الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..
فقد نقل النووي ـ رحمه الله ـ في رياض الصالحين في باب حق الزوج على المرأة:
عن أَبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ: أنَّ رَسُول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قَالَ: ((لاَ يَحِلُّ لامْرَأةٍ أنْ تَصُومَ وزَوْجُهَا شَاهدٌ إلاَّ بإذْنِهِ، وَلاَ تَأذَنَ في بَيْتِهِ إلاَّ بِإذنِهِ)) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ وهذا لفظ البخاري.البخاري (5195)، ومسلم (1026)
هذا الحديث تضمن نهيين:
النهي الأول:نهى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المرأة أن تصوم وزوجها شاهد، أي حاضر غير مسافر إلا بإذنه يعني إلا بأن تطلب منه الإذن في الصوم، وهذا النهي النبوي هو لحفظ حق الرجل وذلك أن من حقوق الرجل أنه إذا أراد امرأته، فإنها لا تمتنع منه والصوم قد يكون مما تمتنع بسببه المرأة من زوجها.
فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "لا يحل لامرأة" صغيرة أو كبيرة "أن تصوم" والمقصود بالصوم هنا صوم التطوع، وكذلك الصوم الواجب الموسع تطوع، كطوع الاثنين والخميس والأيام البيض، ونحو ذلك والواجب الموسع كقضاء رمضان إذا لم يتضايق الوقت، ونحوه مما يمكن أن يكون موقتًا بوقت كما لو نذرت أن تصوم وتضايق وقت نذرها بأن حددته بزمان، وقد أذن لها بالنذر، ففي هذه الحال تدخل فيما نهى عنه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من صيام المرأة وزوجها شاهد، والشهود هنا الإقامة والحضور، ولم يكن عندها إنما هو في البلد الذي هو فيه فمن كان له زوجتان أو أكثر، فلا تصوم في اليوم الذي عندها إلا بإذنها؛ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أناط الحكم بالشهود، فقال: "لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه".
والإذن نوعان: إما إذن خاص بأن تستأذنه في صيام معين، أو إذن عام كأن تقول: اسمح لي في الصوم متى شئت فيأذن لها بذلك، ومما يدخل في الإذن أيضًا ما عرفته من حاله أنه لا يرد ذلك أو لا يرفضه أو لا يمتنع من الإذن فيه، فإنه قد يلحق بالإذن اللفظي؛ لأنه مما علم سماحه وإذنه فيه، وكل هذا لأجل إقامة الحياة الزوجية على نحو من الود والألفة، والتقارب وحسن العشرة.
والنهي الثاني الذي تضمنه الحديث: قوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ: "ولا تأذن في بيته إلا بإذنه" لا تأذن أي لا تسمح لأحد ألا يدخل بيته، وكذلك كل ما يخصه مما لها فيه حضور إلا بإذنه أي إلا بسماحه، وقد جاء ذلك في بيان حق الرجال على النساء، فيما جاء في السنن أنه قال –صلى الله عليه وسلم-: «ألَا إنَّ لكم على نسائِكم حَقًّا، ولنِسائِكم عليكم حقًّا»سنن الترمذي (1163).
فذكر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حق الرجل على المرأة قال: «فأمَّا حَقُّكم على نسائِكم فلا يُوطِئْنَ فُرُشَكم مَن تكرَهونَ، ولا يأذَنَّ في بُيوتِكم لِمَن تكرهونَ» فإذا كان هذا من حق الرجل على المرأة في بيتها، فينبغي أن تراعيه ولا فرق في ذلك بين أن يكون المأذون له، أو الذي تريد أن تدخله رجل أو امرأة محرمًا أو غير محرم، فإن الحديث عام في قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "ولا تأذن في بيته إلا بإذنه" وكما أن الإذن فيما تقدم نوعان كذلك هنا الإذن نوعان: إما إذن صريح، أو إما إذن معروف.
الإذن الصريح نوعين: خاص، أو عام تأذن تقول: يأتيني ناس وتسمح لي في دخولهم أو تسمح لي في دخول فلان.
والإذن العرفي: هو ما جرت به العادة مما يعلم أن الرجل يأذن في مثله ولا يمتنع منه فمثل هذا أيضًا يدخل في قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "إلا بإذنه".
والمقصود أن الحديث أقام هذين الحكمين لما فيهما من الالتئام، وقد ذهب العلماء ـ رحمهم الله ـ إلى عدة تعليلات في جمع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين النهيين بين نهيه عن أن تصوم المرأة وزوجها شاهد ونهيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن تأذن في بيته إلا بإذنه، فقالوا: إن المناسبة بينهما هو أن الرجل قد يحتاج إلى أن يختلي بامرأته، فتكون قد أذنت لما لا قد يعلم وجوده، فيكون ذلك معكرًا لحاجته التي اقتضتها الزوجية من الاختلاء بزوجته أو ما إلى ذلك.
وكل هذا من تلمس الأسباب، ولعل هذا فيما إذا كان قيل في سياق واحد، لكن الله أعلم هل قاله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في سياق واحد أم أن الراوي جمع بينهما.
وعلى كل حال المقصود من هذا هو بيان حق الرجل على المرأة، وأن ذلك من حقوقه التي تطيب به العشرة وتصلح به الحياة الزوجية بين الزوجين، فنسأل الله أن يعمر بيوتنا بالسكن والطمأنينة والرحمة والود وأن يعيذنا وإياكم من نزغات الشياطين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.