اَلْحَمْدُ لِلَّهِ حَمَدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، وَأَشْهَدُ أَن ْلَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اَللَّهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمِنْ اِتَّبَعَ سُنَّتَهُ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ اَلدِّينِ، أَمَّا بَعْد:
فَاتُّقُوا اَللَّه عِبَادَ اَللَّهِ، اِتَّقَوْا اَللَّهَ تَعَالَى حَقَّ اَلتَّقْوَى؛ فَتَقْوَاهُ تَجْلِبُ كُلَّ خَيْرٍ وَتَدْفَعُ كُلُّ شَرٍّ، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًاوَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق: 2-3].
أَيُّهَا اَلنَّاسُ عِبَادَ اَللَّهِ، إِنَّ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتْرُكْ خَيْرًا إِلَّا دَلَّنَا عَلَيْهِ، وَلَا شَرًّا إِلَّا حَذَّرْنَا مِنْهُ، فَمِنْ اِتَّقَى اَللَّهَ تَعَالَى لَزِمَ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ اَلْهُدَى وَدِينِ اَلْحَقِّ، وَجَانَبَ مَا نَهَى عَنْهُ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ اَلشَّرِّ وَالرَّدَى.
وَقَدْ أَوْصَى –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِوَصَايَا جَامِعَةٍ وَمِنْهَا قَوْلُهُ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اتَّقِ اللهَ حيثما كنتَ وأتبِعِ السَّيِّئةَ الحسنةَ تمْحُها وخالِقِ النَّاسَ بخُلقٍ حَسنٍ» الترمذي(1987)، وَقَالَ: (حَسَنْ صَحِيحٌ) . فَهَذِهِ اَلْوَصَايَا اَلثَّلَاثُ تَجْمَعُ لِلْإِنْسَانِ صَلَاحَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، وَمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اَلْخَلقِ؛ فَاتَّقِ اَللَّهَ حَيْثُمَا كُنْت أَيْ رَاقِبْهُ –جَلَّ وَعَلَا- وَقُمْ بِحَقِّهِ أَيْنَمَا كُنْتَ، وَفِي أَيْ حَالٍ كُنْت فَإِنَّ ذَلِكَ يَجْلِبُ لَكَ اَلْقِيَامَ بِحَقِّهِ وَيَحْمِلُكَ عَلَى تَرْكِ كُلِّ مَا نَهَى عَنْهُ وَزَجْر.
وَلَابُد لِلْإِنْسَانِ مِنْ هَفْوَةٍ أَوْ قُصُورٍ أَوْ تَقْصِيرٍ يُعَالِجُ ذَلِكَ بَالْأَوبَة وَالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: «وأتبِعِ السَّيِّئةَ الحسنةَ تمْحُها» الترمذي(1987)، وقال: (حسن صحيح) .
فَإِذَا وَقَعَ اَلْإِنْسَانُ فِي سَيِّئَةٍ مِنْ اَلْقَوْلِ أَوْ اَلْعَمَلِ مِنْ اَلظَّاهِرِ أَوْ اَلْبَاطِنِ شَرَعَ لَهُ أَنْ يَتْبَعَ ذَلِكَ بِالْحَسَنَةِ اَلَّتِي تَمْحُو ذَلِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ [هود: 114].
وَأَعْظَمُ اَلْحَسَنَاتِ اَلتَّوْبَةُ إِلَى اَللَّهِ –عَزَّ وَجَلَّ-؛ فَإِنَّهَا تَمْحُو كُلَّ سَيِّئَةٍ وَالتَّوْبَةُ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبَلَهَا.
اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ اُرْزُقْنَا تَقَوَّاكَ فِي اَلسِّرِّ وَالْعَلَنِ وَالْقِيَامِ بِحَقِّكَ يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، أَقُولُ هَذَا اَلْقَوْلَ وَأَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ اَلْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفَرُوهُ إِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُورُ اَلرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ حَمَدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اَللَّهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمِنْ اِتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ اَلدِّينِ، أَمَّا بَعْد:
فَاتُّقُوا اَللَّه عِبَادَ اَللَّهِ؛ فَإِنَّ صَلَاحَ مَا بَيْنَ اَلْعَبْدِ وَبَيْنَ رَبِّهِ لَا يَتِمُّ لِأَحَدٍ حَتَّى يَصْلُحَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اَلْخَلقِ، وَلِذَلِكَ قَالَ اَلنَّبِيُّ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي وَصِيَّتِهِ «وخالِقِ النَّاسَ بخُلقٍ حَسنٍ» الترمذي(1987)، وقال:(حسن صحيح) .
أَيْ عَامِلِهِمْ بِأَخْلَاقِ حَسَنَةٍ وَخِصَالٍ كَرِيمَةٍ وَمُعَامَلَةِ طَيِّبَةٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَتَحَقَّقُ بِهِ مَا أَمَرَ بِهِ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ مُخَالَقَةِ اَلنَّاسِ بِخُلُقٍ حَسَن، وَذَاكَ بِبَذْلِ كُلِّ إِحْسَانٍ إِلَيْهِمْ وَكَفِّ كُلِّ شَرٍّ عَنْهُمْ.
فَإِنَّ اَلْخُلُقَ اَلْحَسَنَ يَقُومُ عَلَى هَذَيْنِ اَلْأَمْرَيْنِ؛ بَذْلِ اَلْإِحْسَانِ، وَكَفَّ اَلْإِسَاءَةِ وَالْأَذَى، وَمِنْ يَتَّقِي اَللَّهُ يُوَفَّقْ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ وَيُلْهِمْ اَلرُّشْدَ؛ فَإِنَّهُ قَدْ قَالَ اَللَّهُ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾[العنكبوت: 69] .
فَاحْفَظُوا هَذِهِ اَلْوَصِيَّةَ اَلنَّبَوِيَّةَ وَاعْمَلُوا بِهَا فِي أَنْفُسِكُمْ فِي خَاصَّتِكُمْ وَفِي مُعَامَلَتِكُمْ لِكُلِّ مَنْ تُعَامِلُونَ عَامَلُوا اَللَّهَ بِالتَّقْوَى وَأَتْبَعُوا كُل قُصُورٍ أَوْ تَقْصِيرٍ بِتَوْبَةٍ وَاسْتِغْفَارٍ، وخَالْقُوا اَلنَّاسَ بِطَيبِ اَلْأَخْلَاقِ وَكَرِيمِ اَلشِّيَمِ وَالْخِصَالِ وَأَبْشِرُوا بِالْفَوْزِ عِنْدَ اَلْعَزِيزِ اَلْغَفَّار.
اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، اَللَّهُمَّ أمِّنا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلَحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَاجْعَلْ وِلَايَتَنَا فِيمَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ يَا رَبَّ اَلْعَالَمَيْنِ.
اَللَّهُمَّ أَحْسَن عَاقِبَتِنَا فِي اَلْأُمُورِ كُلِّهَا، اَللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيِّ أَمْرِنَا خَادِمَ اَلْحَرَمَيْنِ اَلشَّرِيفَيْنِ وَوَلِيِّ عَهْدِهِ إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ إِلَى اَلْبَرِّ وَالتَّقْوَى يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، اَللَّهُمَّ زَيَّنَا بِزِينَةِ اَلْإِيمَانِ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ وَاصْرِفْ عَنَّا اَلسُّوءَ وَالشَّرَّ يَا رَبَّ اَلْعَالَمَيْنِ.
﴿رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ [آل عمران: 8]، اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد كَمَا صَلَّيَت عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.