×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:2224

المقدم:بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نحييكم تحية طيبة، طبتم وطابت أوقاتكم جميعًا بكل خير، وأهلا وسهلا بكم معنا في بداية هذه الحلقة لبرنامج "الدين والحياة"، عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة في هذه الحلقة التي نستمر معكم فيها على مدى ساعة كاملة بمشيئة الله تعالى.

 في بداية هذه الحلقة مستمعينا الكرام تقبلوا تحياتي محدثكم وائل حمدان الصبحي، ومن الإخراج لهذه الحلقة سالم بالقاسم، ومن استديو الهواء ياسر زيدان.

مستمعينا الكرام ضيف حلقات برنامجنا فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم فضيلة الشيخ السلام عليكم وأهلًا وسهلًا بك معنا في بداية هذه الحلقة.

الشيخ:-وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته مرحبًا بك أخي وائل حياك الله وحيا الله الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.

المقدم:- أهلا وسهلا فضيلة الشيخ، كما هو معلوم حلقات برنامجنا دائما ما يطرح موضوعات تهم المسلم في أمور دينه ودنياه ويتقرب بها إلى الله –تبارك وتعالى- نحاول أن نفصل فيها، ونبين ما ورد في كتاب الله –عز وجل- وفي سنة المصطفي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم فيها.

في هذه الحلقة نتحدث تحت عنوان (الرضا عن الله –تبارك وتعالى-) فضيلة الشيخ الرضا عن الله –تبارك وتعالى- هي عبادة قد يغفل عنها كثير من الناس وهي عبادة متعلقة بعبادات القلوب وأعمال القلوب رفيعة الشأن، ودرجة إيمانية عظيمة قليل من الناس من يصل إلى تلك الدرجة السامية العالية الرفيعة بسبب الجهل، وفي بعض الأحيان بسبب غياب هذا المعنى عن نفس المسلم.

في هذه الحلقة -بمشيئة الله تعالى- سنتحدث فضيلة الشيخ عن هذا المعنى، عن الرضا عن الله –تبارك وتعالى-، سنتحدث عن حقيقة المعنى، وما معنى الرضا عن الله –تبارك وتعالى-؟ وفي أي شيء يكون؟ وكيف يكون الرضا عن الله –تبارك وتعالى-؟ كل هذه النقاط سنتحدث بها في ثنايا هذه الحلقة، لكن دعنا نبدأ الحديث دكتور عن الرضا عن الله –تبارك وتعالى- ما معنى الرضا عن الله –جل وعلا-؟

الشيخ:- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم:- وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.

الشيخ:- الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..

فالرضا عن الله –عز وجل- من أجلِّ المقامات وأرفع المنازل التي يبلغها العبد في الدنيا وينالها المصطفَون من أهل الجنة جعلنا الله تعالى وإياكم منها، فإن الرضا يكون في الدنيا ويكون في الآخرة.

يكون في الدنيا عملًا من المؤمن، وينتج عنه سعادات وخيرات كثيرة يدرك بها سعادة معاشه والحياة الطيبة، وتكون في الآخرة ثوابًا من الله تعالى لعباده بما يفيض عليهم من النعم والهبات والعطايا.

الرضا عن الله –عز وجل- عظيم المقام، رفيع المنزلة، كبير الشأن، لا يتبوَّأه إلا من اصطفاه الله تعالى من عباده، والله تعالى قد سمح لعباده ويسَّر لهم الطرق الموصلة إليه.

 والرضا من أوثق وأعظم الطرق الموصلة إلى ما يحب الله تعالى ويرضى في الدنيا ،وإلى ما تقرُّ به الأعين وتسعد به الأنفس في الآخرة.

الرضا عن الله –عز وجل- هو على أنواع وعلى مراتب وأقسام:

 الرضا عن الله –عز وجل- بالرضا عنه –سبحانه وتعالى- في أسمائه وصفاته وما له من الكمالات، وهذا الرضا يثمر إخلاص العبادة له وكمالَ الإقبال عليه؛ فإنه من علم بالله –عز وجل- وما له من الصفات لم يرض ربًّا سواه، فيرضى به ربًّا -جل في علاه- وإلهًا يُعبد بكمال أسمائه وصفاته وجليل ما أخبر به عن نفسه –سبحانه وتعالى-، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

وهذا أصل كل رضا من المعاني التي يتكلم عنها أهل العلم ويذكرونها، أصل الرضا هو العلم بالله الذي ينشأ عنه تمام الامتلاء بالاكتفاء به، والاغتناء به، والرضا به عمن سواه –سبحانه وبحمده-، الرضا به ربًّا رضًا بأفعاله وأسمائه وصفاته، فمن علم الله –عز وجل- وما له من كمالات امتلأ قلبه رضا بربه -جل في علاه- هذا النوع الأول: الرضا عن الله فيما أخبر به -جل في علاه- عن نفسه من الأسماء والصفات والكمالات.

الرضا عن الله –عز وجل- فيما شرعه من الشرائع والأحكام، وما جاءت به رسله من الفرائض والحدود والأعمال؛ فإن الرضا بذلك هو من الرضا بالله، بل والرضا عنه جل في علاه، وهي منزلة في غاية السمو والرفعة يدرك بها الإنسان تمام التسليم لشرعه، فيكون كما قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ[الأنعام: 162- 163].

فيكون بذلك مما يتحقق به الرضا عن الله –عز وجل- فيما شرع، وهذا يزيد على مجرد القبول، القبول هو الإذعان لحكم الله –عز وجل-، ولكن ثمة ما هو أعلى من ذلك وهو الرضا بكل ما شرعه، وبكل ما قضاه وحكم به -جل في علاه- وهذا من مراتب الإيمان العليا، قال الله تعالى: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[النساء: 65].

فهذه مرتبة عالية من مراتب الرضا عنه جل في علاه، الرضا بشرعه والرضا بحُكمه، والرضا بدينه،﴿إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ[آل عمران:19]، ﴿وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ ٱلۡإِسۡلَٰمِ دِينٗا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ[آل عمران:85]﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا[المائدة: 3].

النوع الثالث من أنواع الرضا عن الله –عز وجل-: الرضا بحكمه القدري وهو الرضا بالقضاء والقدر، وهذه المرتبة مرتبة عظيمة القدر بها طمأنينة القلب وسكنه، وبها انقشاع كل خوف وقلق واضطراب عنه، فمن رضي بقضاء الله تعالى كان له الرضا.

ولهذا ينبغي للإنسان أن يعلم أنه لا هناء له في عيش، ولا قرار له في معاش، ولا درك له لحياة طيبة إلا بالرضا عن قضاء الله تعالى وقدره، الرضا بحكم الله الكوني.

الله تعالى قد ذكر في محكم كتابه عن خلق الإنسان فقال: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا[الإنسان: 2]، أخبر عن خلقه، وعن أن هذا الخلق مقترن بالابتلاء بأنواع ما يجريه الله تعالى على العبد كما قال تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ[الأنبياء: 35] ومكَّنه الله تعالى من الأدوات والآلات والقدرات التي يستقبل بها هذا البلاء قال: ﴿فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا[الإنسان: 2] سمعًا وبصرًا وسائر ما أعطاه الله تعالى من القدرات التي بها يتمكن من استقبال ما يبتليه الله تعالى به من الخير والشر.

ثم بعد ذلك قسم الله تعالى الناس إلى قسمين ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا[الإنسان: 3]، وانظر كيف قال: ﴿شَاكِرًا﴾ بعد البلاء؟ مما يدل على أن الرضا هو الطريق الذي يحقق به العبد السعادة فيما يُجريه الله تعالى عليه من البلاء ويبلغ الغاية؛ لأنه ذكر -جل في علاه- أقصى المتقابلين: الشكر وهو أعلى ما يكون من العبادة، والكفر وهو أعلى ما يكون من العصيان والخروج عما أمر به الرحمن -جل في علاه-، فقال: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا[الإنسان: 3].

فالإنسان في تحقيق هذه الأمور الثلاثة:

- الرضا عن الله عن أسمائه وصفاته وأفعاله وما أخبر به من جليل صنعه.

- الرضا عن شرع الله –عز وجل- ودينه الذي شرعه فلا يجد في ذلك غضاضة ولا يجد في ذلك كرهًا بشيء مما قضاه الله وحكم به شرعا، بل يجد في ذلك الخير ويقبل على ذلك مستسلمًا لله –عز وجل- ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ[الأحزاب: 36].

- الثالث من أنواع الرضا عن الله أو من أوجه الرضا عن الله الرضا عن حكمه القدري، الرضا بالقضاء والقدر، وما يحكم به جل في علاه، فيكون راضيًا عن الله –عز وجل- في كل ما يُجريه عليه من محبوباته أو مكروهاته، فليس في صدره ضيق أو حرج.

الرضا الذي يكون في المحبوب مفهوم ومعقول؛ لأن الإنسان إذا ساق إليه ربُّه ما يحب كان راضيًا عنه --جل في علاه- لكونه ساق إليه ما يوافق طبيعته وما يلائم محبوباته، إنما يكون الابتلاء في ابتلائه فيما يكره، وكذلك فيما يحب أن يطيعه في ذلك، وأما فيما يكره أن يكون صابرًا في أقل الدرجات على ما يؤلمه من قضاء الله وقدره، ويوقن أنه الخير، وأنه الأكمل، وأنه الأحسن، وأن اختيار الله له خير من اختياره لنفسه، وهذه المرتبة تتضمن أمرين:

- مرتبة الصبر وهذا لا خلاف في وجوبه، والصبر اتفق العلماء على أنه مما يجب على كل مؤمن أن يلاقي به ما يكره من قضاء وقدر الصبر.

- وأعلى منه مرتبةً أن يقابل ذلك بالرضا وهي مما اختلف العلماء هل هي واجبة أم مستحبة؟

وفي كل الأحوال هي مرتبة عالية من مراتب الدين ومن مراتب الإيمان ومن مراتب الإحسان التي يدرك بها الإنسان السعادة والفوز والسبق والانشراح والبهجة، وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عن هذه المنزلة وعظيم ما يلقاه بها الإنسان في نصوص عديدة نأتي عليها إن شاء الله تعالى.

الخلاصة: أن الرضا عن الله يشمل الرضا به في أسمائه وصفاته وأفعاله، الرضا عن دينه الذي ارتضاه لعباده، الرضا عن حكمه الكوني والقدري وهو ما يجريه على العبد من محبوب أو مكروه.

المقدم:-جميل فضيلة الشيخ أيضًا يعني ذكرت أنه جاءت أحاديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وأيضًا جاءت نصوص بهذا المعنى وخاصة فيما يتعلق بالرضا عن قضاء الله وقدره وهو نوع وقسم مما ذكرت عن الرضا عن الله –تبارك وتعالى-، ولعل أكثر ما يكون فضيلة الشيخ حديث الناس في هذا الجانب هو عن هذا المعنى تحديدًا عن الرضا عن قضاء الله –تبارك وتعالى-.

 سنتحدث بمشيئة الله تعالى بشكل أكثر إسهابًا في هذا الموضوع بعد أن نذهب إلى فاصل بعده -بمشيئة الله تعالى- فضيلة الشيخ نريد أن نستكمل حديثنا ونذكر ما جاءت به الشريعة وما جاء في كتاب الله –عز وجل- وفي سنة المصطفي -عليه الصلاة والسلام- حول هذا المعنى عن الرضا عن الله –تبارك وتعالى-، مستمعينا الكرام فاصل قصير بعده -بمشيئة الله تعالى- نكمل حديثنا ابقوا معنا.

حياكم الله مستمعينا الكرام مجددًا، نرحب بكم ونرحب بمن انضم إلينا الآن في هذه الحلقة المباشرة لبرنامج "الدين والحياة" عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة، ضيفنا الكريم فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، أهلا وسهلا فضيلة الشيخ، حياك الله.

الشيخ:- حياكم الله ومرحبا أهلا وسهلا بك يا أخي.

المقدم:- أهلا وسهلا فضيلة الشيخ كنا نتحدث في بداية هذه الحلقة عن الرضا عن الله –تبارك وتعالى- وذكرت فضيلة الشيخ أن الرضا عن الله –تبارك وتعالى- يكون على أنواع وعلى مراتب: الرضا عن أسماء الله –تبارك وتعالى- وصفاته، والرضا عن حكمه فيما يتعلق بالقضاء والقدر ومجموعة من النقاط التي ذكرتها في ثنايا هذا الموضوع، لكن فضيلة الشيخ ما هي النصوص الواردة في كتاب الله –عز وجل- وفي سنة المصطفي -عليه الصلاة والسلام- المتعلقة بهذا الموضوع.

الشيخ:- فيما يتعلق بالرضا عن الله –عز وجل- الرضا في القرآن ذُكر كثيرًا في مواضع عديدة، ذكر ثواب عن الأعمال في مواضع عديدة، وذكر أيضًا في وصف ما يكون في الآخرة من النعيم والعيشة الراضية، قال الله تعالى: ﴿هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[المائدة: 119]، وقال تعالى: ﴿يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ[التوبة: 21]، فالآيات التي يذكر الله تعالى فيها الرضا ثوابًا للعباد في الآخرة كثيرة.

 وبين الله تعالى أن الله –جل وعلا- يرضى من عباده أعمالًا وينالون بها رضاه، قال تعالى: ﴿وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ[الزمر: 7]، ذكر الله تعالى في صفات النفس التي ينتهي بها المطاف بعد الطاعة والإحسان النفس الراضية المرضية، قال تعالى: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ *ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً[الفجر: 27- 28].

فالنصوص في شأن الرضا وما يكون من ثواب الله تعالى لعباده عديدة كثيرة، لكن فيما يتعلق بما نحن فيه من الرضا عن الله –عز وجل-، الرضا عن الله –عز وجل- نعمة عظمى، يقول الله تعالى في بيان الطريق الذي يدرك به الإنسان الرضا عن الله –عز وجل-، قال: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً[النحل: 97]، الحياة الطيبة فسرها جماعة من السلف بالرضا والقناعة، الرضا عن الله –عز وجل- والقناعة بكل ما يكون منه جل في علاه، فلا يثني نفسه حرجًا لقضائه وقدره –سبحانه وبحمده-، ولا في شيء مما يتعلق به جل في علاه.

وأما السنة النبوية فقد جاء فيما رواه الترمذي من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «إنَّ عِظَمَ الجزاءِ مع عِظَمِ البلاءِ»يعني عظم الثواب، قدر الثواب في الآخرة، كبره وعظمه وكثرته ووفرته مع عظم البلاء، يعني تتناسب مع عظم البلاء، فكلما عظم البلاء عظم الجزاء الذي يترتب عليه فيما إذا حقق العبد ما يجب عليه وما ينبغي أن يقابل به هذا البلاء.

ولذلك قال –صلى الله عليه وسلم-: «وإنَّ اللهَ إذا أَحَبَّ قومًا ابتلاهُم»وأعانهم على الصبر، وأعانهم على الرضا على ما أجراه الله تعالى، فيكون هذا مفتاحًا لخيرات عظيمة قال: «فمَن رضِيَ فله الرِّضا، ومَن سَخِطَ فله السَّخَطُ»[سنن الترمذي: ح2396، وحسنه]،  أي من قابل بلاء الله –عز وجل- وما يكون من المكروه بالرضا يدرك من الله تعالى الرضا.

فمن رضي عن الله، رضي الله تعالى عنه، ومن رضي الله تعالى عنه فاز بسعادة الدنيا وفوز الآخرة، فأعلى المقامات وأسمى المنازل وأرفع النعيم في الدنيا والآخرة هو أن يرضى الله تعالى عن العبد، ولهذا يوم القيامة إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تعالى لأهل الجنة هل رضيتم؟ وذلك بعد دخولهم الجنة وتنعمهم بما يكون من أنواع النعيم التي ينعم بها الله تعالى على عباده، فيقولون: ألم تُبيِّض وجوهنا؟ يعدِّدون من نعم الله تعالى وإحسانه عليهم ما أدركوه وشاهدوه فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجينا من النار؟ فيذكرون من نعيم الله تعالى ما يشعر برضاهم وأنهم نالوا منه -جل في علاه- مُناهم، جعلنا الله تعالى وإياكم منهم.

إن الله تعالى يقول بعد أن يتجلى لهم فيرونه:"أُحِلُّ عليكم رضاي فلا أغضب عليكم أبدًا"، فكان غاية النعيم من جهة نعيم البدن رؤيته -جل في علاه- فيتنعمون بالنظر إليه –سبحانه وبحمده- ويتنعمون برضاه الذي لا يكون بعده غضب من الله تعالى على العباد، وهذا يبين رفيع مقام الرضا وعظيم منزلة الرضا، الحديث في مسلم من حديث صهيب «إذا دخَلَ أهلُ الجنَّةِ الجنَّةَ، يَقولُ اللهُ تبارك وتعالى: تُريدونَ شَيئًا أزيدُكم؟ فيقولون: ألم تُبَيِّضْ وُجوهَنا؟! ألم تُدخِلْنا الجنَّةَ، وتُنْجِنا من النَّارِ؟! قال: فيَكشِفُ الحِجابَ، فما أُعطُوا شَيئًا أحَبَّ إليهم مِن النَّظَرِ إلى رَبِّهم عزَّ وجَلَّ، ثمَّ تلا هذه الآيةَ: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ»[صحيح مسلم:ح181/297]،جعلنا الله تعالى وإياكم من أهل الحسنى ومن أهل الزيادة، وفي رواية ثانية يقول: «أُحِلُّ عليكم رضاي فلا أغضب عليكم أبدًا»[صحيح البخاري:ح6549] نسأل الله من فضله.

إذًا هذا يبين أنه بالرضا يدرك الإنسان خيرًا عظيمًا، يدرك فضلًا كبيرًا، يدرك سبقًا عظيمًا، يدرك طمأنينة وبهجة وسرورًا، ولهذا ينبغي للعبد أن يحرص غاية الحرص على تحقيق هذه المرتبة ونيلها، والله تعالى -جل في علاه- لا يعسر على الإنسان ما ينال من فضله ما يكون سببًا من خير الدنيا والآخرة.

المقدم:-سنذهب إلى فاصل بعده -بمشيئة الله تعالى- نستكمل حديثنا فضيلة الشيخ حول هذه المعاني عن الرضا عن الله –تبارك وتعالى- وأيضًا سنذكر مجموعة من هذه المعاني.

 مما جاء في هذه المعاني أيضًا في كتاب "مدارج السالكين" للإمام ابن القيم –رحمه الله- يقول: وليس الرضا والمحبة كالرجاء والخوف فإن الرضا والمحبة حالان من أحوال أهل الجنة لا يفارقان الملتبس بهما في الدنيا ولا في البرزخ ولا في الآخرة، بخلاف الخوف والرجاء فإنهما يفارقان أهل الجنة بحصول ما كانوا يرجونه وأمنهم الله –تبارك وتعالى- مما كانوا يخافونه وإن كان رجاؤهم مما ينالون من كرامته دائمًا، يتحدث عن المحبة والرضا عن الله –تبارك وتعالى- وأنها أحوال تمتد مع أهل الدنيا حالتهم في الجنة بمشيئة الله –تبارك وتعالى- فضيلة الشيخ سأسمع تعليقك على هذه المقولة لو تكرمت ولكن بعد فاصل قصير، بعده نكمل الحديث بمشيئة الله تعالى.

حياكم الله مستمعينا الكرام مجددًا نرحب بكم ونرحب بمن انضم إلينا الآن في هذه الحلقة المباشرة لبرنامج "الدين والحياة" عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة، نرحب بضيفنا الكريم فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم أهلا وسهلا فضيلة الشيخ حياك الله.

الشيخ:-مرحبا حياكم الله أهلا وسهلا بك وبالإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.

المقدم:- يا مرحبا حياك الله فضيلة الشيخ نستكمل حديثنا حول الرضا عن الله –تبارك وتعالى- وذكرت المقولة للإمام ابن القيم –رحمه الله- قبل الفاصل إذا كان هناك من تعليق على ما ذكرت؟

الشيخ:-هو ذكره ابن القيم –رحمه الله- في مرتبة الرضا والمحبة أنهما من الأعمال التي لا تنقطع في الآخرة، بل هما عملان يكونان في الآخرة يتنعم بهما المؤمنون ويدركون بهما سعادة وقرة عين بين يدي رب العالمين فيما يسوقه إليهم من النعم، فذكر أربعة أعمال كلها من الأعمال القلبية؛ الخوف، والرجاء، والمحبة، ثم ذكر الرضا وهو قرين المحبة؛ لأن المحبة تثمر الرضا والرضا يُنتِج المحبة كلاهما يغذي الآخر، فمن رضي عن أحد أحبه ومن أحب شيئًا رضي عنه، فذكر أن الخوف والرجاء بمعنى الطمع في فضل الله ينقطعان في الآخرة فيكون الإنسان قد أمن من المخاوف وأدرك النعيم المقيم.

وأما المحبة والرضا، فإنهما يكونان من ثواب أهل الجنة فيصيبهم الله تعالى برضوانه التي هي ثمرة محبته والعلم به -جل في علاه-حيث أنهم يتنعمون بالنظر إليه فيشهدون من كمالاته ما تمتلئ قلوبهم رضا عن ربهم جل في علاه، ولهذا جاء في الصحيح صحيح الإمام البخاري من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «إنَّ اللهَ يقولُ لأهلِ الجنَّةِ: يا أهلَ الجنَّةِ، فيقولون: لبَّيك ربنا وسَعدَيك، والخَيرُ في يَدَيك، فيقولُ: هل رَضِيتُم؟ فيقولونَ: وما لنا لا نرضَى يا رَبِّ، وقد أعطَيتَنا ما لم تُعطِ أحدًا مِن خَلْقِك؟! فيقولُ: ألَا أعطِيكم أفضَلَ مِن ذلك؟ فيقولونَ: يا ربِّ، وأيُّ شَيءٍ أفضَلُ من ذلك؟!».

وهذا يشمل كل ما يتنعم به الناس في الجنة مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر قال: «أعطيكم أفضل من ذلك»قالوا: يا رب وأي شيء أفضل من ذلك؟ ما الذي أفضل من هذا الذي أنعمت به علينا وتنعمنا به مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فيقول تعالى: فيقولُ: أُحِلُّ عليكم رِضواني، فلا أسخَطُ عليكم بعده أبدًا»[صحيح البخاري:ح6549] فيفوزون برضوان الله تعالى جل في علاه.

فينزل عليهم رضاه فيدوم عليهم رضاه، فلا يكون نعيم لهم يدركهم أعظم من دوام رضوانه –جل وعلا- مما يكون دليلًا على دوام الإنعام واستمرار الإحسان وطيب المعاش الذي لا ينقضي، فلا يسخط عليهم أبدًا جل في علاه، فلذلك كان أعظم ما يدركونه في الآخرة، نسأل الله أن يبلغنا وإياكم رضوانه، هذا هو المعنى الذي أشار إليه ابن القيم –رحمه الله- فيما يتعلق بأن محبة الله تعالى والرضا عنه -جل في علاه- هما مما لا ينقطع في الآخرة، بل يكون من نعيم أهل الجنة، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهلها.

المقدم:-فضيلة الشيخ إذا كان لكم من نقاط نتحدث بها في هذا الموضوع وننتقل إلى جانب آخر يتعلق في هذا الموضوع.

الشيخ:- نعم هو فيما يتصل بالرضا عن الله –عز وجل- هنا أمر مهم وهو أن الإنسان في هذه الدنيا تجري عليه أقضية وأقدار، يجري عليه ما يحب وما يكره، ومما ينبغي أن يقابل به ما يكره أن يصبر على المكروه وهذا في كل ما يكرهه الإنسان، سواء كان ما يكرهه فوات محبوب، أو كان ما يكرهه نزول مكروه، أو كان ما يكرهه فقد، أو كان ما يكرهه منع، أو كان ما يكرهه عطاء، ينبغي أن يستحضر هذا الأمر في كل ما يقضيه الله تعالى ويقدره من الأقضية والأقدار، بذلك يدرك خيرًا عظيمًا ويدرك سعادة كبرى؛ لأن الصبر معان فإنه من يتصبر يصبِّره الله ويدفع عنه ما يكرهه من الأقضية والأقدار التي لا يحبها أو التي تؤلمه سواء في نفسه، أو في أهله، أو فيمن يحب أو في بلده، في شأنه كله الظاهر والباطن فلذلك كان الرضا عن الله من أهم الفضائل التي تمكن المسلم من احتمال الابتلاءات في الحياة، وتعينه على الصبر عليها وانتظار الفرج فإنه إذا قابل الإنسان هذه المكروهات بالرضا فاز فوزًا عظيمًا، فاز بالأجر، وفاز بالعون، وفاز برضا الله -جل في علاه- الذي يكون سببًا لأن يسوق الله تعالى له كل خير.

لكن هنا السؤال إذا نزل بك ما تكره مهما كان هذا المكروه سواء كان هذا المكروه يتعلق بصحة بدنك أو بمالك أو بجاهك أو بأهلك أو بولدك أو بوالديك أو بأقاربك أو بمن تحب كيف تستجلب الرضا؟

الصبر معلوم وهو حبس النفس عن الجزع، فلا تجزع ولا تتسخط من أقضية الله وأقداره، لا يعني ألا تتألم قد تتألم من القضاء والقدر لأنه خلاف طبيعتك وخلاف ما تحب لكن هذا لا يعني أنك لا تصبر، فالألم لا يتنافى مع الصبر، يتألم الإنسان من المرض، ويتألم الإنسان لفقد محبوب، ويتألم الإنسان لخسارة في ماله، يتألم الإنسان لمصيبة نزلت به، لكن هذا لا يعني ألا يصبر، بل ولا يتنافي مع الصبر، بل النبي –صلى الله عليه وسلم- الذي هو أكمل المؤمنين مقامًا في الصبر والرضا، لما نزل به ما نزل من موت ابنه إبراهيم قال: «تَدْمَعُ العَيْنُ وَيَحْزَنُ القَلْبُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا ما يَرْضَى رَبَّنَا، وَاللَّهِ يا إِبْرَاهِيمُ إنَّا بكَ لَمَحْزُونُونَ».[صحيح البخاري:ح1303]

فأخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- عن الألم، وأخبر عن دمع العين وألم النفس، لكنه مع ذلك أخبر بأنه لا يقول إلا ما يرضى ربنا فهو ساع في رضا الله، ولن ينال رضا الله إلا بأن يرضيه جل في علاه، فإن رضا الله لا يكون إلا لمن أرضاه بلزوم شرعه والقيام بأمره كيف يتحمل الإنسان؟ كيف يحقق الرضا؟

إذًا المرتبة الأولى لتحقيق الرضا هو أن يستعمل الإنسان الصبر، فإنه لا يمكن أن يبلغ الرضا وهي المنزلة العالية إلا بالصبر، والصبر عون من الله للعبد ومن يتصبَّر يصبره الله، وهذا في كل ما يكره مما يجريه الله تعالى من الأقضية والأقدار، والإنسان في هذه الدنيا معرض في كل لحظة بابتلاء من نوع من الأنواع إذا لم يستحضر الصبر وحبس النفس عن أن يكون منها جزع في القلب أو جزع باللسان وتضجر أو جزع بالأفعال بلطم أو شقّ جيب أو ضرب خدٍّ كل ذلك مما يتنافى مع الصبر، فينبغي أن يحبس جوارحه، يحبس قلبه، يحبس لسانه عن أن يضجر أو يتسخط من أقضية الله وأقداره.

ومن يتصبر يتذكر هذا المعنى كلنا نتذكر هذا المعنى، من يتصبر يصبره الله يعني يعينه الله تعالى وينزل عليه من السكينة والطمأنينة ما يكون عونًا له على تجاوز البلية والخروج من المصيبة ويكون مأجورًا على ذلك وقد قال الله تعالى: ومن يؤمن بالله يهدي قلبه أي يرزقه الصبر ويعينه عليه وصدق الإيمان يرفعه مرتبة عالية فيجعله راضيًا بما قسم الله تعالى.

إذًا لابد من الصبر حتى نبلغ الرضا، لكن كيف يبلغ الإنسان الرضا؟ الصبر هو تحمل ما يكون من المكروه مع الألم وما أشبه ذلك من المعاني التي تتعلق بكره هذا النازل من قضاء الله تعالى وقدره، الرضا أعلى من هذا الرضا هو التسليم، الرضا هو ألا يجد في صدره كرهًا لما قضاه الله وقدره، لا يعني أنه يتألم ،لا، هو يتألم، أكيد سيتألم بالمصاب، لكنه يعلم أن اختيار الله له خير من اختياره لنفسه.

كيف يحقق الإنسان هذه المرتبة؟ كيف يدرك هذه المرتبة؟

هناك أمران يعينان الإنسان على تحصيل مرتبة الرضا:

الأول:- أن يلاحظ حكمة الله تعالى فيما يجريه من أقضية وأقدار، فالله تعالى في كل ما يقضيه وفي كل ما يحكم به وفي كل ما يقدره على عبده له حكمة -جل في علاه- في ذلك، قال الله تعالى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا[الإنسان: 30]، فكل أقضية الله تعالى لا تجري إلا بحكمة، ولا تجري إلا بعلم بمآلات الأمور وما تصلح به أحوال العبد، فما يجريه الله تعالى عليك من قضاء مكروه ثق تمامًا أن الله تعالى الذي ابتلاك بذلك، لم يبتلك به إلا لرحمة تخفى عليك، وإلا لخير يخفى عليك، فلا تفوت ذلك الخير وتلك الرحمة بما يكون من جزع وعدم صبر وتبرُّم لقضاء الله تعالى وأقداره.

فينبغي أن يلاحظ هذا المعنى، لاحظ هذا المعنى وستجد خيرًا عظيمًا، فحكم الله تعالى لك وخيرته لعبده في البلاء خير من اختياره لنفسك ﴿وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ[غافر: 44]، بصير بما يصلحهم، بصير بما تستقيم به أمورهم، بصير بما تصلح به أحوالهم، هذا المعنى مهم جدًّا في تحقيق الرضا أن تثق بالله، أن تعلم أن عطاءه ومنعه لحكمه، وأنه لا معطي لما منع، ولا مانع لما أعطى جل في علاه.

الأمر الثاني الذي يعين الإنسان على تحقيق مرتبة الرضا بقضاء الله تعالى وقدره: أن يعلم أن الرضا عن الله –عز وجل- في قضائه وقدره طريق تحصيل رضاه، ورضا الله من أعظم ما ينبغي أن يسعى له المؤمن، هذا كليم الله موسى -عليه السلام- تقدم في موعده لربه قال فيه: ﴿وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هُمْ أُوْلاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى[طه: 83- 84].

فالسعي في رضا الله تعالى من أعظم ما يشتغل به المؤمن، ويدرك به سعادة الدنيا وفوز الآخرة، ولهذا تذكر الثواب المرتَّب على الرضا يحمل الإنسان على ما يؤمل من الخير، يحمل الإنسان على تحقيق الرضا بقضاء الله تعالى وقدره، يحمل الإنسان عن الرضا عن الله –عز وجل- فإنه من رضي فله الرضا، ومن نال الرضا نال السعادة في الدنيا والآخرة، وهذه ضعها أمامك في كل قضية تكرهها تجري عليك، ارض بها، ولا يعني الرضا بالشيء -هنا تنبيه مهم- لا يعني الرضا بالشيء ألا يسعى الإنسان في دفع المكروه عنه، ينزل بالإنسان المرض فرضاه بقضاء الله وهو القضاء المؤلم (المرض) لا يستلزم ولا يعني ألا يسعى في العلاج بل تداووا فلا ينزل الله من داء إلا وأنزل له دواء، وكما قال عمر: "نفر من قدر الله إلى قدر الله"[صحيح البخاري:ح5729]، فليس من لازم الرضا ألا يسعى الإنسان في كشف ما يكره وإزالة ما يعانيه من مكروهات فيما يجريه الله تعالى عليه من الأقضية والأقدار، لكن شتان بين جنة الصدر التي هي الرضا عن الله –عز وجل- وبين ما ينبغي أن يكون عليه الإنسان في عمله من السعي في الانفكاك عما يكره من أقضية الله تعالى وأقداره.

إذًا هذان الأمران ليكونا منك على بال، حتى تفوز برضا العزيز الغفار، بلغنا الله تعالى وإياكم مراضيه، ثق بالله وأنه -جل في علاه- لم يُجرِ عليك ما أجرى من عطاء أو منع إلا لحكمة، فكن فيما أعطاك وفيما منعك على ما يحب «عَجَبًا لأمرِ المُؤمِنِ، إنَّ أمْرَه كُلَّه خَيرٌ، وليس ذاك لأحَدٍ إلَّا للمُؤمِنِ؛ إن أصابَتْه سرَّاءُ شكَرَ، فكان خَيرًا له، وإن أصابَتْه ضَرَّاءُ صَبَرَ، فكان خَيرًا له».[صحيح مسلم:ح2999/64]، وإذا رضي كان أعظم خيرًا.

الأمر الثاني: أن التسخط بقضاء الله لا يجلب خيرًا، وأن الرضا عن الله فيما يقضيه ويقدره يجلب بكل خير لك في الدنيا والآخرة، في العاجل والآجل، وكم من قضاء مكروه أحاله الله تعالى -لا حول ولا قوة إلا به- إلى محبوب لمَّا رضي العبد عن ربه -جل في علاه- وأيقن بأن ما كان منه -جل في علاه- خير له في معاشه ومعاده، هذا المعنى مهم، وبه يدرك الإنسان رضا الله جل في علاه.

فالرضا له ثمار طبعا وآثار، إن اتسع الوقت بالحديث عنها أو لا؟

المقدم:-نختم بها في دقيقتين لو تكرمت فضيلة الشيخ.

الشيخ:-أبرز الآثار والثمار التي يدركها الإنسان بالرضا عن الله –عز وجل-: السعادة، الحياة الطيبة،كما قال الله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً[النحل: 97]، فالحياة الطيبة هي حياة الراضين عن الله –عز وجل-، فإذا رضي العبد عن الله –عز وجل- أدرك من السعة والراحة والطمأنينة ما لا يدركه بغيره من الأعمال.

من ثمار الرضا عن الله –عز وجل-: أن يزول عن القلب كل سخط تجاه ربه، فلا تجده منازعًا لقضاء الله تعالى ولا لقدره، بل تجده مسلمًا له، فالخير أجمع فيما اختار خالقنا وفي اختيار سواه اللوم والشؤم.

ولذلك قال بعض السلف: لو قرض لحمي بالمقارض كان أحب إلي من أن أقول لشيء قضاه الله ليته لم يقضه فإن قضاء الله تعالى كله خير لعبده المؤمن، لا يقضي الله لعبده المؤمن قضاء إلا كان له فيه خير.

من فوائد الرضا وثماره: أن يسلم الإنسان من كل سوء وشر، فإنه ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولًا –صلى الله عليه وسلم-، فإذا حقق الإنسان مرتبة الرضا عن الله –عز وجل- فاز بخير عظيم وبرٍّ كبير برضا الله تعالى وذاق طعم الإيمان وسلم من كل آفة وشر وفساد.

هذه بعض المعاني التي تكون بالرضا، فبالرضا يزول كل هم وغم، بالرضا يدرك الإنسان مرتبة الشكر لله –عز وجل-، بالرضا عن الله –عز وجل- يخرج عن الهوى فلا تجده مائلًا مع هواه، بل تجده مائلًا إلى ما يحبه ويرضاه مولاه جل في علاه.

المقدم:- سبحان الله وبحمده فضيلة الشيخ شكر الله لك وكتب الله أجرك، جزاك الله خيرًا، نسأل الله –عز وجل- أن ينفعنا بما نقول وما نسمع، ونسأله -جل في علاه- أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، شكرًا جزيًلا، شكر الله لك وكتب الله أجرك فضيلة الشيخ.

الشيخ:-آمين وإياكم، وأسأل الله تعالى أن يبلغنا وإياكم منزلة الرضا، وأن يرضى عنا وعن والدينا وعن ذريتنا وأزواجنا وإخواننا وأخواتنا والمسلمين، وأن يوفقنا إلى ما يحب ويرضى، كما أسأله -جل في علاه- أن يوفق ولاة أمرنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده إلى ما يحب ويرضى، أن يسددهم في الأقوال والأعمال، وأن يؤمننا من كل سوء وشرٍّ في وطننا وفي سائر بلاد الإسلام، وأن يرفع عنا وعن البشر البلاء، وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم:- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

 

المادة السابقة
المادة التالية

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94001 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89900 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف