فقد نقل النووي ـ رحمه الله ـ حديثين:
الأول منهما: حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدهِ ـ رضي الله عنه ـ قَالَ: قَالَ رَسُول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ((مُرُوا أوْلادَكُمْ بِالصَّلاةِ وَهُمْ أبْنَاءُ سَبْعِ سِنينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ في المضَاجِعِ)) قال: حديث حسن رواه أَبُو داود بإسناد حسن.حديث رقم (495)
وفي المعنى أيضًا الحديث الثاني: وهو حديث سَبْرَةَ بن معبدٍ الجُهَنِيِّ ـ رضي الله عنه ـ قَالَ: قَالَ رَسُول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ((عَلِّمُوا الصَّبِيَّ الصَّلاةَ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ)) حديث حسن رواه أَبُو داود والترمذي، وَقالَ: حديث حسن.أبو داود (494)، والترمذي (407).
هذان الحديثان مختلفان فيهما بيان حق الأولاد على أبيهم وعلى من يتولاهم سواء كان أباًأو أمًا أو جدًا أو قيمًا أو وصيًا أو أخًا فجميع من تولى الصبيان مأمورين بهذا الأمر الذي تضمنه هذا الحديث وهو دائر على تأكيد أصل العبادات العملية وأهمها وهي الصلاة وعلى وقاية الصغار كلما يمكن أن يكون من أسباب الشر والضرر والفساد.
فقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "مروا أبنائكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين" الأولاد يشمل الذكور والإناث، فالولد هو من تولد على الإنسان ذكرًا أو أنثى خلاف لما شاع في الاستعمال من ذكر الولد في حق الابن الذكر دون الأنثى، فهذا خلاف الاستعمال الصحيح لغة وشرعًا.
قال الله ـ تعالى ـ: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ﴾[النساء: 11] فالأولاد هم كل من تولد وتفرع الإنسان من ذكر أو أنثى.
فقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "مروا أولادكم بالصلاة" ذكورًا وإناثًا، والصلاة المقصود بها هنا الصلاة المفروضة وهي الخمس المكتوبات وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "وهم أبناء سبع سنين" يعني إذا تم لأحدهم هذا القدر من السنوات، والسبب في ذلك أن ابن سبع سنين يدرك الخطاب ويفهم الجواب ويتأهل للقيام بما يفرض عليه ويأمر به فأمره وهو ابن سبع سنين تربية وتأديب وتهيئة لتحمل الفرائض والواجبات.
وخص الصلاة بالأمر؛ لأنها رأس العبادات المفروضة، وهي أهمها إذ إن الركن الأول من الأركان العملية تلي الشهادتين، فهي أول الواجبات وفرضها من أكد الفروض، ولذلك أكثر نصوص في الكتاب والسنة في شأن الصلاة أمرًا وحثًا وترغيبًا وبيانًا للأجر والمثوبة ونهيًا عن الإضاعة وبيان عقوبة المضيعين لها ما جاء في عبادة من العبادات كما جاء في شأن الصلاة من التأكيد والبيان لأحكامها وأهميتها.
لذلك أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من تولى صبيًا أو ولد صغيرًا أن يبادر إلى أمره بالصلاة منذ هذا السن، وهو أيضًا إشارة إلى العناية به فيما يتعلق بالمأمورات الشرعية من هذا السن.
ولذلك ألحق بعض أهل العلم الصوم فقالوا: يأمر بالصوم لسبع سنين، والصواب أن الشأن في الصلاة ابتداء، وأما الصوم فلأنه يحتاج إلى قوة البدن فإنه يأمر به إذا قوي على ذلك قبل البلوغ، سواء كان في السبع أو في الثمان أو غير ذلك فيلحق بها سواها، لكن هو تنبيه إلى العناية بالصغار بتعويدهم على الصلاح والطاعة منذ هذا السن وهو سن العقل فما أطاقوه أمروا به.
وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "واضربوهم عليها لعشر" أي إذا تم لهم عشر سنين فهذه المدة مدة ثلاث سنوات كلها أمر بلا تأديب وتعنيف أو عقوبة، لكن إذا بلغ عشرًا وفرط في أمر الصلاة وشأنها سواء كان ذلك تفريطًا في الصلاة نفسها بإقامتها أو تفريطًا فيما يجب لها، لأن الأمر في الصلاة أمر بما يجب للصلاة من الطهارة والستارة ونحو ذلك.
فإذا فرط في الصلاة أو ما يجب لها وهو ابن عشر، فإنه ينتقل من الأمر إلى التأديب وهو نوع من العقوبة، هل هذا يدل على أن الصلاة واجبة على الصبي؟ للعلماء في ذلك قولان وعامة العلماء على أنها لا تجب عليه، إنما عقوبته تأديبًا له وليس لأنه إثم بتركها ويعاقب لأجل أن يتهيأ ويعتاد لقرب العشر من الاحتلام ولاحتماله التأديب بالعقوبة التي تناسب من الضرب الذي لا يكون مؤلمًا ولا يكون مبرحًا إنما يكون مؤدبًا موجهًا.
وقوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ: "وفرقوا بينهم في المضاجع" أي في مكان النوم فلا ينام اثنان من أبناء العشر في مضجع واحد أي في فراش واحد إذا اختلف الجنس بأن كان ذكرا وأنثي، وقال بعض أهل العلم بل حتى إذا اتفق الجنس، إلا أن يكون كل واحد منهما منعزل عن الآخر انعزال تامًا ولو كانا في فراش واحد، وذلك صيانة لهم مما يمكن أن يكون من أسباب الفساد، فإن العشر يكون فيه ابن العشر قد تهيأ للشهوة ومعرفتها وإدراكها فقطعًا لمادة الفساد نهى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن ينام في مضجع واحد وقال: وفرقوا بينهم في المضاجع والمضجع هو موضع النوم.
والتفريق في المضجع يشير إلى العناية بحفظ العورات وصيانتها ووقايتها مما يمكن أن يكون مثيرًا لشهوة أو فساد يمكن أن يقع، وهذا الحديث والحديث الآخر في معناه في قوله: علموا الصبي والمقصود بالصبي الصغير من الولد ذكرًا أو أنثى لسبع سنين واضربوه عليها ابن عشر سنين فهو في معنى الحديث السابق وهذان الحديثان فيهما جملة من الفوائد من فوائد الحديث؛
وجوب العناية بالأولاد فيما يصلح دينهم ويحفظهم من الشرور.
وفيه أنه يؤمر بكل ما يكون مصلحًا لدينه ومصلحًا لدنياه من السن الذي يعقل فيه وهو ابن سبع سنين؛ لأنه سن التمييز والتفريق والمعرفة بين الخير والشر ومعرفة الضار والنافع.
ويعاقب على ذلك بما يزجره عن ترك ما ينفعه إذا كان ذلك لا يتحقق إلا بالضرب في قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "واضربوهم عليها لعشر" وفيه أنه يصان عن كل ما يمكن أن يكون سببًا لفساده فإن من حق الأولاد أن يصونهم أبوهم وأمهم ومن يتولاهم ممن له أمر عليهم أن يصونهم من الفساد لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "وفرقوا بينهم في المضاجع".
في الحديث جمع التوجيه إلى أمرهم بما يصلحهم ونهيهم عن كل ما يمكن أن يفسدهم، وهذا ما جاء به القرآن في قوله: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾[طه: 132] وفي قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾[التحريم: 6] فمن تولى أحدًا فإنه مأمور بأن يحمله على كل بر وأن يصونه وأن يبعده عن كل نهي وشر.
وفيه من الفوائد أيضًا أن سن التمييز الذي يأمر به الإنسان بما ينفعه سبع سنين، وأنه يكتمل التمييز بالعشر وفيه أيضًا من الفوائد أنه ينبغي الاحتياط في شأن ما يمكن أن يكون من أسباب الفساد حتى ولو لم توجد أسبابه الكاملة فابن عشر قد لا يكون بالغًا ولا تكون له شهوة، لكن احتمالية البلوغ واردة ولذلك أمر بالتفريق في المضاجع.
هذه بعض الأحكام المتعلقة بهذا أو بعض الفوائد المتعلقة بهذا الحديث، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وأعنا بالقيام بالأمانة وصيانة أهلينا عن كل شر وفساد وأمرهم بكل خير وصلاح وصلى الله وسلم على نبينا محمد.