×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد...

أمور تنافي الأخوة الإيمانية:

فقد روى الترمذي في جامعه من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله»+++[سنن الترمذي (1927) وقال: حديث حسن غريب]--- فذكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثلاثة أمور تنافي مقتضى الإخوة، قرر أولا صلى الله عليه وسلم الرابطة التي تكون بين المسلمين وهي الإخوة، وهذه الأخوة باعثها ومصدرها هو الإيمان «إنما المؤمنون إخوة» ومقتضى الإخوة الرحمة، والتعاطف، والتعاون، والمودة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد»+++[صحيح مسلم (2586)]--- فهذه الإخوة تقتضي هذه المعاني، فقوله صلى الله عليه وسلم: المسلم أخو المسلم يقتضي الود، والرحمة، والتعاون، ثم بعد ذلك ذكر ما يخرج به الإنسان عن هذا المعنى، عن مقتضى الإخوة فذكر ثلاثة خصال هي أصول ما يخرم الإخوة، قال صلى الله عليه وسلم: لا يخونه، والخيانة هي الغدر في موضع الائتمان فإنه من خان غيره إنما يكون في حال ائتمانه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوايقه»+++[صحيح مسلم (46)]---، أي خيانته، وخديعته.

المسلم لا يغدر بأخيه:

فقوله صلى الله عليه وسلم: لا يخونه أي لا يغدر به في موضع الائتمان، وهذا يشمل الغدر بكل أوجهه سواء أن كان ذلك في مال، أو كان ذلك في دم، أو كان ذلك في عرض، أو كان ذلك في سر، فمن ائتمنك على شيء فإن من مقتضى الإسلام، ومقتضى الإخوة الإيمانية أن لا تخونه فيما ائتمنك عليه حتى لو خانك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك»+++[سنن الترمذي (1264) وقال: حسن غريب]---، فلا يعاقب الخائن بالخيانة، بل يحتسب الأجر عند الله عز وجل فيما نزل بك من خيانة لكن لا تمارس معه هذه الخصلة وهي خصلة الغدر في موضع الائتمان حتى لو حصل منه خيانة لك.

لا يكذب على أخيه ولا يكذبه:

ولا يكذبه أي ولا يخبره خبرا كاذبا، وفيه وجه ولا يكذبه أي ولا يكذبه فيما يخبر به فيما هو موضع الصدق، ودفع احتمال عدم الإخبار بالواقع، فلا يخبره خبرا كاذبا، ولا يرد خبره إذا كان ليس ثمة ما يوجب الرد، ولا يكذبه. ثم قال: ولا يخذله، هذه ثالث الخصال أي ولا يتخلى عن نصرته في حضوره وفي غيبته، بل ينصره بما يستطيع في إحقاق الحق، وإبطال الباطل. هذه خصال ثلاثة نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم في علاقة المسلم بأخيه، وهنا علاقة المسلم بأخيه سواء أن كان بينه وبينه ود خاص، بينه وبينه معرفة خاصة، هذا من حقوق الإسلام العامة التي ينبغي أن يبذلها الإنسان لكل من في مظلة هذا الدين من أهل الإسلام.

الخيانة ممنوعة عموما ومع الأخ بالأخص:

لا يعني هذا أن يتعامل بخلاف ذلك مع غير المسلم لكن أحق من لا يخذل، ومن لا يخان في التعامل معه، ومن لا يكذبه هو المسلم، وأما غيره فإن له الحق العام في أن لا يكذب، وأن لا يخان، وأن لا يخذل في موضع ينبغي أن ينصر فيه بحق. ثم قال صلى الله عليه وسلم بعد هذا التقرير قال: «كل المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه» وهذا تقرير لعظيم حرمة المسلم في كل شئونه، وهذا كالتعليل للمناهي السابقة يعني نهاه عن الخيانة، وعن الخذلان، وعن الكذب لكون ذلك يخل بما يجب أن يحترم من عرضه، ودمه، وماله، فالعرض هو ما يتعلق بصفات الإنسان، وخصاله التي يكره أن يذم فيها سواء أن في نفسه، أو في ماله، وسواء أن في نفسه، أو في ولده، أو في آبائه ونسبه فلا يتناول عرضه بسوء أو شر، وكذلك ماله، وكذلك دمه، وحفظ هذه الأمور الثلاثة يحفظ بها حق الإنسان، فإذا صين دمه، وصين عرضه، وصين ماله لم يتعرض له بسوء.

التقوى في القلب محرك الأعضاء:

ثم قال صلى الله عليه وسلم بعد هذا: «التقوى ها هنا» وأشار إلى صدره، إشارة إلى أن الباعث على حفظ هذه الحقوق وأدائها هو صلاح القلب، هو أن يكون القلب عامرا بخشية الله وتقواه، ومراعاته، ومراقبته، فإن القلب إذا عمر بهذا المعنى كف الإنسان شره عن غيره، ولم يكن منه لغيره إلا كل خير فإنه لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، فأشار إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى المعنى الذي ينبعث عنه وينبثق عنه كل خير بالنسبة لعلاقة الإنسان بغيره وهو أن يعمر قلبه بتقوى الله، فإن من عمر قلبه بتقوى الله لم يكن منه لغيره إلا الخير في السر والعلن، وفي الظاهر والباطن، وفي الحضور وفي الغيبة.

لا ينطوي قلب المؤمن على الشر:

ثم قال صلى الله عليه وسلم في التحذير من أن ينطوي القلب على المعنى الرديء قال: «بحسب امرئ من الشر أن يحتقر أخاه المسلم« يعني يكفي الواحد منا أن يكون فيه من الشر هذه الخصلة وهو احتقار أخيه المسلم، والاحتقار هو النظر إلى الغير بتعالي، النظر إلى الغير بتنقص وعدم حفظ حرمته في دمه أو ماله أو عرضه، فإنه من احتقر غيره لم يقم له وزنا، من احتقر غيره خذله، وخانه، وكذبه، ولم يحفظه في عرضه، ولا في ماله، ولا في دمه، لابد أن يتطرق إلى خلل بواحد من هذه الأمور.

لا يحقر المؤمن أخاه:

ولذلك قال: يكفيك من الشر أن يكون في قلبك هذا المعنى وهو احتقار الناس، وذلك أن احتقار الناس موجب للعلو عليهم، والتكبر، والترفع، وهذا من أعظم ما ينشأ عنه الفساد في الأرض، ولذلك كانت الدار الآخرة لمن؟ لقوم خلت قلوبهم عن العلو ﴿تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا+++[القصص:83]---، قرن الفساد بالعلو فإنه من علا على الناس أظهر في الأرض الفساد في معاملته، ولهذا يعاقب يوم القيامة بنقيض ما في قلبه فإنه يحشرون كالذر يطأهم الناس بأقدامهم، أعاذنا الله من سوء المآل، ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر.

ينبغي للإنسان أن يفتش قلبه:

ولهذا ينبغي للإنسان أن يفتش قلبه، لا تحتقر غيرك مهما كان نقصه ظاهرا في عينك، إياك أن تحتقر غيرك فقد يكون هذا الذي تراه ناقصا في ماله، أو في نسبه، أو في مقاله، أو حتى فيما ترى من دينه أنه أنقص منك قد يكون عند الله خير منك، وأنت لا تعلم.

ولهذا لما جيء بالرجل الذي يشرب الخمر وجلده النبي صلى الله عليه وسلم في إقامة الحد عليه، وتكرر المجيء، قال أحد الصحابة: لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تلعنوه، فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله»+++[صحيح البخاري (6780)]---، مع وجود هذه الكبيرة. ولما أقيم الحد على امرأة زنت وأصاب أحد الصحابة شيء من دمها تكلم فيها بكلام رديء قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم»+++[صحيح مسلم (1696)]--- فإياك أن تحتقر أحد، لا تنظر لأحد بنقص، انظر لنفسك بالنقص أما غيرك فكل أمره إلى الله، ولا تنتقصه، وإذا نظرت إلى نفسك بالنقص أعانك على الكمال، إذا نظرت لنفسك بالنقص أعانك على الإصلاح، وأما من يرى نفسه كاملا وقد أحسن في كل شيء فكيف يصلح؟ وكيف يرتقي؟! وقد بلغ في نظري الغاية والمنتهى.

ولهذا مبدأ الشر في علاقتك بالناس أن تحتقرهم، ومبدأ الشر في سوء حالك ونقص إيمانك أن تنظر إلى نفسك بالكمال، ولذلك لا تعجب أن تسمع مثل هذه المقالة من أبي بكر رضي الله تعالى عنه وهو صديق الأمة في سياق الموت يقول: ليتني شعرة في صدر عبد مؤمن، وعمر يقول: ليتني أخرج منها كفافا لا لي ولا علي، لماذا قالوا هذه المقالات؟

لأنهم نظروا لأنفسهم بأنهم لم يؤدوا ما يجب لله عليهم على وجه الكمال، بخلاف الذي يرى نفسه قد كمل فإنه لن ينظر إلا إلى استحقاقاته، وسينظر إلى غيره بالنقص، فنسأل الله أن يعيننا على ذكره، وشكره، وحسن عبادته، وأن يكملنا بالفضائل، وأن يعيننا على أداء الحقوق، وأن يعيذنا من الكبر وسيء الخصال، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

المشاهدات:3633

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد...

أمور تنافي الأخوة الإيمانية:

فقد روى الترمذي في جامعه من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَخُونُهُ وَلاَ يَكْذِبُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ»[سنن الترمذي (1927) وقال: حديث حسن غريب] فذكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثلاثة أمور تنافي مقتضى الإخوة، قرر أولًا صلى الله عليه وسلم الرابطة التي تكون بين المسلمين وهي الإخوة، وهذه الأخوة باعثها ومصدرها هو الإيمان «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ» ومقتضى الإخوة الرحمة، والتعاطف، والتعاون، والمودة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ»[صحيح مسلم (2586)] فهذه الإخوة تقتضي هذه المعاني، فقوله صلى الله عليه وسلم: المسلم أخو المسلم يقتضي الود، والرحمة، والتعاون، ثم بعد ذلك ذكر ما يخرج به الإنسان عن هذا المعنى، عن مقتضى الإخوة فذكر ثلاثة خصال هي أصول ما يخرم الإخوة، قال صلى الله عليه وسلم: لا يخونه، والخيانة هي الغدر في موضع الائتمان فإنه من خان غيره إنما يكون في حال ائتمانه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ قيلَ: ومَن يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: الذي لا يَأْمَنُ جارُهُ بَوايِقَهُ»[صحيح مسلم (46)]، أي خيانته، وخديعته.

المسلم لا يغدر بأخيه:

فقوله صلى الله عليه وسلم: لا يخونه أي لا يغدر به في موضع الائتمان، وهذا يشمل الغدر بكل أوجهه سواء أن كان ذلك في مال، أو كان ذلك في دم، أو كان ذلك في عرض، أو كان ذلك في سر، فمن ائتمنك على شيء فإن من مقتضى الإسلام، ومقتضى الإخوة الإيمانية أن لا تخونه فيما ائتمنك عليه حتى لو خانك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ، وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ»[سنن الترمذي (1264) وقال: حسن غريب]، فلا يعاقب الخائن بالخيانة، بل يحتسب الأجر عند الله عز وجل فيما نزل بك من خيانة لكن لا تمارس معه هذه الخصلة وهي خصلة الغدر في موضع الائتمان حتى لو حصل منه خيانة لك.

لا يكذب على أخيه ولا يكذِّبه:

ولا يكذبه أي ولا يخبره خبرًا كاذبًا، وفيه وجه ولا يكذبه أي ولا يكذبه فيما يخبر به فيما هو موضع الصدق، ودفع احتمال عدم الإخبار بالواقع، فلا يخبره خبرًا كاذبًا، ولا يرد خبره إذا كان ليس ثمة ما يوجب الرد، ولا يكذبه. ثم قال: ولا يخذله، هذه ثالث الخصال أي ولا يتخلى عن نصرته في حضوره وفي غيبته، بل ينصره بما يستطيع في إحقاق الحق، وإبطال الباطل. هذه خصال ثلاثة نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم في علاقة المسلم بأخيه، وهنا علاقة المسلم بأخيه سواء أن كان بينه وبينه ود خاص، بينه وبينه معرفة خاصة، هذا من حقوق الإسلام العامة التي ينبغي أن يبذلها الإنسان لكل من في مظلة هذا الدين من أهل الإسلام.

الخيانة ممنوعة عموما ومع الأخ بالأخص:

لا يعني هذا أن يتعامل بخلاف ذلك مع غير المسلم لكن أحق من لا يخذل، ومن لا يخان في التعامل معه، ومن لا يكذبه هو المسلم، وأما غيره فإن له الحق العام في أن لا يكذب، وأن لا يخان، وأن لا يخذل في موضع ينبغي أن ينصر فيه بحق. ثم قال صلى الله عليه وسلم بعد هذا التقرير قال: «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ عِرْضُهُ وَمَالُهُ وَدَمُهُ» وهذا تقرير لعظيم حرمة المسلم في كل شئونه، وهذا كالتعليل للمناهي السابقة يعني نهاه عن الخيانة، وعن الخذلان، وعن الكذب لكون ذلك يخل بما يجب أن يحترم من عرضه، ودمه، وماله، فالعرض هو ما يتعلق بصفات الإنسان، وخصاله التي يكره أن يذم فيها سواء أن في نفسه، أو في ماله، وسواء أن في نفسه، أو في ولده، أو في آبائه ونسبه فلا يتناول عرضه بسوء أو شر، وكذلك ماله، وكذلك دمه، وحفظ هذه الأمور الثلاثة يحفظ بها حق الإنسان، فإذا صين دمه، وصين عرضه، وصين ماله لم يتعرض له بسوء.

التقوى في القلب محرك الأعضاء:

ثم قال صلى الله عليه وسلم بعد هذا: «التَّقْوَى هَا هُنَا» وأشار إلى صدره، إشارة إلى أن الباعث على حفظ هذه الحقوق وأدائها هو صلاح القلب، هو أن يكون القلب عامرًا بخشية الله وتقواه، ومراعاته، ومراقبته، فإن القلب إذا عمر بهذا المعنى كف الإنسان شره عن غيره، ولم يكن منه لغيره إلا كل خير فإنه لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، فأشار إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى المعنى الذي ينبعث عنه وينبثق عنه كل خير بالنسبة لعلاقة الإنسان بغيره وهو أن يعمر قلبه بتقوى الله، فإن من عمر قلبه بتقوى الله لم يكن منه لغيره إلا الخير في السر والعلن، وفي الظاهر والباطن، وفي الحضور وفي الغيبة.

لا ينطوي قلب المؤمن على الشر:

ثم قال صلى الله عليه وسلم في التحذير من أن ينطوي القلب على المعنى الرديء قال: «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْتَقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ« يعني يكفي الواحد منا أن يكون فيه من الشر هذه الخصلة وهو احتقار أخيه المسلم، والاحتقار هو النظر إلى الغير بتعالي، النظر إلى الغير بتنقص وعدم حفظ حرمته في دمه أو ماله أو عرضه، فإنه من احتقر غيره لم يقم له وزنًا، من احتقر غيره خذله، وخانه، وكذبه، ولم يحفظه في عرضه، ولا في ماله، ولا في دمه، لابد أن يتطرق إلى خلل بواحد من هذه الأمور.

لا يحقر المؤمن أخاه:

ولذلك قال: يكفيك من الشر أن يكون في قلبك هذا المعنى وهو احتقار الناس، وذلك أن احتقار الناس موجب للعلو عليهم، والتكبر، والترفع، وهذا من أعظم ما ينشأ عنه الفساد في الأرض، ولذلك كانت الدار الآخرة لمن؟ لقوم خلت قلوبهم عن العلو ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا[القصص:83]، قرن الفساد بالعلو فإنه من علا على الناس أظهر في الأرض الفساد في معاملته، ولهذا يعاقب يوم القيامة بنقيض ما في قلبه فإنه يحشرون كالذر يطأهم الناس بأقدامهم، أعاذنا الله من سوء المآل، ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر.

ينبغي للإنسان أن يفتش قلبه:

ولهذا ينبغي للإنسان أن يفتش قلبه، لا تحتقر غيرك مهما كان نقصه ظاهرًا في عينك، إياك أن تحتقر غيرك فقد يكون هذا الذي تراه ناقصًا في ماله، أو في نسبه، أو في مقاله، أو حتى فيما ترى من دينه أنه أنقص منك قد يكون عند الله خير منك، وأنت لا تعلم.

ولهذا لما جيء بالرجل الذي يشرب الخمر وجلده النبي صلى الله عليه وسلم في إقامة الحد عليه، وتكرر المجيء، قال أحد الصحابة: لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تَلْعَنُوه، فوالله ما عَلِمْتُ إلَّا أنه يُحِبُّ اللهَ ورسولَه»[صحيح البخاري (6780)]، مع وجود هذه الكبيرة. ولما أقيم الحد على امرأة زنت وأصاب أحد الصحابة شيء من دمها تكلم فيها بكلام رديء قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ تَابَتْ تَوْبةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْن سبْعِينَ مِنْ أَهْلِ المدِينَةِ لوسعتهُمْ»[صحيح مسلم (1696)] فإياك أن تحتقر أحد، لا تنظر لأحد بنقص، انظر لنفسك بالنقص أما غيرك فكل أمره إلى الله، ولا تنتقصه، وإذا نظرت إلى نفسك بالنقص أعانك على الكمال، إذا نظرت لنفسك بالنقص أعانك على الإصلاح، وأما من يرى نفسه كاملًا وقد أحسن في كل شيء فكيف يصلح؟ وكيف يرتقي؟! وقد بلغ في نظري الغاية والمنتهى.

ولهذا مبدأ الشر في علاقتك بالناس أن تحتقرهم، ومبدأ الشر في سوء حالك ونقص إيمانك أن تنظر إلى نفسك بالكمال، ولذلك لا تعجب أن تسمع مثل هذه المقالة من أبي بكر رضي الله تعالى عنه وهو صديق الأمة في سياق الموت يقول: ليتني شعرة في صدر عبد مؤمن، وعمر يقول: ليتني أخرج منها كفافًا لا لي ولا علي، لماذا قالوا هذه المقالات؟

لأنهم نظروا لأنفسهم بأنهم لم يؤدوا ما يجب لله عليهم على وجه الكمال، بخلاف الذي يرى نفسه قد كمل فإنه لن ينظر إلا إلى استحقاقاته، وسينظر إلى غيره بالنقص، فنسأل الله أن يعيننا على ذكره، وشكره، وحسن عبادته، وأن يكملنا بالفضائل، وأن يعيننا على أداء الحقوق، وأن يعيذنا من الكبر وسيء الخصال، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94004 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89900 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف