المقدم:بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نحييكم تحية طيبة في بداية هذه الحلقة لبرنامج "الدين والحياة" عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة نحييكم في بداية هذه الحلقة، وتقبلوا تحياتي محدثكم وائل حمدان الصبحي، ومن الإخراج ياسر بالقاسم ومن استديو الهواء ياسر الثقفي.
نحييكم أيها الكرام ونرحب بضيفنا الكريم، ضيف البرنامج الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حياكم الله.
الشيخ:-وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته مرحبًا بك أخي وائل حياك الله، وأهلا وسهلا بك وبالإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.
المقدم:- أهلا وسهلا فضيلة الشيخ، بمشيئة الله تعالى سيكون حديثنا في هذه الحلقة تحت عنوان "مطرنا بفضل الله ورحمته" حول المطر سنتحدث عن هذه النعمة وهذه الرحمة من الله –تبارك وتعالى- وسياقات ذكر المطر أيضًا في كتاب الله –جل وعلا- ومجموعة من الآداب المتعلقة بالمطر التي حث عليها الشارع الكريم وندبنا إليها.
فضيلة الشيخ نريد أن نتحدث عن المطر، ونريد أن نبتدئ حديثنا عن المطر، وأنه آية من آيات الله –تبارك وتعالى- ورحمة من عنده.
الشيخ:- الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد..
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته تحية لجميع الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات، وأسأل الله تعالى لي ولهم السداد في القول والعمل والصلاح في الحال والمآل.
فيما يتعلق بالمطر، المطر آية من آيات الله –عز وجل-، وفيه من مواطن العبرة والعظة، ومواطن شهود عظيم قدر الله –عز وجل- ما يبهر الألباب ويستوجب الوقوف لدى هذه الآية اعتبارًا واتعاظًا وانتفاعًا، ففيها من المنافع والخيرات العظيمة التي تصلح بها القلوب وتستقيم بها الأحوال ويدرك بها الإنسان عظيم قدر ربه -جل في علاه- ما يحمله على حسن الصلة به جل في علاه.
الله تعالى هو الذي ينزل الغيث، هو الذي ينزل المطر فلا ينزله غيره جل في علاه، فهو الذي يأتي بالمطر لا يأتي به إلا هو، قال الله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ *أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ﴾[الواقعة: 68- 69] أي من السحاب ﴿لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ﴾[الواقعة: 70] هذا التنبيه الإلهي الذي لفت الأنظار إلى عظيم قدرة الله –عز وجل- وأنه لا يأتي بالغيث، ولا يأتي بالمطر ولا يأتي بالماء الذي نشربه وبه قوام حياتنا، وهو أقرب المنافع التي يدركها الإنسان وهي شرب الماء الذي إذا انقطع عنه هلك، لا يأتي به إلا الله –عز وجل- لفت نظر لعظيم قدرة الله –عز وجل- وكبير رحمته وجليل إحسانه بعباده.
الله تعالى يقول في محكم كتابه: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ﴾[الشورى: 28] فينبه الله تعالى في هذه الآية إلى أمر ينبغي أن يعتني به وهو أنه لا يأتي بالمطر إلا الله ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾[لقمان: 34] فتأكيد هذا المعنى في الآيات القرآنية كثير، وذلك لعظيم ما في هذه الآية من العبر والعظات ومواطن الاعتبار والادكار الذي إذا فُتحت له الأبصار وانتبهت إليه البصائر أدرك الإنسان خيرًا عظيمًا ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا﴾[الشورى: 28]، أي من بعد ما يئس الناس بشح الأمطار وقلتها وأمحلوا وقاربوا الهلاك ﴿وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ﴾[الشورى: 28] جل في علاه، وقال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ﴾[الروم: 48].
فذكر الله تعالى منشأ السحاب الذي يأتي به المطر، ﴿اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ﴾[الروم: 48] وفق علمه وحكمته ﴿وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا﴾[الروم: 48] أي قطعًا ﴿فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ﴾[الروم: 48] المطر يخرج من خلال هذا السحاب الكثيف العظيم ﴿فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾[الروم: 48] أي يبشر بعضهم بعضًا ويظهر السرور عليهم بعد ما كانوا على تلك الحال التي أشار إليه قوله: ﴿وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ * فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[الروم: 49- 50].
المطر فيه عبر وعظات، فالله تعالى في هذه الآيات يذكر المؤمنين بعظيم فضله عليهم بإنزال هذا المطر، وأنه دليل على عظيم قدرته –جل وعلا- وكبير إحسانه إلى خلقه، وأن فيه من الآيات ما ينبغي أن يلتفتوا إليه ويعتبروا به، فالمطر كما أنه رحمة يدرك به الناس ما يؤملون من الخيرات فهو –جل وعلا- يخرجهم به من القنوط ومن القحط ومن القِلَّة ومن الإمحال إلى الرحمة والعطاء والبر والإحسان.
فالآيات تضمنت الإشارة إلى كشف الكربة بنزول الغيث، وحصول الرحمة بما ينشره –جل وعلا- من رحمته فالمطر يجمع هاتين النعمتين، والآيتان الدالتان على عظيم قدره فهو الولي الحميد -جل في علاه-المستوجب لكل ثناء وشكر –سبحانه وبحمده-.
المطر كما أنه نعمة يشهد فيها الناس عظيم إحسان الله تعالى عليهم في الدنيا، جعل الله تعالى فيه ما يذكرهم بالآخرة، جعل الله فيه ما يربطهم بالميعاد ويذكرهم عودهم إلى الله جل في علاه، ولهذا قال -جل في علاه-في الآيات التي ذكر فيها حال الناس في المطر وأمرهم فيها بالاعتبار بالنظر إلى آثار رحمة الله، قال: ﴿فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾[الروم: 50]، اعتبر تجد الأرض على حال من الإمحال والقحط والقلة ما هو مشاهد معروف، فيأتي المطر فتحيى، كما قال تعالى: ﴿وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾[الحج: 5] تحول حالها من أرض هامدة قاحلة خاشعة ليس فيها نبات ولا فيها حياة إلى أن اهتزت ورَبَت وأنبتت من كل زوج بهيج، يقول الله تعالى بعد هذه الإشارة: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ﴾[الحج: 6]، هذا دليل على أن الله حقٌّ جل في علاه، حق في أسمائه، حق في صفاته، حق في أفعاله، حق فيما يجب له من العبودية –سبحانه وتعالى- ﴿وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا﴾[الحج: 6- 7] فهذا المطر الذي تحيى به الأرض وتربو وتنمو وتزيد وتطيب دليل على القيامة، دليل على الساعة التي يبعث فيها الناس ويلقون فيها ربهم فيحاسبهم على أعمالهم ﴿وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَاِ وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾[الحج: 7]، فكما أنه أنبت الأرض بعد موتها، أحياها بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى جل في علاه.
هو الذي يبعث من في القبور، ويعيدهم إلى الحياة بعد أن ماتوا وهمدوا.
المقدم:-فضيلة الشيخ هذا فيه إشارة، وفيه ربط أيضًا بقضية الآخرة، وأن الله –تبارك وتعالى- قادر على إحياء الموتى، وقادر على بعث الخلق مجددًا كإنزاله للمطر، هو يستطيع -جل في علاه- أن يحيي الموتى من قبورهم، هذا فيه ربط بين المطر والبعث في الآخرة أيضًا.
الشيخ:-إي طبعا؛ ولذلك تكرر هذا في آيات كثيرة، يقول الله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ﴾[الأعراف: 57] انظر -سبحان الله العظيم- بلد ميت ليس فيه حياة ﴿فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾[الأعراف: 57] ، ويقول تعالى: ﴿تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[فصلت: 39]، ويقول تعالى: ﴿وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ﴾[فاطر: 9] أي وكذلك تخرجون يوم القيامة.
فهناك ربط بهذه الآية وهذه النعمة المشاهدة بينها وبين شهادة الإيمان، فأنت ترى الأرض قاحلة، تراها خاشعة، تراها خامدة، تراها خالية، تراها ميتة، فينزل الله تعالى المطر فتحيى وتطيب وينتفع الناس بطيبها بأنواع من الانتفاع ﴿إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى﴾[فصلت: 39]، تذكر هذا دائمًا فيما تشاهده من أثر النعيم الذي تراه بإنزال الأمطار، أحيانًا يعمى الإنسان، بل في كثير من الأحيان يعمى الإنسان عن هذه المعاني، ولذلك الآيات تذكر وتؤكد هذا المعنى في مواطن عديدة، يعمى الإنسان عن مواطن الاعتبار فيما يجريه الله تعالى في كونه من الأقدار، وقد قال الله تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾[يوسف: 105]، فهذه أية مشاهدة ترد على أولئك الذين ينكرون البعث والذين يكذبون بأن الناس يعودون بعد موتهم، فيحاسبون على أعمالهم.
هناك آية أخرى أيضًا في هذا المطر تذكر الإنسان بحقيقة الدنيا وأنها ليست دار مقام، بل هي دار عمل وجد واجتهاد سرعان ما يكون منها الارتحال، وذلك بما يكون من تحول الحال بعد طيب الأرض وربوها وبهجتها وزينتها إلى غير ذلك من أحوال الاغترار والاضمحلال والذهاب، يقول الله تعالى: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ﴾[الكهف: 45].
بعد أن زانت الأرض وطابت وأنبتت من كل زوج بهيج، ﴿فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا﴾، ويقول تعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ﴾[الحديد: 20] هذه الدنيا بكل ما فيها من ملذات ﴿كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا﴾[الحديد: 20]، يتحول بعد ذلك الاخضرار والنضرة والجمال والبهجة يهيج فتراه مصفرًا ثم يكون حطامًا، يزول ويضمحل ويذهب، ولذلك قال: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى﴾إلى أن قال سبحانه: ﴿وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى *فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى﴾[الأعلى: 1- 5] أي أسود وأصفر هالك بعد أن طاب.
ولهذا يجب أن يعتبر الإنسان وألا يغتر في دنياه، وأن يعلم أن مدة نعيمه في الدنيا كمدة الربيع في جمال الأرض وبهائها وبهجتها ثم يزول ويتحول ﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ﴾[يونس: 24] كأنها ما تنعمت ولا طابت ولا زانت قبل ذلك ﴿كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.
هذه عبر وعظات فيما يتعلق بالمطر، وما فيه من آثار رحمة الله وما فيه من مواطن الادكار والاعتبار، المطر أيها الإخوة والأخوات رحمة يرحم الله تعالى بها خلقه، يرحم بها الإنسان ويرحم بها الأرض ويرحم بها النبات ويرحم بها الكون، ففضله –جل وعلا- على عباده بإنزال المطر جليل عظيم وكبير، ولهذا يتذكر الإنسان هذه النعمة فهي رحمة منه –جل وعلا-، وقد قال تعالى في محكم كتابه في تسمية المطر قال: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾[الأعراف: 57] الرياح التي تهبُّ قبل نزول المطر تكون مبشرة بين يدي رحمته، بين يدي المطر الذي يأتي به –جل وعلا- فيحيي به الأرض ﴿حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾[الأعراف: 57]، والله تعالى يقول: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾[الأعراف: 57].
وهذا هو المظهر العام في المطر، لكن لا يخفى أن الرحمة قد تكون ليس فقط بالعطاء، قد تكون الرحمة بالمنع، فالله يرحم عباده بعطائهم ويرحم عباده بتذكيرهم، ولهذا المطر يحصل به من حياة الأرض وطيبها وذهاب الأسقام والأوبئة، وزوال الآفات ما هو مِنَّة من الله تعالى على عباده.
ومع ذلك قد يكون مما يقترن من نزول الأمطار من المخاوف ما يكون عبرة وعظة، ولهذا كان النبي –صلى الله عليه وسلم- كما جاء في الصحيحين من حديث عائشة إذا رأى غيمًا أو ريحًا عُرف ذلك في وجهه، يعني عرف تأثره بذلك وخشيته من أن يرافق هذا القادمَ من الغيم وهذا القادم من الريح ما يكرهه الناس من أخذات الله تعالى وعظاته وعبره التي يجريها على عباده، قالت: يا رسول الله عائشة تسأل النبي –صلى الله عليه وسلم- مما رأت منه من ذلك الحال كان إذا رأى غيمًا أو ريحًا عُرف ذلك في وجهه، فقلت يا رسول الله: "أرى الناس إذا رأوا الغيم فرحوا" مستبشرين بما يمكن أن يأتي به من مطر "رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عَرفتُ في وجهك الكراهية؟" يعني التوجس والتخوف من أن يكون في هذا المطر شيء؟ فقلت: «يا عائشة»، بيَّن النبي –صلى الله عليه وسلم- السبب الذي جعله على هذا الحال من التخوف، فقال: «يا عائشة ما يؤمِّنُني أن يكون فيه عذاب؟»يعني ما الذي آمن أن يرافق هذا المطر وهذه الريح ما يمكن أن يكون عذابًا، ثم قال –صلى الله عليه وسلم-: «قد عُذِّب قومٌ بالريح»، وقرأ قول الله تعالى: ﴿قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا﴾[صحيح مسلم:ح899/16]، وهو ما ذكره الله تعالى في قوله في سورة الأحقاف: ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾[الأحقاف: 24]، فنسأل الله تعالى أن يدفع عنا كل سوء وشر.
ولهذا ينبغي أن يعتبر الإنسان وأن يتعظ بما يكون في هذه الآيات العظيمة من العبر والعظات وسائر مواطن التنبيه فكما أن المطر يكون رحمة بإعطاء الناس ما يؤمِّلون وما يرجون من الحياة والخير والبر، والكفاية في أرزاقهم، والحياة في أبدانهم، والطيب في معاشهم فكذلك يكون فيه ما يعظ الناس ويذكرهم بحاجتهم إلى الله تعالى بالتوبة والأوبة والرجعة والاستعتاب، والمؤمن في كلا الحالين في حال العطاء، وفي حال المنع، في حال الرغبة، وفي حال الرهبة يرقب فضل الله ويتعرض لبره وإحسانه –سبحانه وبحمده-.
المقدم:-فضيلة الشيخ قبل أن نذهب إلى فاصل هذا من بليغ حكمة الله –تبارك وتعالى- أن جعل المطر رحمة ينعم به العباد في هذه الأرض، ويكون به قوتهم ومعاشهم وأرزاقهم، أيضًا في جانب آخر يكون عذابًا من الله –تبارك وتعالى- الله –عز وجل- ذكر في سورة الشعراء وفي آية سورة النمل أيضًا ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ﴾[النمل: 58]، فالله –تبارك وتعالى- يخوف بهذه الآية، وأيضًا في المقابل هي رحمة وِمنَّة ونعمة وفضل من الله –تبارك وتعالى- يتفضل به على عباده في هذه الحياة الدنيا.
الشيخ:- بالتأكيد، ولذلك من رحمته –جل وعلا- أنه ينزل الماء بقدر، يعني بمقدار يحصل به صلاح أحوال الناس، ويأمنون به من كل ما يخافونه من أسباب الهلاك.
المقدم:-فضيلة الشيخ اسمح لي أن نذهب إلى فاصل بعده -بمشيئة الله تعالى- نستكمل حديثنا حول هذا الموضوع حول المطر وحول عنواننا "مُطرنا بفضل الله تعالى ورحمته" سنتحدث -بمشيئة الله تعالى- في الجزء المتبقي من الحلقة حول بعض الآداب المتعلقة بالمطر، سنذهب إلى فاصل بعده -بمشيئة الله تعالى- حديثنا مستمعينا الكرام فاصل قصير نكمل الحديث بعده ابقوا معنا.
حياكم الله مستمعينا الكرام، مجددًا نعاود الترحيب بكم ونجدد الترحيب بضيفنا الكريم فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، أهلا وسهلا فضيلة الشيخ مجددًا، يا مرحبًا.
الشيخ:- حياكم الله، أهلا وسهلًا مرحبا بك، أهلا وسهلا بالإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.
المقدم:- أهلا وسهلا فضيلة الشيخ نتحدث عن المطر وحول عنوان "مطرنا بفضل الله ورحمته" هذا المطر الذي هو نعمة من الله –تبارك وتعالى- ومِنَّةٌ وفضل منه –جل وعلا- نريد أن نتحدث عن بعض الآداب المتعلقة بالمطر التي ندب إليها ديننا الحنيف.
الشيخ:-أول ما ينبغي أن يستحضره الإنسان فيما يتعلق بهذه النعمة وهذه الرحمة التي يحيي الله تعالى بها العباد والبلاد ويحوِّل بها حال الناس من الإمحال والقحط إلى الطيب والاغتناء والرحمة التي ينشرها بين عباده -جل في علاه- أن يضيف النعمة إليه جل في علاه، فإنه من حقه -جل في علاه- أن يُشكر، وشكره لا يكون إلا بإضافة النعمة إليه، هذا أول ما يكون من شكر نعمة الله تعالى فيما يتعلق بكل نعمة وفي المطر على وجه الخصوص، فإن شكر نعمة الله تعالى على عباده بالمطر أن تمتلئ قلوب عباده بيقين أن المطر فضله وإعطائه ورحمته.
ولهذا يقول: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ *أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ﴾[الواقعة: 68- 69] هو الذي أنشأه، وهو الذي سقاه، وهو الذي نشره، وهو الذي صرفه فأنزله في مكان وحبسه في مكان، وهو الذي أنزله بمقدار يحصل به صلاح أحوال الناس، ولو أنه زاد ما نزل لكان في ذلك من الهلاك والتلف ما تفسد به حياة الناس ومعاشهم، كل هذا الإنعام منه –جل وعلا- ثم هو إذا أنزل هذا المطر طرح فيه من البركة ما يحصل به نبات الأرض وخروج أزواج النبات البهيج وحصول المنافع العظيمة التي بفضله ومَنِّه لا تتحقق إلا بإحسانه وجوده.
ولولا فضله وإنعامه لما أدرك الناس من ذلك شيء، ولهذا قال النبي «لَيْسَتِ السَّنَةُ بِأَنْ لَا تُمْطَرُوا، وَلَكِنِ السَّنَةُ أَنْ تُمْطَرُوا وَتُمْطَرُوا، وَلَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ شَيْئًا»[صحيح مسلم:ح2904/44]، فليس السَّنَة التي لا يمطر الناس، بل السنة أن يمطروا ثم لا يدركوا من هذا المطر شيئا من مطالبهم ومراغبهم، من طيب معاشهم وإدراك مصالح عيشهم، فلذلك أول ما ينبغي أن يلاحظ من الآداب الواجبة في شأن المطر أن يستذكر الناس وجوب شكر الله –عز وجل- وذلك بإضافة النعمة إليه.
صلى النبي –صلى الله عليه وسلم- بأصحابه على إثر سماء صلاةَ الفجر فلما قضى صلاته –صلى الله عليه وسلم- قال لأصحابه: «يقول الله تعالى»يخبر أصحابه بعد صلاة الفجر ويقول لهم:«يقول الله تعالى: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر»، فذكر أن الله تعالى قسم عباده في ذلك المحل وذلك المكان إلى قسمين:
«مؤمن بي، وكافر»ينبه النبي –صلى الله عليه وسلم- إلى ما قاله الله تعالى بشأن نعمة ساقها عليهم وهي نزول المطر، «أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مُطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي»أي مؤمن بالله «كافر بالكوكب»يعني كافر بالأنواء والنجوم والمواسم التي يضيف الناس إليها الأمطار، «وأما من قال: مُطِرنا بنَوء كذا وكذا»يعني بسبب أو بفعل البرج الفلاني، أو الموسم الفلاني أنه هو السبب الموجد «فذلك كافر بي، مؤمن بالكوكب».[صحيح البخاري:ح846]
وهذا الحديث الشريف على وجهه يبين أن من حق الله تعالى على عباده إذا تفضل عليهم بالأمطار والسقي المباركة ألا يُنسب ذلك الفضلُ إلى غيره، بل ينسبوه إليه، وأن يعبدوه –جل وعلا-، ولا يضيفوا النعمة إلى سواه؛ فإن ذلك من كفر النعمة والتكذيب بها، كما قال تعالى: ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾[الواقعة: 82]، أي تجعلون شكر نعمة الله تعالى عليكم بما منَّ به عليكم أنكم تكذبون بإضافة النعمة إلى غيره جل في علاه.
ولهذا ذكَّر النبي –صلى الله عليه وسلم- أصحابه بهذه النعمة وهذه المنة وانقسام الناس فيها إلى هذين القسمين:
قسم يشكر الله ويضيف نعمته إليه، وقسم يكفر ويضيف نعمته إلى سواه أو يجحده ولا يقيم حقه –جل وعلا- فيها.
ولهذا ينبغي أن يتذكر الناس أن من نعمة الله عليهم أن يوفقهم إلى شكر نعمه بإضافتها إليه، فيقر بقلبه أنها من الله وينطق بلسانه فيقول: مطرنا بفضل الله ورحمته، ويشكر نعمة الله تعالى عليه بالمطر فيستعمل هذه النعمة فيما يرضي الله -جل في علاه- ويحبه –سبحانه وبحمده-.
من الآداب المتعلقة بالمطر أن نزول المطر من مواطن إجابة الدعاء، ولهذا يبادر المؤمن إلى اغتنام مثل هذه المواسم المباركة، فيدعو الله تعالى بما يحب من خير الدنيا والآخرة، مبتدأ ذلك بشكر الله تعالى على نعمته بإضافتها إليه، ثم بعد ذلك بدعائه -جل في علاه- وسؤاله، فإنه قد جاء عنه –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنه قال: «اطلبوا إجابةَ الدعاء عند التقاء الجيوش، وإقامة الصلاة، ونزول المطر»[أخرجه الشافعي في الأم:1/223، وهو ضعيف لإرساله وجهالة شيخ الشافعي، وبشواهده الآتية ينجبر ضعفه]، وهذا الحديث وإن كان في إسناده مقال، لكن ثمة ما يعضده، فقد جاء في السنن أنه قال –صلى الله عليه وسلم- «ثنتان ما تُردَّان:الدعاء عند النداء، وتحت المطر»[السنن الكبرى للبيهقي:ح6459، وحسنه الألباني في صحيح الجامع:ح3078]،وكذلك قوله –صلى الله عليه وسلم-: «من سرَّه أن يستجيب الله عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء»[سنن الترمذي:ح3382، وصححه الألباني في صحيح الجامع:ح6290]، فإذا جد المؤمن بدعاء الله عند نزول الأمطار كان ذلك من مظان إجابة الدعاء، مما يتحرى فيه فضله -جل في علاه- بإجابة الدعاء وإعطاء المطالب.
ومن الآداب أن يدعو الله تعالى بالمباركة بهذا المطر، فإنه قد ثبت عنه –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنه كان إذا نزل المطر قال: «اللهم صيِّبًا نافعًا»[صحيح البخاري:ح1032] أي مطرًا نافعًا، وهذا دعاء ينبغي ألا يغيب عنا؛ لأن الدعاء بكون المطر نافعًا مما يدرك الناس به منافعهم ومصالحهم وخيرات عظيمة، فلذلك ينبغي ألا نغيب عن هذا، فمما نكرره عند نزول الأمطار:«مُطِرنا بفضل الله ورحمته»[سبق]، «اللهم صيبًا نافعًا»[سبق] أي مطرًا نافعًا ليتوقى ما يمكن أن يكون من الأضرار المرافقة للمطر، ويسأل الله تعالى أن يكون هذا المطر مما يبارك فيه ويحصل به لنفسه منافع.
إذًا هذا من الآداب التي ينبغي أن تراعى عند نزول الأمطار، يسأل كثير من الناس عن الدعاء عند سماع الرعد هل ثبت عن النبي –صلى الله عليه وسلم- شيء في ذلك؟
الجواب: أنه لم يثبت عنه –صلى الله عليه وسلم- دعاء لسماع صوت الرعد، وإنما جاء ذلك عن عبد الله بن الزبير -رضي الله تعالى عنه- أنه كان إذا سمع صوت الرعد قال: "سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته"[مصنف ابن أبي شيبة:ح29214، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد:ح560 ] جل في علاه –سبحانه وبحمده-.
المؤمن إذا تذكر أن هذا الرعد خلق من خلق الله، وهو مُسبِّح لله، وهذه صورة من صور تسبيحه، ما يسمعه من صوت الرعد هو تسبيح لله –عز وجل- ﴿وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ﴾[الرعد: 13]، فإنه يمتلئ قلبه بتعظيم ربه والإقرار بفضله والإقرار بعظمته وجليل قدره –سبحانه وبحمده-.
أما ما يتعلق بالبرق ولمعانه فليس ثمة دعاء ثابت أيضًا عنه –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وقد جاء عن ابن عباس بسند شديد الضعف أنه قال: "من قال حين يرى البرق: "سبحان الله وبحمده" لم تصبه صاعقة"[الدعاء للطبراني:ح985 بمعناه مطولا]، لكن هذا لا يثبت عنه وهو حديث ضعيف، وإنما نبَّهت عليه لأجل أن يُجتنب مثل هذا، ويكفي أن يسأل الإنسان الله –عز وجل- السلامة والعافية، وأن يقول: «اللهم صيِّبًا نافعًا»[سبق]، وأن يسأل الله تعالى التوقي مما يمكن أن يكون من الأذى في نزول الأمطار.
أيضًا من الآداب المتعلقة بنزول الأمطار: أن يتعرض الإنسان لما ينزل من السماء، ومن المطر في ثوبه وفي بدنه؛ فإنه قد جاء عنه كما في الصحيح من حديث أنس أنه قال: "أصابنا ونحن مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- مطر فحسر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ثوبه حتى أصابه من المطر" يعني رفع ثوبه، كشف عن بدنه حتى أصابه من المطر،" فقلنا له يا رسول الله: لما صنعت هذا؟" يعني لما فعلت هذا بأن عرَّضت بدنك للمطر قال: «لأنه حَديثُ عهدٍ بربِّه»[صحيح مسلم:ح898/13] ومقصود حديث عهد بربه أنه حديث الخلق، وفيه من البركة ما يُطلب رجاء فضل الله تعالى وإحسانه؛ فإنه قد وصفه الله تعالى بأنه ماء مبارك، فتعرُّض البدن يحصل به من النفع للناس في أبدانهم ما يحصل باتباع سنة النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
المقدم:-هذا فضيلة الشيخ ليس فيه إشارة من حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- عندما قال: «لأنه حديث عهد بربه»ليس فيه إشارة إلى أول المطر، وإنما إلى عموم المطر في أي وقت؟
الشيخ:-نعم، هو كذلك يعني هو حديث عهد بربه، أي أن الله تعالى أحدثه وخلقه فور نزوله، فكان هذا من محبة العبد لربه أن يتعرض لما أحدثه قريبًا مما جعله -جل في علاه- مباركًا، فإن المطر فيه من البركة ما دلت عليه الآيات وجلَّته، فهو الذي أنزله -جل في علاه- وجعله مباركًا –سبحانه وبحمده-.
ولهذا كان من الآداب أن يتعرض الإنسان لفضل الله –عز وجل- بالتعرض لهذا المطر حديث العهد بربه، وكما أشرت أخي الكريم أنه ليس لأجل كونه في أول المطر، بل ظاهر الحديث أنه لعموم المطر في أوله وآخره؛ لوجود العلة فيه وهو أنه حديث عهد بربه، ولما فيه من البركة، كما قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ﴾[ق: 9].
وهو طهور أيضًا، فإنه يحصل به من تطهير الأبدان وتطهير الأنفس وتطهير الكون ما هو معروف ومشهود، فنعمة الله تعالى على عباده في إنزال خطر ما أشار إليه قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾[الفرقان: 48] فهو مبارك طهور.
فمن الآداب التعرض له بشيء من حسر الثوب ونحو ذلك، وقد تحدث جماعة من الفقهاء عن إخراج الرحل وما أشبه ذلك، لكن الذي ثبت عنه –صلى الله عليه وسلم- هو ما ذكرتُه من أنه حسَر ثوبه –صلى الله عليه وسلم- كما روى أنس -رضي الله تعالى عنه- وعلل ذلك بأنه حديث عهد بربه.
من جملة الآداب التي تستحب عند نزول المطر أيضًا: أن يعلم الناس رخصة الله تعالى بالجمع فيما إذا احتاجوا إلى الجمع، فإن الله تعالى رحيم بعباده، وقد ثبت عنه –صلى الله عليه وسلم- في شأن الجمع بين الصلوات المفروضة أنه جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا مطر، فلما سُئل ابن عباس راوي الحديث لما فعل ذلك؟ قال: "أراد ألا يُحرِجَ أمته".[صحيح مسلم:ح705/54]
وهذه مسألة يكثر الحديث عنها فأحببت أن أنبه إلى هذا الحكم المرافق للأمطار، وهو أن المطر إذا نزل واحتاج الناس معه إلى أن يجمعوا بين الصلوات: صلاة الظهر والعصر أو صلاة المغرب والعشاء، فلا حرج في ذلك وهو مما أذنت فيه الشريعة، ويحصل به للناس سعة ورفق، ولما كان الموضوع قد يحصل فيه خلاف بين الناس ينبغي أن يراعى في ذلك المصلحة العامة والاجتماع وهي من مسائل الاجتهاد، لكن لا يكون ذلك إلا عند وجود المشقة عند نزول المطر، وليس لوجود السحاب أو ما أشبه ذلك، بعض الناس إذا يبدو السحاب يبادرون إلى الجمع دون أن يكون هناك ما يوجب ذلك من مشقة أو حرج.
المقدم:-فضيلة الشيخ يبدو أننا قد وصلنا إلى ختام هذه الحلقة لبرنامج "الدين والحياة"، في نهايتها كل الشكر لكم فضيلة الشيخ، وأسأل الله –عز وجل- أن ينفعنا بما نقول وبما نسمع، جزاك الله خيرًا، وكتب الله أجرك فضيلة الشيخ.
الشيخ:-آمين، أسأل الله تعالى لي ولكم العلم النافع والعمل الصالح، وأن يبارك لنا فيما أنزل علينا من خير وأن يتبعه بخير وفراش مبارك، وأن يحفظ بلادنا وولاتنا من كل سوء وشر، وأن يوفق خادم الحرمين الشريفين وولي عهده إلى ما يحب ويرضى، وأن يعمَّ بفضله الجميع وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم:- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.