الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..
فقد جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «مَنْ كَانَ في حَاجَة أخِيه، كَانَ اللهُ في حَاجَتِهِ».
وفيما رواه الإمام مسلم من حديث أَبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «والله في عَونِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ في عَونِ أخِيهِ» رواه مسلم.
بيان فضل إعانة المسلم أخاه:
هذان الحديثان الشريفان موضوعهما واحد وهو بيان فضل إعانة أخيك المسلم وفضل كونك ساعيًا في حاجته، فقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: من كان في حاجة أخيه يعني من كان مشتغلًا مهتمًا بحاجة أخيه وهو كل ما يفتقر إليه مما فيه مصلحة أو فيه دفع مضرة سواء كان ذلك سعيًا بالقول أو كان سعيًا بالبدن أو كان إعانة بالدعاء وسؤال الله تعالى قضاء حاجة أخيه.
المعونة شاملة لكل أشكال المعاونة:
فقوله: «من كان في حاجة أخيه» يشمل جميع أوجه الاشتغال بتحصيل حاجة أخيه، إذا في مصلحة بجلبها وإذا كان في مفسدة ومضرة بدفعها، سواء كان ذلك بالدعاء بأن تدعو له، أو كان ذلك بالتمني أن يدرك حاجته أو كان ذلك بالقول بأن تشفع له أو تسعى في طلبها له أو كان ذلك بالعمل بأن تقضيها له وتباشر قضائها بنفسك.
فكل ذلك داخل في قوله –صلى الله عليه وسلم-: من كان في حاجة أخيه، ولا فرق في ذلك بين الحوائج الدينية أو الحوائج الدنيوية، الحوائج الدنيوية كثيرة سواء كانت تتعلق به أو بأهله أو بمن يحب كل من كان في حاجة أخيه من أمر الدنيا، فإنه يكون الله في حاجته في أمر الدنيا وكذلك في أمر الدين، بأن تعلمه أو أن تعرفه أو أن تدله على خير أو تأمره بمعروف أو تنهاه عن منكر، كل من كان في حاجة أخيه بأي وجه من الأوجه وفي أي أمر من الأمور التي لا إثم فيها ولا حرج، فإنه مما يؤجر عليه الإنسان فيكون الله في حاجته وهذا أجر عظيم وفضل كبير ولك أن تدرك معنى هذا بأن الحاجة يرجى قضائها إذا كان المعين فيها رفيعًا ذا قدر، إذا كان المعين فيها ذا قوة أو جاه.
فكيف إذا كانت حاجتك من بيده ملكوت كل شيء، من إذا أراد شيئًا إنما أمره أن يقول له كن فيكون، ألا تقضى بلى والله ما أسرع أن تقضى وما أقرب أن تحصل، ولذلك كل من أراد أن تقضى حوائجه فليكن في حوائج الناس، فإن الجزاء من جنس العمل، وبقدر إخلاص الإنسان في ذلك لله –عز وجل- وطلب الثواب منه وابتغاء وجهه يكون الله تعالى لك، فكن خالص النية حسن القصد في قضاء حوائج الناس وابذل في ذلك ما تستطيع حتى بالدعاء، حتى بالكلمة الطيبة، حتى بالأمنية التي هي عمل القلب فلا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
والحديث الآخر: «والله في عَونِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ في عَونِ أخِيهِ» يعني يدوم عون الله لك ويحصل عون الله لك في حوائجك وفيما ترغب في تحصيل مصلحة أو دفع مضرة، مادمت على هذه الحال في عون إخوانك والله تعالى يقول: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾[المائدة: 2] وهذا ندب إلى التعاون في كل الأمور.
والإعانة على درجات ومراتب:
منها ما هو واجب يتعين على الإنسان ومنها ما هو مندوب مستحب، فحفظ مال أخيك إذا وجدت مال لأخيك ساقطًا يغشى عليه التلف ولا يحفظ إلا بقيامك عليه كان حفظه عليك واجبًا، مثل مثلا لو وجد أحدنا باب جاره مفتوحًا وهو مسافر يعلم غيبته واشتغل بإغلاقه هذا في حاجة أخيه، وكذلك إذا وجد له شيئًا ضائعًا فحفظه كل هذا مما يدخل في قوله: من كان في حاجة أخيه على وجه الوجوب إذا كان عدم حفظه سيؤدي إلى ضياعه.
وقد يكون مستحبًا وذلك فيما لا يجب ولا يتعين على الإنسان، والمقصود أن الإنسان ينبغي له أن يبذل وسعه في قضاء حوائج إخوانه، فإن في ذلك خيرًا عظيمًا يكون الله في حاجته أي يكون الله تعالى معينًا له ومبلغًا له في حاجته وكذلك يدرك به ما يترتب على ذلك من الأجر والمثوبة.
فهذا من باب الجزاء من ذكر بعض الجزاء المرتب على هذا العمل، وإلا فالآخرة خير وأبقى فإنه يؤجر على ذلك في الآخرة والجزاء من جنس العمل فنسأل الله أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته وأن يستعملنا فيما يحب ويرضى وأن يجعلنا من خير الناس للناس ومن أنفعهم لهم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.