×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:2628

المقدم:بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نحييكم تحية طيبة في بداية هذه الحلقة لبرنامج "الدين والحياة"، والتي نستمر معكم فيها على مدى ساعة كاملة بمشيئة الله تعالى.

 في بداية هذه الحلقة مستمعينا الكرام تقبلوا تحياتي محدثكم وائل حمدان الصبحي، ومن الإخراج لهذه الحلقة ماهر ناضرة، ومن استديو الهواء ياسر زيدان.

مستمعينا الكرام ضيف حلقات برنامج "الدين والحياة" هو فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم فضيلة الشيخ السلام عليكم، وأهلًا وسهلًا بك معنا في بداية هذه الحلقة.

الشيخ:-وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته مرحبًا بك وحياك الله، وأسأل الله التوفيق والسداد في القول والعمل لي ولكم وللمستمعين والمستمعات.

المقدم:- اللهم آمين فضيلة الشيخ، كما هو معلوم حلقات برنامج "الدين والحياة" تناقش موضوعات تهم المسلم في حياته وفي أمور حياته وأيضًا في دينه ودنياه، من هذه الموضوعات التي سنتحدث عنها -بمشيئة الله تعالى- في هذه الحلقة حول خلق عظيم، حول خلق الحياء الذي هو من الفضائل الخلقية العظيمة وعماد الشعب الإيمانية ومن يتصف به يتصف بخير كثير من الخُلُق والفضل في هذه الحياة الدنيا.

 لكن قبل أن نتحدث تحديدًا عن الحياء فضيلة الشيخ بودي أن نتحدث حول نقاط عديدة فيه، وقبل ذلك دعنا نتحدث عن الأخلاق عمومًا وبصفة عامة وأهميتها أيضًا، وكيف دعا ديننا الإسلامي إلى التحلي بمثل هذه الأخلاق هذه؟

الشيخ:- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته تحية طيبة للجميع من المستمعين والمستمعات، الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..

فمن نعمة الله تعالى أن بعث الله تعالى محمد –صلى الله عليه وسلم- خاتم المرسلين بهذه الرسالة العظيمة التي وصفها أحكم الحاكمين ورب العالمين بأنها رحمة للعالمين قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ[الأنبياء: 107] وقد بعثه الله تعالى بالحنيفية السمحة كما قال –صلى الله عليه وسلم- كما جاء في المسند بإسناد جيد «بُعِثت بالحنيفيَّةِ السَّمْحةِ»[مسند أحمد:ح30382، وضعفه الهيثمي في المجمع:ح9441 ، والألباني في الضعيفة:ح2924]،والحنيفية السمحة تجمع صلاح ما بين العبد وربه، وما بين العبد والخلق على وجه العموم، فالحنيفية هي التوحيد الخالص لله –عز وجل- والسمحة هي التي دعت إلى كل ما فيه سماحة وسلامة ويُسر وسهولة وصلاح لصلة الإنسان بالخلق بعد إصلاح صلته بربه جل في علاه.

الأخلاق منزلتها في الدين رفيعة، فقد قال سيد الورى -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «إنما بُعِثتُ لأتمِّمَ صالح الأخلاقِ»[ابن أبي شيبة في مصنفه:ح31773، وأحمد في مسنده:ح8952 .وقال الحاكم في المستدرك(4221): هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. ووافقه الذهبي]فجعل النبي –صلى الله عليه وسلم- الغاية من بعثته والهدف من رسالته إتمام وإكمال صالح الأخلاق التي جاءت بها الرسل من قبله، والتي فطر الله تعالى الناس عليها، فقد فطر الله تعالى الناس على شِيَم وأخلاق نَحَلهم إياها بفضله وكرمه، فكان ما جاء به النبي –صلى الله عليه وسلم- نورًا على نور هدى الله تعالى به من الضلالة، وأخرج به من العمى، وكمل به صالح القول والعمل.

النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يبين لنا عظيم منزلة محاسن الأخلاق في الشريعة بهذا البيان الموجز «إنما بُعِثتُ لأتمِّمَ صالح الأخلاقِ»[سبق]، ولهذا قيل: "من زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين"[مدارج السالكين:2/294]، ففي قدر ما تستقيم أخلاق الإنسان وتصلح تكون ديانته، فليست الديانة صلة بين العبد وربه مع فساد ما بينه وبين الخلق، بل قد قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا[النساء: 58]، ولهذا لا يكون إلا بمراعاة محاسن الأخلاق.

أما ما يجنيه الإنسان في الآخرة من حسن خلقه، فقد قال –صلى الله عليه وسلم- فيما جاء في الترمذي وغيره من حديث أبي الدرادء «ما مِن شَيءٍ أثقلُ في ميزانِ المؤمِنِ يومَ القيامةِ من حُسنِ الخُلُقِ».[سنن الترمذي:ح2002، وقال:هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ]

وإن الله يبغض الفاحش البذيء، والفحش والبذاءة تتنافى مع محاسن الأخلاق، ولهذا ينبغي أن يدرك الإنسان أهمية تكميل الأخلاق الطيبة في مسلكه وفي عمله وفي معاملته، فإن النبي –صلى الله عليه وسلم- بين منزلة ذلك في الآخرة فقال: «ما مِن شَيءٍ أثقلُ في ميزانِ المؤمِنِ يومَ القيامةِ من حُسنِ الخُلُقِ»، وقال أيضًا –صلى الله عليه وسلم- عن أكثر ما يدخل الناس الجنة قال:«تقوى الله، وحسن الخلق»[سنن الترمذي:ح2004، وصححه]، وهذا يبين عظيم منزلة حسن الخلق في مسير الإنسان لربه يوم القيامة.

وقد قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:«أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم»[سنن الترمذي:ح1162، وقال:حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ]، وقد قال أيضًا: «إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم»[سنن أبي داود:ح4798، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب:ح2643]، فالأحاديث في بيان منزلة حسن الخلق وعظيم ما يدركه الإنسان بهذا العمل كثيرة وفيرة وتؤكد على أهمية عناية الإنسان بتكميل أخلاقه وتحسين سلوكه وأن يكون خيرًا لنفسه وخيرًا للآخرين.

ومحاسن الأخلاق متنوعة وكثيرة وهناك أصول تبنى عليها محاسن الأخلاق، من تلك الأصول الأساسية والجوامع الكلية التي ينبثق عنها محاسن الأخلاق الحياء الذي سنتحدث عنه -إن شاء الله تعالى- في هذه الحلقة.

المقدم:-فضيلة الشيخ بعد بيان هذه المنزلة للأخلاق في دين الله –عز وجل- واعتناء الشريعة الإسلامية بهذا الأمر اعتناء كبيرًا؛ ولأن أيضًا علاقة الإنسان في هذه الحياة الدنيا هي علاقة في المقام الأول بينه وبين الله –عز وجل- وفي المقام الآخر بينه وبين الخلق، فمقام تعامل الإنسان مع الخلق يرتبط ارتباطًا كبيرًا بهذه الأخلاق التي دعا إليها ديننا الإسلامي وحث عليها في مواضع عديدة وفي أحاديث كثيرة كما تفضلتم فضيلة الشيخ.

لكن نريد أن نتحدث تحديدًا في هذه الحلقة بعد هذه المقدمة عن أهمية الخلق ومنزلة الخلق في ديننا الإسلامي نريد أن نتحدث فضيلة الشيخ عن خلق الحياء تحديدًا.

 أيضًا خلق الحياء يعني جاءت نصوص كثيرة في سنة المصطفى -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- في سيرته -عليه الصلاة والسلام- التي تدعو إليه وتحث عليه، وتدعو المسلم بأن يتحلى بهذا الخلق العظيم، نريد أن نتحدث فضيلة الشيخ عن خلق الحياء ومنزلته وحقيقته.

الشيخ:- خلق الحياء خلق جليل كريم، وهو من جوامع الأخلاق الفاضلة، بمعنى أن من اتصف بالحياء جمع الله تعالى له جملة وفيرة من الأخلاق الفاضلة، ولهذا عُدَّ من أفضل الأخلاق وأجلِّها لعظيم ما يترتب عليه من توالد أخلاق فاضلة كثيرة يدعو كثير منها إلى أنه من شعب ومن تفاصيل هذا الخلق العظيم خلق الحياء.

ولهذا يقول ابن القيم –رحمه الله-: وخلق الحياء من أفضل الأخلاق وأجلها وأعظمها قدرًا وأكثرها نفعًا، بل هو خاصة الإنسانية يعني هو الذي يبين للإنسان عن سائر خلق الله –عز وجل- من الحيوان ممن في حياة فمن خصائص الأخلاق الإنسانية الحياء، فمن لا حياء فيه ليس معه من الإنسانية إلا الصورة لحم ودم وصورة ظاهرة، كما أنه ليس معه من الخير شيء، ولولا هذا الخلق لتعطلت فضائل عظيمة وخصال كريمة لا تنشأ ولا تتوفر إلا بتحصيل هذا الخلق.[مفتاح دار السعادة:1/277]

 وتأكيدًا لهذا المعنى أو مما يبين عظيم منزلة خلق الحياء في الأخلاق على وجه العموم التي ندبت إليها الشريعة وبعث النبي –صلى الله عليه وسلم- لتتميمها فذكر –صلى الله عليه وسلم- فيما جاء في السنن -سنن ابن ماجه - وقد رواه الإمام مالك في موطئه، وإن كان في إسناده مقال قال: «إن لكل دين خلقًا»يعني خصلة من خصال الخير أكدت عليه وركزت عليه وحثَّت عليه «وإن خلق الإسلام الحياء»[سنن ابن ماجه:ح4181 ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع:ح2149]، يعني الخلق الذي أكده الإسلام ودعا إليه وندب إليه وحث عليه: الحياء، وهذا ليس لمُفرَدَةٍ من مفردات الحياء، أو مفردة من مفردات الأخلاق، بل لأن الحياء ينبع عنه كل فضل وينشأ عنه كل كريمة من الخصال.

ولهذا من المهم أن يفهم هذا المعنى، وأن يدرك أن خلق الحياء ليس عملية إصلاحية لجانب من جانب السلوك بل هو مما ينصبغ به مسلك الإنسان وعمله، وينصبغ به ما يكون من شؤونه، فتجده في كل خصاله وينتج عنه ويتولد عنه خصال كريمة وشِيَم جليلة وأعمال صادرة.

ولهذا خصه النبي –صلى الله عليه وسلم- بالذكر في شعب الإيمان فقال –صلى الله عليه وسلم-: «الإيمان بضع وستون شعبة، أفضلها قول لا إله إلا الله»، وهذا أشرف ما يكون، وهو إخلاص العمل لله وإفراده للعبادة دون ما سواه بإخلاص له في القول والعمل والاعتقاد، ثم قال: «وأدناها إماطة الأذى عن الطريق»، وهو عمل بدني يُزيل به الإنسان كل مكروه عن طريق الناس، ثم قال: «والحياء شعبة من الإيمان».[صحيح البخاري:ح9]

أنت إذا نظرت إلى قائمة الأخلاق وجدت قائمة طويلة من الأخلاق جاءت الشريعة بالندب إليها والحث عليها وتبيين فضلها فلماذا خص الحياء من بين هذه الخصال والأخلاق بالذكر بهذا الحديث والتنبيه عليه بقوله –صلى الله عليه وسلم-: «والحياء شعبة من الإيمان».

لأنه جامع لخصل الخير، وعنه تنشأ الفضائل، وهو تأكيد لما ذكره –صلى الله عليه وسلم-: «وإن خلق الإسلام الحياء»[سبق]، كذلك مما يبرز أهمية الحياء في سلوك الإنسان أن الحياء مشتق من الحياة، فبقدر ما يكون مع الإنسان من الحياء تتحقق له الحياة الهنيئة، تتحقق له الحياة الطيبة، تتحقق له الحياة المطمئنة الساكنة الهادئة، فأنت تلحظ أن أصحاب الحياء من كل البشر من مسلمهم وغير مسلمهم على اختلاف ديانتهم، وعلى اختلاف أعراقهم وعلى اختلاف طبائعهم وأصولهم وألسنتهم وعوائدهم تجد أن من اتصف بالحياء قريب من كل خير، ينكَفُّ عن كل رذيلة، يقدم على كل فضيلة، وهذا مصداق ما أخبر به النبي –صلى الله عليه وسلم- في قوله: «الحياء لا يأتي إلا بخير».[صحيح البخاري:6117]

الحياء لا يوصل الإنسان إلا إلى خير، ولا يأتيه إلا بخير، ولذلك قال –صلى الله عليه وسلم-: «الحياء خير كله» [صحيح مسلم:ح37/60]، وهذه المعاني يؤكدها –صلى الله عليه وسلم- في مقالات عديدة لعظيم ما يترتب على الحياء من الفضائل، فهو مفتاح كل خير، ويوصل إلى كل برٍّ، وهو باعث على الفضائل حاجز عن الرذائل.

ولذلك منع النبي –صلى الله عليه وسلم- رجلًا كان يعظ أخاه في الحياء كان يقول: لا تستح، فقال: «دعه فإن الحياء من الإيمان»[صحيح البخاري:ح24]،وقال –صلى الله عليه وسلم-: «الحياء خير كله»[سبق] أي لا يأتي منه إلا كل خير لعلوِّ منزلته، وجليل قدره، وسموِّ محله، ورفعة شأنه وعظيم نفعه وجميل آثاره.

الحياء أيها الإخوة والأخوات زينة يتزين بها الإنسان في سلوكه وفي عمله وفي قوله وفي معاملته، فيشعُّ ويشرق بهاء وجمالًا، قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «ما كان الحَياءُ في شيءٍ إلَّا زَانَهُ، ولا كان الفُحْشُ في شيءٍ إلَّا شَانَهُ»[سنن الترمذي:ح1974، وحسنه] وهذا نظير قوله –صلى الله عليه وسلم-: «ما كان الرِّفْقُ في شيءٍ إلا زانَه، وما نُزِعَ من شيءٍ إلا شانَه».[صحيح مسلم:ح2594/78]

والحياء يثمر الرفق، فإن الحييَّ رفيقٌ، تجده ذا أناة وحلم، ولهذا في بعض روايات الأشج عبد القيس لما قال له النبي –صلى الله عليه وسلم-:«إن فيك لخصلتين يحبهم الله ورسوله»قال: ما هما يا رسول الله؟ قال:«الحلم والحياء»[مسند أحمد:ح17828، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد:ح455]وفي رواية:«الحلم والأناة».[صحيح مسلم:ح17/25]

الحياء خلق فاضل يقرب من الله –عز وجل- ويكسب الإنسان محبة العزيز الغفار جل في علاه، وهنيئًا لمن فاز بمحبة الله، جعلنا الله وإياكم من أحبائه وأوليائه وأصفيائه، قال النبي –صلى الله عليه وسلم- فيما جاء في الترمذي وغيره، وفي سنن أبي داود قال –صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ اللَّهَ حييٌّ ستِّيرٌ يحبُّ الحياءَ والتَّستُّرَ»[سنن أبي داود:ح4012، وصححه الألباني في الإرواء:ح2335]،فهو يحب الحياء خصلة ومسلك وصفة يتصف بها الإنسان، فإذا اتصف بها أحبه الله كما في حديث أبي هريرة «إن الله يحبُّ الحيِيَّ العفيفَ المُتعفِّفَ».[شعب الإيمان:ح5791، وصححه الألباني في صحيح الجامع:ح1711]

ولهذا من المهم أن ندرك معاني هذه الفضائل، وأن الحياء يثمر هذه الثمار الجليلة التي يدرك بها الإنسان خيرًا عظيمًا وسبقًا كبيرًا.

ما الذي اختصت به هذه الشريعة من الحياء في قول النبي –صلى الله عليه وسلم- في بيان اختصاص هذه الشريعة بهذه الخصلة في قوله –صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ لكلِّ دِينٍ خُلُقًا، وخُلُقُ الإسلامِ الحَياءُ»[سبق] الذي اختص به أن الحياء شامل لكل أعمال الإنسان؛ في شهوده وحضوره ومعاملته مع الخلق وفي غيبته وخلوته وانفراده، فالحياء ليس مسلكًا يكون فقط في وقت التعامل مع الغير من البشر، بل يكون في كل شئون الإنسان، لا يستثنى من ذلك شيء كما سيأتي في حديثنا عن أنواع الحياء وأقسامه.

حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إنَّ ممَّا أدرَك النَّاسُ من كلامِ النُّبوَّةِ الأولى إذا لم تستَحِ فافعَلْ ما شِئْتَ»[صحيح  البخاري:ح3483].

 هذا الحديث النبوي الشريف يبين أن خصلة الحياء مما دعت إليه النبوات كلها، ولذلك قال –صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ ممَّا أدرَك النَّاسُ من كلامِ النُّبوَّةِ الأولى» يعني لما جاءت به الرسالات والأنبياء من قبل «إذا لم تستَحِ فافعَلْ ما شِئْتَ».

فالحياء خصلة من الخصال التي دعت إليها الرسالات ودعا إليها الأنبياء قبل، إنما الذي تميز به هذا الشرع المبارك هو تأكيد هذه الخصلة والحث عليها وبيان عظيم منزلتها وأنها شاملة لكل سلوك الإنسان وأخلاقه وأعماله.

هذه لمحة موجزة عما يتعلق بالحياء وما فيه من الفضائل ومنزلته في الشريعة، لكن يتبادر إلى الذهن سؤال وهو ما حقيقة الحياء الذي جاءت به هذه الفضائل وحث عليه النبي –صلى الله عليه وسلم- وقال فيه: «الحياء خير كله»[سبق]، «والحياء لا يأتي إلا بخير»[سبق] وما أشبه ذلك؟

المقدم:- من ماذا يستحي -فضيلة الشيخ- الإنسان المسلم من ماذا يستحي؟

الشيخ:- هذا سنجيب عنه فيما يتصل بأنواع الحياء، لكن قبل ما نتكلم عن أنواع الحياء، ما هو الحياء؟

الحياء حقيقة: خلق يبعث الإنسان على اجتناب كل قبيح ويمنعه من التقصير في حق كل ذي حق، هذا أخصر ما يمكن أن يفسَّر به الحياء، الحياء يبعث الإنسان على اجتناب كل قبيح، هنا سؤال ما المقصود بالقبيح؟

المقصود بالقبيح كل ما حرمه الله ورسوله، كل ما نهى الله تعالى عنه ورسوله فإنه قبيح، وبالتالي من مقتضيات الحياء أن يكفَّ الإنسان عن كل ما حرمه الله ورسوله، هذا من مقتضيات الحياء، فإن الحياء يحمل الإنسان على ترك المحرمات، ويحمله أيضًا على فعل الواجبات، لأنه قبيح أن يترك الإنسان ما فرض الله تعالى عليه، وقبيح أن يتورط فيما حرم الله تعالى عليه، فلا يكون إنسان مكتملًا في الحياء ولا يكون متصلًا بهذه الخصلة، ومرتسمًا معالمها، وقائمًا بأركانها إلا إذا امتنع واجتنب كل قبيح في قول أو في عمل في ظاهر أو في باطن مما حرمه الله ورسوله هل هذا هو نهاية المطاف فيما يتعلق بالحياء؟

الجواب، لا، بل ثمة مرتبة أخرى من الحياء وهي أن يكف الإنسان عن كل ما يستنكر من قول أو عمل في معاملته للناس، وهذا أمر زائد على ما يتعلق بما جاءت به الشريعة، فالشريعة أمرت الإنسان بأوامر ونهت عن نواهي، ثم فوضت أمورًا إلى ما تقتضيه الأعراف وما جرى به عرف الناس وتعاملهم دون دخول في تفاصيل، فيدخل فيما يتعلق بالقبيح كل ما يستقبحه الناس من قول أو عمل أو معاملة أو تصرُّف يتصرفه الإنسان في خاصة نفسه أو فيما يتعلق بمعاملته لغيره.

إذًا الخلق خلق الحياء حقيقته: أن تبعد عن كل ما يُستنكر شرعًا وكل ما يستنكر عرفًا، وطبعًا الأعراف تختلف من بلد إلى بلد، ومن بيئة إلى بيئة، ومن زمان إلى زمان، فمراعاة الحياء فيما يتعلق باختلاف الأعراف أن يعامل الإنسان كل أصحاب عرف بما جرى به عرفهم، فإذا كان عند قوم يستنكرون تصرفًا معينًا، لباسًا معينًا فمن الحياء أن يخرج عن هذا الاستنكار بأن يجري فيه على المألوف مادام أن ذلك لا يخالف ما جاءت به الشريعة من أمر أو نهي.

هذا ما يتصل بحقيقة الحياء، فالحياء ليس فقط هو حُمرة في الوجه أو انكفاف عن عمل، بل هو أكبر من ذلك، يشمل كل اجتناب لكل قبيح من قول أو عمل، ظاهر أو باطن حتى فيما يتعلق بأعمال السر والخفي، أعمال القلوب، إن الحياء يتحقق بأن يكف الإنسان نفسه عن ذلك بالبعد عنه، فإن الحياء لا يأتي إلا بخير، فهو منظومة مكتملة مادام ما توافرت في سلوك الإنسان انصبغ به كل ما يكون من أعماله وأقواله وأحواله.

المقدم:-جميل فضيلة الشيخ، اسمح لي أن نذهب إلى فاصل بعده -بمشيئة الله تعالى- نستكمل حديثنا حول أنواع الحياء، وأيضًا حول ما جاء في الكتاب والسنة عن فضائل الحياء، سنذهب إلى فاصل بعده -بمشيئة الله تعالى- نستكمل حديثنا مستمعينا الكرام، فاصل قصير بعده نكمل الحديث، ابقوا معنا.

حياكم الله مستمعينا الكرام، مجددًا نرحب بكم ونرحب بمن انضم إلينا الآن في هذه الحلقة المباشرة لبرنامج "الدين والحياة" عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة، ضيفنا الكريم وضيف حلقات برنامج "الدين والحياة" فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم أهلا وسهلا فضيلة الشيخ، حياك الله.

الشيخ:- حياكم الله، مرحبا بك وبالإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.

المقدم:- أهلا وسهلا فضيلة الشيخ، تحدثنا عن خلق الحياء ومنزلته وحقيقته، نسأل الله –عز وجل- أن يجملنا بهذا الخلق إنه جواد كريم.

فضيلة الشيخ بودي أن نتحدث عن أنواع الحياء، ما هي أنواع الحياء؟ في ماذا يكون الحياء؟

الشيخ:- الحياء كما ذكرت قبل قليل خصلة وصفة وسلوك يكون في كل ما يصدر عن الإنسان في غيبه وشهادته في معاملته وعمله، في حاله وظاهرة وباطنه وقوله، وإذا كان كذلك سيتضح أن الحياء ليس خصلة يتعامل بها الإنسان في موقف معين أو في حال معينة، بل هو في كل أحواله.

مواطن الحياء وأقسام الحياء، العلماء ذكروا بما استشرفوا من النصوص واستقرؤوا من النصوص أنواعًا من الحياء.

 فمن أنواع الحياء الممدوح المأمور به: حياء الإنسان من الله –عز وجل-، حياء الإنسان من ربه الذي خلقه ورزقه ومن كل خير أنعم عليه وأمدَّه، وحياؤه من الله –عز وجل- مفتاح خير عظيم ولما لا يستحي العبد من الله –عز وجل-، وهو في نظره -جل في علاه- لا يخفى عليه من مخافيه، ولا تغيب عنه من شأنه غائبة، كما قال تعالى: ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾[يونس: 61].

هذه الآية العظيمة تقدح في قلب كل مؤمن فضيلة الاستحياء من الله –عز وجل-، فإن العبد يستحي من الله –عز وجل-؛ لأنه يعلم سرَّه ونجواه، يطلع عليه في كل أحواله ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأۡنٖ﴾يعني في أي شأن كنت﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأۡنٖوَمَا تَتۡلُواْ مِنۡهُ مِن قُرۡءَانٖوَلَا تَعۡمَلُونَ مِنۡ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيۡكُمۡ شُهُودًا إِذۡ تُفِيضُونَ فِيهِۚ[يونس:61]،يعني إذ تخوضون في هذا الأمر من شأن، أو تلاوة قرآن، أو عمل لا يغيب عنه –جل وعلا- شيء من أحوال العبد، الله الآن يشهد حديثنا وبرنامجنا، وما يكون من أقوالنا يشهدنا -جل في علاه- في غيبنا وشهادتنا بحضورنا بين الناس وفي انفرادنا ومثل هذا يبعث في قلب العبد هيبةً لربه يستحي من ربه أن يراه حيث نهاه أو أن يفقده حيث أمره.

فتجده سباقًا إلى كل برٍّ، عاملًا بكل خير، مشتغلًا بكل فضيلة، وهذا الحياء يبعث على أعمال جليلة ويقود إلى خير كثير، كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «الحياء لا يأتي إلا بخير»[سبق]، وقد قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في شأن الحياء من الله –عز وجل- مقالة بيَّنت عظيم ما ينبغي أن يكون عليه الإنسان في شأن ربه، ففيما جاء من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه «استحيوا من الله حق الحياء» أمرنا النبي –صلى الله عليه وسلم- بالاستحياء من الله حق الحياء أي كاملَه وأوفاه، فقالوا يا رسول الله: إنا نستحيي والحمد لله، يعني نحن نسلك مسلك الحياء في معاملة الله –عز وجل- ونحمده على ما يسَّر من ذلك، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-:«ليس ذاك»يعني ليس الأمر كما تظنون من استكمال هذه الخصلة، «ولكن الاستحياء من الله»حق الحياء يعني أكمله وأعلاه وأوفاه «أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى ولتذكر الموتى والبلاء، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء».[سنن الترمذي:ح2458، وحسنه الألباني في صحيح الجامع:ح935]

هذه الخصال التي ذكرها النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- تجمع للإنسان معاني جليلة يتحقق له بها كمال الحياء من الله -جل في علاه- وتمام الإقبال عليه –سبحانه وتعالى-.

قوله –صلى الله عليه وسلم-: «استحيوا من الله حق الحياء» أي حياء ثابتًا ولازمًا وصادقًا فاتقوه حق تقاته، وابذلوا وسعكم في أن تجتنبوا كل ما يقبِّحكم عنده في السر والعلن، في الخفاء والشهود فإن ذلك مما يجلب للإنسان الخير العظيم.

قال –صلى الله عليه وسلم- في تفسير وطريق تحقيق هذا المعنى وهو الاستحياء من الله حق الحياء قال: «أن تحفظ الرأس وما وعى الرأس»تحفظه بحفظ الله، وأن تكون فيه على طاعة الله فتبعده عن كل ما يغضب الله تعالى إيمانًا به وإقبالًا عليه، فلا تسجد لغيره ولا تقصد سواه، وتحفظ سمعك وبصرك ولسانك وفكرك وخواطرك عن كل ما يكون من الأمور التي لا يحبها ولا يرضاها.

«وتحفظ البطن وما حوي»عن كل محرَّم يصل إلى جوفك وتحصل لك به المتعة، فإن ذلك مما يتحقق به الاستحياء التام فتجتنب الربا، تجتنب أكل المال بالباطل، تجتنب الخيانة، تجتنب الزنا، تجتنب سائر ما حقق الله تعالى لتتحقق وتحفظ البطن وما حوي لأنهم قالوا: يشمل الأعضاء المتصلة بالبطن.

قال –صلى الله عليه وسلم-: «وتذكر الموت والبلاء»أي يكون الموت حاضرا في ذهنك للاستعداد لما بعد الموت من الجزاء والحساب، وبعد ذلك قال –صلى الله عليه وسلم- في بيان كمال ما يتحقق به الاستحياء من الله تعالى قال: «ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا»فإنهما لا يجتمعان ترك زينة الدنيا أي التعلق بها، وليس المقصود الاستمتاع بما أحل الله تعالى، قال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ[الأعراف: 32]

فقوله –صلى الله عليه وسلم-: «ترك زينة الدنيا»أي لم يعلق قلبه بها، فما ساقه الله له من زينة الدنيا أخذ منه ما كان من مباح حلال دون أن يعلق قلبه بذلك، هذا يتحقق به الحياء من الله –عز وجل-.

 ومن الحياء من الله –عز وجل- أن يحفظ الإنسان عورته، فإن ذلك من الحياء من الله –عز وجل- الذي ذكره النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في حديث يعلى بن أمية، قال -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «إنَّ اللَّهَ حييٌّ ستِّيرٌ يحبُّ الحياءَ والتَّستُّرَ فإذا اغتسل أحدكم فليستتر»[سبق] فجعل الاستتار من الحياء من الله –عز وجل-.

هذا رأس الحياء وأصله، وعنه ينبثق كل حياء وفضل أن تستحي من الله، فلا يراك الله فيما يكره أو فيما حرم عليك، ولا يفقدك فيما يحب أو فيما فرض عليك وشرع لك.

من أنواع الحياء أيضًا: الحياء من الملائكة، وقد أمرنا النبي –صلى الله عليه وسلم- بذلك في حفظ العورات فقال: «إن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط وحين يفضي الرجل إلى أهله، فاستحيوهم وأكرموهم»[سنن الترمذي:ح2800، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع:ح2194]، وهم الملائكة، وحفظهم بأن يحفظ الإنسان نفسه عن أن يقع فيما يسجلونه عليه من رديء القول أو سيء العمل، قال تعالى: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ *كِرَامًا كَاتِبِينَ[الانفطار: 10- 11]، فأكرموهم بألا يكتبوا عنكم ولا عليكم شيئًا تساءون به عند الله –عز وجل- ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ[ق: 18].

من الحياء: حياؤك من الناس، فإن الحياء من الناس من الخصال الجميلة والفاضلة والكريمة التي تحمل الإنسان على إكرام الغير، وعلى إيصال كل برٍّ ونفع، وعلى أقل الأحوال يحمله على أن يكفَّ شره عن الناس، فإن هذا أدنى مراتب الحياء ألا تؤذي غيرك، ولذلك قال النبي –صلى الله عليه وسلم- «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويديه»[صحيح البخاري:ح10]، ومن أنواع الحياء أيضًا أن يستحي الإنسان في حال خلوته؛ فإن حال الخلوة قد يتوسع فيها الإنسان بأنواع من التصرفات التي قد يغيب فيها الحياء، فندب إلى الحياء، أما ما يتعلق بترك المحرمات فلا ريب أن الإنسان مأمور بترك المحرم في الغيب والشهادة، وإذا خلا كان تركه للمحرم مما ينبغي أن يستحضره لعظيم ضعف اليقين بمطالعة الله –عز وجل- حال الخلوة، حيث يدب إلى النفس أنه يتمكن أن يفعل من الخطأ ما ينتهك به حرمة نظر الله –عز وجل-، وهو لا يشعر.

لا يعني هذا أن يوقع الإنسان المعاصي جهرة، إنما المقصود ألا يخفَّ قدر الله عنده فيجعل الخلوات محلًّا للهفوات والمعاصي والسيئات على نحو يغيب ويضمحل من قلبه قدر الله –عز وجل- وتعظيمه –سبحانه وبحمده-، ولهذا جاء في الحديث «إن أقوامًا يأتون يوم القيامة بأمثال جبال تهامة بيض يجعلها الله هباء منثورًا»ثم ذكر النبي –صلى الله عليه وسلم- أنهم إذا «كانوا إذا اختلوا بمحارم الله انتهكوها»[سنن ابن ماجه:ح4245، وصححه الألباني في صحيح الجامع:ح1590] فمن الحياء من الله –عز وجل- في الخلوة أن تحفظ أمره ونهيه، وأن تجتنب ما يبغضه –جل وعلا-.

ومن كمال الحياء من الله تعالى في حال الخلوات: ستر العورات، لذلك سئل النبي –صلى الله عليه وسلم- عن العورة، وهو ما يجب ستره، قيل له: "يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟" يعني بيِّن لنا ما الذي نتوسع فيه وما الذي نتجنبه في شانها؟ قال: «احفظ عورتك إلا من زوجتك أو مما ملكت يمنيك»ثم قال السائل: يا رسول الله الرجل يكون مع قومه؟ قال: «إن استطعت ألا يراها أحد فافعل»يعني احفظ عورتك أن يطلع عليك أحد من الناس، فقال له يا رسول الله: الرجل يكون خاليًا، وكذلك المرأة؟ قال: «فالله أحق أن يستحيا منه من الناس»[سنن الترمذي:ح2769، وحسنه]، وهذا ندب إلى ضرورة استعمال الحياء حتى في الخلوات، فلا يبقى الإنسان عاريًا متكشفًا حتى في خلوته إلا ما كان ثمة أن يحتاج إلى ذلك، فإن لم يكن محتاج إلى ذلك فينبغي أن يستحضر نظر الله تعالى إليه فيستحي منه -جل في علاه- بحفظ عورته، وعدم إظهارها.

الحياء يمنع الإنسان من فعل المعاصي ومن رذائل الأخلاق، ولهذا قال –صلى الله عليه وسلم-: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إن لم تستح فاصنع ما شئت»[سبق]، ومعنى هذا في مفهوم المخالفة، أنك إذا استحييت فإن ذلك سيحجزك عن رديء الأخلاق وسيء الأعمال.

وقد قال الشاعر:

             ورُبَّ قبيحةٍ ما حال بيني ****  وبين ركوبها إلا الحياء

          فكان هو الدواء لها ولكن ****  إذا ذهب الحياء فلا دواء

إذا ذهب الحياء، فإن الإنسان يتهوَّك ويتورط في سيء العمل ورديء الأخلاق في الأقوال والأعمال، ولهذا قال القحطاني:

        إذا خلوتَ بريبة إلى ظلمة  *****    والنفس داعية إلى الطغيان

       فاستح من نظر الإله وقل لها *****   إن الذي خلق الظلام يراني.

 فإذا استحضر الإنسان هذه المعاني كان ذلك من أعظم ما يعينه على طيب الأخلاق وجميل الخصال ويكف عن الشر والفساد.

نختم بتنبيه إلى أن خلق الحياء منه ما هو جِبليٌّ يُجبَل عليه بعض الناس، وهذا من فضل الله تعالى عليهم ورحمته بهم، ومنهم من يكون محتاجًا إلى اكتساب هذا الخلق، وإلى التحلي به، وفي العموم والإجمال موضوع الأخلاق موضوع كسبيٌّ «إنما العلم بالتعلُّم، وإنما الحِلم بالتحلُّم».[الأوسط للطبراني:ح2663، وحسنه الألباني في صحيح الجامع:ح2328]

وكل خلق فاضل تستطيع أن تكتسبه بالتخلق، فإذا تخلق الإنسان بالمعاني الجليلة الكريمة اكتسبها، وإذا تخلى عنها فقدها، ولهذا لا يقول الإنسان: أنا ما أقدر أتخلق بالحياء أو بالكرم أو بغيره، ما في شيء، ليس ثمة خلق، ليس هناك خلق لا يستطيع أن يتحلى به الإنسان، إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم والشيء يأتي تدريجًا ويدركه الإنسان مع المعاناة والملاحظة.

فمما يبعث على التخلق بخلق الحياء: ما مر من الفضائل التي سمعناها في بيان عظيم فضله وكبير منزلته ورفيع قدره.

 مما يبعث على التخلق بخلق الحياء: أن الله تعالى يحب أهل الحياء ويجزل لهم العطاء ويكرم لهم الجزاء جل في علاه.

وأيضًا مما يحمل الإنسان على هذا الخلق الكريم: أنه مفتاح خير عظيم إذا أقبل على هذا الخلق وهذه الخصلة وتحلى بها فتحت له خيرات عظيمة وأبواب من البر كبيرة.

 مما يحمل الإنسان على الخلق: تذكره عظمة ربه وتذكره إطلاع الله تعالى عليه، فإن إطلاع الله تعالى على العبد يحمله على الإحسان، كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم- في بيان الإحسان:«أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك».[صحيح البخاري:ح50]

وتذكر العبد بشهود له وإطلاع عليه يحمله على كل فضيلة في معاملة الله وفي معاملة الخلق، فلا يظلم ولا يعتدي، ولا يبخس حقوق الناس، ولا يكون لهم إلا على أحسن حال فيكون بذلك من السابقين إلى الخيرات.

هذه بعض المعاني التي من خلالها ومن طريقها يحصل الإنسان هذه الخصلة، وإذا أقبل على الله داعيًا سائلًا صادقًا في طلب التحلي بهذه الخصلة أدركها بفضل الله ومنته، فالدعاء باب عظيم يكمل الله تعالى به محاسن الأخلاق، ولهذا من الأدعية النبوية:«اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدني لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت».[صحيح مسلم:ح771/201]

ومن الأدعية النبوية:«اللهم إني أعوذ بك من مُنكرات الأخلاق والأهواء والأدواء».[سنن الترمذي:ح3591، وحسنه] فاستعاذ النبي –صلى الله عليه وسلم- من منكرات الأخلاق وعدم الحياء هو من منكرات الأخلاق.

هذه بعض الأمور التي تكتسب بها هذه الخصلة الجليلة الكريمة، أسأل الله تعالى أن يحلينا وإياكم بالفضائل، وأن يعمر قلوبنا وأعمالنا ومعاملتنا بكريم الخصال وطيب الأخلاق، وأن يجعلنا من أحاسن الناس أخلاقًا في معاملته -جل في علاه- وفي معاملة الخلق.

المقدم:-اللهم آمين، شكرًا جزيلًا فضيلة الشيخ، شكر الله لك وكتب الله أجرك فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، شكرًا جزيًلا فضيلة الشيخ على ما أجدت به وأفدت في هذه الحلقة.

الشيخ:-أنا أشكركم وأشكر الله -جل في علاه- أولا وآخرا على ما تفضل، وأسأله دوام فضله لي ولكم وللمستمعين والمستمعات، وأن يسبغ علينا الإحسان، وأن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء وشر، وأن يوفق ولاة أمرنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده إلى كل برٍّ، وأن يسددهم في الأقوال والأعمال، وأن يجعل لهم من لدنه سلطنًا نصيرًا، وأن يجمع بهم كلمة المسلمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم:- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94049 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89968 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف