×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..

فقد نقل النووي رحمه الله في باب الإنفاق مما يحب ومن الجيد:

حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في قصة أبي طلحة قدم ذلك بقول الله تعالى : {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}+++[آل عمران: 92]---وقوله تعالى : {أنفقوا من طيبات ما كسبتم}+++[البقرة: 267]---.

فأمر الله عز وجل في الآيتين بالأمر بالإنفاق من الطيب من الكسب وندب إلى أن ينفق الإنسان مما يحب وهو ما تعلقت به نفسه من ماله، فإن ذلك أعظم لأجره، وفي ما نقله المؤلف رحمه الله من حديث أنس في قصة أبي طلحة قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا من النخل أي من أصحاب المزارع وكان أحب ماله إليه بيرحاء، وهو بستان مستقبل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل هذا البستان، فيشرب من ماءه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد جاء أبو طلحة إلى النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل قول الله تعالى : ﴿لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون﴾+++[آل عمران: 92]--- فقال يا رسول الله: إن الله تعالى أنزل عليك ﴿لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون﴾+++[آل عمران: 92]--- وإن أحب مالي إلي بيرحاء وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله تعالى.

ثم قال: فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "بخ، ذاك مال رابح" وفي رواية "ذاك مال رايح" ثم قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم : بعد أن كرر عليه بخ "قد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين" فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله فقسمها رضي الله تعالى عنه في أقاربه" الحديث متفق عليه.+++البخاري (1461)، ومسلم (998)---

هذا الخبر في قصة نزول قول الله تعالى : ﴿لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون+++[آل عمران: 92]--- وما جرى من أبي طلحة يدل على أمور أولا قبل ما يتعلق بدلالات هذا الحديث وفوائده.

أبو طلحة هو سهل بن زيد بن الأسود الأنصاري النجاري وهو زوج أم أنس رضي الله تعالى عنه وهو من الصحابة الذين تقدم إسلامهم، فكان من النقباء الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم وشهد المشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم وكانت وفاته في عهد عثمان رضي الله تعالى عنه في سنة تسع وثلاثين وصلى عليه رضي الله تعالى عنه في آخر عهد عثمان رضي الله تعالى عنه صلى عليه وهو من أعيان أنصار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

وفي الحديث بيان عظيم فضله وسبقه إلى البر والخير؛ حيث أنه لما نزل قول الله تعالى : ﴿لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون+++[آل عمران: 92]--- أي لن تحصلوا ولن تدركوا البر إلا بالإنفاق مما تحبون والبر هنا قيل: الجنة وقيل: العمل الصالح، وقيل: السعة والله أعلم أن المعنى يشمل كل هذه المعاني فتفسر الآية بكل المعاني التي تحتملها، فالبر في قوله: ﴿لن تنالوا البر+++[آل عمران: 92]--- أي الجنة، وأيضا العمل الصالح والسعة التي تكون ثمرة العمل الصالح كل ذلك لا ينال على وجه الكمال إلا بالإنفاق مما يحبه الإنسان، سمع هذه الآية رضي الله تعالى عنه فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "إن أحب مالي إليه بيرحاء" وهذا سمو وعلو وسبق أعلى مما ندب الله تعالى إليه في الآية، فإن الله لم يقل: لم تنالوا البر حتى تنفقوا من أحب أموالكم، إنما ذكر ما تحبون وهذا يشمل الأحب، وكل من ثبتت له المحبة، ولو كان دون الأعلى، لكنه رضي الله تعالى عنه أراد أعلى ما يكون مما يحب ليفوز أعلى بما وعد الله تعالى في هذه الآية.

فجاء فقال يا رسول الله: "إن أحب مالي إلي بيرحاء وإني أرجو برها وذخرها عند الله عز وجل برها" يعني عاقبة ثوابها وذخرها أي أدخرها ثواب في الآخرة، فإن ما يقدم الإنسان في الدنيا يجده بين يديه في الآخرة، ولذلك فيما جاء في السنن عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنه ذبحت شاة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل ما بقي منها؟ فقالوا: بقي منها كتفها أو قالوا: لم يبقى منها إلا كتفها فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ذهب كتفها وبقي كلها"+++سنن الترمذي (2470)--- وذلك أن ما أنفقه الإنسان وقدمه يبقى، وأما ما يذهب في متعه فقد لا يستحضر النية الصالحة فما يكون من الباقي فعكس النبي صلى الله عليه وسلم الأمر، وهذا معنى قوله رضي الله تعالى عنه : "أرجو برها وذخرها وإني قد جعلتها لله فضعها حيث أراك الله يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : "قد سمعت ما قلت" يعني أدركت ماذا تريد وفهمت ما ذكرت ثم وجهه صلى الله عليه وسلم فقال: "وإني أرى أن تجعلها في الأقربين" يعني في أقاربك أي تتصدق بها عليهم، وذلك أن الصدقة على القريب أعظم أجرا من الصدقة على غيره من ذوي الحاجات فإن الصدقة على القريب تجمع الأجر من جهتين؛ أجر القرابة، وأجر الصدقة، كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح من حديث زينب امرأة ابن مسعود رضي الله عنه وعنها لما أرادت أن تتصدق بحلية، فقال لها زوجها عبد الله بن مسعود: أنه ولدها أحق من تصدقت به عليهم فذهبت تسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: صدق إن أحق من تصدقت عليهم به زوجك وولدك"+++صحيح البخاري (1462)--- وقال صلى الله عليه وسلم : "لها أجران؛ أجر القرابة وأجر الصدقة"+++سنن ابن ماجة (1834)---.

وفي حديث سلمان بن عامر قال صلى الله عليه وسلم : «الصدقة على المسكين صدقة والصدقة على ذي القرابة اثنتان»+++سنن الترمذي (658)--- يعني فيهما فضلان أي صلة وصدقة يعني أجمع الصلة والصدقة، ولذلك قال له النبي صلى الله عليه وسلم : "أرى أن تجعلها في الأقربين" فبادر رضي الله تعالى عنه ففعل فجعلها في الأقربين ووزعها على أقاربه.

الحديث يدل على جملة من الفوائد:-

فضيلة المسابقة إلى امتثال ما أمر الله عز وجل أبو طلحة لا يذكر في الأحاديث كثيرا، ولم ينقل عنه رضي الله تعالى عنه كبير علم مع هذا نقل عنه هذا الخبر الدال على عظيم فضله، وعظيم سبقه، فالسبق ليس بكثرة ما ينقل عن الشخص، إنما بما يكون بينه وبين الله عز وجل من صالح العمل فحفظ الله تعالى لهذا الرجل هذا الذكر الطيب إلى يومنا هذا قبل ألف وأربعمائة عام إلى الآن يذكر بهذا الخبر الذي يدل على عظيم ما كان في قلبه من الرغبة فيما عند الله عز وجل.

فالإنسان يسابق إلى الخيرات ويتقدم بكل ما يمكنه من عمل البر يرجو ما عند الله.

وفيه: أنه ينبغي الإنسان أن يستحضر في كل عمل صالح وفي الصدقات الثواب والأجر عند الله وأن ما يقدمه يبقى وليس ذهابا لماله.

ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : «أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ قالوا: يا رسول الله! ما منا أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه، قال: اعلموا أن ما منكم أحد إلا مال وارثه أحب إليه من ماله، ما لك من مالك إلا ما قدمت، ومال وارثك ما أخرت».+++سنن النسائي (3612)---

فما يبقى بعدك هو مال وارثك، وأما الذي تنفقه هو مالك الحقيقي، لأنك تصرفت فيه، فإذا تصرفت فيه في أوجه البر كان تقدمة لك ووجدته بين يديك عند الله عز وجل.

وفيه من الفوائد: أن الإنسان يخبر بنيته لا على وجه الرياء، بل على وجه الرغبة في طلب أفضل ما يكون من أوجه النفقة؛ لأنه لما قال يا رسول الله: "إني أرجو برها وذخرها عند الله"، وهذا مقدمة قوله: "فضعها حيث أراك الله"، وهذا لا إشكال أنه يكون الإنسان عنده مثلا مبلغ يقول: والله أنا تعبت في جمعه وأنا اجتهدت في تحصيله وترى هو اللي ورائي ودوني وأرجو أن تدلني على أفضل أوجه الإنفاق هذا ليس رياء هذا إخبار عن أنه يقدم هذا المال على هذه الحال.

فالإخبار بالنية وحسن القصد عند الحاجة ليس من الرياء المذموم.

وفيه من الفوائد: أن النبي صلى الله عليه وسلم أنصح الخلق للخلق، فإنه صلى الله عليه وسلم لما جاءه بهذا البستان، وتأمل كان يدخله ويشرب منه صلى الله عليه وسلم وينتفع منه ما قال: خلاص طيب أعطنا إياه ونصرفه فيما يكون من أوجه البر، بل وجهه إلى ما هو أفضل للمنفق فقال له: ضعها في الأقربين وفي فضيلة النفقة على الأقربين.

وفيه: امتثال الصحابة لما يوجه إليه النبي صلى الله عليه وسلم فإن الصحابي فعل، فقسمها بين أقاربه.

وفيه: أنه ينبغي للإنسان أن يبادر إلى كل عمل صالح ولا يتأخر ولا يسوف نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم إلى السابقين إلى الخيرات، العاملين بالصالحات، الموفقين لكل بر وخير في السر والعلن، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

المشاهدات:3117

الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..

فقد نقل النووي ـ رحمه الله ـ في باب الإنفاق مِمَّا يحبُّ ومن الجيِّد:

حديث أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ في قصة أبي طلحة قدم ذلك بقول الله ـ تعالى ـ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}[آل عمران: 92]وقوله ـ تعالى ـ: {أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ}[البقرة: 267].

فأمر الله ـ عز وجل ـ في الآيتين بالأمر بالإنفاق من الطيب من الكسب وندب إلى أن ينفق الإنسان مما يحب وهو ما تعلقت به نفسه من ماله، فإن ذلك أعظم لأجره، وفي ما نقله المؤلف ـ رحمه الله ـ من حديث أنس في قصة أبي طلحة قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالًا من النخل أي من أصحاب المزارع وكان أحب ماله إليه بيرحاء، وهو بستان مستقبل مسجد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدخل هذا البستان، فيشرب من ماءه ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وقد جاء أبو طلحة إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما نزل قول الله ـ تعالى ـ: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ[آل عمران: 92] فقال يا رسول الله: إن الله ـ تعالى ـ أنزل عليك ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ[آل عمران: 92] وإن أحب مالي إلي بيرحاء وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله تعالى.

ثم قال: فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "بخ، ذاك مال رابح" وفي رواية "ذاك مال رايح" ثم قال ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ: بعد أن كرر عليه بخ "قد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين" فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله فقسمها ـ رضي الله تعالى عنه ـ في أقاربه" الحديث متفق عليه.البخاري (1461)، ومسلم (998)

هذا الخبر في قصة نزول قول الله ـ تعالى ـ: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ[آل عمران: 92] وما جرى من أبي طلحة يدل على أمور أولًا قبل ما يتعلق بدلالات هذا الحديث وفوائده.

أبو طلحة هو سهل بن زيد بن الأسود الأنصاري النجاري وهو زوج أم أنس ـ رضي الله تعالى عنه ـ وهو من الصحابة الذين تقدم إسلامهم، فكان من النقباء الذين بايعوا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وشهد المشاهد كلها مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكانت وفاته في عهد عثمان ـ رضي الله تعالى عنه ـ في سنة تسع وثلاثين وصلى عليه ـ رضي الله تعالى عنه ـ في آخر عهد عثمان ـ رضي الله تعالى عنه ـ صلى عليه وهو من أعيان أنصار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

وفي الحديث بيان عظيم فضله وسبقه إلى البر والخير؛ حيث أنه لما نزل قول الله ـ تعالى ـ: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ[آل عمران: 92] أي لن تحصلوا ولن تدركوا البر إلا بالإنفاق مما تحبون والبر هنا قيل: الجنة وقيل: العمل الصالح، وقيل: السعة ـ والله أعلم ـ أن المعنى يشمل كل هذه المعاني فتفسر الآية بكل المعاني التي تحتملها، فالبر في قوله: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ[آل عمران: 92] أي الجنة، وأيضًا العمل الصالح والسعة التي تكون ثمرة العمل الصالح كل ذلك لا ينال على وجه الكمال إلا بالإنفاق مما يحبه الإنسان، سمع هذه الآية ـ رضي الله تعالى عنه ـ فجاء إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال: "إن أحب مالي إليه بيرحاء" وهذا سمو وعلو وسبق أعلى مما ندب الله ـ تعالى ـ إليه في الآية، فإن الله لم يقل: لم تنالوا البر حتى تنفقوا من أحب أموالكم، إنما ذكر ما تحبون وهذا يشمل الأحب، وكل من ثبتت له المحبة، ولو كان دون الأعلى، لكنه ـ رضي الله تعالى عنه ـ أراد أعلى ما يكون مما يحب ليفوز أعلى بما وعد الله ـ تعالى ـ في هذه الآية.

فجاء فقال يا رسول الله: "إن أحب مالي إلي بيرحاء وإني أرجو برها وذخرها عند الله ـ عز وجل ـ برها" يعني عاقبة ثوابها وذخرها أي أدخرها ثواب في الآخرة، فإن ما يقدم الإنسان في الدنيا يجده بين يديه في الآخرة، ولذلك فيما جاء في السنن عن عائشة ـ رضي الله تعالى عنها ـ أنه ذبحت شاة لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فسأل ما بقي منها؟ فقالوا: بقي منها كتفها أو قالوا: لم يبقى منها إلا كتفها فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ذهب كتفها وبقي كلها"سنن الترمذي (2470) وذلك أن ما أنفقه الإنسان وقدمه يبقى، وأما ما يذهب في متعه فقد لا يستحضر النية الصالحة فما يكون من الباقي فعكس النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الأمر، وهذا معنى قوله ـ رضي الله تعالى عنه ـ: "أرجو برها وذخرها وإني قد جعلتها لله فضعها حيث أراك الله يا رسول الله فقال النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ: "قد سمعت ما قلت" يعني أدركت ماذا تريد وفهمت ما ذكرت ثم وجهه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: "وإني أرى أن تجعلها في الأقربين" يعني في أقاربك أي تتصدق بها عليهم، وذلك أن الصدقة على القريب أعظم أجرًا من الصدقة على غيره من ذوي الحاجات فإن الصدقة على القريب تجمع الأجر من جهتين؛ أجر القرابة، وأجر الصدقة، كما ذكر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الصحيح من حديث زينب امرأة ابن مسعود ـ رضي الله عنه وعنها ـ لما أرادت أن تتصدق بحلية، فقال لها زوجها عبد الله بن مسعود: أنه ولدها أحق من تصدقت به عليهم فذهبت تسأل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: صدق إن أحق من تصدقت عليهم به زوجك وولدك"صحيح البخاري (1462) وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "لها أجران؛ أجر القرابة وأجر الصدقة"سنن ابن ماجة (1834).

وفي حديث سلمان بن عامر قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «الصدقة على المسكين صدقة والصدقة على ذي القرابة اثنتان»سنن الترمذي (658) يعني فيهما فضلان أي صلة وصدقة يعني أجمع الصلة والصدقة، ولذلك قال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "أرى أن تجعلها في الأقربين" فبادر ـ رضي الله تعالى عنه ـ ففعل فجعلها في الأقربين ووزعها على أقاربه.

الحديث يدل على جملة من الفوائد:-

فضيلة المسابقة إلى امتثال ما أمر الله ـ عز وجل ـ أبو طلحة لا يذكر في الأحاديث كثيرًا، ولم ينقل عنه ـ رضي الله تعالى عنه ـ كبير علم مع هذا نقل عنه هذا الخبر الدال على عظيم فضله، وعظيم سبقه، فالسبق ليس بكثرة ما ينقل عن الشخص، إنما بما يكون بينه وبين الله ـ عز وجل ـ من صالح العمل فحفظ الله ـ تعالى ـ لهذا الرجل هذا الذكر الطيب إلى يومنا هذا قبل ألف وأربعمائة عام إلى الآن يذكر بهذا الخبر الذي يدل على عظيم ما كان في قلبه من الرغبة فيما عند الله عز وجل.

فالإنسان يسابق إلى الخيرات ويتقدم بكل ما يمكنه من عمل البر يرجو ما عند الله.

وفيه: أنه ينبغي الإنسان أن يستحضر في كل عمل صالح وفي الصدقات الثواب والأجر عند الله وأن ما يقدمه يبقى وليس ذهابًا لماله.

ولذلك قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «أيُّكم مالُ وارثِه أحبُّ إليه من مالِه؟ قالوا: يا رسولَ اللهِ! ما منَّا أحدٌ إلَّا مالُه أحبُّ إليه من مالِ وارثِه، قال: اعلَموا أنَّ ما منكم أحدٌ إلَّا مالُ وارثِه أحبُّ إليه من مالِه، ما لك من مالِك إلَّا ما قدَّمتَ، ومالُ وارِثك ما أخَّرتَ».سنن النسائي (3612)

فما يبقى بعدك هو مال وارثك، وأما الذي تنفقه هو مالك الحقيقي، لأنك تصرفت فيه، فإذا تصرفت فيه في أوجه البر كان تقدمة لك ووجدته بين يديك عند الله عز وجل.

وفيه من الفوائد: أن الإنسان يخبر بنيته لا على وجه الرياء، بل على وجه الرغبة في طلب أفضل ما يكون من أوجه النفقة؛ لأنه لما قال يا رسول الله: "إني أرجو برها وذخرها عند الله"، وهذا مقدمة قوله: "فضعها حيث أراك الله"، وهذا لا إشكال أنه يكون الإنسان عنده مثلا مبلغ يقول: والله أنا تعبت في جمعه وأنا اجتهدت في تحصيله وترى هو اللي ورائي ودوني وأرجو أن تدلني على أفضل أوجه الإنفاق هذا ليس رياء هذا إخبار عن أنه يقدم هذا المال على هذه الحال.

فالإخبار بالنية وحسن القصد عند الحاجة ليس من الرياء المذموم.

وفيه من الفوائد: أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنصح الخلق للخلق، فإنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما جاءه بهذا البستان، وتأمل كان يدخله ويشرب منه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وينتفع منه ما قال: خلاص طيب أعطنا إياه ونصرفه فيما يكون من أوجه البر، بل وجهه إلى ما هو أفضل للمنفق فقال له: ضعها في الأقربين وفي فضيلة النفقة على الأقربين.

وفيه: امتثال الصحابة لما يوجه إليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإن الصحابي فعل، فقسمها بين أقاربه.

وفيه: أنه ينبغي للإنسان أن يبادر إلى كل عمل صالح ولا يتأخر ولا يسوف نسأل الله ـ تعالى ـ أن يجعلنا وإياكم إلى السابقين إلى الخيرات، العاملين بالصالحات، الموفقين لكل بر وخير في السر والعلن، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات90644 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87045 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف