35- باب حق الزوج على المرأة
قَالَ الله ـ تَعَالَى ـ:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ الله} [النساء : 34]
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..
فقد ذكر المؤلف الإمام النووي ـ رحمه الله ـ في رياض الصالحين، في باب حق الزوج على المرأة.
وهذا الباب هو بيان ما جعله الله ـ تعالى ـ من الحق للرجل على امرأته، وذكر فيه قول الله ـ عز وجل ـ: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ الله} [النساء: 34].
ثم ذكر الله ـ تعالى ـ ما يمكن أن يكون من أوجه المعالجة فيما إذا تعثرت الصلة بين الرجل والمرأة، فقال: ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ﴾[النساء: 34] إلى آخر الآية.
الشريعة المطهرة جاءت بإعطاء كل ذي حق حقه، وقد أمر الله ـ تعالى ـ بأداء الأمانات، فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾[النساء: 58] ومن أعظم الحقوق بين الخلق حق الرجل على المرأة وحق المرأة على الرجل.
أما حق المرأة على الرجل، فقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «أحَقُّ الشُّروطِ أن تُوفوا به ما استحلَلْتُم به الفُروجَ»صحيح البخاري (2721)، وأما حق الرجل على المرأة فذاك في أحاديث عديدة، ونصوص كثيرة تدل على عظم حق الرجل على امرأته، وقد جاء في النسائي من حديث عائشة ـ رضي الله تعالى عنها ـ أنها سألت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالت يا رسول الله: من أعظم الناس حقًا على المرأة؟ قال: زوجها ثم قالت: ومن أعظم الناس حقًا على الرجل؟ قال: أمه.السنن الكبري (9103)
وهذا يبين مرتبة حق الرجل على امرأته، وهذا لا تنقص فيه للمرأة، بل هو بيان للحق الذي فرضه الله ـ تعالى ـ على المرأة للرجل كما فرض للمرأة على الرجل حقوقًا، فقد فرض للرجل على المرأة حقوقًا وقد قال الله ـ تعالى ـ: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَة﴾[البقرة: 228] فالآية الكريمة ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ﴾[النساء: 34] هي بيان لصلة الرجل بالمرأة، الزوج بامرأته وليس لكل رجل على كل امرأة، إنما هو في بيان صلة الأزواج.
وإذا تأملت الآيات الكريمات في ذكر علاقة الرجل بالمرأة، وجدت عظيم الصلة التي بين هذين الجنسين فإن الشريعة جعلت الصلة بين المرأة والرجل قائمة على السكن والمودة والرحمة قال ـ جل وعلا ـ: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾[البقرة: 187] وهذا يلغي كل ما يدعيه الساعون في شقاق الرجال على النساء، وتحريض النساء على الرجال من دعاوى تحرض النساء على الخروج عن طاعة أزواجهن.
فالعلاقة الشريعة بين الرجل والمرأة قائمة على السكن وعلى المودة وعلى الرحمة، وهي في الالتصاق والقرب، كما قال الله ـ عز وجل ـ: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾[البقرة: 187] ومعلوم أن الإنسان لا يجافي لباسه، بل أقرب ما يكون إليه وأحرص ما يكون على حسنه وطيبه وكماله هو من يلبسه، فقد جعل الصلة بين الرجل والمرأة على هذا النحو.
والصلة بين الرجل والمرأة على الرجل حق القوامة، فالقوامة ليست تسلطًا ولا علوًا ولا استكبارًا، بل هي قيادة رشيدة للأسرة والعلاقة الزوجية للوصول إلى الكمال وتحقيق مقاصد النكاح، وحق الرجل على المرأة في الأصل طاعته ولذلك قال: ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ﴾[النساء: 34] أبرز وصفهن قانتات ومعنى (قانتات) أنهن مطيعات لأزواجهن هذا معنى قانتات ليس المقصود بالقنوت هنا طاعة الله ـ عز وجل ـ فيما بين المرأة وربها، إنما قانتة أي طائعة لزوجها، وإذا أطاعت زوجها فهي طائعة لربها، (حافظات للغيب) بما حفظ الله، أي أنهن قائمات بحفظ أزواجهن في حال غيبتهن، وبذلك تستقيم حياة الرجل وحياة المرأة.
ولهذا تقدم في الحديث قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة"صحيح مسلم (1467) لأنه تطيب به حياة الرجل وحياة المرأة.
فقوله: "خير متاع المرأة الصالحة" ليس المقصود بالمتاع هنا ما يتعلق بالحاجة الفطرية من الرجل للمرأة والمرأة للرجل، إنما المقصود بالصلاح هنا طيب المعاش حصول المودة، حصول السكن وليس فقط جانب من الحياة الزوجية، فنسأل الله أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين، وأن يؤلف بين القلوب، وأن يعيذنا وإياكم من الشيطان، وأن يرزقنا حسن العشرة وطيب المعاملة، وأن يجعلنا وإياكم من خير الناس لأهلهم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.