اَلْحَمْد لِلَّهِ اَلْمُبْتَدِئِ خَلقَهُ بِالْإِنْعَامِ، اَلْمُتَفَضِّلِ عَلَى عِبَادِهِ بِالْإِحْسَانِ، لَهُ اَلْحَمْدُ كُلُّهُ فِي اَلْبُكُورِ وَالْآصَالِ وَفِي كُلِّ حِينٍ وَآنْ، أَحْمَدُهُ حَقَّ حَمْدِهِ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْهِ ، هُوَ كَمَا أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ اَلْمَلِكُ وَلَهُ اَلْحَمْدُ هُوَ اَلْعَزِيزُ اَلغَفَّارُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اَللَّهِ وَرَسُولُهُ اَلْمُخْتَارُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ مَا تَعَاقَبَ اَللَّيْلُ وَالنَّهَارُ.
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ عِبَادَ اَللَّهِ، اِتَّقَوُا اَللَّهَ تَعَالَى حَقَّ تَقْوَاهُ، اِتَّقَوُا اَللَّهَ بِطَاعَتِهِ وَأَطِيعُوهُ بِتَقْوَاهُ؛ فقد أمركُمْ بذلك فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102] .
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ، إِنَّ اَلصِّحَّةَ فِي اَلْأَبْدَانِ نِعْمَةٌ عُظْمَى بِهَا تَطِيبُ اَلدُّنْيَا، بِهَا تَحسُنُ وَتَزَينُ، ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة: 201].
رَوَى اَلْإِمَامْ مُسْلِمُ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اَللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ«أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، عَادَ رَجُلًا مِنَ المُسْلِمِينَ قدْ خَفَتَ فَصَارَ مِثْلَ الفَرْخِ، فَقالَ له رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: هلْ كُنْتَ تَدْعُو بشيءٍ، أَوْ تَسْأَلُهُ إيَّاهُ؟ قالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أَقُولُ: اللَّهُمَّ ما كُنْتَ مُعَاقِبِي به في الآخِرَةِ، فَعَجِّلْهُ لي في الدُّنْيَا، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: سُبْحَانَ اللهِ لا تُطِيقُهُ، أَوْ لا تَسْتَطِيعُهُ، أَفلا قُلْتَ: اللَّهُمَّ آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ قالَ: فَدَعَا اللَّهَ له، فَشَفَاهُ» مسلم(2688) .
قال السُدُّيُّ: (اَلْحَسَنَةُ فِي اَلدُّنْيَا اَلصِّحَّةُ وَالْعَافِيَةُ) أخرجه الطبري في تفسيره(21/269) .
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ، إِنَّ صِحَّةَ اَلْأَبْدَانِ وَسَلَامَتَهَا مِنْ اَلْأَسْقَامِ وَعَافِيَتِهَا مِنْ أَجْلِ اَلنِّعَمِ اَلَّتِي إِذَا فَازَ بِهَا اَلْإِنْسَانُ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ اَلدُّنْيَا بِأَسْرِهَا كَأَنَّمَا أُعْطِي خَيْرَاتُهَا جَمْعَاءَ.
رَوَى اَلتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اَللَّهِ بْنِ مُحَصِّنٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أصبحَ منكمْ آمنًا في سربِه، معافًى في جسدِه» أي في نفسه أو في قومه «عندَهُ قوتُ يومِه، فكأنَّما حيزتْ له الدنيا بحذافيرِها» الترمذي ح(2346)، وقال: "حَسَنٌ غَرِيبٌ" .
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ، إِنَّ اَلْعَافِيَةَ فِي اَلْأَبْدَانِ وَالصِّحَّةَ فِي اَلْأَجْسَامِ مِنْ أَعْظَمِ عَطَايَا اَللَّهِ لِلْعَبْدِ، وَأَفْضَلُ مَا يَقَسِّمُهُ لَهُ، فَالصِّحَّةُ أَفْضَلُ مِنْ اَلْغِنَى بِلَا صِحَّةٍ، وَالصِّحَّةُ خَيْرٌ مِنْ جَاهٍ وَسُلْطَانٍ بِلَا عَافِيَةٍ.
عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بن خُبَيْبٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -قال: «لا بأسَ بالغِنى لِمَن اتَّقى» يعني من اغتنى وهو متَُّقٍ لله –عزَّ وجلَّ- فيما أعطاهُ منَ المالِ فلا بأسَ عليه «والصِّحةُ لِمَن اتَّقى خَيرٌ مِن الغِنى، وطِيبُ النَّفسِ مِن النَّعيمِ» ابن ماجة ح(2141) بإسناد حسن، وعمه هو:عُبيدُ بنُ معاذٍ. تهذيب التهذيب( 12 / 373) .
وَلَا عَجَبَ أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ؛ فَإِنَّ اَلصِّحَّةَ مَالٌ مَمْدُودُ عَوْنٌ عَلَى اَلطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ يُدْرِكُ بِهَا اَلْإِنْسَانُ لَذَّةَ كُلٍّ مَرْغُوبٍ، اَلصِّحَّةُ يَبْلُغُ بِهَا كُلَّ مَطْلُوبٍ مِنْ أَمْرِ اَلدِّينِ عِبَادَةً وَطَاعَةً، وَمِنْ أَمْرِ اَلدُّنْيَا لَذَّةً وَمُتْعَةً وَرَاحَةً، وَلِعَظِيمِ مَنْزِلَةِ اَلْعَافِيَةِ وَالصِّحَّةِ فِي اَلْمَعَاشِ وَفِيمَا يَكُونُ مِنْ حَيَاةِ اَلْإِنْسَانِ كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْعُو اَللَّهُ كُلَّ صَبَاحٍ وَمَسَاءٍ ثَلَاث مَرَّاتٍ فيقول:
«اللَّهمَّ عافِني في بَدَني، اللَّهمَّ عافِني في سَمْعي، اللَّهمَّ عافِني في بَصَري، لا إلهَ إلَّا أنتَ» أبوداود(5090)، وَحَسَّنَهُ اَلْحَافِظُ فِي نَتَائِجِ اَلْأَفْكَارِ (2 / 369) يُكَرِّرُ ذَلِكَ ثَلَاثًا كُلَّ غُدُوِّ وَعَشِّيٍ فِي اَلْبُكُورِ وَالْآصَالِ، فِي اَلصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ، فَسَلُواَ اَللَّهُ اَلْعَافِيَةَ؛ فَبِهَا تَتِمّ كُلُّ نِعْمَةٍ.
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ، إِنَّ نِعْمَةَ اَلصِّحَّةِ فِي اَلْأَبْدَانِ، وَالْعَافِيَةَ فِي اَلْأَجْسَادِ رَأْسُ اَلنَّعِيمِ وَذُرْوَتُهُ؛ وَلِهَذَا كَانَتْ صِحَّةُ اَلْأَبْدَانِ وَعَافِيَةُ اَلْأَجْسَامِ أَوَّلُ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ اَلْعَبْدُ مِنْ اَلنِّعَمِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ:
(أَلَمْ نُصِحَّ لَكَ جِسْمَكَ، وَنُرْوِيَكَ مِنَ المَاءِ البَارِدِ) جاء ذلك في الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه الترمذي(3358)، وصححه الألباني الصَّحِيحَة ح (539) .
ولهذا قالَ منْ قالَ من السلفِ في قول الله تعالى: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾[التكاثر: 8] أيْ عن الصِّحةِ أخرجه أحمدُ في الزُّهدِ (2311) عن ابن مسعود .
قال ابن عباس: (اَلنَّعِيمُ اَلْمَسْؤُولُ عَنْهُ صِحَّةُ اَلْأَبْدَانِ وَالْأَسْمَاعِ وَالْأَبْصَارِ يَسْأَلُ اَللَّهُ اَلْعِبَادَ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ فِيمَا اِسْتَعْمَلُوهَا، وَهُوَ أَعْلَم بِذَلِكَ مِنْهُمْ، وَهُوَ قَوْلُهُ): ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: 36], وقوله أخرجه الطبري في تفسيره(24/582) .
فَاتَّقُوا اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ؛ وَاسْتَعْمَلُوا مَا أَنْعَمَ اَللَّهُ بِهِ عَلَيْكُمْ مِنْ صِحَّةِ أَبْدَانِكُمْ وَعَافِيَةِ أَجْسَامِكُمْ فِي طَاعَةِ رَبِّكُمْ؛ فَما أَسْرَع اَلتَّحَوُّلَ فِي اَلْأَحْوَالِ، وَالتَّغَيُّرَ عَبْرَ اَلْأَيَّامِ، خُذُوا بِمَوْعِظَةِ اَلنَّبِيِّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ اَلنَّبِيَّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِرَجُلٍ يَعِظُهُ: «اغتنم خَمْساً قبل خَمْس: شبابَكَ قبلَ هَرَمِكَ، وصحتَكَ قبلَ سِقَمِكَ، وغناكَ قبل فقرِك، وفراغَك قبل شُغلك، وحياتَك قبل موتك» مستدرك الحاكم(7846)، صَحِيح التَّرْغِيبِ ح(3355) .
اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، أَقُولُ هَذَا اَلْقَوْلَ وَأَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ اَلْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفَرُوهُ إِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُورُ اَلرَّحِيم.
الخطبة الثانية:
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهو يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ، لَهُ اَلْحَمْدُ كُلُّهُ وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ اَلْأَمْرُ كُلُّهُ، لَيْسَ لِلْعِبَادِ غَنِيٍّ عَنْ طَاعَتِهِ وَالِافْتِقَارِ إِلَيْهِ وَالِالْتِجَاءِ لَهُ، لَا مَلْجَأ وَلَا مَنْجَى مِنْهُ إِلَّا إِلَيْهِ، لَا حَوْل وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَا مَانِع لِمَا أَعْطَى، وَلَا مُعْطِي لِمَا مَنَعَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اَللَّهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمِنْ اِتَّبَعَ سُنَّتَهُ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ اَلدِّينِ، أَمَّا بعْد:
فَاتَّقُوُا اَللَّه عِبَادَ اَللَّهِ، فَمَنْ اِتَّقَىَ اَللَّهَ يُغْبِنُ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ اَلنَّاسِ، فَاحْذَرُوا أَنْ تَكُونُوا مِنْ اَلْمَغْبُونِينَ اَلْخَاسِرِينَ اَلْمُضَيِّعِينَ لِهَذِهِ اَلنِّعْمَةِ قَالَ اَلنَّبِيُّ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي اَلصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ اِبْنِ عَبَّاسٍ: «نِعمتانِ مَغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناسِ: الصِّحَّةُ والفَراغُ» البخاري (6412).
وَإِنْ مِنْ اَلْغَبْنِ فِي اَلصِّحَّةِ َألَّا تَشْكُرَ مَنْ أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْكَ، فَلَا تَغْفُلُوا أَيُّهَا اَلنَّاسُ عَنْ هَذِهِ اَلنِّعْمَةِ، فَالصِّحَّةُ غِنَى اَلْجَسَدِ وَهِيَ:" المُلكُ الخَفي" كما قيل أخرجه ابن أبي الدنيا في الشكر (122) عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبهٍ، قَالَ: (مَكْتُوب فِي حُكْمِهِ آلَ دَاوُدْ ،
وَكَمَّ مِنْ نِعْمَةٍ لِلَّهِ عَلَيْنَا فِي عِرْقٍ سَاكِنٍ مِنْ اَلْأَلَمِ سَالِمٍ مِنْ اَلْوَجَعِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَعْرِفُ اَلْمُعَافَى قَدْرَ نِعْمَةِ اَلصِّحَّةِ حَتَّى يُصَابَ، فَإِنَّمَا يَعْرِفُ قَدْرَ اَلنِّعَمِ بِمُقَاسَاةِ أَضْدَادِهَا، فَبِالْمَرَضِ يُعْرَفُ قَدْرُ اَلصِّحَّةِ، وَبِالْخَوْفِ يُعْرَفُ قَدْرُ اَلْأَمْنِ وَقَدَّرُ كُلِّ نِعْمَةٍ يُعْرَفُ بِمُقَابِلِهَا، وَهَكَذَا تُعْرَفُ اَلْأُمُورُ بِأَضْدَادِهَا؛ فَالضِّدُّ يُظْهِرُ حُسْنَهُ اَلضِّدُّ وَبِضِدِّهِ تَتَمَيَّزُ اَلْأَشْيَاءُ.
أَيُّهَا اَلنَّاسُ: لَكُمْ فِيمَا أَنْتُمْ فِيهِ مَعَ هَذَا اَلْوَبَاءِ اَلْعَرِيضِ عِبْرَةٌ وَعِظَةٌ, لَكُمْ فِيهِ عِبْرَةٌ وَعِظَاتٌ، فَانْظُرُوا كَيْفَ كُنْتُمْ قَبْل هَذَا اَلْوَبَاءِ اَلَّذِي عَمَّ اَلْأَرْضَ، وَكَيْفَ صِرْتُمْ بَعْدَهُ وَبَاءٌ فَرَّقَ اَلْأَحْيَاءَ وَبَاعَدَ اَلْأَحِبَّاءَ وَحَيَّرَ اَلْأَطِبَّاءَ وَطَرِقَ بَابَ اَلْفُقَرَاءِ وَالْأَغْنِيَاءِ، خَافَهُ اَلْمَرْضَى وَالْأَصِحَّاءُ.
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ مِنْ نِعْمَةِ اَللَّهِ عَلَيْنَا فِي هَذِهِ اَلْبِلَادِ اَلسُّعُودِيَّةِ اَلْمُبَارَكَةِ أَنَّ اَللَّهَ تَعَالَى وَفَّقَ وُلَاةَ اَلْأَمْرِ فِيهَا إِلَى جَمِيلِ اَلتَّعَامُلِ مَعَ هَذِهِ اَلْجَائِحَةِ اَلْوَبَائِيَّةِ اَلَّتِي أَفْزَعَتْ اَلْعَالَمَ وَعَثَّرَتْ مَعَاشَهُمْ وَاقْتِصَادَهُمْ.
فَمُنْذُ ظُهُورِ هَذَا اَلْوَبَاءِ بَادَرَتْ اَلْجِهَاتُ اَلصِّحِّيَّةُ فِي بِلَادِنَا إِلَى أَخْذِ أَسْبَابِ اَلْوِقَايَةِ وَالِاحْتِرَازِ مِنْ اِنْتِشَارِ هَذَا اَلْوَبَاءِ، سَارَعَتْ إِلَى مُعَالَجَةِ وَمُدَاوَاةِ مَنْ نَزَلَ بِهِمُ اَلْوَبَاءُ سَخَّرَتْ جَمِيعَ اَلْإِمْكَانَاتِ فِي مُحَاصَرَةِ هَذَا اَلدَّاءَ وَعَدَمِ اِنْتِشَارِهِ وَقَدْ تَبَوَّأْتْ بِلَادُنَا وَلِلَّهِ اَلْحَمْدُ فِي اَلسَّبْقِ وَالرِّيَادَةِ اَلتَّعَامُلَ مَعَ هَذِهِ اَلجَائِحَةِ وِقَايَةً وَمُعَالَجَةً وَلَا غَرْوَ؛ فَقَدْ سَخَّرَتْ هَذِهِ اَلبِلَادُ جَمِيعَ إِمْكَانَاتِهَا فِي اَلْحِفَاظِ عَلَى اَلْبِلَادِ وَأَهْلِهَا مِنْ هَذَا اَلْوَبَاءِ صِحِّيًّا وَاقْتِصَادِيًّا وَاجْتِمَاعِيًّا بِتَوْجِيهٍ مِنْ اَلْقِيَادَةِ وَالْمُتَابَعَةِ؛ فَجَزى اَللَّهُ خَيْرًا كُلَّ مَنْ سَاهَمَ فِي هَذِهِ اَلنَّجَاحَاتِ، وَلَا زَالَ اَلْجُهْدُ مَبْذُولاً وَلِلَّهِ اَلْحَمْدُ مُتَوَاصِلاً بِعَزْمٍ وَمضَاءٍ وَسَبَقٍ وَسَخَاءٍ لِمُوَاجَهَةِ هَذِهِ اَلْجَائِحَةِ وَوِقَايَةِ اَلنَّاسِ مِنْ اَلْإِصَابَةِ بِهَا، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ اَلْمُبَادَرَةِ إِلَى تَوْفِيرِ اَللَّقَاحِ اَلْوَاقِي مِنْ اَلْإِصَابَةِ بِهَذَا اَلدَّاءِ وَبَذْلِهِ لِعُمُومِ اَلنَّاسِ مِنْ اَلْمُوَاطِنِينَ وَالْمُقِيمِينَ وَتَوْفِيرِهِ لِلْجَمِيعِ؛ فَجَزَى اَللَّهُ قِيَادَتَنَا خَيْرًا وَبَارَكَ فِي جُهُودِهِمْ وَأَخْلَفَ عَلَى بِلَادِنَا كُلَّ خَيْرٍ، وَأَحْسَنَ لَنَا جَمِيعًا اَلْعَاقِبَةَ، وَأَسْبَغَ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلِهِ اَلصِّحَّةَ وَالعَافِيَةَ، وَعَمَّ بِفَضْلِهِ اَلْبِلَادَ وَالْعِبَادَ بِرَفْعِ اَلْوَبَاءِ، عَمَّ بِذَلِكَ اَلْبَشَرَ؛ فَإِنَّهُ بِفَضْلِهِ وَكَرَمِهِ أَنْزَلَهُ وَهُوَ اَلْقَادِرُ عَلَى دَفْعِهِ وَرَفْعِهِ.
اَللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ أَنْتَ أَخْذٌ بِنَاصِيَتِهِ، نَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ اَلْأَسْقَامِ وَمِنْ مُنْكَرَاتِ اَلْأَخْلَاقِ وَالْأَهْوَاءِ وَالْأَدْوَاءِ رَبَّنَا اِصْرِفْ عَنَّا كُلَّ سُوءٍ وَشَرٍّ يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: تَلَقَّوْا مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا اَلْوَبَاءِ وَمُوَاجَهَتِهِ مِنْ جِهَاتٍ مُخْتَصَّةٍ مَوْثُوقَةٍ فِي بِلَادِكُمْ، وَإِيَّاكُمْ وَالسَّمَاعَ لِلْإِشَاعَاتِ وَنَحْوِهَا اَلَّتِي لَا تَصْدُرُ عَنْ جِهَاتٍ مُعْتَمَدَةٍ بَلْ اِعْتَمَدُوا فِي ذَلِكَ اَلْأُمَنَاءَ اَلَّذِينَ اِئْتَمَنَهُمْ وَلِيُّ اَلْأَمْرِ عَلَى صِحَّةِ اَلْعِبَادِ.
فَنَسْأَلُ اَللَّهَ أَنْ يَدْفَعَ عَنَّا وَعَنْكُمْ كُلَّ سُوءٍ، وَأَنْ يَحْفَظَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، وَأَنْ يُقِرَّ أَعْيُنَنَا بِالْعَافِيَةِ وَالصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ لَنَا وَلْأَهْلِينَا وَأَحْبَابِنا وَبِلَادِنَا وَعُمُومِ اَلْمُسْلِمِينَ.
اَللَّهُمَّ أمِّنا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلَحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَاجْعَلْ وِلَايَتَنَا فِيمَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ يَا رَبَّ اَلعَالَمَينِ، اَللَّهُمَّ وَفِّق وَلِيِّ أَمْرِنَا خَادِمَ اَلْحَرَمَيْنِ اَلشَّرِيفَيْنِ وَوَلِيِّ عَهْدِهِ إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ إِلَى اَلْبَرِّ وَالتَّقْوَى، سَدِّدَهُمْ فِي اَلْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، اَللَّهُمَّ عُمَّ اَلْخَيرَ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ اَلْمُسْلِمِينَ، وَادْفَعْ عَنَّا كُلَّ سُوءٍ وَشَرٍّ يَا رَبَّ اَلْعَالَمَينِ، اِغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا اَلَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غَلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيم.
صَلَّوْا عَلَى نَبِيِّكُمْ مُحَمَّد صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيْهِ فِي هَذَا اَلْيَوْمِ اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيَتْ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.