المقدم:بسم الله الرحمن الرحيم، مستمعينا الكرام في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نحييكم تحية طيبة عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة في هذه الحلقة لبرنامج "الدين والحياة"، والتي نستمر معكم فيها على مدى ساعة كاملة بمشيئة الله تعالى.
في بداية هذه الحلقة مستمعينا الكرام تقبلوا تحياتي محدثكم وائل حمدان الصبحي، ومن الإخراج خالد الزهراني، ومن استديو الهواء لؤي حلبي.
مستمعينا الكرام ضيف حلقات برنامج "الدين والحياة" هو فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، فضيلة الشيخ السلام عليكم وأهلًا وسهلًا بك معنا في بداية هذه الحلقة.
الشيخ:-وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بك، حياك الله أخي وائل، أسأل الله لي ولكم التوفيق.
المقدم:- اللهم آمين، بمشيئة الله تعالى مستمعينا الكرام سيكون حديثنا في هذه الحلقة تحت عنوان "أتدرون من المفلس؟" وسنتحدث تحت هذا العنوان انطلاقًا من حديث المصطفي -عليه الصلاة والسلام- الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- سألهم «أتدرون من المفلسُ ؟ قالوا: يا رسولَ اللهِ المفلسُ فينا من لا درهمَ له ولا متاعَ، قال: إنَّ المفلسَ من أمتي من يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وزكاةٍ وصيامٍ وقد شتم هذا، وضرب هذا، وأخذ مالَ هذا؛ فيأخذُ هذا من حسناتِه وهذا من حسناتِه، فإن فَنِيَتْ حسناتُه قبل أن يقضيَ ما عليه أُخذ من سيئاتهم فطُرِحَ عليهِ ثم طُرِحَ في النارِ».[سنن الترمذي:ح2418، وقال: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ»]
سيكون حديثنا -بمشيئة الله تعالى- حول هذا الحديث الذي جاء بتحذير من المصطفي -عليه الصلاة والسلام- لأمور ينبغي أن يبتعد عنها المسلم لينجو في حياته، وأيضًا في آخرته يوم الحساب، سنتحدث بشكل أكثر إسهابًا مع فضيلة الشيخ حول هذا الموضوع.
فضيلة الشيخ سيكون حديثنا تحت هذا العنوان، وتحت هذا الحديث الكريم من نبينا المصطفي -عليه الصلاة والسلام-، دعنا نبدأ ابتداء بالحديث عن الحديث نفسه وسؤال النبي -عليه الصلاة والسلام لأصحابه- وأيضًا جوابهم له عليه الصلاة والسلام.
الشيخ:- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..
فأسأل الله تعالى لي ولكم الفوز في الدنيا والآخرة والتوفيق بين صالح القول، والعمل والإعانة على ما فيه الخير في السر والعلن.
هذا الحديث الشريف أخبر فيه النبي –صلى الله عليه وسلم- عن الإفلاس الماحق، الإفلاس الذي يترتب عليه الخسار العظيم والبوار الكبير الذي لا نجاة لمن تورط فيه، وقبل أن نتحدث عن الإفلاس نشير إلى أن الإفلاس لا يكون إلا في التجارات والأموال.
والتجارة التي يدخلها كل إنسان مهما كان هي تجارة مع الله –عز وجل- كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم «كلُّ الناسِ يغدو، فبائعٌ نفسَه فمُعْتِقُها أو مُوبِقُها»[صحيح مسلم:ح223] فما منا من أحد إلا وهو في تجارة مع الله –عز وجل- عاقبة هذه التجارة إما نجاح ونجاة وفوز وإعتاق، وإما خسار وبوار وهلاك.
وقد أكد الله تعالى هذا المعنى في مواضع كثيرة من كتابه العزيز يخبر فيها –جل وعلا- عن تجارة أهل الإيمان معه، فيقول تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾[التوبة: 111]، ويقول الله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ﴾[البقرة: 207]، يبيعها، يشري هنا بمعنى يبيع، أي طلبًا لرضاه ﴿وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾[البقرة: 207]، ويقول –سبحانه وتعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ *تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ﴾[الصف: 10- 11].
فالله تعالى أخبر في آيات عديدة عن التجارة معه –سبحانه وبحمده-، وموضوع هذه التجارة وثمن هذه التجارة وعاقبة هذه التجارة في نصوص بينة واضحة في أن العلاقة بين العبد وربه علاقة عمل يؤديه المؤمن يرجو به من الله تعالى ثوابًا وعطاء وأجرًا عظيمًا.
والتجارة مع الله تعالى تجارة رابحة لمن عقل ما في هذه التجارة من العوائد والثمار العاجلة والآجلة، وقد ذكر الله تعالى عظيم الربح في هذه التجارة فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ﴾[فاطر: 29]، تجارة لن يمكن أن يلحقها كساد، ولا يلحقها هلاك، ولا يلحقها خراب وفساد، بل هي تجارة راجحة تجارة ناجحة، تجارة يدرك بها الإنسان نعيم الدنيا وفوز الآخرة.
هذه التجارة موضوعها طاعة الله –عز وجل- والقيام بما أمر جل في علاه، وما أمر الله تعالى به من العبادات والطاعات ذات شقين، أو قسمان، أونوعان، أو صنفان:
الأول:- ما يتعلق بحقه جل في علاه، وما يقيم حسن الصلة بينه وبين عبده وهذا من العبادات التي هي حق لله –عز وجل- يصلح العبد بها ما بينه وبين الله، رأس ذلك توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له.
والثاني:- بعد التوحيد إقامة الشعائر والفرائض ابتداء بأركان الإسلام، ثم بعد ذلك سائر صالح الأعمال المفروضة الواجبة.
ثم بعد ذلك أبواب البر والطاعة والإحسان من التطوعات والتقربات والنوافل.
هذا موضوع التجارة مع الله المتعلقة بحقه جل في علاه، توحيده، والصوم، والصلاة، والزكاة، والحج، وسائر الحقوق التي فرضها -جل في علاه- على عبده وبعد ذلك ما ندبه إليه من صالح العمل.
القسم الثاني: من العبادات التي أمر الله تعالى بها، وهي: حق للخلق بمعنى أنه يطيع الله تعالى في إعطاء الحقوق لأهلها، جامع ذلك قول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾[النساء: 58]، وقد نوع الله تعالى الحقوق التي للخلق، فابتدأ بحق النبي –صلى الله عليه وسلم- وحق الرسل، ثم يتلو ذلك حق الوالدين، ثم حقوق الزوجات والأولاد وذوي القرابات، ثم الحقوق على اختلافها حتى يختلف الأمر بحق المسلم على المسلم، هذا في دائرة الحقوق التي تكون على كل مسلم.
ثم بعد ذلك في الحقوق العامة التي تكون حتى لسائر الخلق من غير المسلمين من المعاهَدين والذِّمِّيين والمستأمنين وحقوق غير بني آدم من الحيوان وغيره ممن له حق، فانتهاك حقوق الخلق حتى لو كان من الحيوان مما يوجب غضب الرب، والإحسان حتى للحيوان مما يوجب عطاء الله –عز وجل- فقد دخلت امرأة النار في هِرَّة حَبَسَتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض[حديثها أخرجه البخاري في صحيحه:ح745]، ودخل الرجل أو المرأة الجنة في كلب سقاه بلغ به العطش مبلغًا عظيمًا فسقاه[حديث المرأة أخرجه البخاري في صحيحه:ح3321، وحديث الرجل أخرجه البخاري في صحيحه:ح6009 ]، وقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «في كلِّ كَبِدٍ رَطْبةٍ أجرٌ».[صحيح البخاري:ح2363]
وبالتالي الحقوق التي يتقرب إلى الله تعالى بها نوعان:
- حقوق تتعلق به -جل في علاه-، رأس ذلك التوحيد، وبعده أركان الإسلام.
- وحقوق تتعلق بالخلق على اختلاف مراتبه ومنازلهم.
هذا الحديث الكريم الشريف بين فيه النبي –صلى الله عليه وسلم- الإفلاس في التجارة معه –جل وعلا-، وذكر النوعين من التجارة، وذكر صنفًا من الناس أتى بالتجارة المتعلقة بحقوق الله –عز وجل- على وجه حسن، وهو من أتى بصلاة، وصوم، وزكاة، لكنه فشل فيما يتعلق بحقوق الخلق فلم ينجح، فكان ذلك موجبًا للإفلاس.
الحديث الشريف ابتدأه النبي –صلى الله عليه وسلم- بسؤال يلفت الانتباه ويستجلب النظر والفهم والعقل، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم- لأصحابه وهم أصحاب لسانٍ عربي مبين «أتدرون من المفلس؟»يعني هل تعلمون من المتصف بهذا الوصف «المفلس»؟ والمفلس في اللغة: يطلق على من خلت يده من الفلوس، والفلوس هي كل ما يكون من مال نقدي بغض النظر عن نوع النقد الذي في يديه، سواء من ذهب أو فضة أو غير ذلك مما يتعامل به الناس من الأموال، وهو أشرف الأموال فيما يتعلق بقضاء الحاجات في الغالب.
وكل الأموال الأخرى تؤول إلى كونها فلوسًا، بمعنى أنها يمكن أن تحصَّل بالفلوس، ويتعامل في تداولها بالفلوس، فقال لهم النبي –صلى الله عليه وسلم-: «أتدرون من المفلس؟»فأجابوا -رضي الله تعالى عنهم-، الجواب المتبادر لمن سئل هذا السؤال، فقالوا: "المفلس فينا" يعني في العرف، والعادة، وجريان اللسان "من لا درهم له ولا متاع"، "لا درهم له" ذكروا الدرهم؛ لأنه هو الأصل في الفلوس، والمتاع يحصل به الفلوس، فقالوا: "لا درهم له" يعني ما عنده نقد ولا متاع يعني يحصل به النقد.
فأجابوا النبيَّ –صلى الله عليه وسلم- بالمعروف والمتبادر إلى الذهن أن المفلس هو صاحب هذا الوصف "من لا درهم له ولا متاع" وهو وصف مطابق للإفلاس الدنيوي، فإن الإفلاس الدنيوي هو من خَلَت يدُه من نقد أو مما يحصل به النقد من متاع ونحوه، لكن النبي –صلى الله عليه وسلم- نبَّههم إلى أنه لا يسأل عن الإفلاس الدنيوي، إنما يسأل عن الإفلاس الأخروي الحقيقي، وشتان ما بين نوعي الإفلاس، فإن الإفلاس الدنيوي ينقضي وينتهي بخلاف الإفلاس الأخروي فإن عاقبته عظيمة وخيمة، وقد يحصل للإنسان به هلاك عظيم بخلاف الإفلاس الدنيوي، فإن الإفلاس الدنيوي ينتهي بالحياة.
ولذلك كل الموتى يخرجون من أموالهم، ومن متاعهم، ومن كل ما كان في دنياهم «إذا مات ابن آدم تبعه ثلاثة: أهله، وماله، وعمله» وكلها من أسباب العزِّ، «فيتبعه أهله وماله وعمله»، فهؤلاء الذين يتبعونه «يرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع الأهل والمال، ويبقى العمل».[صحيح البخاري:ح6514].
فهو يخرج من الدنيا ليس معه شيء مهما ملك من المتاع، ومهما ملك من النقد فإنه يخرج من الدنيا بلا شيء، وأنت انظر هذا فيما تراه من الأموات، مهما بلغت ثروتهم، ومهما بلغ جاههم وغناهم يخرج من الدنيا بلا شيء، تراه بعينك في جنازته التي تحمل، ثم ينكشف لك على وجه الكمال والتمام هذا الخلوُّ وتمام الفراغ من كل في الدنيا من متاع، إذا نظرت إلى المقابر انظر إليها كلها سواء، لا شرف لهذا على هذا، ولا سبق لهذا على هذا، كلهم في موضع واحد وحال واحدة يستوون في المظهر، لكن شتان ما بين أحوالهم فيما يتعلق بالحياة البرزخية وما أقبلوا عليه، فنسأل الله أن يجعلنا من أهل السبق والفوز، من أهل الرضوان أهل الروضات والنعيم الكريم بفضله ومَنِّه وكريم إحسانه.
إذًا النبي –صلى الله عليه وسلم- لما سأل عن الإفلاس سأل عن الإفلاس الحقيقي الذي يوجب الخسار والبوار والهلاك، والصحابة -رضي الله تعالى عنهم- أجابوا بالمتبادر من أذهانهم من معنى الإفلاس إلا أن النبي –صلى الله عليه وسلم- أعاد البيان بإيضاح مقصوده بالإفلاس الذي سأل عنه، وهذا ما سيتبين من خلال الوقوف مع هذا الحديث الشريف.
المقدم:-جميل، اسمح لي فضيلة الشيخ أن نكمل حديثنا بعد أن نذهب إلى فاصل بعده -بمشيئة الله تعالى- نستكمل حديثنا حول معنى الإفلاس الحقيقي والإفلاس الأخروي الذي ذكره النبي -عليه الصلاة والسلام- من خلال ذكر الأمور التي توجب الإفلاس للإنسان في آخرته وخسارته للخير الكثير والدرجات العالية في الجنة، اسمح أن نذهب إلى فاصل بعده -بمشيئة الله تعالى- نستكمل حديثنا مستمعينا الكرام، فاصل قصير نكمل حديثنا بعده ابقوا معنا.
حياكم الله مستمعينا الكرام مجددًا نجدد الترحيب بكم في هذه الحلقة المباشرة لبرنامج "الدين والحياة" عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة نجدد الترحيب بضيفنا الكريم الشيخ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، أهلا وسهلا فضيلة الشيخ حياك الله.
الشيخ:- مرحبا بك، أهلا وسهلا بك وبالإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.
المقدم:- أهلا وسهلا فضيلة الشيخ تحدثنا عن حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- عندما سأل أصحابه «مَن المفلس؟»وذكرنا الجواب من الصحابة، ولكن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يقصد الإفلاس الحقيقي إفلاس الآخرة، نريد أن نتناول الجوانب التي ذكرها النبي -عليه الصلاة والسلام- وفيها تحذير أيضًا من أن يَلِج فيها الإنسان، أو يدخل فيها، أو يخسر حسناته من هذه الأمور.
الشيخ:-النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال في جواب السؤال الذي أجاب عنه الصحابة «أتدرون المفلس؟»قالوا: "من لا درهم له ولا متاع"، قال –صلى الله عليه وسلم-: «المفلس»، يعني على وجه الحقيقة والإفلاس الذي يوجب الخسار، الذي يؤلم الإنسان ويفضي به إلى ما لا يحب من المآل، فقال –صلى الله عليه وسلم- «المُفلِس من أمتي»يعني من أهل الإسلام «من يأتي يوم القيامة»اليوم الذي يقوم فيه الناس لرب العالمين، ويحاسبون فيه على أعمالهم، ويُقيم الله تعالى فيه القسط والعدل، ويقيم الله تعالى فيه الأشهاد فيشهد على الإنسان جلدُه ويدُه ولسانُه وسائرُ من جعلهم الله تعالى شهودًا على بني آدم.
يقول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاته وصيامه وزكاته، أو بصيام وزكاة وصدقة»، فيأتي يوم القيامة بعمل صالح متنوع: صلاة، وصيام، وزكاة، وإذا تأملت هذه الأعمال وجدت أنها أركان الإسلام، فالصلاة هي أول ركن عملي بعد التوحيد، والصوم هو من العبادات العظيمة الجليلة، وهو فرض فرضه الله تعالى على أهل الإسلام، والزكاة حق الله في المال وفرضه جل في علاه.
وهذه الأعمال نصَّ النبي –صلى الله عليه وسلم- عليها؛ لأنها من أركان الإسلام ،وهي أعلى ما يكون من الأعمال الصالحة التي تحصل بها النجاة يوم القيامة، فهو غير مقصِّر في صلاته بمعنى أنه يصلي ويصوم ويزكي، ومعنى هذا أنه أتى بها بمعنى أنها صالحة محتسَبَة، لأنه جعلها رصيدًا له، يأتي بصلاة وصيام وزكاة وكل ذلك من العمل الصالح المقبول الذي جاء به.
وما جيء بهذه الأصول معنى أنه جاء بها سواء بفرضها أو نفلها، وقد يأتي بغيرها من صالح العمل الذي هو من حق الله –عز وجل- عليه في نفسه وفي ماله، ولم يذكر التوحيد؛ لأنه قال: «من أمتي»، فقد أتى بالتوحيد أيضًا، ولكن التوحيد هو مفتاح النجاة، ولذلك لم يجعل النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- محلًّا للتعويض عن النقص، فإنه مهما حصل من النقص التوحيدُ يكون نجاة لأهله في نهاية المطاف، فقال –صلى الله عليه وسلم-: «ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا»هذا رجل عنده رصيد من صلاة وصيام وزكاة، وهذه ثمرة التجارة مع الله تعالى بأداء حقوقه، لكنه أضاع حقوق الخلق بأنواع من الانتهاكات والتعدِّيات والظلم، ولم يقتصر في ظلمه الذي ذكر النبي –صلى الله عليه وسلم- على نوع واحد، بل ذكر أنواعًا من الظلم المتعلقة بالدماء والمتعلقة بالأموال والمتعلقة بالأعراض.
فقال –صلى الله عليه وسلم-: «ويأتي وقد شتم»هذا الشتم السب وهو ما كان من السب والشتائم بغير حق، ولو كان ذلك بأيسر الكلمات، فكل ما يُعدُّ شتمًا ولو كان يسيرًا يدخل في هذا، حتى قول الإنسان لغيره تشبيهًا له بحمار، بأن يقول: كلب، أو حمار، أو اسم من الأسماء المستقبحة، الشتم يشمل كلَّ هذا النوع هذا فما فوقه.
فما كان أشد من الشتائم كان إثمه أعظم، لكن الشتم هنا «شتم هذا»بكل ما يجري به التشاتم بين الناس «وقذف هذا»وهذا نوع من الشتم خاصٌّ تترتب عليه عقوبة خاصة، وهو الرمي بالفاحشة فيرميه بالفاحشة، ومن الزنا واللواط أو غير ذلك مما يعد قذفًا.
والثالث من المذكورات: «وأكل مال هذا»،وهذا النوع الثاني من الظلم وهو أكل المال بغير حق، «وأكل مال هذا»ولم يذكر صفات أكل المال بماذا؟ هل هو بالسرقة؟ هل هو بالغصب؟ هل هو بالغش والتدليس؟ هل هو بالاختلاس؟ كل ذلك داخل سواء كان أكل المال بمعاوضات وتجارات، أو كان أكل المال بالتعدي وانتهاك حرمة المال.
ثم قال –صلى الله عليه وسلم-:«وسفك دم هذا»أي: اعتدى عليه بسفك دمه سواء كان بالقتل، وهذا أعلى ما يكون، أو بما دونه مما يستوجب الجناية عليه بخروج دمه، ولو كان ذلك بوَخْز الإبرة، فإنه داخل في قوله –صلى الله عليه وسلم-: «وسفَكَ دمَ هذا».
قال: «وضَرَبَ هذا»وهذا اعتداء على البدن، وبهذا يكتمل ما ذكر النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- من الألوان والأنواع التي يُستنزَف بها الرصيد رصيد العمل الصالح، فذكر –صلى الله عليه وسلم- خمسة أنواع من الاعتداءات؛ وهي في الحقيقة ترجع إلى ثلاثة أنواع ذكر –صلى الله عليه وسلم-: الشتمَ، والقذف، وذكر –صلى الله عليه وسلم- السفك وأكلَ المال، وذكر الضربَ، وهي الحقيقة ترجع إلى ثلاثة أمور؛ اعتداء على دم، أو على مال، أو على عرض، اعتداء على نفس بالقتل وما دونه ومنه الضرب، اعتداء على العرض بالشتم والقذف وسائر ما يكون من الكلام البذيء، اعتداء على المال بأكله بغير حق، وهذه الأنواع الثلاثة هي التي حذر منها النبي –صلى الله عليه وسلم- من صور الاعتداءات التي توقع الناس في الهلاك.
وقد كرر النبي –صلى الله عليه وسلم- بيان خطورتها في أحاديث كثيرة، وفي مواقع متعددة، فمن ذلك قوله –صلى الله عليه وسلم-: «كلُّ المسلم على المسلم حرام»أي: محرم يجب صيانته، ويجب الامتناع عن الإضرار به«دَمُه، ومالُه وعرضُه».[صحيح مسلم:ح2564/32]
قد قال –صلى الله عليه وسلم- في خطبة الوداع، في أكثر من موضع في حجة الوداع، في خطبة عرفه، وكذلك في منى قال –صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ دماءكم، وأموالَكُم، وأحسبُهُ قالَ: وأعراضَكُم علَيكم حرامٌ كحُرمةِ يومِكُم هذا، في شَهْرِكُم هذا، في بلَدِكُم هذا»[صحيح البخاري:ح67] فبين النبي –صلى الله عليه وسلم- عظيم حرمة الدماء والأموال والأعراض، وإذا نظرت المذكورات في هذا الحديث تجدها دائرةً على انتهاك شيء من هذه الأمور الثلاثة، إما انتهاك دم وهو بالقتل فما دونه، حتى الضرب، حتى اللطمة، حتى وخزه الإبرة، أو الثاني: بانتهاك المال بأخذه بأي وسيلة وأي طريق، والثالث: العرض وهو بالسباب والشتائم والقذف وغير ذلك.
المقدم:-فضيلة الشيخ اسمح لي أن نذهب إلى فاصل بعده -بمشيئة الله تعالى- نستكمل حديثنا حول هذه الأمور الثلاثة في حقيقتها التي ذكرها النبي -عليه الصلاة والسلام- سنذهب إلى فاصل بعده -بمشيئة الله تعالى- نستكمل حديثنا مستمعينا الكرام، فاصل قصير آخر بعده نستكمل حديثنا حول هذا الحديث النبوي من النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي فيه تحذير من الإفلاس الحقيقي للمسلم في الحياة الآخرة سنذهب إلى فاصل بعده نستكمل حديثنا ابقوا معنا.
حياكم الله مستمعينا الكرام نجدد الترحيب بكم في هذه الحلقة المباشرة لبرنامج "الدين والحياة" عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة، وهذه الحلقة نتحدث حول عنوان "أتدرون من المفلس؟" في سؤال النبي -عليه الصلاة والسلام- لأصحابه في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه وسنتحدث عن هذه الأمور التي حذر منها النبي -عليه الصلاة والسلام-، نجدد الترحيب بضيفنا الكريم فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، أهلا وسهلا فضيلة الشيخ حياك الله.
الشيخ:- مرحبا بكن حياك الله، أهلا وسهلا بك أخي الكريم.
المقدم:-يا مرحبا فضيلة الشيخ كنا نتحدث عن هذه الأمور التي حذر منها النبي -عليه الصلاة والسلام-: الشتم، والقذف، وأكل المالن وسفك الدم، والضرب أيضًا، نكمل الحديث حول هذه التحذيرات من النبي عليه الصلاة والسلام.
الشيخ:-بين النبي –صلى الله عليه وسلم- في بيان المفلس، ذكر رصيدًا وهو ما أتى به الإنسان من صلاة وصوم وزكاة، وذكر ما يستنزِف به هذا الرصيد ما يخرب هذا الرصيد ويهلك هذا الجمع للصالحات، وهو ما يكون من ظلم العباد بشتى أنواع المظالم، سواء كان ذلك في دمائهم، أو كان ذلك في أموالهمن أو كان ذلك في أعراضهم.
لما تسمع قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «يأتي يوم القيامة بصلاة وصوم وصدقة وزكاة»يلوح لك بادئ ذي بدء أنه ناج، وأنه قد أتى بما ينجيه؛ لأن ذلك قد وقع موقع القبول من رب العالمين؛ فهي صلاة مقبولة، وصوم مقبول، وزكاة مقبولة، وهذه الأعمال الصالحة أعمال جليلة ففيها من أسباب تكفير الذنوب، وحط الخطايا ورفعة الدرجات ما هو مشهور معروف، فالصلاة نور، والصوم قال فيه الله –عز وجل-: «الصومُ لي، وأنا أَجْزي به»[صحيح البخاري:ح1904]، والصدقة قال الله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾[التوبة: 103].
وأسباب تكفير الخطايا وحط السيئات بهذه الأعمال متوافرة، لكن مع هذه الأعمال الصالحة لم يكن لهذا الرجل من نجاة لما كان عليه من ظلم واعتداء على الخلق في دمائهم، وفي أموالهم، وفي أعراضهم وقد جاء معنى هذا الحديث عن سلمان وغيره من أصحاب النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «إنَّ الرجلَ لتُرفع له يومَ القيامَةِ صحيفَة حتى يَرى أنَّه ناجٍ، فما تزالُ مظالِمُ ابن آدم تَتبعُه حتى ما يَبقى له حسنةٌ، ويُحمل عليه من سيئاتِهِم»[مستدرك الحاكم:ح2268، وقال:«هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ». ووافقه الذهبي] هذا هو الإفلاس، هذا هو الخسار الحقيقي، هذا هو الذي أشار إليه النبي –صلى الله عليه وسلم- في قوله: «أتدرون من المفلس؟»، ثم بين ذلك بتوصيف مطابق لما ذكر في هذا الحديث من أنه رجل كان ذا صلاة وصوم وزكاة، لكن جاء بما تفنى به هذه الحسنات، وبما تتبدد به هذه الصالحات، وبما لا يقوم مع هذه الحسنات في إنجائه وفوزه وسلامته من النار.
يقول النبي –صلى الله عليه وسلم- في بيان كيف يكون الإفلاس في مثل هذه الصورة، فيقول –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «يؤخذ لهذا من حسناته وهذا من حسناته»يؤخذ له اختصاصًا، قال في رواية: «فيقعد فيقتصُّ هذا من حسناته وهذا من حسناته»[سنن الترمذي:ح2418، وقال:«هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ»]من الذي يقتص؟ المشتوم، والمقذوف، والمأكول ماله بالباطل، والذي سُفك دمه بالباطل، والذي ضُرب هؤلاء كلهم يجتمعون عليه إذا جمع بين الصفات وإذا كان قد وقع في شيء منها، فصاحب هذه المظلمة سواء كانت مظلمةً في شتيمة، أو قذفن أو في مال وأكله بغير حق، أو في دم سفكه، أو في اعتداء على بدن آدم، أو بدن من لا يستحق الأذى حتى من الحيوان فيقتص هذا من حسناته أي ينتقص من حسناتهن يأخذ من حسنات هذا الرصيد الذي يكون يوم القيامة، ما في شيء، ما في معه مال، ولا أراضي، ولا عقارات، ولا متاع، ولا جاه ولا سائر ما يكون من الأمور التي يتقصي الناس فيها ويتعاوضون فيها في الدنيا ما في، الحسنات والسيئات، فيقتص هذا من حسناته، يأخذ من حسناته بقدر مظلمته، والله لا يظلم الناس شيئًا، ولو كان مثقال ذرة، «وهذا من حسناته»الآخر الذي وقع عليه ظلم في عرضه، أو في ماله، أو في نفسه بالقدر الذي وقعت فيه المظلمة،«فإن فنيت حسناته»انتهى ما عنده من رصيد صلاة، وصوم، وزكاة، وصالح عمل، قبل أن يقتص ما عليه من الخطايا، يعني إن فنيت قبل ما يستوعب الناس حقوقهم، هل يقال: خلاص امشي؟ لا، يؤخذ من خطاياهم من خطايا المظلومين في دمائهم، المظلومين في أموالهم، المظلومين في أعراضهم وتطرح عليه، أي فيضعها الله تعالى عليه؛ لأنه ما عنده حسنات فيتحمل من سيئاتهم بقدر ما عليه لهم من المظالم، ثم تكون العاقبة «ثم طُرِح في النار»أي فيلقى في النار عقوبة له إلى أن يَطهُر بما يكون من التطهير لأهل الكبائر إن لم يعف الله تعالى عنه ويتجاوز.
فهذا هو الإفلاس الحقيقي أنه جاء بصالحات وأعمال طيبة ومباركة ومتنوعة، لكن جاء معها باعتداءات وظلم وجور وانتهاك حقوق الخلق، فكانت العاقبة ما ذكره النبي –صلى الله عليه وسلم- من فناء حسناته بأخذ من أخذ من حقه وتحمل السيئات التي تحملها بسبب ما كان من تفريطه.
هذا الحديث الشريف فيه التحذير الشديد البالغ من التورط في ظلم الناس، فإن الذنوب تحيط بالإنسان لاسيما فيما يتعلق بحقوق الخلق، فإن حقوق الخلق بناؤها على الضيق، وبناؤها على المطالبة، ولا يظن الظان أن حقوق الخلق تذهب هباء، فظلم العباد شر مكتسب.
فالإنسان مطبوع على الشحِّ هذا في الدنيا فكيف في الآخرة؟ عندما يكون الإنسان أحوج ما يكون إلى حسنة، فإن الأم تفرح يومئذ إذا كان لها حق على ولدها لتأخذه منه حسنات وسيئات، فهذا غير ما يمكن أن يكون من عقوبات الدنيا من العقوبات المعجلة بسبب ظلمه واعتدائه.
ولهذا ينبغي لكل عاقل، وكل رشيد، وكل من أبصر الحقائق أن يتقي حقوق الخلق في دمائهم، في أموالهم، في أعراضهم، ولا يُغرنَّه ما أعطاه الله تعالى من القوة والقدرة، فإن ذلك لن يغنيه يوم القيامة، يوم العدل، يوم القسط، يوم الوزن بالحقن وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «لتؤدُّنَّ الحُقوق إلى أَهلِها يومَ القيامةِ» يوم القيامة كل صاحب حق يأخذ حقه حتى في البهائم.
ولذلك قال: «حتَّى يُقتَصَّ للشَّاةِ الجَمَّاءِ، مِنَ الشَّاةِ القَرناءِ»[صحيح مسلم:ح2420] وقد قال عبد الله بن أنيس:"وليسألن الحجر لم نكت الحجر، وليسألن العود لم خدش صاحبه"[ذكره ابن رجب في شرح حديث"لبيك اللهم لبيك":ص106. ولم أقف عليه مسندا]
فخف القضاء غدا إذا وفِّيت ما كسبت يداك اليوم بالقسطاس
في موقف ما فيه إلا شاخص أو مُهطِع أو مقنع بالراس
أعضاؤهم فيه الشهود، وسجنهم نار، وحاكمهم شديد البأس إن تمطل اليوم الحقوق مع الغنى فغدا تؤديها مع الإفلاس.
فلذلك ينبغي للإنسان أن يبادر إلى براءة ذمته من حقوق الخلق، أولًا ابتداء لا تتورط في شيء من حقوق الخلق، احفظ لسانك عنهم، واحفظ يديك عن أن تطالهم في أنفسهم أو في أموالهم، فإذا وقعت في شيء من ذلك فبادر إلى إبراء ذمتك والخروج من تبعة ظلمك، فقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾[الشورى: 42]، فاحذر أن يكون لهم عليك سبيل، واحرص على إبراء ذمتك من حقوق الخلق، ولا يغرنك ما أنت فيه من قدرة أو قوة، فقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم- لأبي مسعود وهو يضرب خادمًا له لعله أخطأ بشيء أو وقع منه مخالفة في أمر قال –صلى الله عليه وسلم-: «اعلم أبا مسعود»سمع ذلك، كان يضرب خادمه فسمع صوتًا «اعلم أبا مسعود»فانتبه، وإذا به رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يكرر هذه الكلمة «اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا»،ذكَّره بالله –عز وجل- وأن قدرته على هذا لا تبرر له أن يجور عليه، وأن يضربه، وأن يتعدى في عقوبته على هذا النحو الذي كان منه -رضي الله تعالى عنه «اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا»فقلت: "والذي بعثك بالحق" هذا أبا مسعود يقول للنبي –صلى الله عليه وسلم- "لا أضرب عبدًا أبدًا" ثم ما كان منه إلا أن أعتقه لوجه الله، فقال: هو حرٌّ لوجه الله، قال له النبي –صلى الله عليه وسلم-: «أما لو لم تفعل لمسَّتْك النار».[صحيح مسلم:ح1659/34]
فالنبي –صلى الله عليه وسلم- حذر من قدرة الإنسان على غيره، ولهذا ينبغي للإنسان في كل معاملة، نحن لانتكلم فقط على معاملتك مع الأجانب منك، بل حتى مع ولدك وزوجتك وأقرب الناس إليك، حتى معاملتك مع من تعامل من الأقربين أو الأبعدين، احرص على ألا تقع في ظلم أحد، لا في دمه ونفسه، ولا في عرضه، ولا في ماله فإن ذلك مما يحفظ حسناتك وإما أن يأتيك الإفلاس والعيلة يوم لا درهم ولا دينار.
إن وقعت في شيء من ذلك فبادر إلى براءة ذمتك بالتوبة والاستغفار فيما بينك وبين الله، وفي رد الحقوق إلى أهلها، فإن النبي –صلى الله عليه وسلم- بين طريق السلامة، وحذر وبادر وأمر بالمبادرة إلى إبراء الذمة، فقال: «من كان له عند أخيه مظلمة فَلْيتحلَّله اليوم قبل ألا يكون درهم ولا دينار»[صحيح البخاري:ح2449] فأمر بالمبادرة إلى إبراء الذمم من حقوق الخلق بردِّها قبل ألا يكون درهم ولا دينار، وعامل الناس بالعفو والصفح والتجاوز لتنال من الله تعالى العفو، لكن عاملهم بالإحسان تجد من الله تعالى كل فضل وإحسان.
المقدم:- فضيلة الشيخ نختم في دقيقة لو تكرمت أيضًا، يندرج تحت هذا الحديث الذي ذكرت «من أخذ أموالَ الناس»[صحيح البخاري:ح2387] ما يكون في الديون بين الناس هذا أيضًا يندرج تحت هذا الموضوع صحيح؟
الشيخ:- بالتأكيد الديون كذلك أخذ أموال الناس بأي طريقة، بعض الناس يتدين ولا يبالي، ولذلك قال النبي –صلى الله عليه وسلم-:«من أخذ أموال الناس يريد أداءها أداها الله عنه»أعانه الله على أدائها «ومن أخذها يريد إتلافها»يأخذ ما يفكر في السداد، يفكر في الأخذ، كيف يحصل الفلوس؟ سواء كان أخذ الفلوس من أفراد، أو من مؤسسات، أو من شركات، وسواء كان من جهة خاصة، أو جهة حكومية أهم شيء يكون القرش في يديه، ولا يفكر في إبراء ذمته برد الحقوق إلى أهلها.
النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: «ومن أخذها يريد إتلافها»يعني ألا يردها إلى أهلها، أو لا يفكر بردها «أتلفه الله»[سبق]معنى هذا أتلفه الله يعني بما يكون من القصاص يوم القيامة في الحسنات والسيئات، فنسأل الله أن يعيننا وإياكم على إبراء الذمة، ورد الحقوق إلى أهلها، وأن يقينا شر الاعتداء على الخلق في كل نوع من أنواع الاعتداء والظلم، فالظلمات ظلمات يوم القيامة.
وأختم بوصية النبي –صلى الله عليه وسلم- لي ولكم يا إخواني «من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أُخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أُخذ من سيئات صاحبه فحُمِل عليه»[سبق] أعانا الله وإياكم على الاستقامة والصلاح في السر والعلن.
المقدم:-اللهم آمين، شكر الله لك، وكتب الله أجرك على ما أجدت به وأفدت في هذه الحلقة، شكرًا جزيلًا.
الشيخ:- أشكرك، وأشكر الإخوة والأخوات، وأسأل الله لي ولكم السداد والتوفيق، وأسأل الله تعالى أن يوفق خادم الحرمين الشريفين وولي عهده إلى ما يحب ويرضى، وأن يعينهم على ما فيه خير العباد والبلاد، وأن يحفظ أمننا، ويديم استقرارنا، وأن ييسر أمورنا، وأن يقر أعيننا وصلاح أنفسنا وأهلينا وسائر شئوننا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم:- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.