الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد...
فقد روى الإمام البخاري من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِماً أَوْ مَظْلُوماً» فقَالَ رَجُلٌ: يَا رسول اللَّه أَنْصرهُ إِذَا كَانَ مَظلُوماً أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ ظَالِماً كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟ قال: «تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنعُهُ مِنَ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذلِك نَصْرُهْ» أي هذا الذي أمرت به من نصره.
حق نصرة المسلم:
هذا الحديث الشريف بين فيه النبي صلى الله عليه وسلم حقًا من حقوق المسلم على المسلم، فحق المسلم على المسلم متعدد، ومنه نصرته، ونصرته لها صورتان: أن يكون مظلومًا فنصرته بدفع الظلم عنه إما بدفع الأذى، أو إعطائه ما بخس من حقه، فإن الظلم يدور على أمرين: إما أن يكون إيقاع ظلم عليه وإيقاع اعتداء عليه في نفسه، أو في ماله، أو في عرضه، وإما أن يكون منعًا لحقًا من حقوقه بأن يحجز عنه ما له من حق سواء أن كان ذلك في دمه، أو في ماله، أو في عرضه، كل ذلك من الظلم الذي ينبغي أن يسعى المؤمن في دفعه عن إخوانه.
النصرة لكل مسلم قريبا أو بعيدا:
وليس هذا مقصورًا على من تعرفه أو على من بينك وبينه صلة وقرابة بل هذا حقًا لكل مسلم على كل مسلم حيًا كان أو ميتًا، قريبًا كان أو بعيدًا فإنه من الحقوق التي أثبتها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين، انظر أخاك أي في الإسلام، إنما المؤمنون إخوة أي في الإيمان الذي هو أعظم الروابط التي تكون بين الناس، انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا.
ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم هذه المقالة التي هي معروفة في الجاهلية، حيث كانت العصبية تحملهم على الانتصار للظالم بإعانته على الظلم، استفسر هذا الرجل ليستبين مقصود النبي صلى الله عليه وسلم من نصرة الظالم، كيف تكون نصرة أخيك إذا كان ظالمًا، قال رجلًا: يا رسول الله أرأيت إن كان ظالمًا فكيف أنصره؟ قال صلى الله عليه وسلم في بيان نصرة الظالم قال: تحجزه أو تمنعه عن ظلمه فذاك نصرك إياه، أي فذاك الذي يتحقق به نصره، وإنقاذه من الظلم.
كيف يكون نصر الظالم؟
بأن تمنعه من ظلمه، وكيف يكون هذا نصرًا؟ أنك تكفه عن الخطأ، تكفه عن الاعتداء، فيكون هذا صيانة له عن أن يكتسب إثمًا، أو أن يواقع اعتداء يعود عليه بسوء الحال والمآل فلا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، فمنعك لأخيك إذا وقع في ظلم هو من نصرته ولا فرق في هذا بين القريب والبعيد، ولا بين الأخ من النسب والأخ غير ذي نسب من عموم المسلمين، فكل من رأيته ظالمًا فمن حقه عليك أن تنصره، ونصره على مراتب لأن المنع من الظلم لا يتيسر للإنسان في كل الأحوال بل هو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في المراتب المعروفة في إنكار المنكر: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ» فنصرة الظالم إذا كان لك عليه ولاية بأن تمنعه من ظلم من ابن أو بنت أو غيرهما ممن لك عليهم ولاية.
كيف تمنعه من ظلمه؟
فإذا كان لا تتمكن من منعه بيدك فامنعه بلسانك بأن تنصحه، وأن تبين له شؤم ما يفعل، وسوء عاقبة ما يأتي من الظلم، فإن كان ذلك يترتب عليه مفسدة، أو لا تقوى عليه، أو لا تستطيع أن تصل إلى ما تريد من منعه من الظلم بلسانك ونصحه فأقل أحوال نصرته أن تنصره بقلبك بأن تنكر ما هو عليه من ظلم، فإن ذلك من نصرته وإن كان لا يتعدى هذا إليه إلا بالدعاء، وسؤال الله عز وجل أن يهديه، وأن يكف شره عن نفسه، لكن هو من مراتب الإنكار التي يعود نفعها إلى الإنسان نفسه إبراء لذمته، فإن مراتب الإنكار ثلاثة كما هو معلوم: باليد للمستطيع، باللسان إن لم يستطع باليد، فبالقلب وذلك أضعف الإيمان.
المنع من كل ظلم عاما كان أو خاصا:
فنصرة الظالم هي بنصحه، ولا يلزم أن يكون الظلم عامًّا حتى الظلم الخاص ينبغي منع الإنسان منه، حتى ظلم الحيوان ينبغي أن يمنعه الإنسان، فكل ظلم وهو وضع الشيء في غير موضعه اعتداء، وتجاوزًا ينبغي للإنسان أن يسعى في إزالته، وأن يحتسب الأجر عند الله، وهذا من مقتضيات إنما المؤمنون إخوة، فإن من مقتضى الإيمان أن تمنع أخاك، وأن تحجزه عما يضره في دينه ودنياه، ومن أعظم ما يضر الإنسان الظلم، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في بيان كيفية نصر الظالم، قال: «تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنعُهُ مِنَ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذلِك نَصْرُهْ» أي هذا النصر الذي أمرت به.
اللهم أعنا على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك، واجعلنا من خير عبادك لعبادك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.