الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..
فقد نقل النووي ـ رحمه الله ـ في باب حق الزوج على المرأة:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: ((كلكم رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ: وَالأمِيرُ رَاعٍ ، والرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أهْلِ بَيتِهِ، وَالمَرْأةُ رَاعِيةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجها وَوَلَدهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. البخاري (5200)، ومسلم (1829)
هذا الحديث الشريف بين فيه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه ما من أحد إلا وله شيء من الولاية التي يحاسب بها، ويسأل عما تتعلق به.
فقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "كلكم راع" أي جميعكم له ما يرعاه، وما يسأل عنه من نفسه وغير ذلك ممن يكون تحت رعايته وولايته، فالرعاية تقتضي القيام بمصالح الشيء، والسعي في جلب الخير والنفع له ودفع الضر عنه.
فقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "كلكم راع" أي كلكم قائم على شيء من الأشياء في جلب منافعه ودفع الضر عنه، وفي تدبير أموره وإصلاح شأنه، وهذه الرعاية تقتضي المحاسبة، ولذلك قال: "وكلكم مسئول عن رعيته" أي كلكم مسئول عما استخلف فيه واؤتمن عليه قليل كان أو كثيرًا، ولبيان عظيم اتساع هذا المعنى ذكر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رعاية الرجل في بيته ورعاية المرأة في بيت زوجها فرعاية الرجل في بيته قيامه على أولاده في كل ما يصلحهم، وفي دفع كل ما يضرهم من أمر دينهم وأمر دنياهم.
فهو مسئول عنهم في كسوتهم، وفي إطعامهم وفي إصلاح دينهم، وفي أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر كما قال الله ـ تعالى ـ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾[التحريم: 6]، وكما قال ـ تعالى ـ: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾[طه: 132] وكذلك المرأة في بيت زوجها راعية فيما يتعلق بالأشياء التي تحت يديها من تدبير البيت وإدارة شئونه وحفظه والقيام عليه، والسعي في إصلاح الأسرة وتربية النشء, كل ذلك مما يدخل في رعاية المرأة، وهي مسئولة عن ذلك كله، أي أن الله ـ تعالى ـ سيحاسبها على هذه الرعاية وعلى هذه الولاية التي تقتضي جلب النفع ودفع الضر.
وبعد أن أكد هذا المعنى بالتمثيل وبيان اتساع معنى الرعاية، وأنه لا يخرج منها وعنها أحد أعاد وكرر ـ صلى الله عليه وسلم ـ تأكيد هذا المعنى فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته".
الحديث فيه جملة من الفوائد من فوائده:
أنه ما من أحد إلا وعليه مسئولية وتحمل أمانة يجب عليه بذل الوسع في أدائها والقيام بها كما أمر الله ـ تعالى ـ في قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾[النساء: 58].
وفيه: أن كل صاحب مسئولية قليلة أو كثيرة، صغيرة أو كبيرة سيسأل عنها ويحاسب، فإنه اقتضى الولاية والرعاية ليس فقط امتلاك الصلاحية، بل المحاسبة فهي تكليف سيسأل عن الدقيق والجليل والصغير والكبير في شأن ما استرعي عليه واؤتمن عليه وكلكم مسئول عن رعيته.
وفيه: أن هذا المعنى لا يقتصر على ولاية الإنسان الولايات السلطانية أو الولايات التي تأتي من قبل ولي الأمر في الجهة العامة، بل حتى في ولاية الإنسان الشرعية؛ لأن الولاية مكتسبة إما بالتكليف الشرعي وإما بالتكليف السلطاني والولاية، وكلاهما يدخل في عموم قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته".
فمن كلفه ولي الأمر بأمر من الأمور، فإنه سيسأل عن هذه الولاية، ومن كلفه الشرع بمسئولية وأمانة كأمانة رعاية الأولاد «مُروا أبناءَكُم بالصَّلاةِ لسَبعِ سنينَ، واضرِبوهم عليهَا لعَشرِ سِنينَ».مسند الإمام أحمد (6756)
وكولايته في كفايتهم في مطعمهم وملبسهم ومسكنهم، كل هذا مما يدخل فيما جاءت به النصوص من السؤال في قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "وكلكم مسئول عن رعيته" أي عما استرعاه الله ـ تعالى ـ فيه.
وفيه: ضرب المثال وتقريب المعاني للناس بما يباشر خصوصيتهم، وألا تبقى المعاني عامة حتى يظن الإنسان أنه لا دخل له، أو لا عموم للحديث فيما يخصه حيث قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "فالرجل راعي لأهل بيته" وفي روايات "الأمير راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع في بيته ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها" كل هذا تمثيل وتقريب للمعنى العام في قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته".
فنسأل الله أن يعيننا وإياكم على القيام بالأمانة وأدائها على الوجه الذي يرضى الله ـ تعالى ـ به عنا وأن يكفينا وإياكم شر كل ذي شر، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.