع شأنه تقتضي أن يراقب العبد ربَّه في كل شأنه، وقد أخبر الله تعالى برقابته في جملة من المواضع في كتابه، في أعمال فرضها على عباده، وذكَرَ رقابتَه ليذكَّرهم بضرورة حفظ حق الله تعالى في ذلك.

في سورة النساء لما ذكر –جل وعلا- ما ذكر من أحكام، افتتح السورة بذكر مبدأ الخلق، وأن الخلق خلقهم الله تعالى من نفس واحدة ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ[النساء: 1]، يعني واتقوا الأرحام أن تقطعوها، أو أن تقصروا في حقِّها، ثم قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا[النساء: 1]، سورة النساء ذكرت رقابة الله تعالى، وقد ذكر بعدها حقوق الأيتام وحقوق النساء، والحقوق في الميراث، وذكر جملة كثيرة من الحقوق التي تكون بين الخلق، فرقابة الله تعالى يحتاجها العبد في كل شأنه؛ لأن بها يدرك صلاح حاله ويستقيم بها في أمر ربه.

وقد ذكر أيضًا -جل في علاه- رقابته في سياق ذكر حقوق النساء، قال: ﴿لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا[الأحزاب: 52]، فإذا كان الله على كل شيء رقيبًا، فإنه يقتضي أن يكون العبد مراقبًا لربه في كل شيء ما الذي يثمر هذا الحال؟ ما الذي يوصل الإنسان إلى مراقبة الله –عز وجل- في كل شيء من أموره؟ في معاملته لربه؟ في معاملته للخلق؟ في خلواته وحال انفراده؟ وفي حال شهوده ومشاركته للناس؟ الذي يحمله على ذلك هو العلم اليقيني الجازم بإحاطة الله تعالى لعبده، وأنه يجازيه على ما يكون من عمله.

لذلك الله تعالى يقول: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ[البقرة: 235] العلم بأن الله يعلم ما في النفس يقتضي الحذرَ من الله –عز وجل- أن يطَّلع في نفسك على ما يكرهه أو ما لا يرضاه إذا كان هذا على ما في النفس، فكيف ما يبدو قولًا باللسان أو عملًا بالجوارح والأركان؟! فهو الرقيب على الخواطر واللواحظ، كيف بالأفعال والأركان؟

ولذلك من نَصَحَ نفسه كان دائم الاستحضار والتذكر لعلم الله به، ومعية الله له، ورقابة الله له، وأنه شهيد على شأنه، كان ذلك من موجبات فلاحه وسعادته.

 والرقابة تحمل العبد، رقابة العبد لربه تحمله على إتقان العمل، إصلاحه، وألا يبتغي سواه، وأن يُقبِل عليه إقبالًا صادقًا، لا يرجو من غيره عطاء ولا جزاء ولا شكورًا، ولذلك ذكَّر النبي –صلى الله عليه وسلم- بهذا الأمر باطِّلاع الله تعالى على العبد وشهادته له في عمل من الأعمال هو من أشرفها وهو الصلاة، قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي صَلاَتِهِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ، أَوْ إِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ»[صحيح البخاري:ح405، ومسلم:ح551/54] وفي رواية:«قِبَلَ وَجْهِهِ»[الأسماء والصفات للبيهقي:ح972]هذا تذكير للعبد بأنه واقف بين يدي ربه، وأنه ينبغي له أن يراقب الله في هذا الوقوف، وأن يتقن هذا الوقوف خشوعًا وذلًّا لله –عز وجل-، وبذلًا للوسع في تكميل هذه الفريضة ومعرفة تعظيم قدرها، فإنه يخلو بربه ويناجي مولاه -جل في علاه-، فينبغي أن يراقب الله تعالى في ذلك.

أيضًا المراقبة تحمل الإنسان على الإحسان دون انتظار مكافأة، فلك أن تبصر ذلك في قصة الثلاثة الذين أواهم الغار، فإن ثلاثة من الناس كانوا يمشون فأدركهم المبيت فأرادوا أن يدخلوا مكانًا يؤويهم ويحفظهم مما يكرهون، فآووا إلى كهف أو إلى غار، دخلوا غارًا يحتمون به، فنزلت انحطت عليهم من الجبل الذي فيه الغار صخرةٌ، لم يتمكنوا معها من الخروج، فقال بعضهم لبعض: ادعوا الله بأفضل عمل عملتموه. الأعمال متنوعة التي ذكرها هؤلاء الثلاثة، لكن جُماعها الإخلاص لله ومراقبة الله –عز وجل-، أما أحدهم أحد هؤلاء الثلاثة قال: "اللهم إني كان لي أبوان شيخان كبيران، فكنت أخرج فأرعى ثم أجيء فأحلب، فأجيء بالحلاب فآتي به أبويَّ فيشربان، ثم أسقي الصبية، يبدأ أولًا بأبويه، وبعد ذلك يسقي الصبية وأهله وامرأته.

في يوم من الأيام تأخر احتُبس ليلة، فلما جاء وجد أبويه قد ناما، لكن لعظيم مقامهما عنده، وأنه ما يرغب أن يتقدَّمَهما أحدٌ، كرهت أن أوقظَهما، والصبية يتضاغون عند رجلي، يعني ما قال لوالديه: قوموا اشربوا من الحليب، وهذا أيضًا تحدي قوي، الصبية الصغار يتضاغون عند رجلي يعني كلهم يبغون يشربون من هذا الحليب الذي جاء به، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهما، أبواه نائمان، وهو قائم فوق رأسهما حتى طلع الفجر، الله أكبر يقول في دعائه: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة نرى منها السماء.

قال: «فَفرِّج عنهم»هذا المعنى عظيم الذي حمل هذا الرجل على هذا الفعل: مراقبة الله، ابتغاء الله وليس لأجل أي معنى من المعاني الأخرى، أحسَنَ إلى أبويه هذا الإحسان العظيم رجاء الثواب من الله، يعني أبواه لم يعلما بحاله وما جرى له، ولم ينتظر منهما مكافأة، إنما انتظرها ورجاها من الكريم المنان، فقال: اللهم إنك كنت تعلم أني فعلت ذلك، هذا البر العظيم مع وجود المانع من ذلك وهو الصغار الذين يتضاغون تحت قدمه، اللهم إن كنت علمت أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة نرى منها السماء! ففرِّج عنهم.

هذا في فعل الخير انظر المراقبة في فعل الطاعات والإحسان، كما أن المراقبة تحمل على كفِّ الإنسان نفسه عن الشر والفساد والمخالفة لأمر الله ورسوله، وكبح الهوى، ومنع النفس من الوقوع في الردى.

قال الآخر: اللهم إن كنت تعلم، يعني أنت يا ربي تعلم أني كنت أحب امرأة من بنات عمي كأشد ما يحب الرجل النساء، يعني يحبها حبًّا عظيمًا، فقلت: لا تنال ذلك منها حتى تعطيها مائة دينار، فسعيت فيها حتى جمعتُها، يعني جمع المبلغ الذي يريد من خلاله أن يصل لما يصل إليه من ابنة عمي، فلما قعدت بين رجليها قالت: اتق الله ولا تفضَّ الخاتم إلا بحقه، يعني لمَّا تمكَّن من إتيان الفاحشة على هذا الوجه الذي وصف، قالت: اتق الله. ما الذي كفَّه؟ ما الذي منعه؟ ما قام عنها كراهية لها، ولا قام عنها رغبة عنها، إنما قام لأنه ذُكِّر بالله فخشي وخافه، وعلم أن الله عليه رقيب، وأنه به بصير، وأنه يسمعه، وأنه يشهد ما يكون منه، فقال: فقمت وتركتها، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك، يعني تمكَّنَ من الفعل وإدراك المطلوب، استسلمت له، لكن ذكَّرَتْه بالله فَتذَكَّره، فكفَّ نفسه عنها مع عظيم رغبته فيها لله –عز وجل-، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة، قال: ففرج عنهم الثلثين لكن ما يستطيعون الخروج.

وقال الأخير: اللهم إن كنت تعلم أني استأجرت أجيرًا بفَرَق من ذرة، يعني شيئا من الذرة فأعطيته أجرته، أبى ذاك أن يأخذ يعني، قال: ما أبغي الأجرة، مثل ما يحصل أحيانا بين الناس مع العمالة الذين يقيمون لهم بشيء من العمل، لم يذكر السبب ولكن أبى، فالرجل شال الفَرَق هذا فزرعه،  حتى اشترى منه بقرًا ورعاها حتى كانت شيئًا عظيمًا، ثم جاء العامل الأجير الأول، فقال يا عبد الله: أعطني حقي الفرق الذرة الذي أطلبه، فقلت انطلق إلى تلك البقر وراعيها فإنك لك، الرجل استغرب، وظن أنه يهزأ به قال: تستهزئ بي؟ فقلت: ما أستهزئ بك، ولكنها لك، حفظ حقَّه ونمَّاه على أكمل وجه، قال: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا، فكُشف عنهم. [صحيح البخاري:2215]

بهذا يتبين أن تقوى الله –عز وجل-، أن الرقابة مراقبة الله –عز وجل- واليقين بأنه مطلع عليك فيما تأتي وتذر، وفي كل شأنك مما يحملك على إصلاح عملك بالمبادرة، إلى الطاعات وإتقانها، والقيام بها على الوجه الذي يرضاه –سبحانه وتعالى-، كما أنها تحملك أيضًا على أن تكفَّ نفسك عن المعصية والإساءة والشر، ولذلك كان أكبر ما يوقع الناس في ترك الواجبات أو في التورط في المحرمات أنهم يغفلون عن مراقبة الله لهم، لهذا يقول تعالى لأهل النار ممن تورطوا في الشرور والآثام، قال: ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ﴾، يعني ما كنتم إذا أتيتم محرمًا أو تركتم واجبًا، ما تخفون هذا عن أسماعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم، ﴿وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ[فصلت: 22]، ما عاقبة هذا الظن الرديء، وأن الله ليس بمطلع، وأنه يخفى عليه شأنك، وأنه ليس عليك رقيب ولا عليك شهيد، قال: ﴿وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ[فصلت: 23]، فمن قام في قلبه أنه لا تخفى على ربه خافية، راقب الله وحاسب نفسه وتزود لميعاده، وعمل بوصية النبي –صلى الله عليه وسلم-:«اتَّقِ اللهَ حَيثُما كنتَ»[سنن الترمذي:ح1987، وقال:هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ] وأثمر ذلك له الخشية التي هي من أعظم ما يحمل الناس على فوز الدنيا والآخرة.

والإمام أحمد كان كثيرًا ما ينشد ويقول:

  إذا ما خلوتَ الدهرَ يومًا فلا***** تقل: خلوت، ولكن قل: علي رقيب

    ولا تحسبن الله يغفل ساعة  *****   وأنما تخفيه   عنه يغيب

لذلك من المهم يا إخواني أن نستحضر هذه المعاني، وأن نستدرك ما يمكن أن يكون من تفريط وتقصير، نراقب الله في أداء الأمانات من الفرائض والواجبات، في أركان الإسلام وسائر شرائعه، نراقب الله تعالى في حقوق الخلق، في بر الوالدين، في صلة الأرحام، في حقوق الجيران، في العقود، في حقوق ولاة الأمر، في حق كلِّ ذي حق، فتِّش في  نفسك عن حق أصحاب الحقوق، وراقب الله فيها تكن بذلك من الفائزين.

 أسأل الله أن يعيننا وإياكم على مراقبته والقيام بحقه على الوجه الذي يرضى به عنا.

المقدم:-اللهم آمين، شكرًا جزيلًا فضيلة الشيخ، شكر الله لك، وكتب الله أجرك، وأسأل الله –عز وجل- أن ينفعنا بما نقول وما نسمع، ونسأله -جل في علاه- أن يعيننا على مراقبته -جل في علاه- وأن يعيننا على عبادته وذكره وشكره وحسن عبادته.

 شكرًا جزيلًا فضيلة الشيخ على ما أجدت به وأفدت في هذه الحلقة.

الشيخ:-لكم الشكر وللإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات والمُعدِّين وكل من شارك في إيصال هذا البرنامج المبارك، نسأل الله لكم التوفيق والسداد، وأسأل الله تعالى أن يقرَّ أعيننا برفع الوباء عن بلادنا وعن سائر بلاد الدنيا، وأن يحفظ ولاة أمورنا، وأن يسددهم في الأقوال والأعمال وخادم الحرمين الشريفين وولي عهده، وأن يجعل لنا من لدنه سلطانًا نصيرًا، وأن يقرَّ أعيننا بسلامة أنفسنا وأموالنا وأهلينا وبلادنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم:- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات93793 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89654 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف