إِنَّ اَلحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اَللَّهْ وَرَسُولُهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمِنْ اِتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ اَلدِّينِ، أمَّا بَعد:
فَاتَّقُوا اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ؛ وَأَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِهِ جَلَّ فِي عُلَاهُ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًاوَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الأحزاب: 41- 42] فاذكروا الله تعالى كما أمركم بذكره، ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ﴾ [البقرة: 152] وقد أمَرَ اللهُ تَعَالَى المؤمنين بكثرةِ الذِكر فقال:
﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ﴾ [النساء: 103] وَهَكَذَا كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي ذِكْرِهِ لِرَبِّهِ، كَانَ يُذْكَرُ اَللَّهُ تَعَالَى عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ مسلم(373) فَاجْتَهَدُوا فِي ذِكْرِهِ جَلَّ فِي عُلَاهُ تَنَالُوا اَلْأَجْرَ.
فقد قال –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «سبَق المُفْرِّدونَ قالوا يا رسولَ اللهِ وما المُفْرِّدون قال المُفْرِدونَ الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات» مسلم(2676) وقد سألَ رجلٌ النبيَّ –صلىَّ اللهُ عليهِ وسلم-: فَقَالَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ: إِنَّ شَرَائِعَ اَلْإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَليَّ فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ يَعْنِي اِسْتَمْسَك بِهِ يُعِينُنِي وَيُيَسِّرُ اَلْقِيَامُ بِمَا أَمَرَ اَللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ اَلشَّرَائِعِ، فَقَالَ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -«لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله ». مسند أحمد(17680) بإسناد صحيح }أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ{الرعد:128 .
أَقُولُ هَذَا اَلْقَوْلَ وَأَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ اَلعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُورُ اَلرَّحِيمُ.
الخطبةُ الثانية:ُ
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ حَمَدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اَللَّهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمِنْ اِتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ اَلدِّينِ، أمَّا بَعْد:
فَاتَّقُوا اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ؛ وَاعْلَمُوا أَنَّ مِمَّا يُحَقِّقُ اَلتَّقْوَى أَنْ يَشْتَغِلَ اَلْإِنْسَانُ بِذِكْرِ اَللَّهِ –عَزَّ وَجَلَّ- فِي كُلِّ أَحْيَانِهِ وَأَحْوَالِهِ؛ فَإِنَّهُ يَنَالُ مِنْ اَللَّهِ –عَزَّ وَجَلَّ- أَجْرًا عَظِيمًا وَفَضْلاً كَبِيرًا وَعَوْنًا لَا يَجِدُهُ بِغَيْرِ ذِكْرِهِ جَلَّ فِي عُلَاهُ.
قال النَّبيُّ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وما اجتَمعَ قومٌ في بيتِ مِن بيوتِ اللهِ، يتْلون كتابَ اللهِ، ويَتدارسونه بينهم، إلَّا نَزلتْ عليهم السَّكينةُ، وغَشِيتْهم الرحمةُ، وحفَّتْهم الملائكةُ، وذَكرَهم اللهُ فيمَن عِنده» مسلم(2699) فَأَكْثَرُوا مِنْ ذِكْرِ اَللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ أَحْيَانِكُمْ وَأَحْوَالِكُمْ وَاحْرِصُوا عَلَى ذِكْرِهِ –جَلَّ وَعَلَا- فِي اَلْأَوْقَاتِ اَلَّتِي نَدَبَكُمْ إِلَى ذِكْرِهِ فِي صَلَوَاتِكُمْ وَفِي بُكُورِكُمْ وآصَالِكُمْ فِي أَذْكَارِ اَلصَّبَاحِ وَأَذْكَارِ اَلْمَسَاءِ، فَإِنَّهُ مِمَّا يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يُحَافِظَ عَلَيْهِ مِنْ اَلْأَذْكَارِ أَنْ يُلَازِمَ اَلْأَذْكَارَ اَلْمَأْثُورَةَ عَنْ مُعَلِّمِ اَلْخَيْرِ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَالْأَذْكَارِ اَلْمُؤَقَّتَة فِي أَوَّلِ اَلنَّهَارِ أَوْ آخِرِهِ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ اَلنَّوْمِ وَعِنْدَ اَلِاسْتِيقَاظِ وَأَدْبَارِ اَلصَّلَوَاتِ، وَكَذَلِكَ اَلْأَذْكَارُ اَلْمُقَيِّدَةُ مِثْلُ مَا يُقَالُ عِنْدَ اَلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللِّبَاسِ وَالْجِمَاعِ وَدُخُولِ اَلْمَسْجِدِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ مَوَاطِنِ اَلذِّكْرِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَجْتَهِدُ اَلْإِنْسَانُ فِي كَثْرَةِ ذِكْرِ اَللَّهِ قَائِمًا وَقَاعِدًا وَعَلَى جَنْبٍ بِتِلَاوَةِ كَلَامِ اَللَّهِ – عَزَّ وَجَلَّ - وَتَسْبِيحُهُ وَتَحْمِيدُهُ وَتَمْجِيدُهُ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ ذِكْرِهِ اَلَّذِي تُحْييَ بِهِ اَلْقُلُوبُ فَمَثَلُ اَلَّذِي يَذْكَرُ رَبَّهُ وَاَلَّذِي لَا يَذْكَرُ رَبَّهُ كَمَثَلِ اَلْحَيِّ وَالْمَيِّتَ. البخاري (6407)، ومسلم (779) من حديث أبي موسى مرفوعا .
اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، أَلْزِمْنَا طَاعَتَكَ وَيَسِّرِ لَنَا اَلْهُدَى يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، أَعِنَّا وَلَا تُعْن عَلَيْنَا، اُنْصُرْنَا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنَا، اِهْدِنَا وَيَسِّرَ اَلْهُدَى لَنَا، اِجْعَلْنَا لَكَ ذَاكِرِينَ شَاكِرِينَ رَاغِبِينَ رَاهِبَينَ أَوَاهِينَ مُنِيبِينَ، اَللَّهُمَّ تَقْبَلَ تَوْبَتَنَا وَثَبَتَ حُجَّتَنَا وَاغْفِرْ ذِلَّتَنَا وَأَقَلّ عَثْرَتَنَا وَلَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْد إِذْ هَدَيْتَنَا يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ.
اَللَّهُمَّ أمِّنا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا وَاجْعَلْ وِلَايَتَنَا فِيمَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ يَا رَبَّ اَلْعَالَمَينَ، اَللَّهُمَّ وَفِّقْ خَادِمَ اَلْحَرَمَيْنِ اَلشَّرِيفَيْنِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، سَدِّدْهُمْ فِي اَلْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، وَاكْتُبْ اَلْخَيْرَ لِسَائِرِ وُلَاةِ اَلْمُسْلِمِينَ وَفَّقْهُمْ لِلْعَمَلِ بِكِتَابِكَ وَسُنَّةِ رَسُولِكَ وَعُمَّ اَلْخَيْرَ اَلْبَشَر يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، وَعَجِّلْ لَنَا بِكُلِّ فَضْلٍ وَاصْرِفْ عَنَّا كُلَّ سُوءٍ وَشَرِّ وَوَبَاءٍ يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ.
صَلَّوْا عَلَى نَبِيِّكُمْ مُحَمَّد صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ عَلَيْهِ مَعْرُوضَةٌ عَلَيْهِ فِي هَذَا اَلْيَوْمِ.
اَللَّهُمَّ صِلْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيَتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.