الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد:
فقد نقل النووي ـ رحمه الله ـ في رياض الصالحين، في باب الوصية بالنساء:
وعن إياس بن عبد الله بن أَبي ذباب - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «لاَ تَضْرِبُوا إمَاء الله» فجاء عُمَرُ ـ رضي الله عنه ـ إِلَى رسولِ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فَقَالَ: ذَئِرْنَ النِّسَاءُ عَلَى أزْوَاجِهِنَّ، فَرَخَّصَ في ضَرْبِهِنَّ، فَأطَافَ بآلِ رَسُول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ نِسَاءٌ كَثيرٌ يَشْكُونَ أزْواجَهُنَّ، فَقَالَ رَسُول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «لَقَدْ أطَافَ بِآلِ بَيتِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كثيرٌ يَشْكُونَ أزْوَاجَهُنَّ لَيْسَ أولَئكَ بخيَارِكُمْ». رواه أَبُو داود بإسناد صحيح.أبو داود (2146)، وابن ماجه (1985)
عن إياس بن عبد الله بن أَبي ذباب ـ رضي الله عنه ـ قَالَ : قَالَ رَسُول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «لاَ تَضْرِبُوا إمَاء الله» لا تضربوا إماء الله يعني النساء، إماء جمع أمة وهي بمعنى العبد في الرجل، فالمرأة أمة والرجل والذكر عبدٌ وكلاهما عباد لله عز وجل.
فقوله: «لاَ تَضْرِبُوا إمَاء الله» يعني لا تضربوا النساء، ويشمل هذا كل هذا الجنس من زوجةٍ وأختٍ وبنتٍ وغير ذلك.
فجاء عُمَرُ ـ رضي الله عنه ـ إِلَى رسولِ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فَقَالَ : (ذَئِرْنَ النِّسَاءُ عَلَى أزْوَاجِهِنَّ) وهذا جنسٌ من المنهي عن ضربه في قوله: «لاَ تَضْرِبُوا إمَاء الله» وهن الزوجات فأخبر عمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بما حصل من استطالة بعض النساء على أزواجهن.
(فَرَخَّصَ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ضَرْبِهِنَّ) رخَّص يعني أذِن والرخصة ضد العزيمة، وهي ما جاء على خلاف دليلٍ لعذر، ما جاء على خلاف الأصل لعذر، وترخيص النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو إذنه في ذلك على وجهٍ يحصل به الإصلاح، فلما أذِن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حصل أن استعمل بعض الناس هذه الرخصة.
(فَأطَافَ بآلِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم) بأزواجه وأهل بيته، (نِسَاءٌ كَثيرٌ يَشْكُونَ أزْواجَهُنَّ) يشتكون أزواجهن في كونهم يضربون على غير الوجه المأذون فيه.
فَقَالَ رَسُول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:«لَقَدْ أطَافَ بِآلِ بَيتِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كثيرٌ يَشْكُونَ أزْوَاجَهُنَّ» أي في ما يتعلق بالضرب.
ثم قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «لَيْسَ أولَئكَ بخيَارِكُمْ» ، ليس أولئك أي من حصل منهم الاعتداء في الضرب والتجاوز في هذه الرخصة، «لَيْسَ أولَئكَ بخيَارِكُمْ» يعني بأفاضلكم، وأهل الخير فيكم وأهل السبق في الخيرية، رواه أَبُو داود بإسناد صحيح.
هذا الحديث الشريف فيه بيان نهي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن ضرب النساء، وأنه الأصل الذي ينبغي أن يستصحب ولا ينقل عنه إلا في حدودٍ ضيقة لا يحصل بها مفسدة، ويدل لذلك أنه رخَّص والرخصة ضد العزيمة، وهي خلاف الأصل، ولا تكون الرخصة إلا في موطنٍ عذرٍ، وعذرٍ يمنح الإذن في ذلك.
ثم لما حصل الإذن حصل التجاوز من بعض الناس في هذه الرخصة، فشكونَّ النساء لأهل بيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فكان منه ما كان من قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «لَيْسَ أولَئكَ بخيَارِكُمْ» يعني ليسوا بأهل الفضل والسبق.
وفيه من الفوائد: أن شكوى المرأة زوجها في اعتدائه وتجاوزه للحد وعدم قيامه بالحقوق ليس ذلك من الغيبة المحرمة، لا سيما إذا كان ذلك لمن يمكن أن ينصفها، أو يمكن أن يردَّ عنها ما يكون من الظلم والاعتداء.
وفيه أيضًا من الفوائد: أن الخيرية في حسن التعامل مع النساء بالإحسان إليهن، فإن ذلك هو الخير الذي قال فيه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ»، «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِنِسَائِهِ» في الحديث الآخر، فينبغي أن يُعلم أن استعمال الضرب ليس من دلائل الخيرية، بل هو من علامات عدم ذلك لا سيما إذا كان في ذلك تجاوز بأن يضرب ما لا يجوز ضربه، أو يضرب على وجهٍ محرم بعنفٍ وشدة أو أنه يستعمل الضرب في غير موضعه وقد تقدَّم أنه ينبغي أن يستصحب الأصل وهو عدم الضرب، لا سيما وأن في هذا الزمان يحصل بالضرب من المفاسد أكبر من ما يؤمل من المصالح.
فلذلك ينبغي أن يُعدل عن هذا ويكتفي الإنسان بالوعظ والهجر والتذكير والصبر على ما لا يمكن تعديله مما لا تستقيم الحياة إلا بالصبر عليه، وقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ».
اللهم ألهمنا رشدنا وقنا شر أنفسنا، وارزقنا حسن الخلق وصلاح العمل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.