المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته طيبتم وطابت أوقاتكم جميعًا بكل خير نحييكم تحية طيبة في بداية هذه الحلقة لبرنامج "الدين والحياة"، والتي نستمر معكم فيها على مدى ساعة كاملة بمشيئة الله تعالى.
في بداية هذه الحلقة مستمعينا الكرام تقبلوا تحياتي محدثكم وائل حمدان الصبحي، ومن الإخراج مصطفي مستنطق، ومن استديو الهواء لؤي حلبي.
مستمعينا الكرام ضيف حلقات برنامج "الدين والحياة" هو فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم.
فضيلة الشيخ السلام عليكم وأهلًا وسهلًا بك معنا في بداية هذه الحلقة، يا مرحبًا.
الشيخ:- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بك، وحياك الله أخي وائل.
المقدم:- حياكم الله فضيلة الشيخ، مستمعينا الكرام بمشيئة الله تعالى وكما هو حديثنا في حلقات برنامج "الدين والحياة" نناقش موضوعات تهم المسلم في أمور دينه ودنياه، من هذه الموضوعات التي سنتحدث عنها -بمشيئة الله تعالى- عن الأمر بالاجتماع والائتلاف، ونبذ الفرقة والاختلاف، تحت قول الله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا﴾[آل عمران: 103].
في هذه الحلقة مستمعينا الكرام نتحدث تحت هذا الموضوع، وقد أمر الله –تبارك وتعالى- الأمة الإسلامية بالاجتماع والائتلاف، ووحدة الكلمة، ورصِّ الصفوف، ونبذ الفرقة والاختلاف والتنازع والشقاق، يقول الله –تبارك وتعالى-: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا﴾[آل عمران: 103] إلى آخر الآية.
سيكون حديثنا -بمشيئة الله تعالى- في هذه الحلقة حول هذا الموضوع، فأهلا وسهلًا ومرحبًا بكم.
المقدم:- فضيلة الشيخ مثل ما ذكرنا سيكون حديثنا في هذه الحلقة -بمشيئة الله تعالى- حول هذا الموضوع وتحت الآية الكريمة ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا﴾[آل عمران: 103] ابتداء فضيلة الشيخ نريد أن نتحدث عن موضوع الاجتماع وحث ديننا الإسلامي عليه، وأيضًا نبذ الدين الإسلامي للفرقة وكل أسبابها والاختلاف أيضًا.
الشيخ:- الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد..
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته تحية طيبة للجميع من المستمعين والمستمعات، وأسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم شكر نعمه، وأن يسددنا في الأقوال والأعمال والسر والإعلان.
فيما يتعلق بالشريعة المطهرة جاءت هذه الشريعة المطهرة رحمة للعالمين ،كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾[الأنبياء: 107]، ومن أصول الشريعة الكبار، ومن مقاصدها العظام تحقيق الاعتصام بحبل الله جميعًا، ونبذ الفرقة والاختلاف.
ولهذا عدَّ أهل العلم أن من الأصول التي عظُمت وصية الله تعالى بها في كتابه وعظُم ذمُّ من خالفه وخرج عنه، وعظمت وصية النبي –صلى الله عليه وسلم- به في مواطن كثيرة عامة وخاصة، الاجتماع والائتلاف والاعتصام بحبل الله جميعًا والفرار والخروج عن كل اختلاف وفرقة وشقاق، قال الله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً﴾[آل عمران: 103]، والعداوة سببها التفرق والاختلاف ﴿فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾[آل عمران: 103]، فالتمسك المأمور به في قوله: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا﴾[آل عمران: 103] أي تمسكوا بالجماعة.
قال عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه-: "فإن حبل الله هو الجماعة"[تفسير الطبري:7/71]، حبل الله الذي أمر الله تعالى بالاعتصام به هو الجماعة، وهو سواد الأمة وجماعتها التي التئمت وانتظمت تحت ولاية شرعية وبيعة مرعية.
ومنزلة الاجتماع والائتلاف في بناء الأمم والمجتمعات منزلة عظيمة، لذلك جعلها الله تعالى من الشرع الذي أوصى به جميع النبيين، كما قال تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾[الشورى: 13]، فجعل الله تعالى من الوصية التي أوصى بها الأمة وشرعها لها كما شرعها لسالف الأمم :الاجتماع وعدم الفرقة والاختلاف ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ﴾، شرع لهذه الأمة من الدين أي مما يتقرب به إلى الله تعالى ويتعبد به له –جل وعلا- ما وصَّى به نوحًا، يعني ما شرع لنوح -عليه السلام-: ﴿وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى﴾[الشورى: 13]، ما الذي أوصى به الله تعالى نوحًا وأوحاه إلى محمد، وأوصى به إبراهيم وموسى وعيسى، قال: ﴿أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾[الشورى: 13]، أوصى بإقامة الدين عبادة لله وحده لا شريك له، وإقامة لشعائره واجتماع على ذلك ولا تتفرقوا فيه.
فالائتلاف ولزوم الجماعة دين يتقرب به العبد إلى الله تعالى، وهو قربى تُدني العبد من رضا ربه –جل وعلا-، وهو شرع شرعه الله تعالى للأولين والآخرين فهو من التقوى التي أوصى الله تعالى بها الأولين والآخرين، فمن تقوى الله اجتماع القلوب على ولاة الأمور ولزوم جماعة المسلمين، وعدم الخروج على الأئمة فبذلك يقوم الدين وتصلح الدنيا.
ففي الصحيح من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال –صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ اللهَ يرضَى لكم ثلاثًا، ويَكرهُ لكُم ثلاثًا، فيَرضَى لكُم: أنْ تَعبدوهُ، ولا تُشرِكوا به شيئًا، وأنْ تَعتصِموا بحبلِ اللهِ جميعًا ولا تَفرَّقوا»[صحيح مسلم:ح1715/10]، وهو لزوم الجماعة وعدم الفرقة والخلاف والشقاق والنزاع والتحزب والتشرذم والتفرق، وأن تُناصِح من ولَّاه الله أمركم، والمناصحة تقتضي المحبة، وتقتضي الاجتماع، وتقتضي التأليف، وتقتضي الطاعة والسمع، كما سنتناول إن شاء الله تعالى.
المقصود أن هذه الشريعة أكدت ضرورة الاجتماع والائتلاف وحذرت من الفرقة والنزاع، وبينت أن الألفة رحمة وأن الفرقة عذاب، وأن الاجتماع نعمة، وأن الفرقة والتحزب والتفرق مما يقع به العذاب ويقع به الشر في حياة الناس.
جاء في السنن من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «ثلاثٌ لا يَغِلُّ عليهم قَلبُ المُؤمِنِ» يعني لا يصيبه الغل، يعني يسلم قلب المسلم من الغِلِّ بتحقيق هذه الأمور الثلاثة «إخلاصُ العَمَلِ، والنَّصيحةُ لِوَلِيِّ الأمرِ، ولُزومُ الجَماعةِ»[مسند أحمد:ح16738، وصححه الألباني في الصحيحة:ح404] أي عدم مخالفتهم ومنابذتهم والخروج على الأئمة، «فإن الدعوة تحيط من ورائهم».
ولاحظ أن هذه الثلاثة التي جمعها حديث ابن مسعود هي الثلاثة التي رضيها الله تعالى في حديث أبي هريرة من صحيح مسلم حديث رقم(1715) «إنَّ اللهَ يرضَى لكم ثلاثًا، ويَكرهُ لكُم ثلاثًا، فيَرضَى لكُم: أنْ تَعبدوهُ، ولا تُشرِكوا به شيئًا، وأنْ تَعتصِموا بحبلِ اللهِ جميعًا ولا تَفرَّقوا» وهو ما أشار إليه في حديث عبد الله بن مسعود «ولُزومُ الجَماعةِ».
وأما الثالث فهو قوله: «وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم» وهو المشار إليه في قوله –صلى الله عليه وسلم-:«ومناصحة أئمة المسلمين»، فالاجتماع والائتلاف ولزوم جماعة المسلمين ولزوم إمامهم يحمي من الشرور، ويقي الأخطار، ويقطع طرق الشيطان الموصِّلة إلى فساد الدين والدنيا، وتتحقق هذه الأمور جميعًا بأسباب:
ومن أعظمها البيعة الشرعية والمحافظة عليها ومعرفة منزلتها، فإن ذلك مما يحقق الاعتصام بحبل الله جميعًا.
أن يعي الناس معنى البيعة الشرعية، وماذا تقتضيه؟ وأنها عبادة وطاعة لله –عز وجل-، وأنها قربى ووسيلة جعلها الله تعالى توصل إلى ما يؤمله الناس من صلاح معاشهم واستقامة معادهم، فنسأل الله تعالى أن يجمع كلمتنا على الحق والهدى، وأن يؤلف بين قلوبنا، وأن يقطع عنا دابر الأشرار والمفرِّطين والمتحزِّبين وأصحاب الأفكار الهدَّامة والطرائق الضالة، فإن السلامة من هذه الطرق المنحرفة من أعظم ما ينجو به الإنسان من الشرور وينجو به من الهلاك.
ولذلك مما يفسد الاجتماع ويخرّب الانتظام ويوقع العداوة والبغضاء بين أهل الإسلام ويُؤذِن بالفشل والهزيمة ما يزيِّنه الشيطان لبعض الناس من التحزب والتشرذم والتفرق في تنظيمات وتحزبات تفرق الجماعة وتنازع الأمر أهله في بيعات مضلة وولاءات مفرِّقة تنقُض البيعة الشرعية وتسلب الولاية المرعية.
ولهذا ينبغي للمؤمن أن يكون على غاية الوعي والإدراك بضرورة الاجتماع، وأهميته، ومعرفة حقوق هذا الاجتماع، وقطع الطريق على كل من يزيِّن شيئًا من الثلم والإخلال بهذا الانتظام وهذا الاجتماع، فكل خير في الاجتماع، وكل شرٍّ في الفرقة والنزاع، قال الله تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾[الأنفال: 46]، اللهم أعنا على ما فيه الخير واصرف عنا كلَّ سوء وشر.
المقدم:- اللهم آمين، فضيلة الشيخ اسمح لي أن نذهب إلى فاصل بعده -بمشيئة الله تعالى- نستكمل حديثنا حول الجزء الذي سنتحدث عنه من الأسباب المعينة، والتي يتحقق بها الاجتماع وعدم الفرقة هي البيعة الشرعية لولي الأمر، سنتحدث عنها -بمشيئة الله تعالى- في الجزء الثاني من هذه الحلقة بعد فاصل قصير سنذهب إلى فاصل مستمعينا الكرام.
حياكم الله مستمعينا الكرام، نرحب بكم ونرحب بمن انضم إلينا الآن في هذه الحلقة المباشرة لبرنامج "الدين والحياة" عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة وبرنامج "الدين والحياة"، ضيفنا الكريم فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم.
فضيلة الشيخ أهلا وسهلا بك مجددًا حياك الله.
الشيخ:- حياكم الله مرحبا بك وبالإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.
المقدم:- أهلا وسهلا فضيلة الشيخ كنا نتحدث قبل الفاصل حول حثِّ ديننا الإسلامي على الاجتماع ونبذ كل أسباب الفرقة والاختلاف، وذكرنا أن مما يتحقق به الاجتماع المحافظة على البيعة الشرعية لولي الأمر، نريد أن نتحدث في هذا الجزء فضيلة الشيخ عن هذا الأمر، ما هي البيعة الشرعية، وأيضًا منزلتها، وسنتحدث -بمشيئة الله تعالى- حول ما يتعلق بها، لكن ابتداء ما هي البيعة الشرعية لولي الأمر؟
الشيخ:- البيعة الشرعية هي عهد وميثاق ومعاقدة تكون بين الراعي والرعية في تحقيق ما يقيم الدين ويصلح الدنيا، فالبيعة هي العهد على الطاعة، والعهد على السمع، والعهد على الإعانة وسائر ما يترتب على البيعة مما سيأتي الإشارة إليه ومما سيأتي التنبيه إليه.
المقصود أن البيعة هي معاقدة ومعاهدة بين الراعي والرعية لإقامة الدين وإصلاح الدنيا، والبيعة هي من أعظم العقود وأخطرها، ولذلك جاءت الشريعة بتأكيد ما يتصل بها في نصوص عديدة وأحاديث كثيرة وذلك لخطورة الأمر وعظمه، وأن الإخلال بمقتضيات البيعة وحقوق البيعة مما يترتب عليه فساد عريض وشرٌّ كبير للفرد والمجتمع.
ولذلك الشريعة أمرت بملاحظة الوفاء بالعقود والعهود الفردية، فهذا العقد من أعظم العقود وأخطرها، ومنزلة البيعة تكتسب من جهة أن الولاية الشرعية التي لابد للناس منها، فلابد للناس من ولاة أمر، من أعيان ورؤساء وقادة يقودون الجمع إلى ما فيه الخير، ويدلونهم على ما فيه الهدى ويقونهم الشرَّ والردى كانت النصوص متواترة في تأكيد هذا المعنى.
الناس لا يصلحون بلا ولاة يسوسونهم ويصلحون معاشهم ومعادهم، لا يُصلح الناس فوضى لا سراة لهم، فلابد من إدراك أن الولاية الشرعية هي ضرورة دينية دنيوية.
يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه:" لابد للناس من أمير يتولاهم ويقوم بشؤونهم ويصلح أمورهم ويدير شئونهم بر أو فاجر يعمل فيه المؤمن ويستمتع فيه الكافر ويبلغ الله تعالى فيه الأجل" [مصنف بن أبي شيبة:ح37907، وقال الهيثمي في المجمع(5/222): رواه الطبراني، وفيه وهب الله بن رزق ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات"، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (16541)]، فلابد للناس من ولاية.
ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-:" يجب أن يعرف أن ولاية أمور الناس من أعظم واجبات الدين بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها". [مجموع الفتاوى:ح28/390]
فإذا عرف الإنسان منزلة الولاية وضرورة الناس لها عرف عظم العقد الذي يكون بين الراعي والرعية، وهي البيعة الشرعية التي يبذل الإنسان فيها لولي الأمر صفقة يمينه وثمرة قلبه، فإن ذلك يكون مفتاح لصلاح الدين وصلاح الدنيا، صلاح المعاش وصلاح المعاد
ولذلك عبر النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بهذا التعبير الدال على عظم قدر البيعة والولاية الشرعية حيث قال –صلى الله عليه وسلم- في بيان المبايَع، قال: «مَن بَايَعَ إمَامًا فأعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَلْيُطِعْهُ ما اسْتَطَاعَ» [صحيح مسلم:ح1844/46] فجعل البيعة ليست صورية أو مظهرية، إنما هي تجمع بين الظاهر والباطن.
فالظاهر صفقة اليد التي تجرى بها المبايعة بين ولي الأمر بين الراعي وبين الرعية، وأضاف إلى ذلك أمرًا آخر، وهو الباطل، وذلك بقوله: «وثمرة قلبه» «مَن بَايَعَ إمَامًا فأعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ» يعني: خالص ودِّه، وخالص طاعته، وصادق التزام العهد الذي بينه وبينه، فإن ذلك يقتضي أن يطيعه ما استطاع «فليطعه ما استطاع» هكذا قال -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في بيان مقتضى الولاية وما يترتب عليه، والحديث في صحيح الإمام مسلم من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنه.
المقصود أن الولاية الشرعية ضرورية حياتية، الولاية والبيعة ضرورية حياتية لتحقيق مصالح الناس وإدراك معاشهم وإدراك مصالح معاشهم، ولهذا جعل النبي –صلى الله عليه وسلم- يقين المؤمن بالبيعة التي هي من حق ولي الأمر ومما يصلح به معاش الناس جعلها حقًّا على كل مسلم.
ولذلك قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «من مات وليس له مات مِيتةً جاهليةً»[مسند أحمد:ح16876، وصححه محققو المسند]، هذا يبين خطورة ما يمكن أن يتصوره الإنسان من أنه لا حاجة له إلى بيعة، ولا حاجة له إلى اعتقاد ولاية فيمن ولاه الله تعالى أمره حيث قال –صلى الله عليه وسلم-: «من مات وليس له إمام» يعني لا يعتقد إمامًا يسمع له ويطيع ويعطيه ثمرة قلبه وصفقة يده، فإنه مات ميتة جاهلية.
وهذا أيضًا يؤكد هذا المعنى وضرورة الاعتناء بالبيعة الشرعية؛ لأنه لا يحل لمسلم أن يبيت ولا يرى من تولى واجتمعت الناس عليه إمامًا برًّا كان أو فاجرًا.
وقد قال –صلى الله عليه وسلم- كما في الإمام مسلم «من مات وليس في عنقِه بيعةٌ مات ميتةً جاهليةً» [صحيح مسلم:ح1851/58] يعني مات كما يموت أهل الجاهلية على غير هدى، وعلى غير سنة، وعلى غير هداية، فمنزلة الولاية منزلة عالية عظيمة توافرت النصوص على تأكيد حقها وبيان وجوب العناية بها، وألا يخلَّ الإنسان بشيء من حقوقها ابتداء باعتقاد الولاية فيمن اجتمعت عليه القلوب، وائتلف عليه السواد الأعظم، واتفق عليه أهل الحل والعقد، وصارت الولاية له، فإنه إن مات لا يعتقد ولاية ولي الأمر وهو من اجتمعت عليه القلوب فإنه يموت ميتة جاهلية كما دلت عليه النصوص.
ونحن -ولله الحمد- جمع الله شملنا في هذه البلاد منذ زمن بعيد على ولاية شرعية وبيعة مرضية على وفق الكتاب والسنة، وهي البيعة لولاة الأمر من حكام هذه البلاد من آل سعود الميامين وفقهم الله وسدد خطاهم ونصرهم على من عاداهم، فاجتمعت القلوب على هذه الولاية، ولذلك يجب على كل من كان من هذه البلاد أن يعتقد حقَّ ولي الأمر الذي أكده النبي –صلى الله عليه وسلم- فإنه من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية، ومن مات وليس في عنقه بيعة، ونحن في أعناقنا بيعة لولاة أمرنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده، «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية». [سبق]
هذا ما يتعلق بمنزلة البيعة وأهميتها وضرورتها في إصلاح معاش الناس، وبها وبمراعاتها بالبيعة الشرعية ومراعاة حقوقها يتحقق ما أمر الله تعالى بالاعتصام والاجتماع والائتلاف في قول الله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ [آل عمران: 103].
وهذه الآية الكريمة يشهد انطباقها على حالنا في هذه الجزيرة العربية كل من عرف التاريخ، فقد كان الناس على حال من التفرق والتنازع والتشرذم والتحزُّبات في رايات عصبية وقَبَلية لا يجمعها جامع ولا تنتظم تحت راية، فجمع الله تعالى هذه الجزيرة وهذه القبائل المتناثرة وهذه الجماعات المتناحرة في الزمن السابق جماعة تحت ولاية عظيمة قائمة على الكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة، فحصل الخير العظيم وحصل الفضل الكبير بصلاح الدين وصلاح الدنيا ابتداء، بدعوة التوحيد التي قام عليها الإمام محمد بن سعود وعضده في ذلك الإمام محمد بن عبد الوهاب رحم الله الجميع في الدولة السعودية الأولى، ثم في الدولة السعودية الثانية، ثم في الدولة السعودية الثالثة التي أسسها وأعاد مجدها ووطَّد كيانها الإمام الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود –رحمه الله- وغفر له وأجزل له المثوبة.
فكان هذا الاجتماع على هذا النحو من استقامة الحال وانتظام الجمع ونبذ الفرقة في هذه الدولة على تعاقب ملوكها وتوالى عهودها، فنسأل الله أن يديم علينا الفضل، وأن يجزي ولاة أمرنا خيرًا من مات منهم ومن على قيد الحياة يبارك الله في عمره وعمله وشأنه.
هذا ما يتصل بالبيعة الشرعية، ولله الحمد هذه البلاد تميزت عن بلاد الدنيا بأن العهد الذي بين الراعي والرعية هو ما كان عليه ثمرة الأمة من إعطاء ثمرة اليد وصفقة اليمين لولاة الأمر على الكتاب والسنة، ولهذا في النظام الأساسي في الحكم في المادة السادسة منه ينص على هذا الأمر فيقول: يبايع المواطنون الملك على كتاب الله تعالى وسنة رسوله، وعلى السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وهذه مادة تُشرق منها أنوار النبوة، ويظهر بها التزام هذه الدولة بما كان عليه سلف الأمة من تعظيم الكتاب والسنة والجري على هدي الأئمة من السمع والطاعة، في العسر واليسر والمنشط والمكره في طاعة الله –عز وجل- وفي تحقيق كل مصلحة ومعروف للناس.
هذه البيعة هي العهد على الطاعة والمعاقدة على الالتزام بما فيه صلاح المعاش والمعاد، لها حقوق ويجب أن يراعي المؤمنون والمواطنون هذه الحقوق لينعموا ببركات هذه البيعة، وليتحقق الاجتماع وينبذ الخلاف والفرقة والتنازع.
المقدم:- جميل فضيلة الشيخ، سنتحدث -بمشيئة الله تعالى- عن هذه الحقوق لكن بعد أن نذهب إلى فاصل قصير بعده- بمشيئة الله تعالى- نستكمل حديثنا حول هذا الموضوع الذي يندرج تحت الآية الكريمة ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا﴾[آل عمران: 103]، ونحن تحدثنا عن أهم ما يتحقق به الاجتماع وهو المحافظة على البيعة الشرعية لولي الأمر، سنذهب إلى فاصل بعده -بمشيئة الله تعالى- نستكمل حديثنا عن الحقوق المترتبة من البيعة الشرعية لولي الأمر على الناس.
فاصل قصير بعده نكمل الحديث.
حياكم الله مستمعينا الكرام، نرحب بكم ونرحب بمن انضم إلينا الآن في هذه الحلقة المباشرة لبرنامج "الدين والحياة" عبر أثير نداء "إذاعة الإسلام" من مكة المكرمة، ضيفنا الكريم فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، أهلا وسهلا فضيلة الشيخ يا مرحبا.
الشيخ:- حياكم الله ومرحبا بك وبالإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات، أعاننا الله وإياكم على الخيرات.
المقدم:- اللهم آمين، فضيلة الشيخ تحدثنا قبل الفاصل وفي أول الحلقة عن حث ديننا الإسلامي على الاجتماع ونبذ كل أسباب الفرقة والاختلاف، وتحدثنا عن أن ما يتحقق به الاجتماع هو المحافظة على البيعة الشرعية لولي الأمر، وتحدثنا عن هذه البيعة ومنزلتها وأدلتها أيضًا في الكتاب والسنة.
نريد أن نتحدث في هذا الجزء من هذه الحلقة فضيلة الشيخ عن الحقوق المترتبة من هذه البيعة الشرعية لولي الأمر على الناس.
الشيخ:- من حقوق البيعة الشرعية لولاة أمرنا ولمن له الولاية علينا: الالتزام بالبيعة والوفاء بالعهد، فإن ذلك مما أمر الله تعالى به عمومًا في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾[المائدة: 1]، وفي قوله تعالى: ﴿ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾[الإسراء: 34]، وجاء النص خاصًّا فيما يتعلق بالبيعة، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم- فيما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة «وسَيَكونُ خُلَفاءُ فَيَكْثُرُونَ قالوا: فَما تَأْمُرُنا؟ قالَ: فُوا ببَيْعَةِ الأوَّلِ فالأوَّلِ، أعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فإنَّ اللَّهَ سائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعاهُمْ»[صحيح البخاري:ح3455]، وهذا يؤكد أنه من حقوق البيعة الوفاء لمن ولاه الله تعالى أمرنا بأن نفي وأن نجتهد في تكميل كل ما يكون من حقوق هذه البيعة.
وقد حذر النبي –صلى الله عليه وسلم- من عدم الوفاء فقال –صلى الله عليه وسلم- كما جاء في الصحيح: «من خرج على أمتي يضرب بالسيف في برِّها وفاجرها» وهذا عمل الخوارج الذين يسعون في الأرض فسادًا قال: «ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده» يعني لا يفي لولاة الأمر ومن بايعهم العهد الذي التزم به قال –صلى الله عليه وسلم-:« فليس مني ولست منه»[صحيح مسلم:ح1847/52] فعدم الوفاء بالبيعة هو مما تبرأ النبي –صلى الله عليه وسلم- من صاحبه وجعل ذلك من موجبات البراءة منه، «فليس مني ولست منه» ومن تبرأ منه النبي –صلى الله عليه وسلم- فلا خير فيه.
من حقوق البيعة أيضًا الشرعية السمع والطاعة، وهذا من آكد ما يجب أن يتنبه إليه أن من مقتضيات البيعة لولاة الأمر طاعتهم، السمع والطاعة لهم في المعروف، وقد جاء الأمر بذلك في كتاب الله –عز وجل- فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾[النساء: 59]، وفي الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت قال: «بايَعنا رَسولَ اللَّهِ علَى السَّمعِ والطَّاعةِ في المَكْرَهِ والمنشَطِ والعُسرِ واليُسرِ» [صحيح البخاري:ح7199 ] وكل هذا مما بايع به الصحابة النبيَّ –صلى الله عليه وسلم- وهي ثابتة لكل من ولاه الله الأمر، ولذلك قالوا: «ألا ننازع الأمر أهله» يعني لا ننازع ولاة الأمور ما أعطاهم الله تعالى من الولاية، وما ساقه إليهم من الأمانة.
وقال –صلى الله عليه وسلم-: «على المرء السمع والطاعة فيما أَحَبَّ وكَرِه» [صحيح البخاري:ح7144]، يعني ليس فقط الطاعة فيما تشتهي ويوافق هواك، إنما الطاعة في كل ما صدر به الأمر وتوجه به التوجيه من ولاة الأمر سواء أحببته أو كرهته إلا أن يأمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة.
وقد حذر النبي –صلى الله عليه وسلم- من نكس العهد وعدم الوفاء بحق ولاة الأمر في الطاعة فقال: «من خَلَع يدًا من طاعة لقي الله يوم القيامة بلا حجة له»[صحيح مسلم:ح1851/58]، من خلع يدًا من طاعة سواء في أمور كثيرة، أو في أمر واحد فمن أخلَّ بالطاعة التي هي حق لولاة الأمر في المعروف لقي الله يوم القيامة لا حجة له، يعني ليس له حجة تدفع عنه هذا الذنب الذي فعله من عدم الطاعة.
ومن حقوق ولاة الأمر وما يترتب على الولاية والبيعة: قطع الطريق على كل من سعى بالفرقة ومنازعة ولاة الأمور، ولذلك قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «من أتاكم وأمرُكم جميعٌ على رجلٍ واحدٍ، يريدُ أن يَشُقَّ عصاكم، ويُفَرِّقَ جماعتَكم فاقتلوه»[صحيح مسلم:ح1852/60]، وهذا يبين خطورة الأمر، وأنه ينبغي أن يقطع الطريق على كل مفرِّق سواء كان فردًا أو جماعة، سواء كان يأتي بشبهات وتشغيبات وحُجج يستدل بها على باطله أو كان صاحب تشغيب وتفريط من غير استدلال، فالجميع يجب قطع دابره والصدُّ عن طريقه والوقوف له.
وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «ستكون هَنَات وهَنَات»، أي فتن وتفرق وتشرذم وتحزب «فمن أراد أن يفرِّق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنًا من كان» [صحيح مسلم:ح1852/59]، فيتأكد على الأمة أن تعي خطورة التفرق والتحزب، وأن التحزب والتفرق لا يأتي بخير، ولا يأتي إلا بالشر سواء كان تحت راية دينية أو كان تحت راية غير دينية، فالتحزبات والتشرذمات وتقسيم الأمة وتفريقها من سعي الشيطان الذي يصل به إلى أنواع من الفساد والشر والانحراف.
ومن ذلك الأحزاب والتنظيمات التي فرقت الناس وشرذمتهم، وقد صدر عن هيئة كبار العلماء في الأيام القريبة البيان الذي حذرت فيه من التفرق والاختلاف والتنازع والتحزبات، ونصت على جماعة الإخوان المسلمين وبينت خطورة الانضمام لهذه الجماعة والتعاطف معها، وما نتج عن هذا التحزب وهذا التشرذم من شر وفساد على الأمة وشرور عظيمة وبلايا كثيرة تتعلق بانحرافات في الاعتقاد وانحرافات في المسلك والعمل.
وهذا ليس بجديد؛ فقد حذر العلماء -رحمهم الله- منذ أوائل ظهور هذه الجماعة من طرائقها ومخالفتها التي خرجت بها عن هدي الكتاب والسنة، ولم تستَنِر بتوجيهات الأئمة والعلماء، وكان ما كان من شر بسبب مسلكها وخروجها عن الصراط المستقيم.
إذًا يجب أن يدرك المؤمن أن من حق البيعة الشرعية الوقوف أمام كل من سعى في تفريق أو منازعة ولاة الأمور، أو شحن إيغار الصدور على ولاة الأمور أو ما أشبه ذلك مما يفرق الجماعة، والذي يجب على المؤمن أن يسمع ويطيع ويصبر على ما يمكن أن يكون مما يكره، فإن ذلك مما حس عليه النبي –صلى الله عليه وسلم-، من حق ولاة الأمور، ومن المقتضيات البيعة النصيحة لولاة الأمر، فقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، فقلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامَّتهم»[صحيح مسلم:ح55/95] والنصيحة هي عمل قلبي في الأصل يكون قائده ورائده محبة الخير لولاة الأمر، ومحبة الاجتماع عليهم والحرص على قطع الطريق أمام كل من يفرق جمعهم، ويسعى إلى تشويه صورتهم والنيل منهم؛ فإن ذلك مما يترتب عليه فساد عريض وشرٌّ كبير قد لا يعي ذلك من توهم الخير في خلاف ذلك.
فالنصيحة تقتضي جمع الكلمة على ولاة الأمور، والبعد عن كل ما يفرق، والسعي في الاجتماع ونبذ كل ما يكون من أسباب الفرقة والخلاف، وهذا عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه- لما خالف عثمان في الإتمام بعرفة، حيث أتمَّ أربعًا، والنبي –صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر في عرفة صلوا الظهر ركعتين والعصر ركعتين، خالف عثمان الاجتهاد منه، ونبه إلى عدم صحة هذا، عبد الله بن مسعود وهو من فقهاء الصحابة قيل له: لما صليت خلفهم؟ يعني إذا كنت قد خالفته في هذا الاجتهاد قال: "الخلاف شرٌّ" [أخرجه أبو داود في "السنن" (1960)، وعبد الرزاق في مصنفه:4269، والطبراني في الأوسط:6637. وصححه الألباني في الصحيحة:1/444] وهذا يدل على عظيم فقه الصحابة في جمع الكلمة وقطع الطريق على المتربصين الذين يسعون إلى تشتيت الأمة وتفريقها وتمزيقها.
ومن حقوق ولاة الأمر على الرعية وهو من مقتضيات البيعة: أن يسعى الإنسان بالدعاء لولاة الأمر بكل خير، والإمام أحمد –رحمه الله- يقول: "لو كان لي دعوة مجابة لجعلتها للسلطان" السبب يقول: "فإنه بصلاحه يصلح العباد والبلاد، وبفساده يفسد الناس وتفسد البلاد"[ رجَّح بعض أهل العلم نسبتها للفضيل بن عياض؛ فقد أُسندت إليه، أخرجها أبو نعيم في الحلية8/91 بسند صحيح. وإن كانت نُسبت غيرَ مسندة للإمام أحمد وغيره، وسندها صحيح]، ولذلك كان الدعاء لولاة الأمر من طريق أهل السنة والجماعة ومما يحصل به خير للداعي ولولي الأمر ولمجموع الأمة، فإن ذلك مما يتحقق به خير عظيم وصلاح كبير، تجتمع به الكلمة، ويلتئم به الخير ويحصل به ما تقر به أعين المؤمنين من صلاح معاشهم ومعادهم.
هذه جملة من الحقوق التي تترتب على البيعة الشرعية وعلى ما يكون من المعاقدة والمعاهدة بين الراعي والرعية في الحرص عليها مما يحقق الخير للأمة ويجمع الشمل.
وأختم بأن النبي –صلى الله عليه وسلم- حذر أن يكون الإنسان جارٍ وفق ما يقوم في نفسه من محبة الأمر أو كراهيته بمعنى أن الطاعة ألا ترتبط بما تحب وما تكره، إنما الطاعة لكل ما صدر عن ولاة الأمر مما لا معصية فيه، قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر، فإنه من فارق الجماعة شبرًا مات مِيتة جاهلية» [صحيح البخاري:ح7054] وهذا يؤكد أن الذي يجب على المؤمن هو السعي في الالتئام والاجتماع والائتلاف، وألا يؤثر هواه، وألا ينطلق من رغباته وشهواته.
فأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يوفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين إلى ما يحب ويرضى، وأن يسدده في القول والعمل، وأن يمده بالعفو والعافية، وأن يبارك في عضده وليِّ عهده، وأن يعينه على ما فيه خير العباد والبلاد، وأن يحفظ بلادنا وقاداتنا وولاتنا وشعبنا من كل سوء وشر، وأن يقينا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
المقدم:- اللهم آمين، شكرًا جزيلًا فضيلة الشيخ، شكر الله لك، وكتب الله أجرك على ما أجدت به وأفدت في هذه الحلقة شكرًا جزيلًا.
الشيخ:- وأنا أشكركم وأسأل الله أن يتقبل الدعوات، وأن يقيل العثرات، وأن يعجِّل برفع البلاء عن العباد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم:- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.