المقدم:بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نحييكم تحية طيبة في بداية هذه الحلقة لبرنامج "الدين والحياة"، عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة أحييكم أنا في هذه الحلقة محدثكم وائل حمدان الصبحي، ومن الإخراج ماهر ناضرة، ومن استديو الهواء مصطفي الصحفي.
مستمعينا الكرام في برنامج "الدين والحياة" نناقش موضوعات تهم المسلم في أمور دينه ودنياه ونسلط الضوء على أيضًا ما جاء في كتاب الله –عز وجل- وفي سنة المصطفي -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- فيما يعنى بهذه الموضوعات التي نطرحها.
ضيف حلقات البرنامج هو فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، أهلًا وسهلًا فضيلة الشيخ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ:-وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أهلا وسهلًا مرحبًا بك أخي وائل ومرحبًا بالإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.
المقدم:-أهلًا وسهلًا فضيلة الشيخ، بمشيئة الله تعالى سيكون حديثنا في هذه الحلقة هو عن "سلامة الصدر"، بالتأكيد فضيلة الشيخ جاءت الأحاديث كثيرة عن النبي -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- التي تعنى بمثل هذا الجانب فيما يتعلق بأعمال القلوب الغير ظاهرة والغير واضحة للناس.
نريد أن نتحدث في هذه الحلقة -بمشيئة الله تعالى- عن هذا الجانب، وفيما يعنى بسلامته وفضائله أيضًا والأسباب الموصلة للمسلم لأن يكون إنسانًا مسلمًا سليم الصدر على إخوانه من حوله.
نريد أن نتحدث ابتداء فضيلة الشيخ عن حقيقة سلامة الصدر، ما هي سلامة الصدر؟
الشيخ:- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
فما نتحدث عنه من قضية سلامة الصدر وموضوع صلاح القلب وصفائه موضوع في غاية الأهمية لتحصيل سعادة الدنيا والآخرة، وإذا كان الموضوع يعتبر من الموضوعات التي ينبغي أن تكون في الصدارة من حيث الاهتمام والاعتناء ودوام الملاحظة؛ لأنه لا يطيب عيش الإنسان ولا يهنأ ولا يتلذَّذ بنعم الله –عز وجل- وما حباه إلا أن يكون على هذه الصفة من سلامة صدره وصفاء سريرته ونقاء قلبه فإن ذلك يوجب خيرًا عظيمًا وفضلًا كبيرًا.
ولهذا كانت النجاة يوم القيامة منوطة بهذا المعنى قال تعالى: ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ﴾[الشعراء: 88]، هذا يوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون، فالمال يتبدد ويذهب ويتركه الإنسان لغيره، والبنون كل على نفسه بصيرة، كل مشتغل بنفسه ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ *وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ *وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ﴾[عبس: 34- 36]، فلا ينفع مال ولا ينفع كثرة ولد، إنما الذي ينفع هو أن يأتي الله –عز وجل- بما ذكر ﴿إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾[الشعراء: 89]، فصاحب القلب السليم هو الناجي في الآخرة، ونجاة الآخرة فرع عن نجاة الدنيا، سعادة الآخرة فرع عن سعادة الدنيا، نعيم الآخرة هو ثمرة نعيم الدنيا.
ولهذا من اشتغل بأسباب صلاح قلبه وسلامته كان فائزًا في العاجل والآجل، القلب السليم الذي جعل الله تعالى النجاة منوطة به يوم القيامة، وهو الذي ينفع العبد يوم يأتي وقد ترك كل شيء خلف ظهره ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ﴾[الأنعام: 94]، فكل ما معنا اليوم، كل ما معنا بلا استثناء لا يأتي معنا يوم القيامة إلا ما كان من القلوب السليمة الصافية الصالحة، وما رافقها من أعمال هي ثمرة صلاح القلوب.
القلب السليم هو الذي سلم من الشرك، فلا محبة فيه لغير الله، ولا تعظيم إلا لله، فهو الذي حقق" لا إله إلا الله"، القلب السليم هو الذي سلم من النفاق، فليس فيه نفاق يظهر فيه خلاف ما يبطن، بل سره وعلانيته على نحو واحد في الإيمان بالله –عز وجل- والنصح للخلق.
القلب السليم هو الذي سلم من البدع والشبهات التي تُضِلُّ القلوب وتصرفها عن الحق، فليس فيه شبهة تمكنت أو ضلاله تأكدت فيه أو انحراف تأصل في مسائله، القلب السليم هو الذي سلم من الأمراض التي تضعف القلب وتثقله، فهو سالم من الكبر والعلو على الخلق، سالم من احتقار الخلق والنظر إليهم شذرًا ودونًا، سالم من الغلِّ والحقد والحسد والعجب وما إلى ذلك من الآفات التي إذا ملئ بها القلب أو تسرَّب إليها القلب ولو كان بشيء يسير أعاق سيره، ومنعه خيرًا كثيرًا.
ولذلك قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «لا يدخلُ الجنَّةَ من كانَ في قلبِه مثقالُ ذرَّةٍ مِن كِبرٍ».[صحيح مسلم:ح147/91]
الله أكبر! وهذا يستوجب شدةَ العناية وعظيمَ الحرص أن يخلص قلبُ كلِّ واحد منا من كل شائبة كبرٍ؛ لأنه إذا كان مثقال ذرة يعني وزن ذرة وهي أهون ما يكون في الموازين، بل لا تدركها كثير من الموازين، مثقال ذرة من كبر يحول بين الإنسان وبين دخول الجنة، فكيف بمن في قلبه المكاييل والمثاقيل أمثال الجبال من الكبر والعجب والرياء والعلو على الخلق!.
لاشك أن هذا مصروف عن الخير في الدنيا، وثمرة ذلك صرفه عن الخير في الآخرة فلا يصلح ولا ينجح، بهذا كانت العناية بالقلوب العناية بسلامتها وطهارتها ونقائها من أوجب ما ينبغي أن يعتني به الإنسان. والنبي –صلى الله عليه وسلم- يضرب لنا مثلا ثانيًا في هذا الأمر في شدة العناية بقلبه وحرصه على أن لا يقرَّ بشيء يشوِّش عليه ويمنعه من الإقبال على ربه، فيقول –صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح الإمام مسلم من حديث الأغر المزني، يقول سيد الورى: «إنَّه لَيُغَانُ علَى قَلْبِي» يغان أي: يصيب قلبي طبقةٌ من الغين، والغين هي أرقُّ الطبقات التي تغشى القلب، أرق طبقة تغشى القلب وتؤثر عليه هي طبقة الغين التي سماها النبي –صلى الله عليه وسلم- في قوله: «إنَّه لَيُغَانُ علَى قَلْبِي» يعني يصيب قلبي الغين.
والغين هو طبقة تحول وتغلف القلب وتؤثر عليه من جهة إقباله على الطاعة، من جهة تلذذه بذكر الله، من جهة إقباله على ما يحب ويرضى، فماذا كان يفعل –صلى الله عليه وسلم-؟ فبماذا كان يعالج قلبه –صلى الله عليه وسلم- ليزيل هذه الطبقة الرقيقة التي تغشى القلب؟ قال: «وإنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، في اليَومِ مِئَةَ مَرَّةٍ»[صحيح مسلم:ح2702/41] هذه العناية الفائقة بسلامة قلبه حتى من هذه الطبقة الرقيقة تبين لنا منهجا نبويًّا في وجوه العناية بالقلوب، والسعي في إصلاحها وبذل الجهد والوسع في سلامتها من كل الآفات؛ لأن صلاح القلب ينعكس أثره ويظهر ثمره في صلاح جوارح الإنسان واستقامة عمله.
قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وهي القَلْبُ».[صحيح البخاري:ح52، وصحيح مسلم:ح1599/107]
لهذا ينبغي أيها الإخوة والأخوات أن ندرك أن سلامة صدرونا لا تحقق إلا بسلامة قلوبنا، فالصدر السليم هو الذي سَلِم قلبه وصلح من كل ما يدنِّسه ويقذره من شرك أو نفاق أو شبهة أو شهوة تحرفه عن الاستقامة وتخرج به عن الصراط المستقيم، فسلامة القلب السليم هو القلب السالم من هذه الآفات، نحن نتحدث اليوم عن جانب من سلامة القلب وهو ما يتعلق بسلامته تجاه الخلق، تجاه الناس، تجاه مَن تعامِل وتعاشر؛ لأن هذا هو أكبر أسباب إصلاح ما بينك وبين الناس، صلاح علاقاتك مع الناس لا يكون إلا بسلامة قلبك.
المجتمع البشري وميدان الحياة فيه من المنغصِّات والمكدِّرات الشيءُ الكثير بسبب ما يكون من علاقات الناس وما يكون من بغي بعضهم على بعض وبخس بعضهم بعضًا في الحقوق والواجبات التي تكون لبعضهم على بعض، فكيف يسلم الإنسان من تأثير هذا التقصير؟ لا يكون ذلك إلا بسلامة الصدر، سلامة الصدر هي أن يكون الإنسان ذا صدر سليم معافى من الحقد، من الغل، من الكبر، من العُجب، من الحسد، من الدغل، من الغش كل هذه المعاني ينتج عنها إذا سلم من هذه الآفات ينتج عنها القلب السليم، السليم بأدنى درجاته وهو الذي لا غلَّ فيه، ولا حسد ولا حقد ولا عُجب ولا بغضاء ولا كبرياء، هذا هو القلب السليم.
فإذا تحقق هذا انتقل إلى مرتبة أن يكون قلبًا مشرقًا منيرًا صالحًا بإقباله على الله –عز وجل- ومحبة الخير للناس، فإن محبة الخير للناس مرتبة عالية يبلغها الإنسان بعد سلامة قلبه، لن يكون الإنسان محبًّا الخير للناس إلا إذا كان ذا صدر سليم، ولهذا المرتبة الأولى التي يدرك بها الإنسان صحة القلب والقلب المشرق هو أن يكون سليم الصدر.
النبي –صلى الله عليه وسلم- صحبه أصحاب كرام أثنى الله تعالى عليهم في كتابه بهذه الخصلة وهي سلامة صدروهم، قال تعالى في الأنصار وهم فئة من أهل الإسلام كانوا في زمن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان المهاجرون والأنصار الأعلى مرتبة من الطائفتين أو الفريقين في الجملة يعني باعتبار الجنس، المهاجرون أعلى مرتبة من الأنصار.
ومع هذا يثني الله تعالى على الأنصار بخصلة، فيقول: ﴿وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾[الحشر: 9] فأثنى الله تعالى على الأنصار وهم في المرتبة الثانية في المنزلة من أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- بأنها سلمت صدورهم وصَفَتْ سرائرهم فليس في صدورهم حاجة فيجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا أي: مما تفضل الله تعالى به على إخوانهم المهاجرين بل ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾[الحشر: 9]، والجميع قال فيهم رب العالمين: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾[الفتح: 29].
إذًا هذا الفضل العظيم الذي وصف الله تعالى به أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- كان سمةً لهم، لكن مع هذا لم يكونوا في سلامة الصدر على مرتبة واحدة، بل كانوا متفاوتين في سلامة الصدر، وهذا يدل على أن سلامة الصدر ليس على درجة واحدة في كل قلوب الناس وصدروهم، بل هي متفاوتة.
قال إياس بن معاوية بن قرة وهو ابن لأحد أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول عن أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم-: "كان أفضلهم عندهم أسلمهم صدرًا"يعني الأفضل عند الصحابة أسلمهم صدرًا"وأقلهم غيبة"[مكارم الأخلاق للطبراني:ح73]، فكلما سلم صدر الإنسان نتج عن ذلك الثمرة أن يكون سِلما للناس، وأن يكون خيرًا للناس، وأن يكون طيب المعشر فلا يغشى الناس منه ضرٌّ ولا ينالهم منه أذى.
بل على العكس هو ساعٍ في كل خير لهم بما يستطيع، لم يستطع بيده أن يوصل إليهم الخير فإنه يضمر ذلك في فؤاده ويطوي عليه قلبه «لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»[صحيح البخاري:ح13، صحيح مسلم:ح45/71] والسلف الصالح ممن تقدموا وسبقوا لهم في هذا الأمر كلمات بينة في بيان فضل السبق بسلامة الصدر يقول سفيان بن دينار لأبي بشر وهو أحد السلف الصالحين قال: أخبرنا عن أعمال مَن كانوا قبلنا، يسأله أعطني خبر أعمال من تقدمنا ومن سبقنا، قال له أبو بشر: "كانوا يعملون يسيرًا ويؤجرون كثيرًا" يعني العمل عندهم قليل ليس بالكثير ككثرة عمل المتأخرين ولكنهم مع هذا ينالون أجرًا كثيرًا، فينالون الأجر العظيم على العمل القليل.
قال سفينا: "ولم ذاك؟" يعني ما الذي جعلهم يؤجرون كثيرًا مع قلة أعمالهم؟ فأجاب قال: "لسلامة صدورهم"[الزهد لهناد بن السري2/600] فليس في صدورهم شرك ولا نفاق ولا بدعة ولا غلٌّ ولا حقد ولا حسد ولا آفة تمحق ما في يد الإنسان من عمل صالح.
سلامة الصدر خصلة عظيمة وكبيرة وجليلة، هنيئًا لمن فاز بها، وهي جديرة بأن يسعى الإنسان إلى بلوغها ويسأل الله تعالى مُلِحًّا صادقًا أن يرزقه قلبًا سليمًا، ولهذا كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فيما يتعلق بقلبه قال: «اللهم أعوذ بك من قلب لا يخشع، وعين لا تَدمَع ونفس لا تشبع، ودعاء لا يسمع».[سنن الترمذي:ح3482، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ]
والقلب الذي لا يخشع هو القلب المجافي للسلامة؛ لأنه لو سلم لذلَّ وخشع وعلاه السكينة وعلته الرحمة، وعلاه محبة الخير للخلق، وسلم من الآفات التي تعكر صفوه وتخرجه عن حد السلامة إلى المرض والقسوة، ثم الموت والهلاك.
هذا ما يتعلق بسلامة الصدر، سلامة الصدر هي في الحقيقة خلاصه من أمراض عظيمة تفضي إلى هلاكه من غلٍّ أو حقد أو حسد أو كِبر أو غش، فإذا سلم القلب من هذه الآفات كان قلبًا سليمًا وقلبًا ناجيًا مما يعكِّر صفوَه ويعوقه عن المسير إلى ربه.
هذه السلامة لها فضائل وأسباب، سلامة الصدر لها فضائل: أجور ومناقب وهِبَات وحسنات، ولها أسباب، نتطرق إلى الفضائل ثم ننتقل إلى الأسباب إن شاء الله تعالى.
المقدم:- اسمح لي فضيلة الشيخ أن ننتقل إلى فاصل أول بعده -بمشيئة الله تعالى- سنستكمل حديثنا هذا عن سلامة الصدر بعد هذه المقدمة جزاكم الله خير، مستمعينا الكرام فاصل قصير بعده -بمشيئة الله تعالى- نكمل حديثنا، ابقوا معنا.
حياكم الله مستمعينا الكرام نرحب بكم في هذه الحلقة المباشرة لبرنامج "الدين والحياة" عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة، نتحدث في هذه الحلقة عن "سلامة الصدر" وذَكر قبل قليل ضيفنا الكريم فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح الذي نرحب به مجددًا حياك الله يا فضيلة الشيخ.
الشيخ:- حياكم الله ومرحبا أهلا وسهلا أخي وائل.
المقدم:- أهلا وسهلا في المقدمة فضيلة الشيخ ذكرت مجموعة من الفضائل المتعلقة وحقيقة سلامة الصدر التي يجب أن يكون عليها المسلم وحال المسلم، وأن يجاهد نفسه لكي يصل إلى هذه المراتب العليا لكن نريد أن نتحدث بشكل أكثر إسهابًا عن الفضيلة المترتبة على سلامة الصدر، ما هي فضائل سلامة الصدر؟
الشيخ:- سلامة الصدر هي منقبة ممدوحة لدى الناس لما لها من الآثار الجميلة والثمار الحسنة، ولهذا جاء حتى في كلام الشعراء والجاهليين ما يدل على سموِّ هذه المنزلة وأن القلب السالم من الحقد من الغل من الحسد وما أشبه ذلك يبلغ به الإنسان مرتبة عالية، فهذا عنترة بن شداد هو من الزمن الجاهلي قبل الإسلام يقول:
لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب ولا ينال العلا من طبعه الغضب
والقلب السليم، الصدر السليم يسلم من هاتين الآفتين من الحقد والغضب الذي يثمر البغضاء ويثمر الشرور والمفاسد.
فالقلب السليم ممدوح حتى قبل مجيء النبي –صلى الله عليه وسلم- الذي بعثه الله تعالى ليتمم صالح الأخلاق، لكن المميز في هذه الشريعة هو التنبيه إلى ما يكون من الفضائل المرتبة والسبق المحقق لمن سلم صدره.
ولهذا الفضائل عديدة كثيرة منها ما ذكره الله تعالى في قوله تعالى: ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾[الشعراء: 88- 89]، فهذه الآية ذكر الله تعالى فيها عظيم النفع الحاصل لمن جاء يوم القيامة بقلب سليم وقلب خالص من هذه الآفات التي تعيقه عن بلوغ الفضائل وحصول أعلى المنازل التي يدرك بها الخير يوم القيامة، فإن العلو يوم القيامة بقدر ما مع الإنسان من سلامة قلبه، وقد نبه إلى هذا إبراهيم -عليه السلام- في دعائه لما قال: ﴿رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ*وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ *وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ *وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ *وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ * وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾[الشعراء: 83- 90] اللهم اجعلنا منهم.
هذا الدعاء لإبراهيم الذي ذكره الله تعالى في القرآن خُتم ببيان عظيم سلامة العظيم وبها يدرك الإنسان لسان صدق في الآخرين، بها يدرك أن يكون من ورثة جنة النعيم، بها يسلم من الخزي يوم يبعثون، بها يتقدم إلى كل فضيلة وإلى كل خير، فسلامة الصدر موجبة لهذه الفضائل العظيمة التي أشارت إليها هذه الآيات الكريمات.
من فضائل سلامة الصدر أن صاحبها قلَّده سيد الورى –صلى الله عليه وسلم- وسامًا من الخيرية فقال –صلى الله عليه وسلم- لما سئل أيُّ الناس أفضل قال: «كلُّ مخْمومِ القلبِ، صدُوقِ اللسانِ» قالوا: فما مخموم القلب يا رسول الله؟ هم قالوا: أما صدوق اللسان فعرفناه وهو الذي يتكلم بالصدق ويجافي الكذب في مقاله وما يصدر عنه من كلام، لكن مخموم القلب أرادوا الاستفصال والاستيضاح من النبي –صلى الله عليه وسلم- في معناه فقالوا: ما مخموم القلب؟ «قالَ: هوَ التَّقيُّ النَّقيُّ» التقوى أين تكون؟ «التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، التقوى هاهنا»+[صحيح مسلم:ح2564/32] وأشار إلى صدره ثلاثا صلوات الله وسلامه عليه.
التقوى محلها الصدر، محلها القلب، وبذلك يعلم أن مخموم القلب هو سليم الصدر، وقال: التقي النقي الذي طهر باطنًا، فهو نقيٌّ من كل آفة؛ ولذلك قال: «لا إثمَ فيهِ، ولا بغيَ، ولا غلَّ، ولا حَسَدَ»[سنن ابن ماجه:ح4216، وصححه الألباني في الصحيحة:ح948]، هذه أربع مقومات يدرك بها الإنسان سلامة الصدر لا إثم فيه، فليس فيه كبر وعلوٌّ على الخلق أو ميل إلى هوى وتمكنٌّ في قلبه لشهوة من الشهوات، ولا بغي وهو الاعتداء على الخلق بما يكون من فصل السوء والعمل به ولا غل وهو الحقد فهو سالم من الأحقاد والضغائن ولا حسد فلا يكره ما أنعم الله تعالى به على غيره من الناس، سواء كان في دين أو في دنيا.
ثم من فضائل سلامة الصدر أنها من أسباب دخول الجنة عن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- يقول كنا مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- كنا جلوسا مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وهم جالسون قال: «يَطْلُع عليكم الآن رجلٌ من أهل الجنة»فطلع رجل من الأنصار لم يسمِّه أنس -رضي الله تعالى عنه- إما لكونه قد خفي عليه اسمه أو لأمر من الأمور، المهم أنه لم يسم، طلع رجل من الأنصار؛ لأن العبرة ليست في اسمه ولا غير ذلك من الأمور العارضة، إنما في المعنى الذي تميز به، وهو أن النبي –صلى الله عليه وسلم- شهد له بالجنة بين أصحابه قال: «يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة»فطلع رجل من الأنصار تقطر لحيته من وضوئه يعني تتقاطر قطرات الماء من لحيته، قد تعلق نعليه يعني في يديه الشمال أمسك بنعله في يده الشمال هذا في هذا المجلس.
في اليوم الثاني أعاد النبي –صلى الله عليه وسلم- المقالة قال ي«يطلع عليكم رجل من أهل الجنة»فطلع ذلك الرجل مرة ثالثة أي في مجلس ثالث قال النبي –صلى الله عليه وسلم- نفس المقالة وكان الرجل هو ذاك الذي طلع في اليومين السابقين، قام عبد الله بن عمرو بن العاص وكان حريصًا على العلم وعلى العبادة والطاعة، وكان ذا نشاط مميَّز في طاعة الله –عز وجل- والتعبد له بأنواع من العبادات من صلاة وصيام وتلاوة القرآن وما إلى ذلك.
لما سمع النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول عن هذا الرجل هذه المقالة دخل عليه بطريق أن ينام عنده لكونه قد حصل بينه وبين أهله شيء، قال له: فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي، يعني أنا أقسمت أني ما أدخل على أهلي مدة ثلاثة أيام لشيء حصل بيني وبينهم فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي هذه الثلاث قال: نعم ثلاث ليالي، قال أنس: وكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئًا غير أنه إذا تقلَّب على فراشه ذكر الله وكبر حتى يقوم من صلاة الفجر يعني تبين له بأنه ليس بمميَّز في صلاة ليل أو في شيء من العمل ميزه على غيره؛ لأن حديث النبي –صلى الله عليه وسلم- بأنه يطلع عليكم رجل من أهل الجنة إشارة إلى عمل فتلمَّس عبد الله بن عمرو هذا العمل فلم ير شيئًا يُذكَر من العمل.
قال عبد الله بعد أن رأى ما رأى وخاف في نفسه أن يحتقر عمله يعني يقِلُّ في عينه عمل هذا الرجل قلت: يا عبد الله إني سمعت النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول ثلاث مرات يطلع عليكم رجل من أهل الجنة فطلعت أنت الثلاث مرات فأردت أن أنظر ما عملك فاقتدى به، فلم أرك تعمل كثيرَ عمل، فما الذي بلغ بك ذلك؟ يعني ما الذي جعلك تصل إلى هذه المنزلة العظيمة؟ طبعا هو يسأله فيما يبدو له من العمل، قال: ما هو إلا ما ترى، ما عندي عمل أخفيته عنك، ما هو إلا ما رأيت من عملي إقامة الفرائض وذكر الله –عز وجل-.
عبد الله بن عمرو رضي الله عنه انصرف فلما انصرف دعاه الرجل وكأنه تفطن إلى أمر خفيٍّ، ما تدركه الأبصار ولا يعلم به إلا العزيز الغفار جل في علاه، فأراد أن ينبِّهه لأجل أن يحرص على هذه الخصلة لعلها أن تكون هي السبب الذي جعل النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول فيه: يطلع عليكم رجل من أهل الجنة، قال هذا الصحابي الأنصاري لعبد الله بن عمرو ما هو إلا ما رأيت؟ يعني ما عندي عمل، أكَّد المعنى، ما عندي عمل زائد على ما رأيت وعلى ما أبصرت، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشًّا ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه الله إياه.
هذه سلامة الصدر، لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشًّا، فهو ناصح لعباد الله، ناصح لكل من عرفه من أهل الإسلام، ليس في قلبه غشٌّ وخديعة وبغض وضغناء وحقد.
قال: "ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه الله إياه" سالم قلبه من الحسد والحسد آفة موبقة عالقة حارقة للحسنات تذهب الخير الكثير ويعود صاحبها بلا شيء، بل يعود بالإثم بعد أن تتبدد حسناته "ولا أحسد واحدًا على خير أعطاه الله إياه"، قال عبد الله بن عمرو معلقًا على هذه المقالة التي قالها الأنصاري، قال: "هذه التي بلغت بك وهذه التي لا نطيق"[مسند أحمد:ح12697، ومستدرك الحاكم:ح4443، وقال:هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. ووافقه الذهبي]، يعني هذه الذي بلغك هذه المنزلة العالية أن شهد لك النبي –صلى الله عليه وسلم- في ثلاث مرات أنك من أهل الجنة حيث قد يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة.
من فضائل سلامة الصدر أن سليم الصدر راض عن الله –عز وجل- سلامة الصدر توجب الرضى عن الله –عز وجل- ومن رضي فله الرضا، فإنه من رضي عن الله أرضاه الله –جل وعلا- وبلغه خيرًا عظيمًا بسكون نفسه واجتماع قلبه على البر والخير، ونفى عنه الهم والكدر ولهذا يقال ليس أروع للمرء ولا أطرد للهمِّ ولا أقر للعين من سلامة الصدر، ما تنال راحة، ولا تنجو من الهم، ولا تنال قرة العين بمثل ما يحصل لك إذا كنت سليم الصدر على عباد الله المسلمين.
ولهذا من المهم أن يحقق الإنسان هذا المعنى حتى يفوز بهذه الفضيلة العظيمة وهي الهنا والراحة والطمأنينة وجمعية قلبه، وذلك كله ثمرة رضا الله تعالى عنه، فإنه من رضي فله الرضى.
من الفضائل المهمة التي ينال الإنسان بها خيرًا عظيمًا بسبب سلامة صدره، أن سلامة الصدر تقطع سلاسل العيوب وتحسم أسباب المعصية والذنب، فإنه من سلم صدره وطهر قلبه انكشف عنه كل ما يكون من الإرادات السيئة، والظنون السيئة فيسلم من سوء الظن، ويسلم من التحسس والتجسس والغيبة والنميمة وإقالة السوء والسعي بالفساد في الأرض، كل هذا ثمرة لسلامة الصدر؛ لأن سليم الصدر ليس في قلبه إلا النصح للناس، ومحبة الخير لهم، وبالتالي لا يحسد، لا يحقد، لا يغل، لا يبغض، لا يسعى بالإضرار في قول أو في عمل بنميمة أو غيبة أو سبٍّ أو شتم أو غير ذلك، فتنقطع سلاسل العيوب بخلاف الذي امتلأ قلبه بالضغائن والأحقاد والحسد يكون ما في نفسه كالبركان الذي يموج فيفيض على لسانه قولًا سيئًا وعلى جوارحه عملًا رديئًا.
فهذا غير ما في قلبه من كراهية خير وعلو على الخلق واستكبار، لذا سلامة الصدر هي السبب الذي يقطع كثيرًا من العيوب التي يتورط فيها كثير من الناس من سوء الظن، من الحقد، من الحسد، الغيبة، النميمة، الكبر وما إلى ذلك.
المقدم:-فضيلة الشيخ اسمح لي أن نذهب إلى فاصل بعده -بمشيئة الله تعالى- نستكمل حديثنا عن أسباب الوصول إلى سلامة الصدر بعد أن ذكرت هذه الفضائل المتعلقة بسلامة الصدر وخلو صدر الإنسان من الغل والحسد والحقد والضغينة وغيرها من الأمراض التي تصيب القلوب، فضيلة الشيخ سنذهب إلى فاصل بعده نكمل الحديث بمشيئة الله تعالى.
حياكم الله مستمعينا الكرام مجددًا في هذا الجزء الأخير من هذه الحلقة لبرنامج "الدين والحياة" نجدد الترحيب بضيفنا الكريم فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم أهلا وسهلا فضيلة الشيخ.
الشيخ:-مرحبا بكم، حياكم الله، أهلا وسهلا.
المقدم:- يا مرحبا حياك الله فضيلة الشيخ تحدثنا في بداية الحلقة حول هذا الموضوع الذي نتحدث به وهو عن سلامة الصدر، تحدثنا ابتداء عن حقيقة سلامة الصدر، وتحدثنا في الجزء الثاني من هذه الحلقة عن الفضائل المتعلقة بسلامة الصدر، لكن ما هي الأسباب فضيلة الشيخ في جزئنا الأخير الذي نتحدث به في هذه الحلقة؟ ما هي الأسباب التي بسببها يصل المسلم إلى سلامة الصدر أو على الأقل تساعده في الوصول إلى سلامة الصدر؟
الشيخ:- من أعظم الأسباب التي يدرك بها الإنسان سلامة الصدر أن يعرف قدر ربه وعظمة من يعبد -جل في علاه- وأنه لن يصل الخير الذي ذكره الله تعالى في كتابه وسنة رسوله في الدنيا والآخرة إلا بسلامة الصدر كل الفضائل، أي من أعظم الأسباب أن تدرك أن لا نجاة لك ولا بلوغ لك إلى ما تؤمل من سعادة الدنيا وفوز الآخرة إلا من طريق سلامة الصدر.
من أسباب سلامة الصدر: الإخلاص لله –عز وجل-؛ فإن الإخلاص لله –عز وجل- وهو أصل الأعمال يطيب به قلب الإنسان ويزول عنه الغل، وقد ذكر النبي –صلى الله عليه وسلم- ثلاثة أعمال ساقها في سياق واحد، جعلها من أسباب ذهاب الغل من القلوب فيما رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح قال: ثلاث، أي ثلاث خصال، يعني إذا رزق المؤمن هذه الخصال الثلاثة سلم من الغل «ثلاث لا يُغِلُّ عليهنَّ قلب مسلم: إخلاص العمل لله» أن يكون العمل خالصًا لله، أن تبتغي ما عنده، ألا تنظر إلى الناس وترجو منهم جزاء وشكورًا على ما يكون من الصالح، وهذا من أسهل الطرق التي تعين الإنسان على أن يبادر إلى الإحسان إلى الخلق دون كلل ولا ملل؛ لأنه يرجو ما عند الله، ما ينتظر من الناس شيئا ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا﴾[الإنسان: 9]، فمن أسباب سلامة الصدر أن تخلص العمل أن تبتغي ما عند الله، وإذا صدقت في ذلك بلَّغك الله كل ما تؤمل من الخير في الدنيا والآخرة.
العمل الثاني الذي ذكره –صلى الله عليه وسلم- «ومناصَحة أئمَّة المسلمين»، والمناصحة هي صفاء القلوب على ولاة الأمور وسلامتها ومحبة الخير لهم، والتعاون معهم على البر والتقوى، هذه هي المناصحة التي ذكرها –صلى الله عليه وسلم- في قوله:«ومناصحة ولاة الأمور».
الثالث «ولزوم جماعتهم؛ فإنَّ الدَّعوة تحيط من ورائهم»[مسند أحمد:ح13350، وصححه بطرقه محققو المسند]
أي أن يحرص الإنسان على عدم الخروج عن جماعة أهل الإسلام، ويلزم إمامهم فلا يخرج عليهم بقول ولا بدعة ولا تحريض، لا خروجًا قوليًّا، ولا خروجًا عمليًّا، بل هو لازم لجماعة المسلمين، فما يؤمله من الخير في خارج هذه الجماعة المسلمة التي تلتزم الكتاب والسنة وتنطوي تحت راية ولاة الأمور ما يؤمله من خير فيما إذا تصور في الخروج على هذه الجماعة لم ينل خيرًا، إنما سيدرك من الشر أضعاف ما قد يتصوره بسبب لزوم الجماعة جماعة أهل الإسلام.
إذًا «ثلاث لا يُغِلُّ عليهنَّ قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة أئمَّة المسلمين، ولزوم جماعتهم؛ فإنَّ الدَّعوة تحيط من ورائهم».[سبق]
يقول ابن الأثير في هذا الحديث أن هذه الخلال الثلاثة تُستصلح بها القلوب، يعني يطلب بها صلاح القلب، فمن تمسك بها طهر قلبه من الخيانة والضغن والشر وعمر بكل فضيلة وخير.
من أسباب صلاح القلب وسلامة الصدر من الآفات: أن يقبل على كتاب الله فهو شفاء لما في الصدور ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾[يونس: 57]، فكلما أقبل الإنسان على كتاب الله تلاوة وحفظًا وفهمًا وتدبرًا وعملًا، صلح صدره وسلم قلبه.
من أسباب صلاح القلب أن يشيع الخير بين الناس قولًا وعملًا، الكلمة الطيبة صدقة تبسمك في وجه أخيك صدقة، فكل هذا مما ينال به الإنسان سلامة الصدور.
وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم- فيما جاء في صحيح الإمام مسلم من حديث أبي هريرة: «لا تدخلوا الجنَّة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أَوَلَا أدلكم على عمل إذا عملتموه تحاببتم؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: أفشوا السَّلام بينكم»[صحيح مسلم:ح54/93] فإفشاء السلام وإظهاره والتبسم في وجوه الخلق، حسن المعاملة، لين الجانب كلها مما يدرك به الإنسان سلامة صدره، فينشرح ويبتهج ويسر.
من أسباب سلامة الصدر: أن يتجنب سوء الظن؛ فإنه مفتاح كل شر، لذلك قيل: بئس سريرة الرجل سوء الظن، بئس سريرة الرجل، وقد قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾[الحجرات: 12]، والنبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: «إيَّاكم والظَّن، فإنَّ الظَّن أكذب الحديث، ولا تحسَّسوا، ولا تجسَّسوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانًا»[صحيح البخاري:ح6064، ومسلم:ح2563/28].
مما يدرك الإنسان به سلامة الصدر: الدعاء والإلحاح على الله تعالى بأن يجعل الإنسان، بأن يرزق الله تعالى الإنسان قلبًا سليمًا من الأمراض والأحقاد على إخوانه المسلمين وإخوانه المؤمنين، ألا يبحث عن عثراتهم وفي ستر معايبهم، وأن يبذل جهده في تقويم أخطائهم بما تقتضيه الشريعة، مع محبتهم والنصح لهم والشفقة عليهم والرحمة، قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾[الحشر: 10]، هذه بعض الأسباب التي يدرك الإنسان بها صلاح قلبه، ومدار ذلك على تفطن الإنسان لأهمية صلاح القلب، وإذا أيقن الإنسان بضرورة إصلاح قلبه وسلامة صدره ليهنأ في عيشه ويطيب في معاشه وينعم في ميعاده ويفوز في آخرته، فإنه سيجد ألف سبيل وألف طريق يوصله إلى ذلك السبيل وتلك الغاية، لو صح منك الهوى أُرشدت للحيل، وقد قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾[العنكبوت: 69]، فنسأل الله أن ييسر لنا اليسرى، وأن يسلم قلوبنا من كل آفة، وأن يعمرها بكل فضيلة، وأن يعيذنا من الغل والحسد والبغضاء وسيء القول والعمل في السر والعلن.
المقدم:- آمين، شكرا جزيلا فضيلة الشيخ، شكر الله لك وكتب الله أجرك، جزاك الله خيرًا على ما أجدت به وأفدت في هذه الحلقة شكرًا جزيلًا
الشيخ:-وأنا أشكركم أيضًا، وأسال الله تعالى لولاة أمرنا السلامة في القول والعمل خادم الحرمين الشريفين وولي عهده وأن يوفقهم إلى كل خير، وأن يسددهم في الأقوال والأعمال، وأن يعم الخير البشر
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم:- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته مستمعينا الكرام وصلنا لختام هذه الحلقة لبرنامج "الدين والحياة" في نهايتها تقبلوا تحياتي محدثكم وائل حمدان الصبحي، ومن الإخراج ماهر ناضرة، ومن استديو الهواء مصطفي الصحفي نلتقيكم على خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.