الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد...
فقد جاء في الصحيحين من حديث:
«أَبي عُمارة الْبراءِ بنِ عازبٍ رضي اللَّه عنهما قال: أَمرنا رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِسبْعٍ ونهانا عن سبع» فأمرهم صلى الله عليه وسلم بسبع خصال، ونهاهم عن سبع خصال، وعد البراء ذلك فقال: «أَمرنَا بِعِيادة الْمرِيضِ، واتِّبَاعِ الْجنازةِ، وتَشْمِيتِ الْعاطِس، وَإِبْرارِ الْمُقْسِمِ، ونَصْرِ المظْلُومِ، وَإِجابَةِ الدَّاعِي، وإِفْشاءِ السَّلامِ»، هذه الأمور السبعة مما جاء ذكرها في حديث أبي هريرة في حق المسلم على المسلم، فعلم من هذا أن هذه الحقوق هي من الحقوق العامة التي تكون بين أهل الإسلام، فهذه الحقوق ابتدأها صلى الله عليه وسلم بذكر عيادة المريض، وعيادة المريض زيارته، ويزار من المرضى من أقعده المرض. ثم قال صلى الله عليه وسلم: «وَإتِّبَاعِ الْجنازةِ» وإتباع الجنائز يشمل السعي في تغسيلها، وفي تكفين الجنازة، وفي الصلاة عليه، وفي دفنه.
وكذلك تشميت العاطس هو الدعاء له بالرحمة، وذلك إذا حمد الله عز وجل، وهذه الأمور الثلاثة كلها مما جاء ذكرها في حديث أبي هريرة في حق المسلم على المسلم.
إبرار قسم المسلم:
زاد هنا فقال صلى الله عليه وسلم: «وَإِبْرارِ الْمُقْسِمِ» أي عدم تحنيثه، ومعنى عدم تحنيثه أي تصديقه فيما حلف عليه، وفيما حلف في طلبه، فيشمل المعنيين: إبرار المقسم بأن أصدقه في خبره إذا أقسم، وأن أقوم بما حلف عليه من فعل أو طلب، وإبرار المقسم مندوب.
أما الأول وهو إبرار المقسم بتصديقه فهذا مما يندب إليه وذلك إعظامًا لله عز وجل، وإجلالًا له سبحانه وبحمده، وقد جاء في الصحيح أن عيسى بن مريم رضي الله تعالى عنه رأى رجلًا يسرق، فقال له: أسرقت؟ فقال: لا والذي لا إله إلا هو، فقال: صدقتك، وكذبت عيني، أو كذبت بصري، وهذا منه عليه السلام تعظيمًا لليمين التي ذكرها وهو من إعظام الله عز وجل وإجلاله، فإبرار المقسم ليس لأجل المقسم في ذاته إنما لأجل ما أقسم به وهو إعظام الله عز وجل وإجلاله.
إبرار القسم شريطة عدم الضرر:
فإذا كان لا مضرة في ذلك، ولا مفسدة، ولا يترتب عليه شر فإن المطلوب والمندوب أن يبر المقسم ما لم يكون في ذلك مفسدة، فعند ذلك لا يبر؛ لأن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكثيرها، ودفع المفاسد بالإلغاء والتقليل إلا ما يمكن إلغاؤه، ودليل أنه لا يجب إبرار المقسم في كل الأحوال أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبر قسم أبي بكر عندما عبر رؤية رآها رجل، فقال له: أصبت وأخطئت، قال مقسمًا عليه: أخبرني بما أخطئت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقسم.
فدل ذلك على أنه لا يبر المقسم في كل الأحوال وذلك فيما إذا ترتب على الإبرار لقسمه مفسدة أو مضرة، وينبغي للإنسان أن يترشد، وأن يترفق، وأن يتأنى في القسم فإن ذلك من حفظ اليمين الذي أمر الله تعالى به في قوله: ﴿وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ﴾[المائدة:89]. أما الخصلة السادسة أو الخصلة الخامسة فهي نصرة المظلوم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» بدفع الظلم عنه، والسعي في إعانته على ما نزل به من ظلم بالرفع، أو التخفف، أو الكشف مما أشبه ذلك مما يتحقق به نصرة المظلوم، فإن عجز فبقلبه، وبلسانه بالدعاء له، وسؤال الله تعالى أن ينتصف له، وأن ينصره على من ظلمه.
تلبية الدعوة وخاصة وليمة العرس:
ومن حق المسلم على المسلم أيضًا إجابة الدعوة وقد تقدم تفصيل ذلك، والمقصود بالدعوة هي الدعوة إلى الوليمة سواء أن كانت وليمة عرس أو غير ذلك.
إفشاء السلام:
والأمر السابع الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم إفشاء السلام، وإفشاء السلام هو إظهاره وبذله للناس، للقريب والبعيد، ومن عرفت، ومن لم تعرف، فإن ذلك من خصال الخير التي يترتب عليها إشاعة المحبة والود بين أهل الإسلام، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا ، أَوَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ ؟ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ»[صحيح مسلم (54)] والإفشاء هو بذل السلام، وإظهاره، وذلك بإشاعته، والكلام عنه عند القريب والتكلم به عند القريب، والبعيد، ومن تعرف، ومن لا تعرف.
هذه الأمور هي التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم وهي سبعة أمور، والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.