المقدم:بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نحييكم تحية طيبة عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة في هذه الحلقة المتجددة لبرنامج "الدين والحياة"، والتي نستمر معكم فيها على مدى ساعة كاملة بمشيئة الله تعالى.
في بداية هذه الحلقة مستمعينا الكرام تقبلوا تحياتي محدثكم وائل حمدان الصبحي ومن الشئون الهندسية علي مداغبي، ومن الماستر كنترول ساعد الصحفي، من تنفيذ البرنامج على الهواء مصطفي مستنطق، ومن الإخراج خالد الزهراني، ومن استديو الهواء مصطفي الصحفي.
باسمكم جميعًا مستمعينا الكرام أرحب بضيف البرنامج الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، ضيفنا الدائم في برنامج "الدين والحياة".
سيكون معنا -بمشيئة الله تعالى- بعد دقائق قليلة على الهاتف، سيكون حديثنا مستمعينا الكرام في هذه الحلقة امتدادًا للموضوعات التي نتحدث عنها في برنامج "الدين والحياة"، هذه الموضوعات التي تهم المسلم في أمور دينه ودنياه ويترقى بها في تعاملاته مع نفسه ومع إخوانه في هذه الحياة الدنيا.
الموضوعات التي حث عليها ديننا الإسلامي ونحاول -بمشيئة الله تعالى- أن نسلِّط الضوء على ما جاء في كتاب الله –عز وجل- وفي سنة المصطفى -عليه أفضل السلام وأتم التسليم- من الأحاديث والنصوص القرآنية التي تحث على هذا الموضوع.
في هذه الحلقة سنتحدث حول موضوع "الرفق" وحديث النبي -عليه الصلاة والسلام-: «ما كان الرِّفقُ في شيءٍ إلَّا زَانَه»[صحيح مسلم:ح2594/78].
سنتحدث حول نقاط متعلقة بهذا الموضوع من ضمن هذه النقاط التي سنتحدث عنها -بمشيئة الله تعالى- عن تعريف الرفق، ما هو الرفق؟ وسنتحدث عن فضائله وآثاره وفوائده المرجوة.
باسمكم جميعًا مستمعينا الكرام نرحب بضيفكم وضيفكم الكريم مجددًا، فضيلة الشيخ الدكتور الأستاذ خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، أهلا وسهلا فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ:-وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته حياك الله أخي وائل، وأهلا وسهلا بكم، وأسأل الله أن يجعله لقاءًا نافعًا مباركًا.
المقدم:-اللهم آمين، فضيلة الشيخ ذكرت أننا سنتحدث -بمشيئة الله تعالى- عن الرفق، ومن حديث النبي -عليه الصلاة والسلام-:«ما كان الرِّفقُ في شيءٍ إلَّا زَانَه»[سبق]-، سنتحدث عن الرفق وعن فضائله وآثاره وفوائده المرجوة، لكن ابتداء دعنا نتحدث فضيلة الشيخ عن الرفق، وكيف أنه من الفضائل التي تدعو إليها الشريعة الإسلامية، ونريد أيضًا أن نتعرف على الرفق تعريفه وما هو أيضًا؟
الشيخ:-الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.
فَتَحية طيبة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لك أخي ولجميع الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.
حديثنا اليوم عن "الرفق"، الرفق هو من جملة كريم الخصال وجميل الأخلاق وحسن الصفات وعندما نتحدث عن الأخلاق، فنحن نتحدث عن أثقل شيء في ميزان العبد يوم القيامة، فإن أثقل شيء في الميزان يوم القيامة حسن الخلق كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وليس ثمة انفصال بين حسن العبادة وطيب الديانة واستقامة المرء، وبين حسن الخلق بل حسن الخلق وصف أصيل أكيد في خصال أهل الإيمان في كل جوانب الأخلاق الحسنة، قد قال النبي –صلى الله عليه وسلم- كما جاء في المسند بإسناد جيد «إنما بُعِثتُ لأتمِّمَ صالح الأخلاقِ» [ابن أبي شيبة في مصنفه:ح31773، وأحمد في مسنده:ح8952، وصححه الألباني في الصحيحة:ح45] لأكملها وأهذبها وأرشدها وأعرف بها وأبينها.
فصالح الأخلاق مما يندرج فيه ومما هو في الحقيقة من أبرز سماته الرفق، والرفق في اللغة ضد العنف وهو لين الجانب، فرفقك بالشيء مجانبة العنف والغلظة والفظاظة واستعمال اللطف والليونة وحسن التأتي معه، ولهذا لم يكن المعنى الاصطلاحي للرفق عند العلماء بعيدًا عن المعنى اللغوي، بل هو امتداد له وتحديد وتوضيح للرفق بشكل أوضح فيما يتعلق بالأخلاق، فيعرَّف الرفق بأنه: لين الجانب بالقول والفعل والأخذ بالأسهل، هذا تعريف ذكره بعض أهل العلم للرفق، وبه يتبين أن الرفق يشتمل على كل ما يكون من خصال الإنسان القولية والفعلية والمعاملاتية أي في معاملته لغيره.
فالرفق مداراة مع الرفقاء لين جانب، لطف في أخذ الأمور بأحسن الوجوه وأيسرها، ولذلك يكون مع الرفق من التأتي الحسن وأخذ الأمور بأحسن الوجوه وأسهل المسالك وأيسر السبل ما يبين ويجلِّي معنى الرفق، فالرفق لين وسهولة ويُسر ولُطف وعطف ومداراة، كل هذه المعاني تندرج في معنى الرفق ويتبين بها الرفق، فالرفق خلاصة وزبدة لكل هذه المظاهر وتلك الصفات التي ذُكرت في تعريفه وفي بيان معناه، وبه يتبين أن الرفق يشتمل على الاتصاف بالحكمة التي هي وضع الأمور في موضعها، الاتصاف بكمال العقل فإن الرفيق كامل العقل، الاتصاف بقوة الشخصية فلا يكون رفيقًا في الأمر كله إلا من كان ذا نفس وقلب وشخصية قوية تحسن التصرف وتضبط الانفعالات وتحكم الإيرادات وتعتدل في النظر وتتزن في التعاطي مع الأمور، فالرفق مظهر من مظاهر الرشد وهو ثمرة في الحقيقة من ثمار التدين السليم وثمرة من ثمار الاستقامة.
إذ إنه من خصال أهل الإيمان، فقد جاء عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «المؤمنونَ هيِّنونَ لَيِّنونَ، كالجملِ الأنفِ، إنْ قِيدَ انقادَ، وإذا أُنيخَ على صخرةٍ استناخَ»[البيهقي في شعب الإيمان:ح7777، وحسنه الألباني في صحيح الجامع:ح6669] ليس ضعفًا ولا ابتذالًا إنما كما قال الله تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾[الفتح: 29]، فالرفق يستخلص كل هذه المعاني، وتجتمع فيه كل هذه الأمور حتى يخلص لنا أن الرفق في الحقيقة كمال في جميل الخصال، زبدة لصالح الأعمال، ثمرة لتَديُّن صحيح قويم؛ لأنه يكون فيه الإنسان ضابط نفسه بالدين وبالعقل وبطيب العمل الذي يُشكر عليه في الدنيا وفي الآخرة.
والرفق أدلة فضله وأدلة رفيع مقامه لا تنحصر في نص، بل النصوص في فضل الرفق وفي مكانته كثيرة ووفيرة، فمنها ما جاء في حديث جرير بن عبد الله البجلي أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «إنَّ اللَّهَ ليعطي على الرِّفقِ ما لا يعطي على الخَرَقِ» أي الحمق، ثم قال: «وإذا أحبَّ اللَّهُ عبدًا أعطاهُ الرِّفقَ» ثم قال –صلى الله عليه وسلم-: «ما من أَهلِ بيتٍ يُحرَمونَ الرِّفقَ إلَّا حُرِموا محبَّةَ اللَّهِ تعالى»[الطبراني في الكبير:ح2274، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب:ح2666]،وفي الصحيح من حديث عائشة أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «إنَّ اللَّهَ رفيقٌ يحبُّ الرِّفقَ» يحب الرفق كخصلة وصفة، ويحب من اتصف بها ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، ثم قال –صلى الله عليه وسلم-:«وإنَّهُ يُعطي على الرِّفقِ ما لا يُعطي على سواه»[صحيح مسلم:ح2593/77] في رواية أخرى.
وقد أمر النبي –صلى الله عليه وسلم- بالرفق لما فيه من الخير العميم والفضل الكبير فقال: «يا عائشةُ ارفُقي فإنَّ اللهَ إذا أراد بأهلِ بيتٍ خيرًا دلَّهم على باب الرفق»[مسند أحمد:ح2734، وصححه الألباني في الصحيحة:ح523]
فالرفق من جميل الخصال التي تواردت النصوص في بيان فضله وكبير منزلته، وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «ما كان الرِّفقُ في شيءٍ إلَّا زَانَه ولا نُزِع مِن شيءٍ إلَّا شانه»[صحيح مسلم:ح2594/78]وهذا يبين الفضل الكبير والأجر العظيم المترتب على الرفق، وأنه موجب لعطاء الله –عز وجل- موجب لفضله وإحسانه وكريم جوده؛ فإنه من استعمل الرفق واستعان به في أمره كله كان ذلك موجبًا لعطاء عظيم جزيل؛ إن الله يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف.
ومن أُعطي حظَّه من الرفق فقد أعطي حظه من الخير، ومن حُرِم حظَّه من الرفق فقد حرم حظه من الخير، كل هذه النصوص متواترة في بيان أن الرفق يدرك به الإنسان من الخير ما لا يدرك بغيره، فيتجنَّب الشطط، ويتجنب الزلل، ويتجنب الغلوَّ، ويتجنب الإشقاق، ويكون كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم- على هدي قاصد:«عليكم هديًا قاصدًا»[مسند أحمد:ح22963، ومستدرك الحاكم:ح1176، وصححه]،أي سبيلًا مستقيمًا متَّزنًا معتدلًا غير شاقٍ لا يُلزم فيه الإنسان نفسه بخروج عما تقتضيه الفطرة والطبيعة، ولا يتورط في انحلال وانحراف يوقعه في سوء وشرٍّ.
ولهذا من المهم أن يعرف الإنسان عظيم فضل الرفق وعظيم أثره في مسلكه سواء في الحياة أو الدين، في صلته بربه أو في صلته بالخلق، ولما كان الرفق بهذه المنزلة، فإنه قد اتصف به النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فكان رفيقًا في كل أحواله وفي معاملته وفي شأنه –صلى الله عليه وسلم-، مع القريب والبعيد والموافق والمخالف، قال الله تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾[آل عمران: 159]، واللين هو الرفق ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا﴾، وهذا العنف الذي يقابل العنف ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾[آل عمران: 159]، فبين الله –عز وجل- ما كان عليه –صلى الله عليه وسلم-، وما تفضل به –جل وعلا- على نبيه –صلى الله عليه وسلم- من الرفق الذي يدرك به صلاح الحال وجميل المنقلب والمآل.
فكان –صلى الله عليه وسلم- من أحب الناس للناس، ومن أنفعهم لهم، وذلك لما حباه الله تعالى من الرحمة والرفق واللين، فلو كان سيء الكلام قاسي القلب لانفض عنه الناس وتركوه، ولما اجتمعوا عليه فقد جمع الله تعالى عليهم قلوب الخلق، وألان له العسير؛ ذلك بما كان عليه –صلى الله عليه وسلم- من لين الجانب وتأليف القلوب، وما حباه الله تعالى من جميل الأخلاق ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾[القلم: 4].
النبي –صلى الله عليه وسلم- من رفقه كان شديد الألم والعناء في كل ما يشقُّ على أمته، يشق عليه ما يشق على أمته من رفقه بهم ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾[التوبة: 128]، هذه خصاله –صلى الله عليه وسلم- التي كان عليها ليس بفظٍّ ولا غليظ ولا صخَّاب في الأصوات صلوات الله وسلامه عليه، بل كان رحيمًا رفيقًا رءوفًا يشق عليه ما يشق على أمته، ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما –صلى الله عليه وسلم-.
وبهذا يتبين أن هذا الخلق كما أنه يُصلح الدنيا، فبالرفق تستقيم حياة الإنسان في خاصته وفي أيضًا محيطه ومعاملته لكل من يحيط به، أيضًا هو مما يستقيم به صلة الإنسان بربه؛ فإن الله يحب الرفق وما أحبه الله أجزل له المثوبة والعطاء ووفقه إلى كل خير وأدخل عليه كل سرور وبرٍّ.
هذه المقدمة بينا فيها صلة الرفق بالأخلاق، بيَّنا فيها حقيقة الرفق، بيَّنا فيها فضائل ما يكون من هذه الخصلة وما جاء في شأنها من الحث عليها والندب إليها في كلام النبي –صلى الله عليه وسلم- وفي عمله، فقد قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾[الأحزاب: 21]، فهو –صلى الله عليه وسلم- الأُسوة، ومن الأسوة والتأسي به أن نكون على ما كان عليه من أخلاق ولطف وعمل صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
المقدم:- عليه أفضل الإسلام وأتم التسليم، أيضًا فضيلة الشيخ الأحاديث التي جاءت في بيان خُلق النبي -عليه الصلاة والسلام- أو الآيات التي جاءت في بيان خلق النبي -عليه الصلاة والسلام- المتعلقة بالرفق كثيرة في كتاب الله –عز وجل- يعني لا نريد نذكرها يأخذنا الوقت كثيرًا في بيان خلق النبي -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- اسمح لي فضيلة الشيخ أن نذهب إلى فاصل بعده -بمشيئة الله تعالى- سنستكمل حديثنا حول الرفق ونستعرض آثاره وفوائده بمشيئة الله تعالى، سنذهب إلى فاصل قصير بعده نكمل الحديث، ابقوا معنا.
حياكم الله مستمعينا الكرام مجددًا في هذه الحلقة المباشرة عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة، ضيفنا الكريم هو فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم أهلا وسهلا فضيلة الشيخ حياك الله.
الشيخ:- مرحبا بك حياك الله أهلا وسهلا.
المقدم:- أهلا وسهلا فضيلة الشيخ نتحدث في هذه الحلقة عن الرفق، فما وضع الرفق في شيء إلا زانه، فضيلة الشيخ هناك نقطة نريد أن نتحدث عنها قبل أن نتحدث عن الآثار، وأن الرفق لا يكون فقط في تعامل الناس مع الناس، أيضًا الرفق يكون في تعامل الإنسان مع الحيوان، وجاءت كثير من الآثار عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في قضية الرفق بالحيوان ومع الحيوان، نريد أن نتحدث عن هذا الجانب قليلًا قبل أن نتحدث عن الآثار الإيجابية.
الشيخ:- الحقيقة إن الرفق خصلة تشمل وتنتظم كل تصرفات الإنسان، فلا تقتصر على جانب ولا على مسلك من المسالك، بل هي في كل شأن من الشئون، ولهذا جاء الرفق مأمورًا به في كل الجوانب، في صلة الإنسان بربه، وفي صلة الإنسان بنفسه، وفي صلة الإنسان بمحيطه من بني آدم ومن غيرهم.
ولذلك نحن نحتاج أن نعرف أن حصر الرفق في صورة أو في جانب هو اختزال لهذا الوصف هذه الخصلة الكبيرة التي بها ندرك خيرًا عظيمًا وننال الخيرية التي ذكرها النبي –صلى الله عليه وسلم-«إذا أراد الله بأهل بيتًا خيرًا أدخل عليه الرفق»[سبق]، «ومن أعطي حظه من الرفق أعطي حظه من الخير».[سنن الترمذي:ح2013، وقال:هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ]
فنحن نحتاج إلى أن نعرف أن الرفق ليس محصورًا بالمظاهر، التدين وهو المقصود الأعظم الذي خلق الله تعالى الخلق من أجله، أمرنا فيه بأن نكون فيه على رفق في تديننا وفي عبادتنا لله –عز وجل-، فقد جاء أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «إنَّ هذا الدِّينَ مَتينٌ، فأوْغِلوا فيه برِفقٍ».[مسند أحمد:ح13052، وحسنه الألباني في صحيح الجامع:ح2246]
أي عظيم ومُحكَم وشامل لمعاش الإنسان ونواحي حياته، ثم قال –صلى الله عليه وسلم- «فأوْغِلوا فيه برِفقٍ» وقوله: «فأوْغِلوا فيه برِفقٍ» يعني سيروا فيه برفق، وابلغوا الغاية القصوى منه برفق وسهولة ويسر دون أن تشقوا على أنفسكم، ودون أن تحمِّلوها ما لا تطيق، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في بيان ما يتعلق بالتدين: «عليكم هَدْيًا قاصِدًا، عليكم هَدْيًا قاصِدًا؛ فإنَّه مَن يُشادَّ هذا الدِّينَ يَغلِبْه».[مسند أحمد:ح22963، ومستدرك الحاكم:ح1176، وصححه]
والتشدد في الدين والغلوُّ فيه يجافي الرفق ويوقع الإنسان في الهلاك، ولذلك نهى الله تعالى عن الغلو في الدين، وبين أن ذلك موقع في الهلكة «هلك المُتَنَطِّعون»[صحيح مسلم:ح2670/7]، هكذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فالتدين مأمور فيه بأن يكون الإنسان رفيقًا في تدينه، ملتزما طريقًا معتدلًا غير شاق، لا يُلزم نفسه بأكثر مما تطيق، بل يرفق بها ويكون على لطف ويسر فيها.
فهذا المعنى لابد أن يلاحَظ وهو أنه حتى في تحقيق الغاية والمقصود من الخلق، وهو عبادة الله لابد فيها من الرفق ولنذكر أن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق بيسر وسهولة وسماحة، ولهذا قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّما بُعِثْتُ بالحنيفيَّةِ السمحةِ»[وضعفه الألباني في غاية المرام:ح8].
الحنيفية: التوحيد، والسمحة: أي التي لا عنف فيها ولا مشقة ولا تحميل للنفس ما لا تطيق، بل بيسر وسهولة «إن الدين يُسْر، ولن يشادَّ الدينَ أحدٌ إلا غَلَبه»[صحيح البخاري:ح39] كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-.
هذا مظهر من مظاهر الرفق التي يجب أن يتحلى بها الإنسان، وأن يستحضرها حتى يخرج عن أن يحمِّل نفسه شيئًا لا يطيقه، قال النبي –صلى الله عليه وسلم- كما في المسند والسنن من حديث عائشة رضي الله تعالى عنه «اكلَفوا مِن العمَلِ ما تُطيقونَ، فإنَّ اللهَ لا يمَلُّ حتى تمَلُّوا، وإنَّ أحَبَّ العمَلِ إلى اللهِ أدوَمُه وإنْ قلَّ، وكان إذا عمِلَ عمَلًا أثبَتَه».[صحيح البخاري:ح5861، وهذا اللفظ عند أبي داود في سننه:ح1368]
فبين النبي –صلى الله عليه وسلم- هذا المعنى بشكل واضح وظاهر، وهذا من جوانب الرفق التي ينبغي ألا يغفل عنها، من جوانب الرفق والمواضع التي ينبغي ألا يغفل عنها الإنسان أيضًا، وقد جاء بيانها في كلام الله –عز وجل- وكلام رسوله أن يرفق الإنسان بنفسه في المحافظة عليها من أن يلحقها ضررًا أو يوقعها في هلكة قال الله تعالى: ﴿وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾[البقرة: 195].
فنهانا الله تعالى عن الإلقاء بالنفس في التهلكة، وفي الآيات الأخرى قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾[النساء: 29]، فنهى الله تعالى عن أن يقتل الإنسان نفسه، وذلك من رفقه –جل وعلا- بالإنسان ورحمته، وأيضًا حفاظ الإنسان على نفسه هو من رفقه بها، فينبغي للإنسان يستحضر هذه المعاني، وأن يستحضر أن تكليف نفسه شيئًا، أن تحميل نفسه في أمر دين أو أمر دنيا زائد عما تطيقه هو مجافٍ للرفق الذي أمر به الإنسان، فالمسلم لا يحمِّل نفسه في عباده ولا في طلب دنيا ما لا تطيقه، فإن المطلوب هو الاعتدال وسلوك الهدي القاصد في أمر الدين وفي أمر الدنيا.
مما يأمر فيه الإنسان بالرفق أيضًا أن يرفق في معاملته للناس على وجه العموم، كما جاء ذلك في قوله –صلى الله عليه وسلم-: «المؤمنونَ هينونَ لينونَ، كالجملِ الأنفِ، إنْ قِيدَ انقادَ، وإذا أُنيخَ على صخرةٍ استناخَ»[سبق]، فيعامل الإنسان الناس بالرفق، باللطف، بالليونة، بالسماحة، باليسر الذي يدخل في عموم القاعدة التي ذكرها الله تعالى في باب حسن الخلق ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾[الأعراف: 199]، فاليسر الذي أمر الله تعالى بأخذه في قوله: ﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾هو ألا تشقَّ على الناس، وأن ترفق بهم، وألا تكلفهم ما لا يطيقون أو ما لا تسمح به أنفسهم في معاملتك وفيما يتصل بما لك عليهم من الحقوق.
فتأخذ العفو وهو ما تيسر وهذا من الرفق، الرفق يحتاجه الإنسان في إدارة شئون من له ولاية عليهم في البيت، في العمل، في سائر أوجه من يكون له ولاية على غيره، فإن الرفق يجذب الخير، ولهذا قال النبي –صلى الله عليه وسلم- «اللَّهُمَّ مَن وَلِيَ من أمرِ أُمَّتي شيئًا، فشَقَّ عليهم، فاشقُقْ عليه، ومَن وَلِيَ من أمرِ أُمَّتي شيئًا، فرفَقَ بهم، فارفُقْ به».[صحيح مسلم:ح1828/19]
فالأب في بيته، والأم في بيتها، والمدير في عمله، وكل صاحب مسئولية إذا استعمل هذه الخصلة من الرفق فيمن تحت يده، لمن يأتمرون بأمره وله عليهم ولاية كان ذلك موجبًا للخير بينه وبينهم، دخل بينهم حسن الخلق، دخل بينهم اللين واستحقوا من الله الرفق فإنهم يرفق الله تعالى بهم ويبعد عنهم كلَّ عناء ومشقة، فإذا كانت هذه الحال هي حال الإنسان مع غيره في معاملته لمن يعامله كان ذلك موجبًا لأن يرفق الله به، يعني أنت لما تتعامل مع الناس برفق وليونة وسهولة وسماحة، تدرك كل هذه المعاني من الله تعالى في شأنك الخاص والعام فيرفق الله تعالى به ويبلغك الله تعالى ما تؤمِّل ويدفع عنك ما تكره، ويلطف بك -جل في علاه- وهذا كله من الجزاء المعجَّل الذي تدركه في الدنيا، أما الآخرة فالثواب عند الله عظيم، والآخرة خير وأبقى.
الرفق نحتاجه في مقام النصح والتوجيه لأبنائنا وبناتنا وكلِّ من نتحدث معه بأمر بخير أو نهي عن شر، فإن ذلك مما يستدعي القبول، كما قال الله تعالى في شأن الرسول: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾[آل عمران: 159].
فالإنسان ينبغي أن يكون على هذه الخصلة التي هي الرفق فيمن يوجِّه إليهم أمرًا بخير أو نهيًا عن شر سواء كانوا صغارًا أو كبارًا، ذكورًا أو إناثًا، أقارب أو أبعاد، فإنه مما يندرج فيما وصف الله تعالى به سبيل الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- بقوله: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾[النحل: 125]، ولذلك حتى مع المخطئ ينبغي أن يكون الإنسان رفيقًا في تقويم الخطأ، بعيدًا عن المجافاة بما يكون عونًا للشيطان عليه.
قد جاء أن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان يُؤتى برجل في الخمر، فيقيم عليه ما فرض الله تعالى عليه عقوبة، فقال رجل: "لعنه الله؛ ما أكثر ما يؤتى به!"، وفي رواية قال: "أخزاك الله"، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «لا تَكونوا عَوْنَ الشَّيْطانِ على أَخيكُم»[صحيح البخاري:ح6781]، فأمر بالرفق حتى في معالجة الخطأ، والإنسان يعالج الأخطاء بلطف وبيسر وسماحة، فلا يخرج عن حدود الشريعة، ولذلك قال الله –عز وجل-: ﴿فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا﴾[النساء: 16].
ومعنى الإعراض ألا يتعرض لشيء من التفريط أو التأنيب أو التعييب الذي يُلحق بهؤلاء ألمًا في نفوسهم وضيقًا في خواطرهم، وقد يكون مدخلًا من مداخل الشيطان، لذلك من المهم نحن في مقام توجيه أبنائنا وفي مقام توجيه بناتنا، وفي خطابانا لمن نخاطب ممن ندله على خير أو نحذره من شر أن نكون في غاية الليونة واللطف وهذا لا يعني ألا يبين الإنسان الحق أو ألا ينهى عن الشر والفساد، لكن يعني أن يسلك فيما يريد من الأمر بالخير وفيما يريد من النهي عن الشر أسمحَ الطرق وأيسرها التي توصل إلى الغاية والمقصود في بيان خطورة الخطأ وأهمية إتيان الخير.
إبراهيم -عليه السلام- لما دعا أباه إلى توحيد الله –عز وجل-، وهي أكثر قضية وأهم مسألة من مسائل المعروف والخير الذي ينبغي أن يعتني به، فإن عبادة الله وحده لا شريك له هي نجاة الدنيا وفوز الآخرة وهي غاية الوجود، إذا ما حقق الإنسان عاش في دنياه خاسرًا وانقلب في أخراه إلى بئس المصير.
يقول الله تعالى في بيان محادثة إبراهيم لأبيه رفض آزر قبول دعوة إبراهيم: ﴿قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾[مريم: 46].
هذا الوعيد أول هذا الرد لما دعاه إليه من توحيد الله –عز وجل- مع حمله على عدم تكرار دعوته إلى ما دعاه إليه من عبادة الله وحده وتهديده، إذا لم تنه فإن عقوبتك عندي الرجم والهجر، قال: ﴿قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ﴾[مريم: 47]، هذا الذي رد به إبراهيم -عليه السلام- على أبيه الذي رفض ما دعاه إليه من الهدى ودين الحق ﴿قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾[مريم: 47]، بل هذه الآية الكريمة تضمنت بيان ما كان عليه إبراهيم بالنصح لأبيه، وما كان عليه في ذلك عند الرفق واللين مع إيضاح الحق والتحذير من عبادة من لا تنفع عبادته ومع الرد عليه الذي كان من أبيه تجاهه لم يقابله بمثله، بل كان جوابه في غاية الرفق واللين ﴿سَلامٌ عَلَيْكَ﴾،يعني لن يأتي مني تجاهك إلا السلامة، والسلامة تقتضي كف َّكلِّ شر وكف كل ضرٍّ يتوجه من الإنسان لغيره في قول أو عمل.
ولم يقتصر على هذا بل قال: ﴿سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾[مريم: 47] وعده بأن يطلب الله له المغفرة، وهذا في غاية الإحسان ومقابلة الإساءة بما يكون من لطيف المعاملة، فينبغي أن يكون الإنسان على هذا النحو من الرفق في توجهيه، ولم يكن هذا ضعفًا منه ولا ذلًّا، إنما كان سلوكًا للسبيل الذي أمر الله تعالى به من الحكمة والموعظة الحسنة والرحمة التي توجب القبول ويتوقع معها أن يقابل ما يأمر به من معروف وما ينهى به عن منكر، ما يأمر به من خير وما ينهى به عن شر محلًّا للقبول والرضا.
كذلك يكون الرفق مع الضعفاء؛ لأن عادة الضعفاء قد يعاملهم الإنسان بشيء من الجفاء لكونهم لا يؤبه بهم أو لا يُستَنَد إليهم، وقد جاءت النصوص النبوية بالتأكيد على اللطف مع الخدم ومع أشباههم ممن يكون على حال من الضعف وقلة ذات اليد والمسكن.
فأوجب الرفق والإحسان إليهم وأن يطعم وألا يكلف في العمل ما لا يطيق، وأن يعان وألا يغلظ عليهم في العقوبة حتى إذا أخطئوا وقد حصل بين يدي النبي –صلى الله عليه وسلم- أن رأى صحابيًا من الصحابة رضي الله تعالى عنهم جميعًا يعاقب مملوكًا كان تحت يده في خطأ فكان يجلده فناداه النبي –صلى الله عليه وسلم- بصوت مسموع وهو على هذه الحال فقال:«أبا مسعود»هكذا ناداه، «اعلم أبا مسعود»البدري رضي الله عنه كان يضرب غلامًا له بالسوط يقول: فسمعت مِن خلفي صوتًا:«اعلم أبا مسعود اعلم أبا مسعود اعلم أبا مسعود»كررها ثلاث فلم أفهم الصوت مما كان عليه من حال انفعال وغضب -رضي الله تعالى عنه- مما فعل هذا الغلام.
فصاخ سمعه فإذا هو رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: فسقط السوط من يدي من هيبته، سقط السوط من يده من هيبة رسول الله؛ لأنه من الصوت والأسلوب وصياغة الجملة واضح أن النبي –صلى الله عليه وسلم- يريد أن ينبهه إلى خطأ «اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام»، لأنها كانت عقوبة شديدة في غير محلها، فقلت يا رسول الله- انظر سرعة الاستجابة-: "هو حر لوجه الله"، ثم قال النبي –صلى الله عليه وسلم- «أما لو لم تفعل لَلَفَحَتْك النار، أو لمسَّتك النار»فقلت: والذي بعثك بالحق لا أضرب عبدًا بعده أبدًا يقول- رضي الله عنه -:فما ضربت مملوكًا لي بعد ذلك اليوم. [صحيح مسلم:ح1659/35مختصرا]
هذا الحديث -وأصله في الإمام مسلم- بيَّن ما كان عليه النبي –صلى الله عليه وسلم- من الرحمة بالضعفاء، وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ اللهَ لا يُقدِّسُ أمَّةً لا يؤخَذُ للضعيفِ فيهم حقُّهُ»[البيهقي في الكبرى:ح11801، وصححه الألباني في صحيح الجامع:ح1857] وقال –صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّي أُحَرِّجُ عليكم حقَّ الضعيفينِ: اليتيمُ، والمرأةُ»[سنن ابن ماجه:ح3678، ومستدرك الحاكم:ح211، وقال:«هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ». وواففقه الذهبي]، كل هذه المعاني تندرج فيما جاءت به الشريعة من الرفق واللين في معاملة الخلق وعدم الغبطة والعنف والجفاء حتى من كان منهم صاحب خطأ أو إساءة.
المقدم:- فضيلة الشيخ أخذنا الحديث كثيرًا فيما جاءت به الشريعة وندبت إليه في باب الرفق، وأخذنا الوقت كثيرًا، لكن بودي أن نختم في خمس دقائق لو تكرمت عن الآثار التي يتحصلها الإنسان من رفقه بهذه الأمور من خلال هذه الأمور التي جاءت بها الشريعة وندبت إليها.
الشيخ:- لاشك أن الرفق من جميل الأخلاق وحسنه، وحسن الأخلاق جاءت به الفضائل والأجور ما بينه الله –عز وجل- ورسوله –صلى الله عليه وسلم- أما الله –عز وجل- فقد وصف به حسن الخلق، وصف أشرف الخلق بحسن الخلق، وذلك دليل على عظيم الأجر المرتب على ذلك قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾[القلم: 4].
وهذا يبين عظيم الأجر المرتب على حسن الخلق، حسن الخلق قال فيه النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم «ما مِنْ شيءٍ أثقلُ في الميزانِ من خلُقٍ حسَنٍ»[سنن الترمذي:ح2002، وقال:هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ]، والرفق من أبرز الخصال التي يتحقق بها حسن الخلق في جميع الأوجه، فهو أثقل شيء في الميزان.
هو على كل حال حسن الخلق أجره عظيم وفضله كبير، يدرك به الإنسان عظيم الأجر والرفق، من حسن الخلق الذي يدرك به عظيم الأجر وكبير الفضل من الله –عز وجل-، أيضًا يدرك بحسن الخلق محبة الله –عز وجل-؛ لأن الله تعالى يحب الرفق، ومن أحبه الله فُتحت له أبواب الخيرات، وأدرك عظيم الفضل والأجر من ربٍّ يعطي على القليل الكثير.
حسن الخلق يدرك بها الإنسان من حسن الخلق ويدرك به الإنسان محبة الناس، حسن الخلق يحمل الإنسان على وضع الأمور في نصابها، حسن الخلق يحمل الإنسان على الاتزان، والرفق يدرك به الإنسان اتزانه واستقامته، والرفق إذا انتشر بين الناس أدخل عليهم الخير، ولذلك قال: «إذا أراد الله –عز وجل- بأهل بيت خيرًا أدخل عليهم الرفق».[سبق]
كل هذه المعاني مما تدرك به الرفق، ولذلك أنا أدعو نفسي وإخواني وأخواتي وجميع المستمعين والمستمعات إلى بذل الجهد في التخلق بهذا الخلق.
قد يقول قائل: يعني صعب التخلق بهذا الخلق. أنت إذا قرأت الفضائل وإذا عرفت الثمار والنتائج وجميل الآثار المرتبة على هذه الخصلة أعانك على التخلق بها، التخلق بها يحتاج إلى شيء من الممارسة، يحتاج إلى شيء من التدرب، يحتاج إلى شيء من التخلق بها كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «إنما العلمُ بالتَّعلُّمِ، وإنما الحِلمُ بالتَّحلُّمِ»[الطبراني في الأوسط:ح2663، وحسنه الألباني في صحيح الجامع:ح2328]، وكذلك الرفق يأتي في إعمال أسبابه والاتصاف به، وسؤال الله –عز وجل- أن يرزقك الرفق، وأن يجعلك رفيقًا، وبذلك تدرك ما تؤمل من خير الدنيا والآخرة.
فنسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم طيب الأخلاق، وأن يهدينا إلى أحسنها، وأن يصرف عنا سيئها، وأن يرزقنا الرفق في الأمر كله، وأن يسوق لنا الخير في الشأن كله.
المقدم:-شكرًا جزيلًا فضيلة الشيخ، شكر الله لك وكتب الله أجرك، شكرًا جزيلًا الشيخ خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، شكرًا جزيلًا فضيلة الشيخ على ما أجدت به وأفدت.
الشيخ:-أنا أشكرك وأشكر الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات وفريق العمل، أسأل الله تعالى لي ولكم القبول والتسديد، وأن يقرَّ أعيننا بما نحب في ديننا ودنيانا، وأن يوفق ولاة أمرنا إلى ما فيه الخير والعزِّ والتمكين لبلادنا وسائر بلاد المسلمين، وأن يبارك في خادم الحرمين الشريفين ووليِّ عهده، وأن يؤيدهم بتأييده، وأن يسددهم في الأقوال والأعمال، وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم:- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته مستمعينا الكرام وصلنا لختام هذه الحلقة.