إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مِنْ يَهْدِهِ اَللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ إِلَهُ الأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اَللَّهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّىَ اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىَ آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمِنِ اِتَّبَعَ سُنَّتَهُ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ اَلدِّينِ، أمَّا بعدُ:
فَاتَّقُوُا اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ، اِتَّقَوُا اَللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ؛ فَإِنَّ هَذِهِ اَلْأُمَّةَ أُمَّةُ وَاحِدَةٌ وَاَللَّهُ رَبَّكُمْ فَاعْبُدُوهُ وَاتَّقُوهُ.
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى جَعْلَ اَلْمُؤْمِنِينَ إِخْوَةً فِي اَلدِّينِ فَقَالَ: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: 10]
وَهَذِهِ اَلْأُخُوَّةُ اَلْإِيمَانِيَّةُ عَظِيمَةُ اَلشَّأْنِ عِنْدَ اَللَّهِ – عَزَّ وَجَلَّ - هِيَ وَاسِعَةُ اَلظِّلَالِ تَنْتَظِمُ كُلَّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ اَلْآخِرِ عَبْرَ اَلزَّمَانِ وَالْمَكَانِ عَلَى اِخْتِلَافِ اَلْأَلْوَانِ وَالْأَجْنَاسِ، وَالْأَلْسِنَةِ وَالْأَنْسَابِ وَالْأَعْرَاقِ هِيَ أُخُوَّةٌ مَبْعَثُهَا اَلْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ اَلْآخِرِ هِيَ اِرْتِبَاطٌ بِاَللَّهِ – عَزَّ وَجَلَّ - لَا يُسْتَثْنَى مِنْهَا مُؤْمِنٌ فِي اَلسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.
وَمِنْ مُقْتَضَيَاتِ هَذِهِ اَلأُخُوَّةِ أَنَّ اَلْمُؤْمِنِينَ مَأْمُورُونَ بِكُلِّ مَا يُوجِبُ تَآلُفهَمْ وَاجْتِمَاعَهُمْ وَهُمْ مَنْهِيُونَ عَنْ كُلِّ مَا يُوجِبُ فُرْقَتَهُمْ وَتَنَافُرَهُمْ قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: 92] وقال جَلَّ في عُلَاهُ: ﴿إنما الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: 10]، وقال –سُبْحَانَهُ وبِحَمْدهِ-: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: 103] وَقَدْ قَالَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة «وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا» البخاري(6064)، ومسلم(2563).
فَاتَّقُوا اَللَّهَ أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ؛ خُذُوا بِأَسْبَابِ اَلْأُلْفَةِ وَالِاجْتِمَاعِ، خُذُوا بِكُلِّ سَبَبٍ يُصيُِّركُمْ إِخْوَانًا مُتَآلِفِينَ مُتَعَاطِفِينَ مُتَرَاحِمِينَ؛ فَإِنَّ مَثَلَ اَلْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ اَلْجَسَدِ اَلْوَاحِدِ إِذَا اِشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ اَلْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ.
والمؤمنون كما قال النبي –صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم-حالهم «إِنَّ المُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» البخاري (6011)، ومسلم(2585) من حديث أبيِ مُوسَىَ رَضِيَ الله عَنْهُ.
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ اَللَّهَ شَرَّعَ لَكُمْ مِنْ اَلدِّينِ مَا تَجْتَمِعُ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا يَلْتَئِمُ بِهِ شَعَثكُمْ وَتَفَرُّقُكُمْ وَمَا تَلْتَقِي بِهِ أَفْئِدَتُكُمْ فَشَرَّعَ لِبَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضِكُمْ حُقُوقًا ثَابِتَةً وَفَرَائِضَ لَازِمَةً فِي اَلْقُلُوبِ وَالْأَعْمَالِ؛ وَذَاكَ كُلُّهُ لِتَحْقِيقِ أُخُوَّةِ اَلْإِيمَانِ وَسَلَامَةِ اَلْعَيْشِ وَاسْتِقَامَةِ اَلْحَالِ.
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: أَصْلُ اَلْحُقُوقِ اَلَّتِي تَكُونُ بَيْنَ اَلْمُؤْمِنِينَ: سَلَامَةُ قُلُوبِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، فَمِنْ حَقِّ اَلْمُسْلِمِ عَلَى اَلْمُسْلِمِ أَنْ يَكُونَ سَلِيمَ اَلصَّدْرِ فِي حَقِّهِ وَأَنْ يَمْتَلِئَ قَلْبُهُ مَحَبَّةً لِلْخَيْرِ لَهُ وَقَدْ قَالَ اَلنَّبِيُّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «والذي نفْسِي بِيدِهِ ، لا يُؤمِنُ عبدٌ حتى يُحِبَّ لِجارِهِ ما يُحِبُّ لِنفسِهِ» مسلم(45) وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ يُقْسِمُ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ لَا يُحَقِّقُ اَلْإِيمَانَ اَلْوَاجِبَ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، وَقَدْ اِمْتَدَحَ اَللَّهُ قَوْمًا فَقَالَ فِي شَأْنِهِمْ: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ [الحشر: 10] أَيْ وَاَلَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِ اَلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحشر: 10].
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ مِنْ أَجْمَعَ اَلْأَحَادِيثِ اَلنَّبَوِيَّةِ فِي بَيَانِ حَقِّ اَلْمُسْلِمِ عَلَى اَلْمُسْلِمِ مَا رَوَاهُ اَلْإِمَامُ مُسْلِم فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اَللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلَامِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ» البخاري(1240)، ومسلم(2162)--.
فَهَذَا اَلْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي بَيَانِ حَقِّ اَلْمُسْلِمِ عَلَى اَلْمُسْلِمِ وَهُوَ حَقٌّ يَنْتَظِمُ بِهِ صَلَاحُ اَلْحَالِ بَيْنَ اَلنَّاسِ، وَهُوَ تَرْجَمَةٌ لِمَا فِي اَلْقَلْبِ مِنَ اَلْمَحَبَّةِ وَالْأُخُوَّةِ اَلْإِيمَانِيَّةِ، فَمِنْ حَقِّ اَلْمُسْلِمِ عَلَى اَلْمُسْلِمِ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ إِذَا لَقِيَهُ فَإِلْقَاء اَلسَّلَامِ وَتَحِيَّةُ اَلْإِسْلَامِ مِمَّا يُشَيِعُ اَلْمَحَبَّةَ وَيُوَثِّقُ أَوَاصِرَ اَلْوُدِّ بَيْنَ أَهْلِ اَلْإِسْلَامِ قَالَ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لا تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حتَّى تُؤْمِنُوا، ولا تُؤْمِنُوا حتَّى تَحابُّوا، أوَلا أدُلُّكُمْ علَى شيءٍ إذا فَعَلْتُمُوهُ تَحابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بيْنَكُمْ» مسلم(54)مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة - رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ أَظْهَرُوهُ وَانْشُرُوهُ وَأَلْقُوُهُ عَلَى مَنْ تَعْرِفُونَ وَعَلَى مَنْ لَا تَعْرِفُونَ، أَلْقُوهُ عَلَى مَنْ رَدَّهُ عَلَيْكُمْ وَعَلَى مَنْ لَمْ يَرُدَّهُ عَلَيْكُمْ، فَلَكُمْ اَلْأَجْرُ فَخَيْرهُمُ اَلَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ، وَمِنْ حَقِّ اَلْمُسْلِمِ عَلَى اَلْمُسْلِمِ تَشْمِيتُ اَلْعَاطِسَ فَإِذَا عَطَسَ أَحَدٌ فَإِنَّ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يُشمَّتَ قَالَ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَإِذَا قَالَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَلْيَقُلْ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ» البخاري(6224) مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة - رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ ، وَمِنْ حَقِّ اَلْمُسْلِمِ عَلَى اَلْمُسْلِمِ عِيَادَتُهُ إِذَا مُرْضٍ بِأَنْ يَزُورَهُ وَأَنْ يُوَاسِيَهُ وَأَنْ يَتَفَقَّدَ حَوَائِجَهُ، وَقَدْ قَالَ اَلنَّبِيُّ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا عَادَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ» مسلم(2568) مِنْ حَدِيثٍ ثَوْبَانَ - رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ أَيْ لَم يَزَلْ حَائِزًا ثِمَارَ اَلْجَنَّةِ وَحَاصِلاً عَلَى جَنْيِ خَيْرِهَا وَبَرَكَاتِهَا وَطَيِّبِ وَلَذِيذِ ثِمَارِهَا حَتَّى يَرْجِعَ وَذَاكَ فَضْلٌ عَظِيمٌ وَحَقُّ اَلْمُسْلِمِ عَلَى اَلْمُسْلِمِ لَا يَنْقَطِعُ بِالْمَوْت، بَلْ إِذَا مَاتَ فَمِنْ حَقِّهِ أَنْ يَتْبَعَ جِنَازَتَهُ وَذَلِكَ بِأَنْ يَسِيرَ مَعَ جِنَازَتِهِ حَتَّى تُدْفَنَ، فَذَاكَ مِنْ حَقِّ اَلْمُسْلِمِ عَلَى اَلْمُسْلِمِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَمِنْ حَقِّ اَلْمُسْلِمِ عَلَى اَلْمُسْلِمِ إِجَابَةُ دَعْوَتِهِ فَفِي صَحِيحِ اَلْإِمَامِ مُسْلِم مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قالَ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ومن لم يُجِبِ الدَّعوةَ فقد عَصَى اللهَ ورَسوُلَه» البخاريُّ(5177), ومُسْلم(1432) وآكدُ الدعَواتِ إجابةُ دعْوَةِ العُرْسِ.
فَاتَّقُوا اَللَّهَ أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ؛ وَاحْفَظُوا هَذِهِ اَلْحُقُوق، وَقَوَّمُوا بِهَا تَصْلُحُ أَحْوَالَكُمْ وَيَسْتَقِيمُ مَا بَيْنَكُمْ.
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ مِنْ حَقِّ اَلْمُسْلِمِ عَلَى اَلْمُسْلِمِ اَلنَّصِيحَةَ لَهُ، فَإِنَّ اَلدِّينَ اَلنَّصِيحَةُ وَقَدْ بَايَعَ اَلنَّبِيُّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْضَ أَصْحَابِهِ عَلَى اَلنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، فَفِي اَلصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ جَرِير بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ قَالَ: «بايعْتُ رسوُلَ الله –صلَّى الله عليه وسلَّم- على السَّمْعِ والطَّاعَةِ» البخاري(7204)، ومسلم(56)أَيْ لِوُلَاةِ اَلْأَمْرِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِم، فَالنَّصِيحَةُ اَلَّتِي جَعَلَهَا اَلنَّبِيُّ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَقّاً لِلْمُسْلِمِ عَلَى اَلْمُسْلِمِ هِيَ أَنْ يَدُلَّهُ عَلَى كُلِّ خَيْرٍ يَعْلَمُهُ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ وَأَنْ يُحَذِّرَهُ مِنْ كُلِّ شَرٍّ يَعْلَمُهُ لَهُ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ .
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ مِنْ حَقِّ اَلْمُسْلِمِ عَلَى اَلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَلَمَّسَ حَاجَتَهُ وَأَنْ يَسْعَى فِي إِعَانَتِهِ فَقَدْ قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2] وقد قال –صلى الله عليه وسلم-: «ومَنْ كَانَ فِي حاجةِ أَخِيهِ كانَ اللَّهُ فِي حاجتِهِ» البخاري(2442)، ومسلم(2580) وقد قال –صلى الله عليه وسلم-: «وَالله فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» مسلم(2699) وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ فِي حَقِّ اَلضُّعَفَاءِ؛ فَإِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتَنْصُرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ بِصِلَاتِهِمْ وَدُعَائِهِمْ فَاتَّقُوا اَللَّهَ أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ، وَاحْفَظُوا حَقَّ اَلضُّعَفَاءِ فَقَدْ قَالَ اَلنَّبِيُّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ، كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ - وأحسِبُه قال: - كَالقَائِمِ لاَ يَفْتُرُ، وَكَالصَّائِمِ لاَ يُفْطِرُ » البخاري(5353)، ومسلم(2982).
أَيْ قَائِمُ اَللَّيْلِ اَلَّذِي لَا يَفْتُرُ وَالصَّائِمُ اَلَّذِي لَا يُفْطِرُ.
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: هَذِهِ جُمْلَةٌ مِنْ اَلْحُقُوقِ اِحْفَظُوهَا وَاعْمَلُوا بِهَا تَصْلُحُ قُلُوبُكُمْ، وَتَسْتَقِيمُ أَعْمَالُكُمْ وَيَصْلُحُ مَا بَيْنَكُمْ وَتُحَقِّقُونَ بِهِ ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: 10].
اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، اِسْتَعْمَلَنَا فِيمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى.
أَقُولُ هَذَا اَلْقَوْلَ، وَأَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفَرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُورُ اَلرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَحْمَدُهُ حَقَّ حَمْدِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهْ وَرَسُولُهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمِنْ اِتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ اَلدِّينِ، أمَّا بعد:
فَاتَّقُوُا اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ؛ اِتَّقَوُا اَللَّهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ أَقَلَّ مَا يَجِبُ عَلَيْكُمْ مِنْ اَلْحُقُوقِ لِإِخْوَانِكُمْ أَنْ تَكُفُّوُا اَلْأَذَى عَنْهُمْ فَقَدْ جَاءَ فِي اَلصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ اَلنَّبِيَّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَعْمَالٍ مِنْ اَلْبِرِّ ثُمَّ قَالَ لِلنَّبِيِّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلُهُ قَالَ يَا رَسُولُ اَللَّهِ: «أرَأيتَ إنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ الْعملِ؟ قَالَ: تَكُفُّ شَرَّكَ عَن النَّاسِ فَإِنَّها صدقةٌ مِنْكَ عَلَى نَفسِكَ» البخاري(2518)، ومسلم(84) .
فَإِنْ عَجَزَتْ عَنْ أَدَاءِ اَلْحُقُوقِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى اَلْخَلقِ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ تَكُفَّ شَرَّكَ عَنْهُمْ، أَنْ تَكُفَّ شَرَّ قَلْبِكَ: فَلَا تَحْسُدْهُمْ وَلَا تَحْتَقِرَهُمْ وَلَا تَنْظُرْ إِلَيْهِمْ بِشَيْءٍ مِنَ اَلِازْدِرَاءِ أَوْ اَلْعَجَبِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَتَكُفَّ شَرَّك عَن اَلنَّاسِ فِي لِسَانِكَ فَلَا تَسُبَّ وَلَا تَغْتَرَّ وَلَا تَبْهَتْ وَلَا تَُكَذِّبَ.
وَتَكُفَّ شَرَّ بَدَنِكَ عَنِ اَلنَّاسِ: فَلَا تَتَسَلَّطْ عَلَى دِمَائِهِمْ وَلَا عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَلَا عَلَى أَعْرَاضِهِمْ قَالَ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كلُّ المسلمِ على المسلمِ حرامٌ مالُهُ وعِرْضُهُ ودَمُهُ»مسلم(2564) .
فَاتَّقُوا اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ؛ عَامَلُوا اَلنَّاسُ بِمَا تُحِبُّونَ أَنَّ يُعَامَلُوكُمْ بِهِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ دُخُولِ اَلْجَنَّةِ جَاءَ فِي اَلصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ عَمْرُو قَالَ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فمَنْ أحبَّ منكم أنْ يُزَحْزَحَ عنِ النارِ، ويَدْخُلَ الجنةَ،فلْتَأْتِهِ مَنيَّتُهُ وهُوَ يُؤْمِنُ باللهِ واليومِ الآخرِ، وليأْتِ إلى الناسِ، الذي يُحِبُّ أنْ يُؤْتَى إليه» مسلم(1844) أَيْ يُعَامِلُ اَلنَّاسَ بِمَا يُحِبُّ أَنْ يُعَامِلُوهُ بِهِ.
اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذَلِكَ، وَخُذْ بِنَوَاصِينَا إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، أَعِنَّا عَلَى سُلُوكِ سُبُلِ اَلْهُدَى، وَاصْرِفْ عَنَّا اَلشَّرَّ وَالرَّدَى، اِجْعَلْنَا مِنْ حِزْبِكَ وَأَوْلِيَائِكَ، اِسْتَعْمِلنَا فِي طَيِّبِ اَلْأَخْلَاقِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، أَعَنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَالْقِيَامِ بِحَقِّكَ.
اَللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكُ اَلْهُدَى وَالْتُّقَىَ وَالْعَفَافَ وَالرَّشَادَ وَالْغِنَى، اَللَّهُمَّ أَعَذِّنَا مِنْ اَلْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطْن، اَللَّهُمَّ إِذَا أَرَدْتَ بِعِبَادِكَ فِتْنَةً فَاقْبِضْنَا إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونِينَ يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ.
اَللَّهُمَّ أَمِّنا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحَ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَاجْعَلْ وِلَايَتَنَا فِيمَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ، اَللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيِّ أَمْرِنَا خَادِمَ اَلْحَرَمَيْنِ اَلشَّرِيفَيْنِ وَوَلِيِّ عَهْدِهِ إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى ، خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ إِلَى كُلِّ بِرٍّ وَاصْرِفْ عَنْهُمْ كُلَّ شَرٍّ، أَقُولُ هَذَا اَلْقَوْلَ، وَأَسْأَلُ اَللَّهَ أَنَّ لَا يَحْرِمَنَا فَضْلَهُ وَأَنْ يُجِيبَ اَلدُّعَاءَ، وَأَنْ يُقِيلَ عِثَارَنَا، وَأَنْ يُصْلِحَ قُلُوبَنَا، وَأَنْ يَغْفِرَ زَلَّتَنَا، وَأَنْ يُعَامِلَنَا بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَأَنْ يُرِينَا فِي أَنْفُسِنَا وَأَهْلِينَا وَمَنْ نُحِبُّ وَفِي بِلَادِنَا مَا يَسُرُّنَا، وَأَنْ يُعِيذَنَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَشَرٍّ، اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيَتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدُ، وَبَارِك عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكَتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.