الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد..
فقد نقل النووي ـ رحمه الله ـ في رياض الصالحين في باب الإصلاح بين الناس:
عن سهل بن سَعد الساعِدِيّ ـ رضي الله عنه ـ: أنَّ رَسُول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بَلَغَهُ أنَّ بَني عَمرو بن عَوْفٍ كَانَ بَيْنَهُمْ شَرٌّ، فَخَرَجَ رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يُصْلِحُ بَينَهُمْ في أُنَاس مَعَهُ، فَحُبِسَ رَسُول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وَحَانَتِ الصَّلاة، فَجَاءَ بِلالٌ إِلَى أَبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ فَقَالَ: يَا أَبا بَكْر، إنَّ رَسُول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قَدْ حُبِسَ وَحَانَتِ الصَّلاةُ فَهَلْ لَكَ أنْ تَؤُمَّ النَّاس؟ قَالَ: نَعَمْ، إنْ شِئْتَ، فَأقَامَ بِلالٌ الصَّلاةَ، وتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَكَبَّرَ وَكَبَّرَ النَّاسُ، وَجَاءَ رَسُول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يَمشي في الصُّفُوفِ حَتَّى قَامَ في الصَّفِّ.البخاري (1234)، ومسلم (421)
عظيم فضيلة الصلح:
هذا الحديث فيه بيان عظيم فضيلة الصلح، حيث تولاه سيد ولد آدم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ولم يكن هذا الصلح حاضرًا في مجلسه، بل خرج إليه ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ طلبًا للإصلاح، وهذا يدل على عظيم فضله إذ إنه خرج إليه النبي –صلى الله عليه وسلم- وتعنى ثم أيضًا مما يدل على فضيلته أنه خروج تأخر به النبي –صلى الله عليه وسلم- عن فرض من فرائض الله –عز وجل- وعن صلاة جماعة، فدل ذلك على رفيع قدره إذ لو كان أنزل مما هو فيه من الصلاة بأصحابه لما فوته النبي –صلى الله عليه وسلم- إذ الشريعة تقدم أعلى المصلحتين على أدناهما.
فدل هذا على شريف فضل الصلح وعظيم منزلته من جهات عديدة.
وفيه من الفوائد: أن تولي الصلح بين الناس يكون من كل من أمكنه ذلك ولو كان في ذلك خروجًا عن المألوف، فإن المألوف أن يصلي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع أصحابه لكنه فوت ذلك لما في الصلح من مصلحة، وقد قال الله ـ تعالى ـ: ﴿الصُّلْحُ خَيْرٌ﴾[النساء: 128].
يثبت أجر الصلح ولو لم يتم الصلح:
وفيه أيضًا: أن الاشتغال بالصلح لو فوت على الإنسان واجبًا يمكن تداركه فإنه يقدم الصلح لما يترتب عليه من المصالح.
وفيه أيضًا: أن الصلح مما يؤجر عليه صاحبه تحقق المقصود أو لم يتحقق، فإن الصحابي ـ رضي الله تعالى عنه ـ الذي أخبر بهذه الواقعة لم يذكر نتيجة خروجه –صلى الله عليه وسلم- أتم ما أراده من الإصلاح أو لا؟ وذلك أن في الصلح والسعي فيه أجرًا تحقق المطلوب للساعي أو لم يتحقق.
تواضع النبي صلى الله عليه وسلم:
وفيه أيضًا: تواضع النبي –صلى الله عليه وسلم- حيث أنه لم يستدعهم بل ذهب إليهم بنفسه، وفي هذا من تطييب خواطرهم وحثهم على الصلح ما فيه إكرام النبي –صلى الله عليه وسلم- يستوجب قبول شفاعته وسعيه في الصلح بين هؤلاء الذين اختصموا.
هذه جملة من الفوائد المتصلة بهذا الخبر من خروجه –صلى الله عليه وسلم- للإصلاح في بني عمرو، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، وأن يأجرنا صالحين مصلحين مباركين حيث ما كنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.