الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد...
فقد روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «حق الْمُسْلمِ سِتٌّ» وقد تقدم هذا الحديث من رواية أبي هريرة في الصحيحين، وقال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «حق الْمُسْلمِ على المسلم خمسٌ» والفرق بينهما أن هذا الحديث زاد خصلة من الحقوق التي بين المسلمين وهي ثابتة لكل مسلم على كل مسلم إما وجوبًا عينيًا، وإما على وجه الكفاية وحصول المطلوب، وإما على وجه الندب والاستحباب.
حقوق المسلم:
فهذه الحقوق دائرة على هذه الأمور الثلاثة من حيث الحكم: إما الوجوب العيني، وإما فرض الكفاية، وإما الاستحباب والندب. قوله صلى الله عليه وسلم: «حق الْمُسْلمِ سِتٌّ» تقريرًا لثبوت الحق بمقتضى الإسلام، وذلك أن الله تعالى أثبت الإخوة بين المؤمنين، وهذه الإخوة الإيمانية لها حقوق وقد بينهما النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث عديدة، هذا الحديث تميز في أنه جمع النبي صلى الله عليه وسلم أصول من هذه الحقوق، جملة من هذه الحقوق العملية.
حكم إلقاء السلام:
فقال صلى الله عليه وسلم: «إِذا لقِيتَهُ فسلِّم عليْهِ» وهذا مسنون بإجماع أهل العلم، أي إلقاء السلام وابتداء المسلم غيره بالسلام من أهل الإسلام من السنن والآداب العامة التي هي من حق المسلم على المسلم، وفي الحديث السابق حديث أبي هريرة جعل الحق في الرد أي في إجابة المسلم، فهنا ذكر الابتداء وفي الرواية الأخرى ذكر الرد، وبع يُعلم أن هذا الحديث تضمن حقًا زائدًا على ما تقدم في الحديث لا من حيث العد فقط بل من حيث التفصيل، فإنه لم يذكر هذا الحق في رد السلام، لكن يفهم من ذلك أن ابتداء السلام من الخصال التي تكون بين المؤمنين، ورده هو الثابت حقًا لأنه آكد إذ الرد واجب.
تلبية دعوته:
قال صلى الله عليه وسلم: «إِذا لقِيتَهُ فسلِّم عليْهِ، وإِذَا دَعاكَ فَأَجبْهُ» وإذا دعاك أي إلى وليمة أو إلى دعوة من عرس أو مناسبة جمع لها الناس أو رغب في حضورك لها فأجبه أي فأته إلى ما دعاك، وذلك إما على وجه الوجوب، أو على وجه الاستحباب، وعامة أهل العلم على أن ذلك على وجه الندب. وقد ذكروا للإجابة شروطًا: أن لا يكون الإنسان ينصرف بذلك عما يهمه، أو أن لا يشغله عما يجب عليه، وما إلى ذلك من شروط أن لا يكون فيها منكر وما أشبه ذلك، المقصود إثبات الحق تفاصيل الإجابة هي مما بينته النصوص الأخرى.
نصح المسلم لأخيه المسلم:
الحق الثالث الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم: «وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصحْ لهُ» وهذا حق خاص لمن طلب منك النصيحة، فقوله: إذا استنصحك يعني إذا طلب نصحك على أن النصح حق للمسلم ولو لم يطلبه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ، الدِّينُ النَّصِيحَةُ، الدِّينُ النَّصِيحَة، قُلْنَا: لِمَنْ يا رسول الله؟ قال: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ «فجعل هذا حقًا ثابتًا لكل مسلم ولو لم يطلب ذلك، فإذا طلب المسلم هذا كان ذلك مما يتأكد به نصحه وتقديم النصح له لأنه طلبه، سواء أن كان ذلك في أمر دين، أو كان ذلك في أمر دنيا، لأن الحديث عام إذا استنصحك أي طلب إرشادك، وطلب نصحك، وطلب رأيك، وتوجيهك، ودلالتك فانصح أي فانصح له أي فاجتهد في تقديم أكمل ما تعلمه من الخير له في دينه ودنياه.
تشميت العاطس:
الخصلة الرابعة التي ذكرها قال: «وإِذا عطَس فحمِد اللَّه فَشَمِّتْهُ» فجعل التشميت وهو الدعاء به بالرحمة بأن يقال له: يرحمك الله هو مما يثبت بعد حمد العاطس، وهذا على وجه الحق الثابت أما إذا عطس ولم يحمد الله فليس له حق لكن ذلك قد يكون مندوبًا إليه على وجه التذكير والحث على حمد الله على هذه النعمة وهي نعمة العطاس، والتشميت تقدم أنه الدعاء له بالرحمة، أو الدعاء له بإبعاد ما يشمت به، ويكون موضعًا للشماتة من مرض ونحوه؛ لأن العطاس قد يكون إشارة إلى مرض.
عيادة المريض:
الحق الخامس الذي ذكره صلى الله عليه وسلم: «وَإِذَا مرِضَ فَعُدْهُ» أي فزره، وذلك على وجه الندب على وجه العموم وهو من فروض الكفايات، فإذا حصل ذلك من البعض سقط على الباقين، وندب لهم العيادة، والعيادة هي حق للمريض لأنسه، وتفقد حاله، والاطمئنان عليه، ومواساته، وما أشبه ذلك مما يترتب على العيادة من المصالح والفوائد، وهي في حق المريض الذي حبسه المرض، أو عطله عن مصالحه وعما يكون مما اعتاده من عمل.
اتباع جنازته:
الحق السادس الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم: «وَإِذَا ماتَ فاتْبعهُ» أي وإذا مات فاتبعه لتكميل حقه من تغسيل إن احتاج، من تكفين، من صلاة، من دفن فإذا جمع ذلك كله أو أتى ببعضه كان ذلك مما يتحقق به إتباع الميت. هذا الحديث زاد على رواية الصحيحين أمرين: الأمر الأول ابتداء السلام، والأمر الثاني النصيحة لمن استنصحك وطلب ننصحك، وهذه الحقوق أصول في حسن العشرة، وطيب المعاملة.
هذه الحقوق لكل مسلم:
وكما ذكرنا في أول الحديث الحق المذكور في هذا الحديث: حق المسلم على المسلم يشمل كل مسلم برًا كان أو فاجرًا لكن بما أن الحديث أناط الحكم بوصف وهو الإسلام فكل من زاد فيه وصف الإسلام استقامة عليه، وعملًا به كان حقه ي هذه الخصال أعظم. ولهذا قال العلماء: إن الحق المعروف بالطاعة، والإحسان، والبر، والفضل، والخير ليس كحق من كان دون ذلك، وإن كان الجميع يشتركون في الحق لكن الحق في هذه الخصال لمن زاد فيه وصف الإسلام بالاستقامة عليه، والعمل به، والاستكثار من خصاله أكبر من غيره، فنسأل الله أن يكملنا وإياكم بالفضائل، وأن يرزقنا كمال الإسلام، وتمام الإيمان، وأن يعيذنا وإياكم من نزغات الشياطين، وأن يعيننا على طيب المعاملة، وحسن الخلق، وأداء الحقوق وصلى الله وسلم على نبينا محمد. .